أحزنتني مشاهد الجثامين الأربعة التي سلّمتها "حماس" أمس، وأرفقت معها صور الضحايا، الأب "يردن بيباس" والأم "شيري"، وطفليهما "كفير" و"أرئيل"، فيما ظهرت في الخلفية صورة "دراكولا"؛ مصّاص الدماء وقاتل الأطفال والنساء، للتذكير بالمجرم السفّاح الذي لم يعبأ بدماء العائلة الإسرائيلية، مثلما مارس القتل والإبادة بحق آلاف العائلات في القطاع، التي خرج الكثير منها من السجل المدني، في مجمرة الإبادة والتطهير العرقي.

لم يقلّ حزني على مقتل الطفلين الإسرائيليين ووالديهما عمّا انتابني من حزنٍ على مقتل يوسف؛ "أبو شَعر كيرلي"، وهند رجب ومحمد وجورج والآلاف من أترابهم، ومعهم عائلاتهم من الأمهات والآباء والأجداد والجدات، الذين تقاسموا مع المحتجزين الإسرائيليين القنابل الأمريكية في المنازل المستهدفة بالإبادة الجماعية.

الإنسانية لا تتجزأ، فلا يمكن لقلبك أن يحزن على فقدان فلذة كبدك وثمرة قلبك، ولا ينتابه الشعور ذاته تجاه أطفالٍ آخرين، حتى لو كانوا أطفال المحتل الذي يقتل أطفالك، فقد نشأنا على عقيدةٍ سمحةٍ لا تُفرّق بين البشر على أساس اللون والعِرق والدين، فقد جاء في مُحكم التنزيل: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليمٌ خبير"، كما حثنا سيد الخلق على قِيَم الرأفة في الحروب، إذ أوصى الجيوش: "لا تقتلوا امرأةً ولا طفلاً ولا شيخاً فانياً ولا مُتعبّداً في صومعة، ولا تقطعوا شجرة"، وهي القيم التي تُفسّر ظهور المحتجزين الإسرائيليين بكامل الصحة والعافية، مقابل ما ظهر به المحرّرون من أسرانا، وقد شَحبت وجوههم، وهزلت أجسادهم من فرط ما تعرضوا له من تعذيبٍ وتجويع.

نتطلع إلى تصعيد الاحتجاجات من قِبَل العائلات الإسرائيلية، لقطع الطريق على القاتل الذي يحاول التملص من استحقاقات الصفقة، ليعود إلى استكمال المقتلة غير عابئٍ بالمحتجزين، تتلبسه شهوة قتل المزيد من الأطفال في غزة. 

يجب التذكير بضرورة الإفراج عن جثامين مئات الشهداء الذين بلغ عددهم 665 شهيداً في مقابر الأرقام، وطيّ صفحة الآلام والانتظار للعائلات الثكلى، وتبريد أحزانها بمواراة أبنائها الثرى.

لعل الدرس الذي ينهض من بين رماد المجمرة هو أن السلام وإنهاء الاحتلال، ومنح الشعب الفلسطيني حقه في الحرية والاستقلال، الطريق الأقصر لوقف شلالات الدماء، ورسم الأحلام الجميلة لأطفالنا وأطفالهم على حدٍّ سواء