فلسطين
الخميس 13 فبراير 2025 8:57 صباحًا - بتوقيت القدس
"تمكين" كحاضنة لمخصصات الشهداء والأسرى .. ماذا يقول الكُتّاب والمحللون؟
رام الله -خاص بـ"القدس" دوت كوم
د. دلال عريقات: المرسوم ربما جاء لإعادة هيكلة آلية تقديم الدعم للأسرى وعائلات الشهداء بطريقة تقلل من الاستهداف المالي والسياسي للسلطة
نهاد أبو غوش: ليس من المقبول أن يُترك الأسرى وعائلات الشهداء لمساعدات مشروطة أو آليات إغاثية تمس بكرامتهم
داود كُتّاب: التحدي الأكبر بإيجاد حلول مبتكرة تحافظ على حقوق الأسرى وعائلات الشهداء دون تعريض السلطة لمزيد من الضغوط السياسية والمالية
د. عمر رحال: التوقيت الحالي لإصدار المرسوم لم يكن موفقاً نظراً للعدوان الإسرائيلي المستمر ووجود آلاف الشهداء والأسرى
هاني أبو السباع: المرسوم لا يمس الأسرى والشهداء فقط وإنما يهدد أيضاً النسيج الاجتماعي ويُعد سابقة خطيرة وانتحاراً سياسياً
يثير المرسوم الرئاسي الأخير القاضي بتحويل مخصصات الأسرى والجرحى وعائلات الشهداء إلى مؤسسة التمكين الاقتصادي جدلاً واسعاً في الأوساط الفلسطينية، خاصة أن المرسوم أتى في وقت يشهد فيه ملف الأسرى ضغوطاً دولية وإسرائيلية متزايدة، يفتح باب التساؤلات حول أهدافه وتوقيته.
ويرى كتاب ومحللون سياسيون ومختصون وأساتذة جامعات، في أحاديث منفصلة مع "ے"، أن المرسوم يأتي في إطار مساعي السلطة الفلسطينية للتخفيف من الضغوط المالية والسياسية، خاصة بعد القرصنة الإسرائيلية لأموال المقاصة الفلسطينية.
ويشيرون إلى أن هذه الخطوة تثير المخاوف من المساس بمكانة الأسرى والشهداء، حيث يعتبر العديد من الفلسطينيين أن تحويل المخصصات إلى برنامج اقتصادي قد يغير من طبيعة القضية ويحولها من قضية سياسية إلى مسألة اجتماعية، مشددين على ضرورة أن تتخذ أي إجراءات تتعلق بمخصصات الأسرى والشهداء بتشاور مع المؤسسات المعنية، بما يضمن الحفاظ على مكانتهم الوطنية ويمنع من تحويل قضيتهم إلى مجرد ملف مالي يتأثر بالضغوط الخارجية.
وكان الرئيس محمود عباس أصدر في العاشر من الشهر الجاري، مرسوماً رئاسياً بموجبه يتم نقل مخصصات الأسرى الفلسطينيين التي يتم دفعها من قبل السلطة الفلسطينية إلى المؤسسة الوطنية الفلسطينية للتمكين الاقتصادي.
وبحسب المرسوم الرئاسي، فإنه يقضي بإلغاء المواد الواردة بالقوانين والنظم المتعلقة بنظام دفع المخصصات المالية لعائلات الأسرى، والشهداء، والجرحى، في قانون الأسرى واللوائح الصادرة عن مجلس الوزراء ومنظمة التحرير الفلسطينية، وكذلك نقل برنامج المساعدات النقدية المحوسب وقاعدة بياناته ومخصصاته المالية والمحلية والدولية من وزارة التنمية الاجتماعية إلى المؤسسة الوطنية الفلسطينية للتمكين الاقتصادي.
