أقلام وأراء
الخميس 06 أكتوبر 2022 11:13 صباحًا - بتوقيت القدس
لماذا يتناقص عدد حلفاء القضية العادلة؟
بقلم: محمود الريماوي
لعلّ ما هو أقسى من الإرهاب الاسرائيلي المنهجي بهوت ردود الفعل الإقليمية والدولية على إرهاب دولة الاحتلال، وهو ما يستثمره المعتدون في مزيد من التصعيد الدموي، وأحيانا لغاياتٍ سياسيةٍ آنية، مثل اقتراب موعد انتخابات إسرائيلية، وحيث تتنافس مكونات اليمين على إثبات رفضها الحلول السياسية عبر إغراق المجتمع الفلسطيني بالدم، والسعي إلى تجفيف منابع المقاومة، بما فيها المقاومة السلمية والمدنية، كما في قمع الحملات الشعبية الأسبوعية ضد الاستيطان، أو التنكيل الدائم بالمرابطين والمصلين في المسجد الأقصى وباحاته.
وواقع الحال أنّ حكومة لبيد - بنيت ترى أن الظرف الدولي شديد الملاءمة للعمل على طي صفحة الحقوق الفلسطينية والتبشير بأحبولة السلام الاقتصادي، فليس لدى الولايات المتحدة إلا النزر اليسير كي تفعله لتفعيل حل الدولتين، حتى أن واشنطن فشلت فشلاً مُشيناً في ضمان محاسبة قتلة الصحافية الشهيدة شيرين أبو عاقلة (مع العلم أنها تحمل الجنسية الأميركية).
أما روسيا فهي منهمكة في محاولة ابتلاع أوكرانيا وحذف هذه الدولة من الخريطة، فيما تنفتح شهية الصين على ضمّ "مقاطعة" تايوان إليها سلماً، أو تحت التهديد العسكري. وقد عبّرت الدولتان أخيراً في الأمم المتحدة عن مناصرتهما الحلول السياسية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ويكاد هذا الالتزام الروسي والصيني لا يزيد في فاعليته على التزام إدارة جو بايدن اللفظي بحلّ الدولتين، إذ إنّ ما كانت تسمّى قضية الشرق الأوسط لم تعد تحظى بأية أولوية لدى هذين البلدين اللذين يرغبان بتغيير النظام العالمي، بما يعني تحرير كلّ منهما من أي قيد سياسي أو قانوني أو معنوي لتحقيق طموحاتهما القومية. وقد بلغ الأمر بالقضية الفلسطينية أنّها أصبحت مثل مجرّة ضائعة في نظام الفلك الكوني، فالمراكز الدولية باتت تتصرّف باعتبار أن قضية فلسطين ليست من القضايا القابلة للحل، أو أن في وسع أصحابها الانتظار عقوداً أخرى، وأن هناك ما يمكن التعاون بشأنه مع دولة الاحتلال المتطوّرة في مجالاتٍ مختلفة، علماً أنّ قضية فلسطين ما زالت تحظى بدعم ملحوظ في أوساط غربية أكاديمية وحزبية.
ولدى أحزاب ليبرالية ويسارية، ولدى منظمات حقوقية بارزة. وأن الاحتلال كثيرا ما يخسر في معركة الوعي، رغم استثماره مقولة معاداة السامية إلى الحد الأقصى، وتطويعها لخدمة أهدافه التوسعية والعنصرية.
