أقلام وأراء
الإثنين 09 يناير 2023 10:22 صباحًا - بتوقيت القدس
تحولات في مسار صعود اليمين التطرف داخل المجتمع الاسرائيلي
بقلم : تيسير خالد
بعد شهرين من الانتخابات قدم بنيامين نتنياهو حكومته للكنيست لنيل الثقة ، بعد سلسلة من المناورات تمكن من خلها من توقيع اتفاقيات ائتلافية مع شركائه في الحكومة ، الصهيونية الدينية ، عوتسما يهوديت ، نوعام ، شاس ويهدودوت هنوراه . لن نتطرق هنا الى اتفاقاته الائتلافيه مع الاحزاب الثلاثة الأخيرة بل الى اتفاقياته مع كل كل من الصهيونية الدينية بزعامة بتسلئيل سموتريتش وعوتسما يهوديت بزعامة ايتمار بن عفير ، حيث تعهد للأول من بين وزارات اخرى استلام وزارة المالية مع وزير في وزارة الجيش يكون مسؤولا عن قسم الاستيطان والخدمة الوطنية وكليات ما قبل الخدمة العسكرية فضلا عن العضوية في المجلس الوزاري المصغر للشؤون الامنية السياسية وتعهد للثاني يصلاحيات واسعة من خلال وزارة الامن القومي وصلاحيات كبيرة على الشرطة واستبدال اجراءات اطلاق النار واعفاء الجنود وافراد الشرطة من المساءلة القانونية فضلا عن العضوية ايضا في المجلس الوزاري المصغر ، ما دفع رئيس الوزراء الأسبق لاتهام نتنياهو بتعيين من يشعلون الحرائق (بالمعنى الحرفي) في المطافئ. والى جانبهم قطط لحراسة الزبدة.
باراك ، ابن المؤسسة العسكرية يعرف الحقيقة ولكنه لم يرفع عنها كامل الغطاء في تخوفاته من ان تمتد اصابع سموتريتش وبن غفير الى المؤسسة من بوابة الصلاحيات ، التي انتزعاها من نتنياهو ، والتي من شأنها أن ترفع مستوى اللهب ليس فقط في انعكاساتها على العلاقة مع الفلسطينيين بل وفي انعكاساتها على الوضع الداخلي في اسرائيل وفي علاقاقاتها مع العالم والصورة التي جرى ترويجها حول الجيش الأكثر أخلاقية في العالم . فالصورة تبدلت وتغيرت على امتداد السنوات دون ان يكون هناك سموتريتش او بن غفير . ففي سنوات الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي وقعت تحولات في التكوين الاجتماعي للجيش الإسرائيلي حيث شهدت انخفاضا تدريجيا في دوافع الالتحاق بالجيش ، خاصة بين الفئات العلمانية من الطبقة الوسطى التي شكَّلت العمود الفقري للقوات الإسرائيلية ، في مجتمع اغرته عوامل التوجه الى اقتصاد السوق ونمت في أوساطه حالة تململ من الصراعات والحروب خاصة بعد توقيع اتفاقات سلام مع مصر في السبعينات ، ولاحقا مع السلطة الفلسطينية في أوسلو، ومع الأردن في مطلع تسعينيات القرن الماضي ، وما صاحب ذلك من توجه في اوساط تلك الفئات للبحث عن مسار جديد في تموضع اسرائيل في المنطقة.
