فلسطين

الجمعة 06 أكتوبر 2023 6:57 مساءً - بتوقيت القدس

سبسطية.. إرث حضاري عريق يهدده التهويد وينهشه الاستيطان

نابلس ـ"القدس" دوت كوم- وفاء أبو ترابي

 لا تزال بلدة سبسطية الأثرية، شمال غرب نابلس، تتمسك بجذورها التاريخية وعبق التاريخ الممتد عبر الحضارات التي تزاحمت فيها منذ آلافا السنين، مخلفة بصمات مميزة تدل عليها تلك الأعمدة الحجرية المتبقية بتيجانها الجميلة، وتلك القصور والأبراج ودور العبادة المختلفة.


وسبسطية التي كانت بمثابة "عاصمة الرومان الفلسطينية"، باتت اليوم تتعرض لهجمة شرسة تستهدف تهويدها والسيطرة عليها بقرارات عنصرية ومخططات استيطانية رغم عدم توصل الاحتلال إلى أية دلائل تثبت روايته الدينية والتاريخية فيها.


ويقول رئيس بلدية سبسطية، محمد عازم، في حديث لـ"القدس" دوت كوم: "بلدتنا تحفظ تاريخاً عريقاً يقدّر عمره بحوالي خمسة آلاف عام حتى يومنا هذا، واحتضنت عبره حقباً دينية وزمنية مختلفة، ما يجعلها وجهة سياحية نشطة في عصرنا الحالي، فيجوبها العديد من السياح من مختلف دول العالم، وهذا إلى جانب السياحة المحلية أيضاً".


إلا أن هذا الإرث التاريخي والثقافي أصبح مهدداً بالسرقة والتهويد –وفق عازم- وذلك في ظل تصاعد وتيرة المشاريع الاستيطانية في الضفة الغربية بالتزامن مع قدوم الحكومة اليمينية المتطرفة، حيث بدأت ملامح العدوان على البلدة تتزايد بشكل ملحوظ، فيما صارت تتضح يوماً بعد يوم معالمُ مخططات العصابات الاستيطانية التي تحكم مستوطنات الضفة الغربية.


ولذلك يفرض الاحتلال العديد من القيود على اهالي البلدة واصحاب المحال التجارية والمنشآت السياحية، بهدف تأمين اقتحامات المستوطنين الأسبوعية للموقع الأثري فيما تتصاعد حدة هذه الاقتحامات بالتزامن مع الأعياد اليهودية ما يساعد في تكريس سيطرتهم على المنطقة ويجعلها أمراً واقعاً.


ويضيف عازم: "كما تشهد سبسطية حالة من التوتر وعدم الاستقرار أثناء كل اقتحام، حيث يغلق جيش الاحتلال حاجز مستوطنة "شافي شمرون" المقامة على أراضي البلدة والقرى المجاورة وكذلك جميع الطرق المؤدية للموقع الأثري، وهذا ما يعرقل المواطنين عن ممارسة أعمالهم اليومية، كما يُعرّض حياتهم للخطر نتيجة اطلاق الرصاص وقنابل الغاز المسيل للدموع اتجاههم بكثافة".


ويخضع قسم من أراضي البلدة التي تبلغ مساحتها الإجمالية 5200 دونم، للسيطرة الادارية والأمنية الإسرائيلية ضمن تصنيف (ج) وفق اتفاقية أوسلو، وبحكم ذلك أصبح ما يقارب 60% من المواقع الأثرية ضمن هذا التصنيف، ما يسهل على الاحتلال استيلاء عليها ويجعلها عرضة للصوص الآثار، بينما يقع ما تبقى من هذه المساحة ضمن تصنيف (ب)، بحسب ما قاله عازم.


وصارت بلدة سبسطية التاريخية في مرمى استهداف أضخم مشروع استيطاني وتهويدي لموقعها الأثري، حيث تواجه خطوات تنفيذه بعد رصد حكومة الاحتلال مبلغاً يصل إلى 32 مليون شيكل من أجل إقامة بؤرة استيطانية ذات طابع سياحي، تابعة لمجلس المستوطنات في الضفة الغربية، وبالتالي تهويد المواقع الأثرية وتزييف التاريخ والحضارة فيها.


ويعلّق عازم: "وشمل هذا المخطط تنفيذ حملة دعائية بمشاركة وزراء إسرائيليين، وذلك لإقناع الأجيال التي تنشأ حالياً داخل المستوطنات بأن كل هذا التاريخ يعود لليهود، وتشجيع المستوطنين على المشاركة في الاقتحامات للموقع، وكذلك جذب السياح الأجانب بزعم أن هذه المنطقة كانت قرية يهودية خلال فترة الهيكل الثاني".