من المؤلم حقاً أن يبذُل الفلسطينيون تضحياتٍ هائلة، وبغير توقفٍ في صمودهم الباسل والمديد أمام آلة الحرب والعنصرية الصهيونية، كما حدث، خلال الأسبوع الماضي في قطاع غزة ونابلس، فضلا عن حملات التنكيل الدائمة في القدس العربية المحتلة، ومن غير ترجمة هذه التضحيات إلى مكاسب سياسية تُذكر، وذلك أمام آلة الدعاية الإسرائيلية التي تسوّغ جرائمها الإرهابية ضد المدنيين والمرافق المدنية، والتي تعتبر أن أية مقاومة للاحتلال من أشكال الإرهاب، وذلك وسط انغماس الدول والمجتمعات العربية بشؤونها الداخلية الحارقة، وتعظيم المصالح الوطنية الآنية وتقديمها على أية التزامات سياسية أخرى تجاه القضايا العادلة في العالم، فيما يبدو الطرف الفلسطيني بمكوّناته المختلفة شبه عاجز عن إثارة الاهتمام وتجديده بالقضية التي يتعين أن تجد طريقها إلى الحل. وهو ما يملي التطلع إلى اختيار قيادة جديدة بالانتخاب، تُحسن فهم التغييرات التي أصابت بنية النظام العربي والدولي، والتعامل الناجع معها، فالأداء السياسي هنا وهناك بات أكثر براغماتية وأقل احتفالاً بالمبادئ وبحقوق الشعوب المستضعفة، بعد أن استشرت ثقافة سياسية معولمة، تقوم على تعظيم المصالح الذاتية الراهنة، وعلى نسج العلاقات وبرمجتها وفق هذا المفهوم الذي يدير الظهر عمليا لحقوق الإنسان والشعوب ولأحكام القاون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وقراراتها، رغم أنّ الخطابات الدبلوماسية لدولٍ عديدة في الشرق والغرب ما زالت تلهج، بين حين وآخر، على هذا المنبر أو ذاك، بالالتزام بتلك المرجعيات "النظرية" والديباجات القانونية، غير أنّ الممارسات السياسية تبقى في وادٍ، بينما تدورالخطابات الدبلوماسية، وأحيانا الإعلامية، في مدار آخر.
أجل ثمّة حاجةٌ مصيريةٌ لقيادة جديدة تنقذ الحقوق الفلسطينية من التبديد، وتتوقّف عند أسئلة مثل: لماذا يتناقص عدد أصدقاء شعب فلسطين وحلفائه، ولماذا تتراجع مكانة قضيته على الأجندات الإقليمية والدولية، وكيف السبيل لاستعادة الاهتمام الجدّي الإيجابي والمثمر، وما هو دور الانقسام بين غزة ورام الله منذ العام 2007 في دفع القضية إلى الوراء، وهل من الممكن المراهنة على سياسة السلاح بغير سلاح السياسة الذي يقوم بتثمير التضحيات وتعويض الخسائر الأليمة في الأرواح والبنى التحتية، ناهيك عن خسارة الأرض بفعل الغزو الاستيطاني، والمساس الخطير بهوية المدينة المقدسة، بفعل التهويد القسري والمسعور لمدينة القدس، وهل تؤول الأرض المحتلة والمحاصرة إلى كيانيين سياسيين منفصلين بين قطاع غزة والضفة الغربية، بحيث يواجه الشعب الرازح تحت الاحتلال إلى ما شاء الله معضلة إعادة التوحيد، إلى جانب معضلة الخلاص من الاحتلال العنصري البغيض؟
إنها أسئلة يطرحها الواقع الشائك وتحدّياته الداهمة ومخاطره الراهنة والمستقبلية. ومن دواعي الأسف الشديد أن التضحيات الهائلة واستعداد قطاعات اجتماعية عديدة لبذل مزيدٍ منها، لا يكفيان، على أهميتهما الاستراتيجية الفائقة في الاستجابة للتحدّيات، وتنظيم الردود الناجعة عليها وفق سياسةٍ يتم فيها تعبئة الموارد البشرية وتطوير المؤسسة الفلسطينية، بحيث تسترشد بالمصالح الوطنية العليا قبل أي شيء آخر، وتضع التنازع على السلطة في حجمه الطبيعي وسياقه الصحيح، باعتباره تنافسا على العمل لاستعادة الحقوق، وشبكة من الوظائف رائدها انتزاع الحقوق لا تظهير الأشخاص ولا الفصائل ولا الأحزاب، وإسباغ امتيازات معنوية وغير معنوية عليهم، فالقضية أسمى من الأشخاص فيما الفصائل والأحزاب مجرّد وسائل وأدوات لاستعادة الحقوق، وحيث يتعين أن يتقدّم الولاء للشعب وقضيته على أي ولاء ضيق وفئوي، وأن ترتفع الراية الوطنية وحدها في سائر المناسبات والظروف، لا أية راية أخرى. وليس ما سبق من باب التبشير، إذ يحفل تاريخ القضية بنماذج مضيئة وبتراث سياسي حافل من المهم الاسترشاد بأفضل ما فيه والبناء عليه، مع ترك المساحة الأكبر من الفرص والمواقع والمسؤوليات للأجيال الجديدة، لا أن يبقى المتقاعدون متشبثين بمواقعهم رغم تقاعدهم الفعلي.