كانت تلك التحولات مرئية ، ما دفع الجيش الإسرائيلي الى تخفيف القيود على انتساب المتدينين من أجل سد فراغ مرشح للاتساع في منظومة التجنيد نتيجة عزوف الطبقة المتوسطة عن اللحاق بها، وجاءت البداية عبر السماح بتأسيس المدارس الدينية العسكرية التمهيدية. وجاء ملء الفراغ العسكري يشكل فرصة للصهيونية الدينية للخدمة في الجيش بشروط مخففة ، ودعوة من القادة العسكريين قادة أفرع الجيش بأنفسهم الحاخامات لاستقطاب المتدينين إلى الجيش، الذين اغتنموا بدورهم الفرصة السانحة للانخراط في المؤسسة من أجل تعزيز وضعهم الاجتماعي منذ اصدر الحاخام إبراهيم شابير أحد أبرز زعماء هذا التيار، فتوى تفيد أن التجنيد في الوحدات الدينية قربى للرب، وأن الخدمة العسكرية والروح القتالية مهمة جماعية يفرضها الرب بهدف قيادة المشروع اليهودي ، تزامنا مع مشروع الاستيطان بالروح الدينية الذي ازدهر في ذلك التوقيت، مما هيَّأ الظروف لتحول الصهيونية الدينية من تيار هامشي إلى تيار سياسي وثقافي مركزي في كلٍّ من المجتمع والجيش . في ضوء هذا التحول بدأ في مستوطنات الضفة الغربية تأسيس مدارس وأكاديميات دينية للتأهيل العسكري تُركِّز على التحفيز الديني للانتماء للجيش والالتحاق بصفوفه فازدادت نسبة المتدينين بين صفوف كبار الضباط وزيادة وجودهم في الوحدات الميدانية ، وجاءت النسبة الأكبر من هؤلاء الضباط من سكان المستوطنات في الضفة الغربية وقطاع غزة، ما خلق رابطا بين المستوطنين والجيش من جهة ، ومنح الحاخامات نفوذا أكبر داخل المؤسسة العسكرية من جهة أخرى.
وفي ظل تلك التحولات أصبح للحاخامات في إسرائيل تأثير قوي في مختلف جوانب الحياة ، وحتى داخل الجيش؛ فهم قادرون على الـتأثير في الانتخابات البرلمانية ، وتشكيل الائتلاف الحكومي وتوجهات الأحزاب السياسية ، من خلال سيطرتهم على العديد من الأحزاب مثل: شاس، ويهودوت هتوراة، والبيت اليهودي، وحديثا في غيرها من الأحزاب خاصة الفاشية مثل الصهيونية الدينية والقوة اليهودية وحزب نوعام ، حيث يستطيع هؤلاء من خلال هذه الأحزاب التأثير في القوانين وفق رغباتهم وميولهم . وقد كشفت دراسة أعدها قسم العلوم الاجتماعية في جامعة "بار آيلان" الإسرائيلية، المعروفة بتوجهاتها الدينية ، حول مدى انصياع المجندين المتدينين لأوامر الحاخامات ، عن أن أكثر من 90% ممن يصفون أنفسهم بأنهم متدينون ، يرون أنه لو تعارضت الخطوات التي تتخذها الحكومة الإسرائيلية مع رأي الحاخامات ، فإن الأولى هو تطبيق رأي الحاخامات ، وأكد أكثر من 95% من الجنود المتدينين أنه لا يمكنهم الانصياع لأوامر عسكرية تصدر لهم ، دون أن تكون متسقة مع الفتاوي الدينية التي يصدرها الحاخامات والسلطات الدينية.
أبعد من ذلك انتشرت المواعظ الدينية ، التي يلقيها عسكريون ينتمون الى مدارس الحاخامات أمام الجنود كالموعظة الدينية التي ألقاها قائد لواء السامرة في 13 نيسان 2022 أمام جنوده قبل دخولهم قبر يوسف في نابلس حيث اكد لهم انهم يعملون ويدهم هي العليا ، ليس كلصوص الليل ، بل كأبناء ملوك. هذا الخطاب الديني العنصري دليل إضافي على تحولات تجري في صفوف جيش الاحتلال ، الذي بات يتخذ من الحاخامات مرجعية من مرجعياته ، أو حديث قائد لواء السامرة نفسه ، الذي ادعى في احتفال بمناسبة ما يسمى " توحيد أورشليم " في مستوطنة ألون موريه الى الشرق من مدينة نابلس ، يخطئ من يقول ان الجيش والمستوطنين يتعاونون، فالمستوطنون والجيش هم الشيء نفسه.. إنهم جسم واحد متماثل ".
