فلسطين
الأربعاء 19 فبراير 2025 11:08 مساءً - بتوقيت القدس
أزمة المقاصة وسيلة الابتزاز الدائمة لإفقار الناس وإضعاف السلطة
رام الله - "القدس" دوت كوم - خاص للقدس
في ظل الأزمة المالية المتفاقمة التي تواجهها السلطة الفلسطينية، تتصاعد التحذيرات من التداعيات الخطيرة لسياسات الاقتطاع الإسرائيلية من أموال المقاصة، والتي تعد مصدرًا رئيسيًا لتمويل نفقات السلطة.
وكان آخر اقتطاع يوم أول أمس الإثنين، بقرار من وزير المالية الإسرائيلي، بيتسلائيل سموترش، بخصم 320 مليون شيكل من إيرادات المقاصة الشهرية، د في إطار قانون تم إقراره من قبل الكنيست الإسرائيلي في 11 آذار/ مارس 2024.
ويعزو خبراء اقتصاديون وأساتذة جامعات في أحاديث منفصلة مع "ے"، تفاقم الأزمة المالية للسلطة إلى الاعتماد شبه الكلي على الإيرادات المحلية وأموال المقاصة، ما أدى إلى تقييد مسارات الإنفاق وتراكم الديون، ما يفاقم العجز المالي ويهدد القدرة على دفع الرواتب والنفقات التشغيلية الأساسية.
ويشيرون إلى أن الأزمة الحالية تمتد تأثيراتها لتشمل الاقتصاد الفلسطيني ككل، مع ارتفاع معدلات البطالة وتراجع دور القطاع الخاص، ما يهدد بمزيد من الانكماش الاقتصادي في ظل استمرار السياسات الإسرائيلية الممنهجة، مثل الاستيطان واحتجاز أموال المقاصة، وسط تحذيرات من أن ما تقوم به حكومة الاحتلال الحالية من اقتطاع أموال المقاصة قد تكون في إطار الخنق الاقتصادي على الفلسطينيين من أجل دفعهم للهجرة الطوعية من الضفة الغربية.
وفي مواجهة هذه التحديات، يدعو الخبراء الاقتصاديون وأساتذة الجامعات إلى إعادة النظر في السياسات المالية والاقتصادية المتبعة، والتركيز على تعزيز الإيرادات المحلية من خلال دعم الإنتاج الوطني وتقليل الاعتماد على الاستيراد، وكذلك التحرك الدولي للضغط على إسرائيل للإفراج عن أموال المقاصة، إلى جانب اعتماد سياسات اقتصادية قائمة على الشفافية والاستثمار في رأس المال البشري الفلسطيني لتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة.
الأزمة لم تعد تقتصر على الوضع المالي للسلطة
يحذر الخبير الاقتصادي البروفيسور د.طارق الحاج من تداعيات الأزمة المالية الفلسطينية المتعمقة، مؤكداً أن الاعتماد شبه الكلي للسلطة الفلسطينية على موردين رئيسيين فقط –أموال المقاصة والإيرادات المحلية– أدى إلى تقييد التفكير في مسار واحد للإنفاق، وهو دفع الرواتب، متجاهلة بذلك النفقات التشغيلية الكبيرة الأخرى والنفقات التطويرية الضرورية لتحقيق التنمية الاقتصادية.
ويشير الحاج إلى أن الأزمة لم تعد تقتصر على الوضع المالي للسلطة، بل امتدت لتؤثر سلباً على الاقتصاد الفلسطيني ككل، بما في ذلك مشكلة البطالة وتوفير الدخول، إضافة إلى تراجع دور القطاع الخاص في المساهمة بتمويل السلطة.
ويوضح الحاج أن الاعتماد على موردين فقط جعل السلطة الفلسطينية عاجزة عن الوفاء بالتزاماتها المالية، بما في ذلك حقوق الموردين الذين يزودون الوزارات بالسلع والخدمات، حيث تراكمت الديون على السلطة دون سداد.