عن "العربي الجديد"
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
Google تدعم الباحثين بالذكاء الاصطناعي: إضافة جديدة تغيّر قواعد اللعبة
بقلم :صدقي ابوضهير باحث ومستشار بالاعلام والتسويق الرقمي
التعاون بين شركة أقلمة والجامعات الفلسطينية: الجامعة العربية الأمريكية نموذجاً
بقلم: د فائق عويس.. المؤسس والمدير التنفيذي لشركة أقلمة
أهمية البيانات العربية في الذكاء الاصطناعي
بقلم: عبد الرحمن الخطيب - مختص بتقنيات الذكاء الاصطناعي
ويسألونك...؟
ابراهيم ملحم
الحرب على غزة تدخل عامها الثاني وسط توسّع العمليات العسكرية الإسرائيلية في الجبهة الشمالية
منير الغول
ترامب المُقامر بِحُلته السياسية
آمنة مضر النواتي
نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي
حديث القدس
مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً
جواد العناني
سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن
أسعد عبد الرحمن
جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية
مروان أميل طوباسي
الضـم ليس قـدراً !!
نبهان خريشة
دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة
معروف الرفاعي
الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا
حديث القدس
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أحمد لطفي شاهين
الميدان يرد بندية على ورقة المبعوث الأمريكي الملغّمة
وسام رفيدي
تماسك أبناء المجتمع المقدسي ليس خيارًا بل ضرورة وجودية
معروف الرفاعي
المطاردون
حمادة فراعنة
فيروز أيقونَة الغِناء الشَّرقي.. وسيّدة الانتظار
سامية وديع عطا
السلم الأهلي في القدس: ركيزة لحماية المجتمع المقدسي ومواجهة الاحتلال
الصحفي عمر رجوب
إسرائيل تُفاقم الكارثة الإنسانية في غزة
حديث القدس
الأكثر تعليقاً
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
الأردن: حكم بسجن عماد العدوان 10 سنوات بتهمة "تهريب أسلحة إلى الضفة"
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
واشنطن ترفض قرار المحكمة الجنائية الدولية بإلقاء القبض على نتنياهو وغالانت
ماذا وراء خطاب نتنياهو البائس؟
الأردن: قصف إسرائيل حيًّا ببيت لاهيا ومنزلا بالشيخ رضوان "جريمة حرب"
نيويورك تايمز تكشف تفاصيل اتفاق وشيك بين إسرائيل ولبنان
الأكثر قراءة
الأردن: حكم بسجن عماد العدوان 10 سنوات بتهمة "تهريب أسلحة إلى الضفة"
ماذا يترتب على إصدار "الجنائية الدولية" مذكرتي اعتقال ضد نتنياهو وغالانت؟
نتنياهو يقمع معارضيه.. "إمبراطورية اليمين" تتحكم بمستقبل إسرائيل
الكونغرس يقر قانون يفرض قيودا صارمة على المنظمات غير الربحية المؤيدة للفلسطينيين
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
بعد مرسوم بوتين.. هل يقف العالم على الحافة النووية؟
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أسعار العملات
السّبت 23 نوفمبر 2024 10:34 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.7
شراء 3.69
دينار / شيكل
بيع 5.24
شراء 5.22
يورو / شيكل
بيع 3.85
شراء 3.83
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%54
%46
(مجموع المصوتين 82)
شارك برأيك
لماذا يتناقص عدد حلفاء القضية العادلة؟