وتلعب اكاديميات ما قبل الخدمة العسكرية دورا مهما في كل ذلك ، وهو ما يفسر تمسك سموتريتش بصلاحية الاشراف عليها في اتفاقيته الائتلافية مع نتنياهو . في تلك الأكاديميات يجري الاعداد لحركة التغلغل في المؤسسة العسكرية . أكاديمية ما قبل الخدمة العسكرية في مستوطنة عيلي ( بني ديفيد ) التي اقامها الاحتلال على اراضي قرى قريوت والساوية واللبن الشرقية الى الجنوب من مدينة نابلس كانت البداية ، وهي تعرف ب”أم الأكاديميات”- أما أول أكاديمية غير دينية لما قبل الخدمة العسكرية قد أنشئت بعدها بحوالي عقد في مستوطنة نيلي في محافظة بيت لحم تلاها تأسيس عدد كبير من الأكاديميات حتى وصل العدد الى حوالي 36 أكاديمية عسكرية ، 41.66% منها (15 أكاديمية) تقع شرق حدود العام 1967 (12 في الضفة الغربية و3 في هضبة الجولان). وفي كل أكاديميات ما قبل الخدمة العسكرية ، فإن 74% من كبار الموظفين من مستوطنات وراء حدود عام 1967.
ابعد من ذلك ، فمن بين كل خمس بلدات كان لديها أعلى معدلات تجنيد في الوحدات القتالية كانت ثلاث في الضفة الغربية . كان المركز الأول لبيت إيل في محافظة رام الله والبيرة ، حيث 86% من الرجال الذين ولدوا سنة 1991 خدموا في وحدات قتالية. وكان المركز الثالث من نصيب إفراتا في غوش عتصيون في محافظة بيت لحم ، حيث كانت النسبة 81% من الرجال مواليد 1991 قد انضموا للوحدات القتالية. فيما كان المركز الرابع من نصيب المجلس الإقليمي لجبل الخليل بنسبة 78.4%. وكانت أريئيل في محافظة سلفيت والتي تعتبر مستوطنة علمانية ومشكوك في يهودية سكانها واحدة من بين أربع مدن فاقت فيها نسبة المجندين الـ 90%، ومن وجهة نظر المنتسبين لهذه الاكاديميات المنتشرة في الضفة الغربية فإن مدينة تل ابيب غير المتدينة، والليبرالية تمثل كل الأمراض التي عمت المجتمع الإسرائيلي ، فهم يحتفون بالحياة ويعارضون المستوطنين، وهم ذاتهم الذين تصل رغبتهم في المساهمة في الدولة إلى صفر كبير. وفي هذه البيئة نمت النزعات الفاشية ، وهو ما كشفه كشف استطلاع للرأي أجراه معهد الديمقراطية الإسرائيلي ونشرته جيروزاليم بوست نهاية نوفمبر 2022 أ، حيث أكد أكثر من 55% ان على الجيش الإسرائيلي أن يقتل الفلسطينيين حتى لو لم يعودوا يشكلوا أي خطر
من الخطأ والحالة هذه الاعتقاد أن صعود بن غفير وسموتريتش بقوة الى مركز الحكم هو العامل الحاسم الذي من شأنه ان يدفع بقوة الى تفشي وتغلغل المد اليميني المتطرف في مركز الحياة السياسية في اسرائيل وفي اوساط المؤسسة العسكرية ، بل إن هيمنة الخطاب اليميني المتطرف على الساحة السياسية في إسرائيل في الميدانين المدني والعسكري على امتداد العقدين الاخيرين هو الذي شكل الرافعة الحقيقية لصعود القوى ايمينية المتطرفة بهذا الزخم الى الحكم في ظل تراجع دور القوى الليبرالية واليسارية ، على محدوديتها في اسرائيل بفعل محدودية الوضع الانساني في هذه الدولة ، وهو الذي سرع في حل عقدة التناقض في محاولات تعريف اسرئيل كدولة يهودية وديمقراطية في الوقت نفسه ، بعد ان حسم معسكر اليمين أمره بالتخلي عن الديمقراطية ما دامت تشكل عائقا يجب إزالته من طريق مشروع الاستيطان والضم وتهويد القدس وفرض الدولة اليهودية وارض إسرائيل الكبرى ومن طريق تحويل الجيش من جيش الشعب الى جيش الرب ، فإذا كانت الأدوات التي توفرها الديمقراطية الزائفة لا تسمح بإنجاز هذه الأهداف وتحقيق المشاريع العنصرية فالمطلوب استبدالها بأدوات ومنظومة حكم اكثر يمينية وتطرفا.
