أقلام وأراء

الإثنين 12 يونيو 2023 10:10 صباحًا - بتوقيت القدس

إلى روح وليد صليبي .. عهد ووعد

جرى نقاش مع إخوتي في مجموعتنا المقاومة التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية في العام 1969 حول موقفي بعدم استهداف المدنيين الإسرائيليين خلال مقاومتنا للآلة الحربية الإسرائيلية التي احتلت مزيدا من وطننا، وفرضت القوانين العسكرية، وسيطرت على مياهنا وعرقلت وأربكت حياتنا اليومية، ولما فشلت في إقناعهم بعدم استهداف المدنيين الإسرائيليين لتمسكهم برأيهم القاضي بعدم وجود مدنيين إسرائيليين لأن كل إسرائيلي –حسب رأيهم- هو عسكري في إجازة. فوجدت نفسي أؤكد موقفي قائلا:" إذن لن نستهدف العسكريين المجازين). كنت في العام 1969 شابا في مقتبل العمر أعيش في مدينة نابلس التي كان مضى على احتلالها ما يناهز سنتين، ولم أسمع بعد عن غاندي ولا تولستوي ولا مارتن لوثر كنج ولا بالراحل الكبير وليد صليبي ورفيقة دربه الدكتورة أوغاريت يونان، ولا أي من المفكرين اللاعنفيين من كافة الأعراق والأديان وفي مقدمتهم الشيخ الأزهري المفكر جودت سعيد.


ولدى دعوتي إلى لبنان في العام 2004 للتدرب على اللاعنف مع متدربين من مصر وسوريا والعراق ولبنان والأردن، شاركت في محاضرات وتدريبات عميقة وغنية، ومع ذلك بقيت كلمة (لاعنف) غير مستوعبة بالقدر الكافي لدي، وفضلت استخدام ما وجدته في حينه مصطلحا أفضل وهو (المقاومة المثمرة). 


بقيت أمام عالم كنت أجهل أعماقه وتفصيلاته وكثير من الحقائق التي خطط لها وأشرف على تنفيذها الراحل الكبير وليد صليبي. ولم تبق العلاقة الطيبة معه علاقة التلميذ بالأستاذ، لأن روحه وشخصيته الودودة المؤثرة الجذابة جعلت من علاقته مع أوساط كثيرة ومتنوعة علاقة صديق ورفيق درب، وأصبحت مقاومة اللاعنف مكونا أساسيا من مكونات شخصيتي وتفكيري مما جعلني أدرك بدرجة أعمق الأهمية البالغة لانتفاضة العام 1987، والتي تواصلت بقوة ووعي وعنفوان لعدة أعوام قبل نجاح المحتلين في عسكرتها وحرفها عن مسارها.


بدأ وليد صليبي الدراسة في لبنان بتخصص الهندسة المدنية وشق طريق الدراسات العليا بدراسة الفيزياء والاقتصاد السياسي في فرنسا، عاش مناضلا من أجل العمال والنقابات والفقراء وكل القضايا العادلة في العالم وعلى رأسها القضية الفلسطينية التي خصص لها كتابا بعنوان" نعم للمقاومة لا للعنف"، واختار الطريق الأصعب بعيدا عن المناصب والمسميات التي كان ليحصل عليها بكل سهولة لو أرادها، لتكون حياته كلها تعبير عن رؤيته للحياة وانتمائه للإنسانية، إلى أن توّج نضالاته في تأسيس جامعة اللاعنف وحقوق الإنسان "أونور" في لبنان في العام 2014، لإحداث إصلاح في تفكير وقيم وسلوك طليعة من النساء والرجال الذين أدركوا خطورة الطائفية والعنف والإذعان، لأن اللاعنف يعني أولا "لا" كبيرة لعنف الاحتلال والطاغية ومشعلي الحروب ولا ثانية ضد طغيان النفس البشرية، حيث يقول مفكرنا الكبير:" فيما قد يستخدم كل من العنف واللاعنف في مواجهة طغيان الآخرين، وحده اللاعنف يستطيع مواجهة طغيان الذات". وهذه الحكمة رددتها عشرات المرات خلال خطبي في المساجد لقناعتي أن رسالة الدين لا تتوقف عند حدود الصدق والأمانة والزهد والتواضع فقط، لأن لها مكونات أساسية أخرى كالوعي والمعرفة والحكمة وسعة الأفق ويجب أن تكون وقودا لمواجهة الاحتلال والفساد والآفات الاجتماعية أيضا.