وبموجب هذه التعديلات تخضع جميع الأسر التي كانت تستفيد من القوانين والتشريعات والنظم السابقة لنفس المعايير المطبقة دون تمييز على جميع الأسر المستفيدة من برامج الحماية والرعاية الاجتماعية، وفقاً لمعايير الشمولية والعدالة، والتي تنطبق شروطها على كافة الأسر التي تحتاج لمساعدة في المجتمع الفلسطيني.
وكذلك، فإنه بموجب هذا التعديل، فقد أحيلت صلاحيات كافة برامج الحماية والرعاية الاجتماعية في فلسطين لمؤسسة التمكين الاقتصادي الفلسطيني، والتي ستتولى مسؤوليات تقديم برامج الحماية والرعاية الاجتماعية لجميع الأسر الفلسطينية التي تحتاج للمساعدة والمستفيدة بدون تمييز. ووفق المرسوم الذي نشرته وكالة الأنباء الرسمية (وفا)، فإن مؤسسة التمكين الاقتصادي الفلسطيني تتمتع بالشخصية القانونية الاعتبارية المستقلة التي يديرها مجلس أمناء يعينه الرئيس الفلسطيني، وتعمل وفق قانونها ومهامها وآليات عملها الشفافة وتخضع لمعايير الرقابة الإدارية والمالية وبما ذلك الرقابة من مؤسسات دولية، لضمان شفافية الإجراءات وعدالة التوزيع. وبحسب المرسوم، فإن المؤسسة الوطنية الفلسطينية للتمكين الاقتصادي ستسعى لتجنيد كل ما أمكن من أموال ومنح ومخصصات لمختلف فئات الشعب الفلسطيني، خصوصاً في ظل التصاعد الكبير في أعداد العائلات التي تحتاج للرعاية الاجتماعية والدعم والتمكين بعد الحرب على قطاع غزة والضفة الغربية، وبما يساهم في تعزيز صمود أبناء الشعب الفلسطيني أسوة بمختلف أنظمة الرعاية الاجتماعية التي تعتمدها دول العالم المختلفة التي لديها أنظمة قوية وممأسسة للرعاية الاجتماعية.
"الدبلوماسية القسرية" التي تمارسها إسرائيل وأمريكا
تعتقد أستاذة الدبلوماسية وحل الصراع في الجامعة العربية الأمريكية، د. دلال عريقات، أن إصدار المرسوم الرئاسي القاضي بتحويل مخصصات الأسرى وعائلات الشهداء والجرحى إلى مؤسسة التمكين الاقتصادي قد يأتي في إطار الضغوط الدولية المتزايدة على القيادة الفلسطينية، خاصة فيما يتعلق بالدعم المالي للأسرى وعائلاتهم.
وتوضح عريقات أن هذا القرار يعكس "الدبلوماسية القسرية" التي تمارسها إسرائيل والولايات المتحدة منذ سنوات ضد السلطة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير، بهدف تقليص أو إنهاء المساعدات المالية المقدمة للأسرى، والتي تعتبرها إسرائيل "تشجيعاً للعنف".
وتشير عريقات إلى أن السبب الرئيسي وراء إصدار هذا المرسوم ربما لإعادة هيكلة آلية تقديم الدعم للأسرى وعائلات الشهداء والجرحى بطريقة تقلل من الاستهداف المالي والسياسي للسلطة الفلسطينية، فبدلاً من صرف المخصصات بشكل مباشر، سيتم إدراج الأسرى ضمن برامج "التمكين الاقتصادي"، وهي خطوة قد تكون محاولة للالتفاف على الإجراءات الإسرائيلية، خاصة أن الاحتلال يفرض اقتطاعات من أموال المقاصة الفلسطينية بحجة أن الرواتب المقدمة للأسرى تشجع على "الإرهاب".
وترى عريقات أن هذا التغيير الإداري قد يكون تكتيكاً لتخفيف الضغوط المالية التي تواجهها السلطة الفلسطينية، لكنه في الوقت ذاته يثير تساؤلات جوهرية حول تداعياته السياسية والوطنية، فالأسرى الفلسطينيون ليسوا مجرد فئة اجتماعية بحاجة إلى دعم مالي، بل هم جزء من النضال الوطني، وأي تغيير في آلية صرف مخصصاتهم يجب أن يتم بطريقة تحفظ مكانتهم السياسية والنضالية.