ويعتقد الحاج أن هذا الواقع دفع السلطة إلى اللجوء للاقتراض من البنوك المحلية، ما أدى إلى تراكم الديون ووصولها إلى ذروتها، ما يعكس حجم الأزمة المالية التي تعاني منها.
ويؤكد الحاج أن المشكلة ليست في الاقتطاعات الإسرائيلية من أموال المقاصة، والتي ليست جديدة، بل في التأطير الذهني الذي فرض على المواطن الفلسطيني وصانع القرار، حيث أصبحت القضية الأساسية هي "هل سيتم الإفراج عن أموال المقاصة لدفع الرواتب أم لا؟"، متجاهلين بذلك القضايا الأكبر والأكثر خطورة، مثل الاستيطان والتهجير القسري وتدمير البنية التحتية وفرض الحواجز والطرق الالتفافية الاستيطانية، إضافة إلى إجراءات الضم التي تمارسها إسرائيل بشكل ممنهج.
ويشير الحاج إلى أن الحلول المطروحة حالياً لا تكفي لمواجهة هذه التحديات، مؤكداً أن أول خطوة يجب أن تكون تقييم الأخطاء والتجارب السابقة بشكل موضوعي.
ويؤكد الحاج أن التفكير الجماعي وليس الفردي هو المفتاح لإعادة صياغة التعامل مع الواقع، إضافة إلى تحريك الشعوب الغربية لدعم القضية الفلسطينية، ووقف هدر المال العام، وضمان شفافية الموازنة التفصيلية.
ويشدد الحاج على أهمية الاستثمار في العقل البشري الفلسطيني، والاستفادة من الكفاءات الفلسطينية، خاصة الشباب، والبناء على التجارب السابقة.
ويؤكد الحاج أن وجود مجلس تشريعي فعال يعتمد على التعددية والكفاءات، وليس على الانتماء لطرف واحد، هو أمر ضروري، علاوة على إعادة صياغة التربية الوطنية الفلسطينية ومواجهة التحديات الحالية.
وفي ما يتعلق بمواجهة الاقتطاعات الإسرائيلية من أموال المقاصة، يدعو الحاج إلى التواصل مع الدول الفاعلة والمؤثرة في العالم للضغط على إسرائيل لمنع هذه الإجراءات.
ويؤكد الحاج أنه يجب الذهاب إلى منظمات المجتمع المدني في دول العالم من خلال السفارات الفلسطينية، وتبيان أن هذه الأموال تُستخدم لتسيير أمور الحياة اليومية السلمية للفلسطينيين.
ويدعو الحاج إلى التحلل من بعض الاتفاقات المبرمة مع الجانب الإسرائيلي كنوع من الاحتجاج، حتى لو لم يردع ذلك إسرائيل، مؤكداً أن الاستسلام للأمر الواقع ليس خياراً.
ويشير الحاج إلى أن إسرائيل تستخدم سياسة الضغط المتصاعد على الفلسطينيين، حيث تفرض ضغوطاً أكبر لدفعهم للقبول بضغوط أقل، ما يصبح مع الوقت أمراً مستساغاً ضمن التأطير الذهني للعقل البشري الفلسطيني.
ويؤكد الحاج أن الانكماش الاقتصادي في ظل هذه الظروف قد يرتفع إلى أكثر من 35%، ما سيكون له تبعات اقتصادية خطيرة على المدى القريب والبعيد.
ويشير الحاج إلى أن مواجهة هذه الأزمة تتطلب إعادة النظر في السياسات الحالية، وتبني استراتيجيات جديدة تعتمد على الشفافية والكفاءة والاستثمار في الإنسان الفلسطيني، إضافة إلى تعزيز التضامن الدولي لدعم القضية الفلسطينية في مواجهة السياسات الإسرائيلية الممنهجة.