وبقدر أهمية اللاعنف للفلسطينيين وغيرهم من ضحايا الاحتلال والعدوان والعنصرية في هذا الكون، فإن معظم من لهم مصلحة حقيقية في اللاعنف لا يدركون حقيقة أن عنف المظلومين يشرعن بل ويقوي عنف الظالمين، ويمنحهم فرصا إضافية لإشعال الحروب وتأجيج الطائفية.


ولقيت جهودي في توعية المظلومين خلال خطب الجمعة والدروس في المساجد صعوبات لأن من يقولبون الخطاب الديني مسخوا الجهاد في السيف والبندقية، رغم أن معظم آيات الجهاد في القرآن الكريم تعني آفاقا واسعة كمقاومة الاحتلال و الظلم والفساد بأسلحة قوة الايمان والشجاعة والرباط.


فمثل ما فعل اكتشاف لقاح البنسلين الذي يبدو واحدا وصغيرا بين ملايين الاكتشافات عبر التاريخ، لكن أثره كبير حيث أنقذ حياة ملايين البشر، وخفف من آلامهم ومعاناتهم، وكما السدود وفرت للناس والحيوانات والأشجار فرصا للنمو والحياة، فإن رسالة اللاعنف وجامعتنا "أونور" الفريدة في رسالتها التي أسسها الراحل وليد صليبي ورفيقة دربه الدكتورة أوغاريت يونان، ستسهم في تحقيق غايتين كبيرتين في آن، هما: رفض العنف والظلم الذي طحن أجيالا في وطننا والعالم، ورفض الإذعان للعنف والظلم سواء كان داخليا أو احتلالا خارجيا. سيأتي يوم يدرك فيه جيل أولادنا وأجيالنا القادمة أهمية الرسالة التي جاهد لتحقيقها وليد صليبي، كي يتخلص كل إنسان من الطائفية والاحتلال والفساد.


سلام على تلك الروح العظيمة، سلام على شجاعتك و نضالاتك، سلام على معلمنا المفكر والمناضل وليد صليبي، لك السلام و عهد ووعد منا أن نسير على الدرب.

دلالات

شارك برأيك

إلى روح وليد صليبي .. عهد ووعد

أستوريا - الولايات المتّحدة 🇺🇸

طارق قبل 11 شهر

مقال ممتاز يعبر عن مبادئ راقية وللاسف مفقودة في مجتمعنا الفلسطيني. كنا في السابق ننظر الى اسرائيل ونحذرهم ان من يعيش بالسيف يموت بالسيف، ياليتنا فهمنا معنى هذه العبارة.

المزيد في أقلام وأراء

نتانياهو يضع العصي في دواليب الصفقة

حديث القدس

انتفاضة الجامعات الامريكية طوفان أقصى رقم 2

حمدي فراج

طوفان الأقصى وصحوة ثقافية غربية

سماح خليفة

إبادة غزة... ماذا بعد؟

بهاء رحال

انتفاضة جامعات أميركا

حمادة فراعنة

بداية تفكك الرواية الصهيونية.. ولكن

جمال زقوت

أزمات وجامعات وعقوبات

أحمد رفيق عوض

في انتظار الموت المؤجل ...

يونس العموري

القرار في غزة والجواب في القاهرة

حديث القدس

قمع حراك الجامعات الأمريكية.. أهداف ومعان

فوزي علي السمهوري

تناقض أم تكامل الخطابين: العسكري والسياسي

سماح خليفة

الحكومة, الانتخابات والوحدة: ما هي استراتيجية الخروج؟

د. دلال صائب عريقات

تحديات أمام الأحزاب

حمادة فراعنة

الشارع الإسرائيلي يطالب بوقف الحرب ودفع الثمن

حديث القدس

الحجر بكى من وجع غزة

ريما محمد زنادة

الحرب على " ظهور الماعز"

عطية الجبارين

حصار إسرائيل وأميركا في الأمم المتّحدة

عائشة البصري

الهدنة وقرار اجتياح رفح

بهاء رحال

الاستحقاق الانتخابي في موعده

حمادة فراعنة

غزة ... والحرب العالمية الثالثة ... والعرب يتفرجون !!!

ابراهيم دعيبس

أسعار العملات

الإثنين 29 أبريل 2024 9:46 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.8

شراء 3.79

دينار / شيكل

بيع 5.37

شراء 5.35

يورو / شيكل

بيع 4.1

شراء 4.04

رغم قرار مجلس الأمن.. هل تجتاح إسرائيل رفح؟

%74

%22

%4

(مجموع المصوتين 190)

القدس حالة الطقس