وفيما يتعلق بتوقيت إصدار المرسوم، توضح عريقات أن المرسوم يأتي وسط ضغوط دولية وإقليمية متزايدة، إضافة إلى الأزمة المالية التي تعاني منها السلطة الفلسطينية.
ومع ذلك، تعتبر عريقات أن التوقيت يثير القلق حول ما إذا كان هذا القرار جاء نتيجة استجابة مباشرة لهذه الضغوط، أم أنه جزء من رؤية فلسطينية داخلية لإدارة ملف الأسرى بشكل أكثر استدامة.
وتشير عريقات إلى أن القضية لا تتعلق فقط بتغيير آلية الصرف المالي، بل بآلية صنع القرار الفلسطيني، خاصة في القضايا الوطنية الحساسة.
وتلفت عريقات إلى أن اتخاذ قرار بهذا الحجم دون استشارة الجهة الرسمية المختصة بشؤون الأسرى في منظمة التحرير، وهي هيئة شؤون الأسرى والمحررين، ودون إشراك الأسرى أنفسهم في مناقشة مصير مخصصاتهم، يفتح الباب أمام جدل واسع حول مدى شفافية وتشاركية صناعة القرار الفلسطيني.
وتشدد عريقات على أن إنهاء الجدل حول هذا المرسوم لا يكون فقط بإلغائه، بل عبر تصحيح المسار السياسي والتشريعي لضمان عدم تكرار مثل هذه الأزمات مستقبلاً.
وتؤكد عريقات ثلاثة مسارات ضرورية يجب أن تُتبع لمعالجة تداعيات القرار بشكل صحيح،من خلال إشراك الجهات المختصة في منظمة التحرير المعنية بملف الأسرى في أي قرارات مستقبلية تتعلق بهم، بما في ذلك هيئة شؤون الأسرى، مع ضرورة التواصل المباشر مع الحركة الأسيرة والاستماع إلى وجهة نظرها لضمان عدم المساس بمكانتهم الوطنية.
وتشير إلى ضرورة إصدار توضيح رسمي من القيادة الفلسطينية يؤكد أن هذا القرار ليس استجابة للضغوط الخارجية، بل هو جزء من استراتيجية لتعزيز صمود الأسرى وحمايتهم مالياً وسياسياً، مما يمنع التأويلات السلبية التي قد تؤدي إلى إضعاف موقف السلطة الفلسطينية.
وتشدد عريقات على ضرورة إعادة التأكيد على أن حقوق الأسرى ومكانتهم النضالية محفوظة، وأن أي تغيير إداري لا يعني المساس بهم كرموز وطنية، مع ضمان استمرار الدعم المادي والمعنوي لهم وفق أسس تحفظ كرامتهم وتاريخهم النضالي.
وتحذر عريقات من أن التعامل مع ملف الأسرى باعتباره قضية مالية أو إدارية فقط قد يُضعف المناعة الوطنية الفلسطينية أمام الضغوط الإسرائيلية والدولية، ويمنح الاحتلال فرصة لتكريس روايته الدولية التي تهدف إلى نزع الصفة النضالية والسياسية عن الأسرى الفلسطينيين.
وتؤكد عريقات أن الحفاظ على حقوق الأسرى ليس فقط ضرورة وطنية، بل مسؤولية استراتيجية للحفاظ على الثوابت الفلسطينية، وأن أي تعديل في آلية الدعم يجب أن يتم بحذر شديد وبالتشاور مع الجهات المعنية، حتى لا يتحول إلى أداة لإضعاف أحد أهم الرموز الوطنية الفلسطينية.