تداعيات خطيرة لاستمرار سياسة الاقتطاعات من المقاصة
يحذر أستاذ الاقتصاد في جامعة بيرزيت، يوسف داود، من تداعيات خطيرة لاستمرار سياسة الاقتطاعات الإسرائيلية من أموال المقاصة الفلسطينية، مؤكداً أن هذه الإجراءات تهدد قدرة السلطة الوطنية على الوفاء بالتزاماتها المالية، خاصة في ما يتعلق بدفع الرواتب والأجور للموظفين والمتقاعدين.
ويوضح داود أن الاقتطاعات الإسرائيلية تصل إلى نحو 320 مليون شيكل من أموال المقاصة شهرياً، أي ما يعادل نحو ثلث إيرادات المقاصة.
وبحسب داود، فإنه بما أن المقاصة تشكل ثلثي إيرادات السلطة الفلسطينية، فإن هذه الاقتطاعات تؤثر بشكل مباشر على قدرة السلطة على تمويل نفقاتها التشغيلية، خاصة في ظل اعتمادها شبه الكلي على هذه الأموال لتغطية الرواتب والأجور التي تتجاوز قيمتها مليار شيكل شهرياً.
ويشير داود إلى أن هذه الأزمة ليست جديدة، بل هي متكررة وتحدث بشكل مستمر، مما يضع السلطة في مأزق مالي كبير، خاصة أن الاقتطاعات الإسرائيلية تقلل من قدرة السلطة على دفع نحو ثلث الرواتب والأجور الشهرية، وهو رقم كبير يعكس حجم التحديات المالية التي تواجهها السلطة.
وفي ما يتعلق بالبدائل المتاحة أمام السلطة لمواجهة هذه الأزمة، يشير داود إلى أن الخيارات محدودة، فمن ناحية، يمكن للسلطة اللجوء إلى الاقتراض، إلا أن ذلك سيزيد من حجم الدين العام، وقد يؤثر سلباً على قدرة السلطة للاقتراض مجددا أو الالتزام معايير السلامة المالية للبنوك.
ويوضح داود أنه يمكن للسلطة الاعتماد على المساعدات الخارجية، إلا أن هذه المساعدات بدأت تنضب تدريجياً، خاصة في ظل طبيعة الأزمة الفلسطينية الطويلة الأمد، والتي تجعل من الصعب على المجتمع الدولي الاستمرار في تقديم الدعم المالي لفترات طويلة.
ويؤكد داود أن سياسة "ربط الأحزمة" التي قد تلجأ إليها السلطة لتقليل فاتورة الرواتب وعدد العاملين في القطاع العام، لن تكون حلاً ناجعاً، بل قد تفاقم الأزمة الاقتصادية على الصعيد المحلي، خاصة أن هؤلاء الموظفين هم من يديرون عجلة الاقتصاد الفلسطيني، كما أن انقطاع فرص العمل في إسرائيل يقلل من فرص النمو الاقتصادي الفلسطيني، مما يزيد من تعقيد الأزمة.
وفي ما يتعلق بحلول جذرية للأزمة، يشير داود إلى أن تغيير سياسة الحكومة الإسرائيلية الحالية هو أمر ضروري، لإيجاد أفق سياسي أو حل سياسي، وهو أمر ليس بيد السلطة الفلسطينية، بل يعتمد على النشاط السياسي الدولي والمفاوضات الدولية.
ويعرب داود عن تشاؤمه من تأثير وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، مشيراً إلى أن سياسات إدارته لا تشجع على تحقيق تقدم في القضية الفلسطينية، مما يضع الفلسطينيين في ورطة سياسية واقتصادية كبيرة.
تشديد الخناق المالي على السلطة
يؤكد الصحفي المختص في الشأن الاقتصادي، أيهم أبو غوش، أن استمرار الاحتلال الإسرائيلي في اقتطاع واحتجاز أموال المقاصة الفلسطينية يشكل ضغطاً اقتصادياً متزايداً، وتؤشر إلى دخول السلطة الفلسطينية في أزمة مالية خانقة قد تعجز خلال الأشهر المقبلة عن دفع رواتب الموظفين حتى بالنسب التي اعتادت عليها خلال العام الماضي.