أخيرا وفي هذا السياق تبدو الحجج ، التي يسوقها البعض حول الانتخابات الأخيرة حججا سخيفة مثل الادعاء بأن على الجميع احترام نتائج العملية الديمقراطية التي سهلت بصعود اليمين المتطرف الى الحكم في اسرائيل ، فمثل ذلك حدث في غير مكان في هذا العالم . وما جرى في انتخابات اسرائيل الأخيرة صورة كاريكاتورية عن صعود مثل هذه القوى والاحزاب في عدة بلدان في العالم . وللعلم فقط فإن نصف أعضاء الكنيست المنتخبين محسوبون على أحزاب لا تُجري انتخابات داخلية.
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
Google تدعم الباحثين بالذكاء الاصطناعي: إضافة جديدة تغيّر قواعد اللعبة
بقلم :صدقي ابوضهير باحث ومستشار بالاعلام والتسويق الرقمي
التعاون بين شركة أقلمة والجامعات الفلسطينية: الجامعة العربية الأمريكية نموذجاً
بقلم: د فائق عويس.. المؤسس والمدير التنفيذي لشركة أقلمة
أهمية البيانات العربية في الذكاء الاصطناعي
بقلم: عبد الرحمن الخطيب - مختص بتقنيات الذكاء الاصطناعي
ويسألونك...؟
ابراهيم ملحم
الحرب على غزة تدخل عامها الثاني وسط توسّع العمليات العسكرية الإسرائيلية في الجبهة الشمالية
منير الغول
ترامب المُقامر بِحُلته السياسية
آمنة مضر النواتي
نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي
حديث القدس
مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً
جواد العناني
سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن
أسعد عبد الرحمن
جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية
مروان أميل طوباسي
الضـم ليس قـدراً !!
نبهان خريشة
دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة
معروف الرفاعي
الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا
حديث القدس
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أحمد لطفي شاهين
الميدان يرد بندية على ورقة المبعوث الأمريكي الملغّمة
وسام رفيدي
تماسك أبناء المجتمع المقدسي ليس خيارًا بل ضرورة وجودية
معروف الرفاعي
المطاردون
حمادة فراعنة
فيروز أيقونَة الغِناء الشَّرقي.. وسيّدة الانتظار
سامية وديع عطا
السلم الأهلي في القدس: ركيزة لحماية المجتمع المقدسي ومواجهة الاحتلال
الصحفي عمر رجوب
إسرائيل تُفاقم الكارثة الإنسانية في غزة
حديث القدس
الأكثر تعليقاً
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
الأردن: حكم بسجن عماد العدوان 10 سنوات بتهمة "تهريب أسلحة إلى الضفة"
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
واشنطن ترفض قرار المحكمة الجنائية الدولية بإلقاء القبض على نتنياهو وغالانت
ماذا وراء خطاب نتنياهو البائس؟
الأردن: قصف إسرائيل حيًّا ببيت لاهيا ومنزلا بالشيخ رضوان "جريمة حرب"
نيويورك تايمز تكشف تفاصيل اتفاق وشيك بين إسرائيل ولبنان
الأكثر قراءة
الأردن: حكم بسجن عماد العدوان 10 سنوات بتهمة "تهريب أسلحة إلى الضفة"
ماذا يترتب على إصدار "الجنائية الدولية" مذكرتي اعتقال ضد نتنياهو وغالانت؟
نتنياهو يقمع معارضيه.. "إمبراطورية اليمين" تتحكم بمستقبل إسرائيل
الكونغرس يقر قانون يفرض قيودا صارمة على المنظمات غير الربحية المؤيدة للفلسطينيين
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
بعد مرسوم بوتين.. هل يقف العالم على الحافة النووية؟
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أسعار العملات
السّبت 23 نوفمبر 2024 10:34 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.7
شراء 3.69
دينار / شيكل
بيع 5.24
شراء 5.22
يورو / شيكل
بيع 3.85
شراء 3.83
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%54
%46
(مجموع المصوتين 82)
شارك برأيك
تحولات في مسار صعود اليمين التطرف داخل المجتمع الاسرائيلي