إسرائيل ستجد ذرائع أخرى لمواصلة الاقتطاعات المالية
يؤكد الكاتب والمحلل السياسي نهاد أبو غوش أن المرسوم الرئاسي بشأن مخصصات الاسرى والشهداء يعكس إشكالية متكررة في النظام السياسي الفلسطيني، والمتمثلة في الإفراط في اتخاذ القرارات بقانون دون المرور بالمؤسسات التشريعية والمجتمعية المعنية.
ويوضح أبو غوش أن هذه القرارات، التي يتم اتخاذها بناءً على صلاحيات الرئيس المنصوص عليها في القانون الأساسي، كان يفترض أن تصدر فقط في حالات الضرورة القصوى، إلا أن هذا الإجراء تكرر مئات المرات، حتى في قضايا على درجة عالية من الحساسية والدقة، كان يجب أن تكون محل نقاش وطني ومجتمعي واسع.
ويؤكد أبو غوش أن الاستمرار في إصدار هذه القرارات بهذه الطريقة يهدد النظام السياسي الفلسطيني، إذ يجعل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية متمركزة بيد فرد واحد، في ظل غياب آليات واضحة لصياغة هذه القوانين أو معرفة الجهات التي تقترحها.
ويشير أبو غوش إلى أن الدور الأساسي في ذلك يعود إلى مستشارين ومقربين من الرئيس والعاملين في الرئاسة، ما يؤدي إلى استبعاد المؤسسات التمثيلية والمجتمعية من اتخاذ القرار.
ويعتقد أبو غوش أن الدافع الأساسي وراء إصدار هذا القرار هو الالتفاف على السلوك الإسرائيلي المتكرر بقرصنة أموال المقاصة، حيث تقوم حكومة الاحتلال باقتطاع مخصصات الأسرى الفلسطينيين من العائدات الضريبية، وهو إجراء وصفه بالمخالف للقانون الدولي.
ويشير أبو غوش إلى أن هذه السياسة لم تبدأ إلا في عهد حكومات بنيامين نتنياهو، إذ كانت الأمور تسير بشكل طبيعي منذ توقيع اتفاق أوسلو وحتى عام 2010.
ويشير أبو غوش إلى أن حكومة الاحتلال، حتى في عهد حكومة نتنياهو الأولى، لم تتخذ إجراءات صارمة بهذا الشأن، حيث كانت منظمة التحرير الفلسطينية هي الجهة التي تتولى دفع مخصصات الأسرى والشهداء، لكن هذا الملف طُرح مؤخراً بشكل مكثف لتنفيذ رؤية يمينية متطرفة تهدف إلى ابتزاز السلطة الفلسطينية والمنظمة.
ويؤكد أبو غوش أنه حتى لو تمكنت القيادة الفلسطينية من الالتفاف على هذه الأزمة وإيجاد حلول بديلة، فإن إسرائيل ستجد ذرائع أخرى لمواصلة الاقتطاعات المالية، كما يفعل وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، الذي يقرر بشكل متكرر اقتطاع أموال فلسطينية بحجج متعددة، مثل دفع مستحقات الكهرباء، أو تعويض المتضررين الإسرائيليين من العمليات الفلسطينية.
ويشدد أبو غوش على ضرورة البحث عن خيارات أخرى لمواجهة هذه السياسات الإسرائيلية، شرط أن يتم ذلك عبر نقاش وطني مسؤول ضمن الأطر الشرعية الفلسطينية، ومن خلال حالة من الحوار الوطني والمجتمعي الذي يفضي إلى حلول توافقية.
ويوضح أبو غوش أن منظمة التحرير والمؤسسات الوطنية المستقلة، إلى جانب صناديق عربية وإسلامية، يمكن أن تكون جزءاً من الحل، بدلاً من التعامل مع قضية الأسرى والشهداء وكأنها ملف إغاثي.
وينتقد أبو غوش التوجه نحو تحويل مخصصات الأسرى والشهداء إلى مساعدات اجتماعية تخضع لاختبارات الفقر والحاجة، كما لو أن هؤلاء المناضلين يمثلون مجرد فئة مهمشة.