ويوضح أبو غوش أن مصادرة 320 مليون شيكل من أموال المقاصة مؤخراً يُعد مؤشراً واضحاً على أن الاحتلال الإسرائيلي بدأ بوقف تدفق أي نوع من أموال المقاصة للسلطة الفلسطينية بشكل تدريجي، ما يعني مزيداً من الضغوط الاقتصادية والخناق المالي على السلطة الفلسطينية.
ويشير أبو غوش إلى أن السلطة الفلسطينية اضطرت مؤخراً إلى اللجوء لقرض حصلت عليه شركة كهرباء القدس، مكنها من دفع 70% من رواتب الموظفين، إلا أن عدم تحويل أموال المقاصة عن شهر كانون الثاني/يناير 2025، يوحي بأن الاحتلال قد يكون احتجز ما تبقى من هذه الأموال.
ويوضح أبو غوش أن الاحتلال الإسرائيلي كان يقتطع منذ أكتوبر 2023 ما يخصص لقطاع غزة من رواتب، إضافة إلى رواتب الشهداء والأسرى، ثم يحول ما تبقى من الأموال، والتي كانت تصل قيمتها إلى نحو 350-400 مليون شيكل شهرياً، إضافة إلى الضرائب المحلية والمساعدات الأوروبية.
وبحسب أبو غوش، كانت هذه الأموال تمكن السلطة من دفع 70% من الرواتب خلال العام الماضي، إلا أن المؤشرات الحالية تشير إلى أن الاحتلال لم يحول الدفعة الشهرية لأموال المقاصة حتى الآن، ما يزيد من حدة الأزمة.
ويوضح أبو غوش أن الأموال المتراكمة والمحتجزة من قبل الاحتلال تبلغ نحو 7.5 مليار شيكل، مشيراً إلى أن المحاكم الإسرائيلية تتخذ بشكل متكرر قرارات بحجز هذه الأموال تحت ذرائع مختلفة، أبرزها اتهام السلطة الفلسطينية بتمويل الإرهاب.
ويعتقد أن هذه الإجراءات تؤشر إلى اتجاهين رئيسيين: الأول هو أن الاحتلال لا ينوي تحويل أموال المقاصة الشهرية أو ما تبقى منها، والثاني هو سعيه لنهب الأموال المحتجزة تحت ذرائع قانونية مزعومة.
ويشير أبو غوش إلى أن السلطة الفلسطينية تواجه أزمة مالية خانقة قد تعجز خلال الأشهر المقبلة عن دفع حتى النسبة التي اعتادت عليها خلال العام الماضي (70% من الرواتب)، إلا إذا تم الإفراج بشكل واضح عن أموال المقاصة المحتجزة، وإذا لم تتدفق المساعدات الدولية بشكل كافٍ.
ويلفت أبو غوش إلى أن هناك وعوداً أوروبية باستئناف المساعدات، إلا أن هذه الوعود لم تكتمل بعد، ولن تكون مرئية قبل شهر نيسان/أبريل أو أيار/مايو المقبلين، حيث من المتوقع أن تقدم أوروبا منحة وقرضاً بقيمة 2.6 مليار دولار على مدى عامين.
ويؤكد أبو غوش أن الأفق المالي الحالي أمام السلطة الفلسطينية يبدو مغلقاً أو يضيق شيئاً فشيئاً، مع وجود علامة استفهام كبيرة حول قدرة السلطة على دفع الرواتب خلال الأشهر المقبلة.
ويوضح أبو غوش أن هذا الوضع سيزيد من الضغط الاقتصادي على الضفة الغربية بشكل خاص، خاصة في ظل استمرار وقف العمالة الفلسطينية داخل إسرائيل، وتقطيع أوصال المدن الفلسطينية، وتدمير البنية التحتية، وخلق حواجز تمنع الفلسطينيين من الوصول إلى مناطق مختلفة في الضفة الغربية.
