أقلام وأراء

الجمعة 09 ديسمبر 2022 11:53 صباحًا - بتوقيت القدس

الخروج من التاريخ

بقلم:ياسر قبيلات


التاريخ بيت منعم، من يدخله يحسب أنه بيته الدائم، وملكه الأكيد على مدار الأزمان، وفي كل الأحوال والمواقف، ولا يتطلب الاحتفاظ به أي شيء على نحو خاص.

وهذا مجرد انطباع خادع، فلطالما عانت قوى عظمى ومجتمعات عريقة من الطرد من هذا البيت المنعم، رغم ما تمتعت به من قوة، ونفوذ، وطول مقام فيه.

اليوم، يواجه الغرب، وعلى وجه الخصوص أوروبا، حقيقة أنه لن يكون الساكن الحصري في التاريخ، ولا صاحب أمره الوحيد. وأمامه واحد من احتمالين؛ أن يقبل بالشراكة في هذا البيت، وهذا له مقتضيات ومستحقات، أو الخروج منه.

ورغم حراجة هذا الموقف، الذي يجد الغرب فيه نفسه، فإنه يدفن رأسه في الرمال، ويواصل حالة الإنكار، ويعلي صوته بمواقف وتصريحات لا تنسجم مع الواقع، ولا تسعف حاله في شيء، تصريحات لا تجد طريقها إلى فعل قابل للترجمة واقعياً، ولا تزيد على كونها مجرد دوغمائية في غير وقتها.

لقد كان من المعتاد أن يبدي الغرب مرونة وبراغماتية هائلة في طريقه إلى تحقيق مساعيه، بارعاً في إنتاج خطاب براق، ناعم، يتغطى بالقيم والحريات وسوى ذلك، يغلف به سياساته، وغاياته المصلحية المباشرة، ولكن هذا، على ما يتضح، تغير في الفترة الأخيرة مع تأزم الأوضاع العالمية، واشتداد التجاذب الدولي. وباتت جملة الحجج والمنطلقات التي يستند إليها، ويستشهد بها الغرب في التعامل مع الأوضاع العالمية ضعيفة وهشة، لا تقنع أحداً، ومع ذلك فإنه لا يتوقف عن الحديث متباكياً على أمن الطاقة، أو ينافح في منطقة أخرى عن القانون الدولي وسيادة الدول، أو يتنطع في غيرها لتنصيب نفسه حارساً على الحريات وحقوق الفئات والأقليات، بل لا يكتفي بذلك، إذ نجده في مكان آخر يتصدى لدور داعية سلام، فيذم الحرب والعنف بشدة تجعل من يسمع ويرى يعتقد أنه مكون من دول محايدة لم تخض في حياتها حروباً، ولا مارست عنفاً، وقد شهدنا منه في منطقتنا الكثير من هذا وذاك، ولعل الجميع لاحظ أن الغرب في معرض تسويق مواقفه وسياساته فقد فعاليته، ولم يعد له ذاك التأثير.

وباختصار، يمكن القول إن مصداقية الخطاب الغربي لم تعد موضع ثقة في العموم.

بدءاً، قد لا تكون حاجة الغرب إلى خلق أساس ومبرر لسلوكه أمراً جديداً، أو خارجاً عن المألوف، ولكن أن تكون مبرراته وخطابه، الذي يحشده، لتبرير مواقفه وسياساته وجعلها أكثر قبولاً، هي نفسها غير مقبولة، فهذا أمر جديد، وله معانيه الكثيرة الموحية، لعل أولها يشير إلى عجزه عن الدفاع عن هذه المواقف والسياسات وتسويقها.

ولكن لماذا؟

لا يتفوق أحد على الغرب في مجال تسويق سياساته وأفعاله وتبريرها، لذا فإن وصوله إلى هذه المرحلة، التي لا يستطيع فيها إنتاج ذلك الخطاب المقنع إنما يعني بالدرجة الأولى أن سياساته ذهبت إلى حدود تجاوزت المنطق كثيراً، وإلى مدى لا يمكن الدفاع عنه وتبريره.