ويؤكد أبو غوش أن قضية تحويل قضية الأسرى والشهداء إلى حالة اجتماعية تشكل مساساً بالكرامة الوطنية الفلسطينية، مشيراً إلى أن الأسرى والشهداء هم في صلب النضال الفلسطيني ويحظون برمزية عالية، ويجب التعامل معهم بناءً على تضحياتهم، لا كعبء مالي على السلطة.
ويشير أبو غوش إلى تجارب دول أخرى، مثل الجزائر، التي ما زالت تمتلك وزارة قائمة حتى اليوم اسمهل "وزارة شؤون المجاهدين" رغم مرور أكثر من 50 عاماً على استقلالها، متسائلاً: "كيف يمكن لدولة مثل فلسطين، التي لا تزال في مرحلة التحرر، أن تتخلى عن مسؤوليتها تجاه مناضليها؟".
ويؤكد أبو غوش أن موقف جميع الهيئات العاملة في قطاع الأسرى واضح تماماً برفض هذا القرار، حيث طالب رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين، قدورة فارس، بسحبه، وهو ما يمثل موقف المؤسسات الحقوقية المختصة والفصائل الوطنية.
ويشدد على أن الشعوب التي ناضلت من أجل الحرية والاستقلال تحترم مناضليها وتمنحهم المكانة التي تليق بهم، وليس من المقبول أن يُترك الأسرى وعائلات الشهداء لمساعدات مشروطة أو آليات إغاثية تمس بكرامتهم.
ويؤكد أبو غوش ضرورة تفعيل الخيارات القانونية لمواجهة القرصنة الإسرائيلية، بما في ذلك اللجوء إلى محكمة العدل الدولية وغيرها من الهيئات القضائية الدولية، إضافةً إلى تفعيل الصناديق العربية والإسلامية لدعم الأسرى وعائلاتهم بعيداً عن الهيمنة الإسرائيلية على الأموال الفلسطينية.
ويقول أبو غوش: "من الضروري أن يكون هذا المسار جزءاً من رؤية وطنية متكاملة، لا أن يتم اتخاذ قرارات استجابةً للإجراءات الإسرائيلية، وكأنها قدر محتوم يجب على الفلسطينيين التكيف معه".
السنوات الأربع المقبلة ستكون غاية في الصعوبة
يؤكد الكاتب والمحلل السياسي داود كُتّاب أن السنوات الأربع المقبلة ستكون غاية في الصعوبة على القيادة الفلسطينية، في ظل استمرار حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل والإدارة الأمريكية الحالية.
ويوضح كُتّاب أن هذه المرحلة تتطلب من السلطة الفلسطينية إعادة ترتيب أوراقها لمواجهة التحديات المتزايدة، بما في ذلك قضية مخصصات الأسرى وأهالي الشهداء، والتي باتت هدفاً للضغوط الإسرائيلية والدولية.
ويشير كُتّاب إلى أن استمرار الحكومة الفلسطينية في ظل هذه الظروف المعقدة يفرض عليها إيجاد حلول جديدة لتجنب الضغوط المالية والسياسية، وأحد هذه الحلول هو فصل موضوع المخصصات عن عمل الحكومة الفلسطينية، بحيث لا يبقى في إطار المسؤولية المباشرة للسلطة، وإنما يتم توسيعه ليصبح مشروعاً عاماً يتلقى دعماً من الدول العربية، وبهذه الطريقة، تتحمل الدول العربية جزءاً من المسؤولية الوطنية تجاه الأسرى وأهالي الشهداء، ما يعزز الدعم العربي للشعب الفلسطيني في مواجهة الضغوط الإسرائيلية.
وفيما يتعلق بإمكانية تراجع القيادة الفلسطينية عن هذا القرار، يستبعد كُتّاب هذا السيناريو، مشيراً إلى أن السلطة لن تلغي القرار لكنها بحاجة إلى توضيح موقفها للرأي العام الفلسطيني.