ويشير أبو غوش إلى أن هذه الإجراءات الإسرائيلية تأتي في إطار سياسة ممنهجة تهدف إلى خلق بيئة اقتصادية طاردة للسكان الفلسطينيين، ودفعهم نحو الهجرة الطوعية.
ويعتقد أن الضغط الاقتصادي المتزايد على الحكومة الفلسطينية، إضافة إلى تدمير البنية التحتية ووقف العمالة، كلها عوامل تساهم في تفاقم الأزمة الاقتصادية التي شهدت أكبر انكماش منذ تأسيس السلطة الفلسطينية.
ويشير أبو غوش إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يمارس على الأرض سياسة ممنهجة لخلق بيئة طاردة، من خلال قطع أموال المقاصة ووقف العمالة وتدمير البنية التحتية، مما يزيد من الضغوط الاقتصادية على الفلسطينيين ويدفعهم نحو الهجرة، في إطار سياسة طويلة الأمد تهدف إلى تفريغ الأرض من سكانها الأصليين.
تداعيات خطيرة على الأزمة المالية للسلطة
يحذر الخبير المالي والاقتصادي، أستاذ العلوم المحاسبية في جامعة النجاح الوطنية د.سامح العطعوط من تداعيات خطيرة على الأزمة المالية التي تواجهها السلطة الفلسطينية نتيجة مصادرة الاحتلال الإسرائيلي 320 مليون شيكل من أموال المقاصة.
ويوضح العطعوط أن هذه الخطوة تعمق الأزمة بشكل كبير، حيث انعكس تأثيرها بوضوح على تأخير صرف رواتب الموظفين لهذا الشهر، التي صُرفت قبيل منتصف الشهر الجاري، نتيجة احتجاز أموال المقاصة التي تُعد مصدرًا رئيسيًا لتغطية فاتورة الرواتب.
ويشير العطعوط إلى أن أموال المقاصة كانت تغطي ما بين 80% إلى 90% من فاتورة الرواتب التي تصل قيمتها إلى نحو مليار شيكل شهريًا، حيث كانت ترفد الخزينة بمبلغ يتراوح بين 800 إلى 900 مليون شيكل، إلا أن الاقتطاعات الأخيرة من أموال المقاصة أدت إلى انخفاض كبير في هذه العائدات، ما فاقم الأزمة المالية وأثر بشكل مباشر على قدرة السلطة على الوفاء بالتزاماتها المالية.
ويقترح العطعوط حلولًا جوهرية لتخفيف حدة الأزمة المالية، أبرزها تقليل الاعتماد على الاستيراد لتعزيز التحصيل الضريبي المحلي.
ويوضح العطعوط أن تقليص الاستيراد من شأنه خفض فاتورة المقاصة، وزيادة الإيرادات المحلية، ما يسهم في معالجة أزمات الخزينة الفلسطينية المالية والاقتصادية.
ويؤكد العطعوط أن الاعتماد على المنتجات المحلية سيؤدي إلى تحفيز قطاعي الإنتاج والتصنيع، مما يسهم في خلق فرص عمل جديدة ويخفض معدلات البطالة، كما سيعزز ذلك الصادرات الفلسطينية، ما ينعكس إيجابيًا على الاقتصاد الوطني ويخفف من الأعباء المالية على الخزينة.
ويشدد العطعوط على ضرورة تطوير نموذج اقتصادي جديد يتلاءم مع الظروف الراهنة، وكذلك الأخذ بعين الاعتبار أهمية بناء سياسة مالية واقتصادية قائمة على الإنتاج المحلي لتقليل الاعتماد على الاستيراد، الأمر الذي يعزز الاستقرار المالي والاقتصادي في مواجهة التقلبات التي تفرضها السياسة الإسرائيلية.
استراتيجية إسرائيلية للسيطرة على الضفة وإفراغها
يؤكد الباحث والخبير الاقتصادي د.مؤيد عفانة أن قرار وزير المالية الإسرائيلي بيتسلئيل سموترش خصم 320 مليون شيكل من إيرادات المقاصة الشهرية، يأتي في إطار قانون عنصري تم إقراره من قبل الكنيست الإسرائيلي في 11 آذار/ مارس 2024.