وإذا كانت السياسة في العادة تؤشر على الجزء الرشيد المفكر في الدول، فإن الذهاب بها أبعد مما يمكن أن يقبله المنطق إنما يعني التخبط والافتقار إلى الرؤية الاستراتيجية، التي تسمح بإدراك التحديات ووعي الضرورات، وإمكانية التوفيق ما بين المستحيل والممكن في حدود مقبولة تلبي الغايات.

الأمر ليس في مجرد الفشل في خلق السياقات المناسبة، لكنه يتبدى أكثر وضوحاً في الفشل في مجال القدرة على إنتاج وإنفاذ سياسة واقعية، يمكنها أن تتيح للغرب الاحتفاظ بموقعه في التاريخ، لا سيما في هذه اللحظة المفصلية، التي تتزاحم فيها الأمم وتتدافع.

بلى، ما يجري واضح للغاية، هناك الكثير من الدول والمجتمعات، (ومنها دول وصفها مسؤول أوروبي بـ«أدغال همجية»)، تخطو بثبات باتجاه الدخول في التاريخ، بينما تقف العديد من الدول الغربية يائسة مرتبكة، لا تملك حتى مجرد إرادة محاولة تحاشي الخروج منه.

إن تلافي الخروج من التاريخ مثله مثل الدخول فيه، يتطلب إرادة وموقفاً وقراراً، وقبل ذلك رؤية حصيفة واقعية، لا ضجيج تصريحات، ومواقف غير منتجة.

وفي الواقع، ما من دولة ولا مجتمع ولا أمة تملك حصانة تحميها من خطر الخروج من التاريخ. عن "البيان الاماراتية"

دلالات

شارك برأيك

الخروج من التاريخ

المزيد في أقلام وأراء

رفح بين الصفقة والحرب

حديث القدس

رحيل الطبيب والوجيه الفاضل د. جواد رشدي سنقرط

معتصم الاشهب

الاسرى الفلسطينيون في مواجهة “مخططات هندسة القهر” الإسرائيلية

اسعد عبد الرحمن

هل سيجتاح نتنياهو رفح؟

المحامي أحمد العبيدي

الدولة العميقة في أمريكا تقرر مواصلة الحروب

راسم عبيدات

رفح في مرمى العاصفة

حديث القدس

الدعم الأميركي والعقوبات على «نيتساح يهودا»

إميل أمين

مسارات الحرب في مرحلتها الثالثة

معين الطاهر

وحدة الضفتين أنموذج للفكر الوحدوي الهاشمي

كريستين حنا نصر

لماذا يقف الأردن مع فلسطين

حمادة فراعنة

"عقوبات" أمريكية مع 26 مليار دعم.. تبرئة للمجرمين وتمويه الشراكة بالإبادة

وسام رفيدي

"التخطيط للمستقبل مع قائد السعدي : استراتيجيات التغلب على الأزمات المالية للشركات الناشئة"

قائد السعدي

عالم صامت امام عدوان إسرائيل على كل معالم الحياة البشرية ..!!

حديث القدس

كأن هذه الامة استمرأت الهزائم و لم تعد تحب الانتصار

حمدي فراج

"نيتساح يهودا" ... رشوة سخيفة ونكتة سمجة في قصة هزلية

تيسير خالد

مئتا يوم على حرب إبادة غزة

بهاء رحال

يحق لحماس أن تتباهى

حمادة فراعنة

التقرير الأخير حول عمل الاونروا.. دسمه قليل وسُمه كثير

سامي مشعشع

نتنياهو ومحاولات قتل الأسرى الإسرائيليين في غزة

حمزة البشتاوي

٢٠٠ يوم على أطول عدوان ضد قطاع غزة

حديث القدس

أسعار العملات

الخميس 25 أبريل 2024 10:01 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.79

شراء 3.77

دينار / شيكل

بيع 5.37

شراء 5.34

يورو / شيكل

بيع 4.08

شراء 4.02

رغم قرار مجلس الأمن.. هل تجتاح إسرائيل رفح؟

%74

%22

%4

(مجموع المصوتين 160)

القدس حالة الطقس