ويؤكد كُتّاب أن هناك حرباً شرسة ليس فقط ضد حماس في غزة، بل أيضاً ضد التيار الوطني الفلسطيني ككل، ما يجعل من الضروري إدارة الأمور بهدوء وعقلانية بعيداً عن العواطف.
ويلفت إلى أن هذه التحولات لن تؤثر بشكل جوهري على ملف الأسرى، لكنه يُقر بأن الأسرى المحكومين بالسجن المؤبد قد يتأثرون جزئياً، لكن في المقابل بعد تنفيذ صفقة تبادل الأسرى، سيتناقص عددهم.
ويشير كُتّاب إلى أن أحد أوجه النقد الممكنة هو أن السلطة لم تقم بالتشاور الكافي مع النشطاء المعنيين بقضية الأسرى، وكذلك مع الرأي العام الفلسطيني.
ويؤكد كُتّاب أن مثل هذه القضايا الوطنية الحساسة تتطلب مشاركة أوسع قبل اتخاذ قرارات جوهرية، ما كان سيساهم في تفادي الجدل الحالي واحتواء ردود الفعل.
ويشدد كُتّاب على أهمية إدارة هذا الملف بذكاء وحكمة، مؤكداً أن التحدي الأكبر أمام القيادة هو إيجاد حلول مبتكرة تحافظ على حقوق الأسرى وعائلات الشهداء، دون تعريض السلطة الفلسطينية لمزيد من الضغوط السياسية والمالية.
القرار جاء نتيجة ضغوط أمريكية وأوروبية مكثفة
يؤكد الكاتب والمحلل السياسي د.عمر رحال أن إصدار المرسوم الرئاسي الأخير بشأن تحويل مخصصات الأسرى والشهداء إلى "الهيئة العامة للتمكين الاقتصادي" جاء نتيجة ضغوط أمريكية وأوروبية مكثفة على السلطة الفلسطينية، مشيراً إلى أن التوقيت الحالي لإصدار المرسوم لم يكن موفقاً نظراً للعدوان الإسرائيلي المستمر ووجود آلاف الشهداء والأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، بينهم من قضى عقوداً طويلة في السجون الإسرائيلية.
ويوضح رحال أن القضية ليست مجرد قرار داخلي فلسطيني، بل ترتبط باشتراطات دولية تتعلق بتمويل السلطة الوطنية الفلسطينية، خصوصاً من قبل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية.
ويشير رحال إلى أن المانحين الدوليين، وعلى رأسهم الأوروبيون، وضعوا شروطاً صارمة تفرض على السلطة الفلسطينية عدم استخدام أي أموال دعم لصالح الأسرى والشهداء، الأمر الذي دفع السلطة إلى اتخاذ إجراءات استباقية لضمان استمرار الدعم المالي الخارجي.
ويلفت رحال إلى أن هذه الضغوط ليست جديدة، حيث سبق أن تم فرض قيود على وزارة الأسرى، التي لم تعد تتبع إحدى وزارات السلطة الفلسطينية وحولت إلى هيئة لشؤون الأسرى والمحررين، بل تم تحويلها إلى هيئة مستقلة، وذلك استجابة لمطالب دولية تهدف إلى فصل ملفات الأسرى والشهداء عن الموازنة العامة للسلطة.
ويؤكد رحال أن الاحتلال الإسرائيلي بدوره يمارس سياسة قرصنة على أموال المقاصة الفلسطينية، حيث يقوم باقتطاع المبالغ المخصصة للأسرى والشهداء وذويهم، إضافة إلى خصم مخصصات قطاع غزة، ما يجعل السلطة الفلسطينية أمام ضغوط مالية خانقة تدفعها للبحث عن حلول بديلة، مثل تحويل هذه المخصصات إلى "الهيئة العامة للتمكين الاقتصادي" لتفادي الضغوط.