وبحسب عفانة، ينص هذا القانون على تخصيص 10 ملايين شيكل لكل قتيل إسرائيلي و5 ملايين شيكل لكل مصاب إسرائيلي نتيجة العمليات الفلسطينية، حيث يتم خصم هذه المبالغ من إيرادات المقاصة الفلسطينية.
ويوضح عفانة أن قرار سموتريش ليس الأول من نوعه، ولن يكون الأخير، خاصة بعدما تم تفعيل القانون بعد ثلاثة أشهر من إقراره، أي في يونيو 2024.
ويشير عفانة إلى أن هذا الخصم المتكرر أدى إلى تفاقم الأزمة المالية التي تمر بها السلطة الفلسطينية، والتي تعاني منذ عام 2019 من اقتطاعات شهرية تصل إلى 53 مليون شيكل مخصصات للأسرى والشهداء، وفي نوفمبر 2023، تم اقتطاع مبلغ إضافي بقيمة 275 مليون شيكل، ليصل إجمالي المبالغ المقتطعة شهرياً إلى حوالي 328 مليون شيكل.
ويؤكد عفانة أن هذه الاقتطاعات تراكمياً وصلت إلى نحو 7 مليارات شيكل حتى الآن، ما أدى إلى انخفاض إيرادات المقاصة الشهرية إلى 30% فقط، بسبب احتجاز اسرائيل سبعين بالمئة من إيرادات المقاصة الشهرية.
ويشير عفانة إلى أن هذه الإجراءات الإسرائيلية أدخلت السلطة الفلسطينية في أزمة مالية بنيوية معقدة، حيث لم تعد قادرة على الوفاء بالتزاماتها تجاه الموظفين والموردين والديون المختلفة، وبالرغم من أن ذلك دفع الحكومة الفلسطينية إلى اللجوء لتسهيلات بنكية لتغطية رواتب الموظفين لهذا الشهر، لكن المشكلة لم تحل وتم ترحيلها.
ويوضح عفانة أن وزارة المالية الإسرائيلية حتى بعد خصومات سموتريش، لم تقم حتى الآن بتحويل الحصة المتبقية للسلطة الفلسطينية من إيرادات المقاصة، والتي تبلغ نحو 350 مليون شيكل شهرياً بعد الخصميات، وعلى الرغم من أن إسرائيل لم تعلن رسمياً عن حجز هذه الأموال، فإن الواقع يشير إلى عدم تحويلها.
ويشير إلى أن الأزمة المالية الحالية معقدة وصعبة للغاية، حيث تتحمل السلطة الفلسطينية التزامات مالية كبيرة تشمل رواتب الموظفين والموردين والديون العامة والبنوك وصناديق التقاعد والمعاشات، كما أن انتهاء الحزمة المالية الأوروبية بقيمة 400 مليون يورو، والتي كانت تغطي الفترة من يوليو إلى كانون الأول/ ديسمبر 2024، زاد من تعقيد الأزمة، حيث يتم حالياً انتظار حزمة مالية جديدة من الاتحاد الأوروبي من المقرر مناقشتها وإقرارها في نيسان/ أبريل المقبل.
اتخاذ السلطة إجراءات قانونية على المستوى الدولي
ويدعو عفانة إلى قيام السلطة الفلسطينية باتخاذ إجراءات قانونية على المستوى الدولي لمواجهة هذه الاقتطاعات، مؤكداً أن المقاصة ليست منحة من إسرائيل، بل هي أموال مستحقة للشعب الفلسطيني بموجب بروتوكول باريس الاقتصادي الذي تم توقيعه عام 1994.
ويشير عفانة إلى أن إسرائيل تقوم بخصم 3% من إيرادات المقاصة بدعوى إدارتها، بالرغم من أن البنك الدولي يؤكد أن هذه النسبة لا تتجاوز 0.5%.