وأشار إلى أن هذا المشروع لا يمكن فصله عن كافة المخططات الاستيطانية التي تسعى إلى قطع التواصل الجغرافي بين محافظتي نابلس وجنين شمال الضفة الغربية وإحكام السيطرة على الطريق الوحيد بين المحافظتين، لا سيما من خلال قرار شرعنة العودة إلى مستوطنة "حومش" المخلاة، الذي يعزز الترابط الجغرافي بين الموقعين وإقامة العديد من البؤر الاستيطانية على حساب مساحات شاسعة من أراضي الفلسطينيين في قريتي سبسطية وبرقة.


وتستقبل البلدة العديد من السياح الأجانب يومياً إلى جانب الفلسطينيين من مختلف المحافظات الذين يزورون موقعها الأثري، حيث أوضح عازم: "وإذا ما نجح هذا المشروع ستفقد عشرات العائلات في سبسطية والتي تعتمد على المنشآت السياحية والتجارية مصادر رزقها، كما أن اعداد السياح قد تراجعت في الآونة الأخيرة نتيجة تخوفهم من اعتداءات جيش الاحتلال ومستوطنيه واقتحاماتهم المتكررة للموقع الأثري".


وتابع: "الاحتلال من خلال هذه الاقتحامات يمنع المجلس البلدي من القيام بمهامه في تطوير السياحة بالبلدة والحفاظ على المنطقة الأثرية وترميم آثارها وصيانتها وتنظيفها، فيما يعرضه للملاحقة ويفرض عليه غرامات مالية فضلاً عن التهديد بالاعتقال والضرب في حال القيام بذلك".

ويمهد الاحتلال الطريق امام لصوص الآثار –بحسب عازم-، الذين يقومون بالنبش داخل المنطقة الاثرية ويسرقون ما فيها من قطع والموجودات قديمة ويبيعونها للإسرائيليين مقابل مبالغ زهيدة جداً، بينما يمنع الأمن الفلسطيني من ملاحقة هؤلاء السارقين بحجة وقوع المنطقة ضمن تصنيف (ج).


ويستطرد مشدداً على خطورة هذا المشروع الاستيطاني والتهويدي، قائلاً: "حينما يُحكم الاحتلال قبضته على الموقع الأثري فإنه تلقائياً سيسيطر على جميع المساحات الزراعية المحيطة به رغم امتلاك أصحابها أوراق ثبوتية فيها، وبالتالي سيمنعهم من الوصول إلى أراضيهم لخدمتها والاعتناء بأشجارها".


أردف رئيس المجلس البلدي: "ونتيجة لذلك أصبحت بلدتنا تقف أمام تحدٍ كبير من أجل المحافظة على تراثها الحضاري، وهذا يتطلب تدخل مؤسسات المجتمع الدولي وعلى رأسها الاتحاد الاوروبي ووزارة الخارجية الامريكية وأن يكون لها موقف واضح وصريح بالضغط على الاحتلال وإلزامه بالتوقف عن تنفيذ مشروعه التهويدي وعدم العبث والتزوير في التاريخ الذي تحتضنه بلدة سبسطية الأثرية.


ويدعو جميع الجهات الرسمية إلى ضرورة مساندة البلدة وعدم تركها وحيدة تقاوم هذا المشروع الاستيطاني الذي يحاول سلب معالمها الأثرية الشاهدة على كنعانية الأرض الفلسطينية، مطالباً بتوفير كل مقومات الصمود التي تمكّن الأهالي من الدفاع عن بلدتهم وحماية آثارها القديمة من خطر الاستيطان.


ويلفت، عازم، إلى أن البلدية تسعى دائماً لإقامة العديد من الفعاليات والمهرجانات الوطنية التي تجذب السياحة المحلية ما يساعد كثيراً في دعم صمود الأهالي والمستثمرين في القطاع السياحي، متيقناً بأن الزائر الفلسطيني يرغب بزيارة سبسطية دون هذه العوائق الاحتلالية، داعياً الفلسطينيين كافة والمؤسسات المختلفة إلى التوجه إلى هذا المتحف الأثري الكبير الذي تحويه البلدة منذ آلاف السنين.


ويُذكر أن بلدة سبسطية إلى جانب شهرتها السياحية المكتسبة من التراث الحضاري المتعاقب عليها، فهي تشتهر أيضاً بالزيتون الروماني و"المشمش السبسطاوي" الذي يغطي معظم الأسواق المحلية، وذلك لازدياد الطلب عليه خلال موسم قِطافه، عدا عن تواجد العديد من المؤسسات التعليمية والثقافية والمراكز الخدماتية التي بات مهددة أيضاً بالاستيطان الذي يهاجمها.

دلالات

شارك برأيك

سبسطية.. إرث حضاري عريق يهدده التهويد وينهشه الاستيطان

المزيد في فلسطين

أسعار العملات

الإثنين 20 مايو 2024 10:57 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.73

شراء 3.72

دينار / شيكل

بيع 5.31

شراء 5.29

يورو / شيكل

بيع 4.07

شراء 4.02

بعد سبعة أشهر، هل اقتربت إسرائيل من القضاء على حماس؟

%9

%91

(مجموع المصوتين 104)

القدس حالة الطقس