ويرى رحال أن هذه الخطوة ليست وليدة اللحظة، بل تعود إلى سياسات قديمة للحكومة السابقة، حيث سبق أن تم إنشاء "بنك الاستقلال" كبديل لمنع تحويل مخصصات الأسرى عبر البنوك التجارية، وذلك بعد أن فرضت ضغوط دولية مماثلة.
وحول مستقبل المرسوم الرئاسي بهذا الخصوص، يستبعد رحال إمكانية إلغائه، موضحاً أن القرار لم يمس بشكل مباشر حقوق الأسرى والشهداء، لكنه يأتي ضمن ترتيبات مالية وإدارية تتماشى مع الاشتراطات الدولية.
ورغم ذلك، يحذر رحال من أن هذه الإجراءات قد تؤدي إلى تداعيات سياسية خطيرة، باعتبار أن ملف الأسرى والشهداء يمثل إحدى الثوابت الوطنية التي لا يجوز المساس بها، مشدداً على أن هؤلاء الأسرى ضحوا من أجل القضية الفلسطينية، وليس من أجل مكاسب شخصية لهم أو لعائلاتهم.
ويعتقد رحال أن التعاطي مع شروط المانحين الدوليين بشأن الأسرى والشهداء ينعكس سلباً على مجمل الوضع الفلسطيني، حيث يمس ليس فقط الأسرى وعائلاتهم، بل عموم الشعب الفلسطيني، لما لهذه القضية من أبعاد وطنية وسياسية.
ويؤكد رحال أن السلطة الفلسطينية مطالَبة بإيجاد حلول تحافظ على حقوق الأسرى والشهداء دون الرضوخ للاشتراطات الخارجية، مشدداً على أن المقاومة حق مشروع وفق القانون الدولي، وأن الأسرى الفلسطينيين ليسوا "مجرمين" بل مناضلين من أجل الحرية وفق ما تنص عليه القوانين والمواثيق الدولية المتعلقة بحركات التحرر الوطني.
سابقة خطيرة تحت الضغط الدولي
يؤكد الكاتب والمحلل السياسي هاني أبو السباع أن قرار تحويل مخصصات الشهداء والأسرى إلى "مؤسسة التمكين الاقتصادي" يمثل سابقة خطيرة تمس أحد أهم الثوابت الوطنية.
ويوضح أبو السباع أن هذا القرار جاء في إطار الضغوط الإسرائيلية والدولية المستمرة على السلطة الفلسطينية، والتي تستهدف إلغاء الدعم المالي للأسرى والجرحى وعائلات الشهداء تحت مزاعم أن هذه المخصصات تشجع على الإرهاب والمقاومة المسلحة.
ويشير أبو السباع إلى أن هذه الضغوط ليست جديدة، إذ مارستها إسرائيل والولايات المتحدة ودول أوروبية منذ سنوات، لكنها قوبلت برفض فلسطيني حازم، حيث أكد الرئيس محمود عباس في تصريح سابق أن السلطة ستواصل دفع رواتب الأسرى حتى لو لم يبق في خزينتها سوى فلس واحد، إلا أن إسرائيل صعّدت إجراءاتها من خلال وقف تحويل أموال المقاصة، ما دفع السلطة إلى إعادة هيكلة آلية تقديم الدعم، وهو ما اعتبره أبو السباع تنازلاً خطيراً تحت الضغط الدولي.
ويوضح أبو السباع أن تحويل مخصصات الأسرى إلى إطار اقتصادي يتعامل معهم كحالات اجتماعية فردية وليس كرموز نضالية، يمثل انحرافاً يجب تصويبه.
ويرى أبو السباع أن هذه التغييرات لم تأتِ من فراغ، إذ سبقتها إجراءات مماثلة، مثل إلغاء وزارة الأسرى وتحويلها إلى هيئة، والآن يتم تحويل الهيئة إلى مؤسسة اقتصادية.