ويؤكد عفانة أهمية تجنيد دعم عربي ودولي لمواجهة هذه الأزمة، مشيراً إلى أن السلطة الفلسطينية تحصل حالياً على نحو 200 مليون شيكل من الإيرادات المحلية و10 ملايين دولار من المنحة السعودية، إضافة إلى ما تبقى من إيرادات المقاصة.
ويشير عفانة إلى أن تحفيز المنتج الوطني يمكن أن يخفف من الاعتماد على إيرادات المقاصة، حيث تشكل هذه الإيرادات 68% من الإيرادات الضريبية للسلطة.
ويعتقد عفانة أن الهدف الإسرائيلي من هذه الإجراءات هو الخنق الاقتصادي للضفة الغربية، حيث تعاني الضفة من حوالي 900 بوابة وحاجز تقطع أوصالها، ما يخلق واقعاً معيشياً صعباً وطارداً للاستثمارات.
ويؤكد عفانة أن سياسة خصم أموال المقاصة جزء من استراتيجية إسرائيلية تهدف إلى السيطرة على الضفة الغربية وإفراغها من سكانها، من خلال خنقها اقتصادياً واجتماعياً.
انهيار مالي وشيك إذا لم يتم إيجاد حلول جذرية
يحذر الكاتب والمحلل الاقتصادي د.ثابت أبو الروس من خطورة استمرار تفاقم الأزمة المالية التي تخنق السلطة الوطنية الفلسطينية نتيجة الاقتطاعات المتواصلة من أموال المقاصة من قبل الحكومة الإسرائيلية، حيث إن هذه الأزمة باتت تهدد بانهيار مالي وشيك إذا لم يتم إيجاد حلول جذرية تضمن تحصيل الحقوق المالية الفلسطينية.
ويوضح أبو الروس أن توقيع وزير المالية الإسرائيلي سموتريتش قرارًا بمصادرة 320 مليون شيكل من أموال المقاصة، إلى جانب استمرار الاقتطاعات المتلاحقة التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية بموجب قوانين إسرائيلية جديدة تستهدف عائدات السلطة الفلسطينية، تصب في تعميق الأزمة المالية للسلطة.
ويشير أبو الروس إلى أن الأزمة تفاقمت بعد رفع قضية جديدة يوم الخميس الماضي، تطالب السلطة الفلسطينية بتعويضات تصل إلى مليار و234 مليون شيكل لصالح 245 شخصًا تحت مسمى "ضحايا الإرهاب"، وذلك استنادًا إلى قانون "تعويض ضحايا الإرهاب" الذي أقره الكنيست الإسرائيلي عام 2024، ما يزيد من حجم الاقتطاعات من أموال المقاصة الفلسطينية.
ويؤكد أبو الروس أن استمرار هذه الإجراءات الإسرائيلية سيؤدي إلى نزيف مالي متواصل للسلطة الفلسطينية، مشددًا على أن أموال المقاصة تشكل ما يقارب 65% من إيرادات السلطة الفلسطينية، محذرًا من أن استمرار الاقتطاعات قد يؤدي إلى تراجع عائدات المقاصة إلى الصفر في فترة وجيزة.
ويتحدث أبو الروس عن جذور الأزمة، مشيرًا إلى أن أموال المقاصة هي استحقاق فلسطيني نصت عليه الاتفاقيات الدولية الموقعة منذ عام 1993 برعاية أمريكية ودولية، والتي تنظم العلاقة المالية بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، إلا أن الوضع تغير منذ تولي سموتريتش وزارة المالية الإسرائيلية، حيث بدأ بفرض أنظمة وقوانين إسرائيلية جديدة تخوله باقتطاع أموال من المقاصة تحت ذرائع مختلفة.
وفي ما يتعلق بالحلول المقترحة، يقترح أبو الروس أن الحل الوحيد والجذري للأزمة هو تحصيل الحق الفلسطيني في أموال المقاصة، لأن كافة البدائل التي لجأت إليها الحكومات الفلسطينية سابقًا كانت حلولًا مؤقتة، مثل الاقتراض من البنوك، الذي بلغ سقفه الأعلى، أو تأجيل دفع مستحقات القطاع الخاص، أو التوجه إلى المحاكم الدولية، وتحديدًا الاتحاد الأوروبي، أو محاولة الحصول على دعم مالي شهري من المملكة العربية السعودية بقيمة 10 ملايين دولار، لكنه يشدد على أن هذه الحلول جميعها مجتزأة ولا تعالج جوهر الأزمة الأساسية.
ويشير أبو الروس إلى أن المستحقات الفلسطينية المحتجزة لدى إسرائيل نهاية عام 2024 بلغت حوالي 2 مليار دولار، أي ما يعادل 7 مليارات و200 مليون شيكل، وهو مبلغ ضخم يفاقم الأزمة المالية التي تواجهها السلطة الفلسطينية.
أما بخصوص فكرة وجود طرف ثالث أو دولة وسيطة لتحصيل أموال المقاصة للسلطة، يستبعد أبو الروس نجاح هذا الخيار، مستشهدًا بتجربة النرويج التي حاولت سابقًا القيام بهذا الدور، إلا أن إسرائيل تمكنت من الالتفاف على هذه الآلية والتحكم فيها، ما أفقدها جدواها.
ويؤكد أبو الروس أن الحل الحقيقي يكمن في العمل الجاد على اجبار إسرائيل على إلغاء قانون التعويضات الإسرائيلي الذي يُستخدم ذريعة لاقتطاع أموال السلطة، إضافة إلى ضرورة وجود دولة ضامنة قوية قادرة على تحصين نفسها أمام الضغوط الإسرائيلية.
ويشدد أبو الروس على أن أي انفراج اقتصادي حقيقي مرهون بانفراج سياسي بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، كما أن استمرار الأزمة السياسية سيُبقي الوضع الاقتصادي الفلسطيني في دائرة الاختناق، مع احتمالات حلول جزئية ومؤقتة فقط، دون معالجة المشكلة الجوهرية المتمثلة في تحصيل الحقوق المالية الفلسطينية.
دلالات
الأكثر تعليقاً
نتنياهو: لا مكان لحماس أو السلطة الفلسطينية في غزة في اليوم التالي للحرب

الرئيس يقدم للقمة العربية الطارئة الرؤية الفلسطينية لمواجهة التحديات في المرحلة المقبلة

مصر تستضيف القمة العربية الطارئة يوم 4 آذار/ مارس المقبل

واشنطن بوست: إدارة ترمب توقف جميع المساعدات الأمنية للسلطة الفلسطينية
تركيا تحذر من نكوص نتنياهو على اتفاق غزة
الاحتلال يستولي على أرض لشق طريق استعماري شمال غرب نابلس

أول دفعة منازل متنقلة لغزة تتحرك من معبر رفح
الأكثر قراءة
اليونيسف تدين تصاعد العنف ضد الأطفال في الضفة الغربية المحتلة
طوباس: 3 شهداء في مخيم الفارعة والاحتلال يحتجز جثامينهم
إعلام عبري: إسرائيل تحجز 90 مليون دولار من أموال المقاصة الفلسطينية
بدء دخول المعدات الثقيلة إلى قطاع غزة من معبر رفح
عباس رافضا دعوات التهجير: فلسطين ليست للبيع

لازاريني: اقتحام الاحتلال مدارس للأونروا بالقدس ومعهد قلنديا انتهاك للحق في التعليم ولحصانة الأمم المتحدة

إعلام عبري يكشف هوية المحتجزين الذين ستفرج عنهم المقاومة السبت المقبل

أسعار العملات
الأربعاء 19 فبراير 2025 10:18 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.54
شراء 3.53
دينار / شيكل
بيع 5.0
شراء 4.99
يورو / شيكل
بيع 3.7
شراء 3.69
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%54
%46
(مجموع المصوتين 676)
شارك برأيك
أزمة المقاصة وسيلة الابتزاز الدائمة لإفقار الناس وإضعاف السلطة