ويوضح أبو السباع أن هذا التحوّل يهدف إلى إخراج قضية الأسرى من الإطار الوطني إلى الإطار الاجتماعي البحت، ما يهدد مكانتهم ورمزيتهم في المجتمع الفلسطيني.
ويؤكد أبو السباع أن القوانين الفلسطينية أكدت حقوق الأسرى والشهداء، وجرى إقرارها في المجلس التشريعي، كما اعتمدتها الحكومات المتعاقبة، ما يجعل القرار الأخير مفاجئاً وغير مبرر.
ويوضح أبو السباع أن القيادة بررت هذه الخطوة بأنها محاولة لتخفيف الضغوط الدولية، إلا أن ذلك لم يقنع الشارع الفلسطيني، الذي يرى في هذه الإجراءات تنازلاً سياسياً خطيراً قد يشجع إسرائيل على فرض مزيد من الإملاءات مستقبلاً.
ويحذر أبو السباع من أن هذا القرار قد يؤدي إلى حراك شعبي واسع رافض، مشيراً إلى أن ردود الفعل الأولية تؤكد على رفض شعبي عارم لهذه الخطوة.
ويشير أبو السباع إلى أن عائلات الأسرى والشهداء وقطاعات واسعة من المجتمع الفلسطيني بدأت بالفعل في التعبير عن رفضها العلني لهذا القرار، من خلال بيانات وتصريحات صحفية ومطالبات مباشرة للرئاسة الفلسطينية بالتراجع عنه، معتقداً أن الضغط الشعبي قد يدفع السلطة إما إلى تأجيل تنفيذ القرار أو البحث عن بدائل تحفظ حقوق الأسرى.
ويؤكد أبو السباع أن المرسوم لا يمس الأسرى والشهداء فقط، بل يهدد النسيج الاجتماعي الفلسطيني، مشيراً إلى أن الأسرى والشهداء ينتمون إلى مختلف الفصائل، ودعمهم لا يرتبط بفصيل معين، بل هو واجب وطني وأخلاقي.
ويوضح أبو السباع أن تحويل هذه القضية إلى مسألة اقتصادية بحتة، يعني أن السلطة تتنصل تدريجياً من التزاماتها الوطنية تجاه من ضحوا من أجل القضية الفلسطينية.
ويشير أبو السباع إلى أن الوزير قدورة فارس، رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين، عقد مؤتمراً صحفياً أكد خلاله خطورة هذا القرار، موضحاً أن جزءاً كبيراً من الأسرى والمصابين هم من استجابوا لدعوات القيادة للمقاومة الشعبية السلمية، وبالتالي ليس من المنطقي أن تتخلى عنهم عندما يُعتقلون أو يُصابون أو يُستشهدون.
ويؤكد أبو السباع أن القرار يُعد انتحاراً سياسياً للسلطة الفلسطينية، ويهدد أحد أهم الثوابت الوطنية، داعياً القيادة إلى إعادة النظر فيه بشكل فوري، والتراجع عنه، لأن الاستمرار فيه قد يؤدي إلى أزمة شعبية عميقة، وانقسام داخلي خطير.
ويؤكد أبو السباع أن على السلطة أن تعي حساسية هذا الملف، وأهمية الحفاظ على حقوق الأسرى والشهداء بعيداً عن أي مساومات سياسية أو اقتصادية.
دلالات
الأكثر تعليقاً
ترامب يهدد بالعودة للحرب في حال لم يتم الإفراج عن المحتجزين
مرسوم رئاسي: تعديل نظام دفع مخصصات عائلات الأسرى والشهداء والجرحى
![](https://alquds.fra1.digitaloceanspaces.com/uploads/039f0cac70a7c09235de1cd0bc478969.jpg)
جامعة الدول العربية عن تصريحات نتنياهو حول دولة "فلسطينية في السعودية": انفصال تام عن الواقع
![](https://alquds.fra1.digitaloceanspaces.com/uploads/0b6e0498328f223d96ec44c802c9dcba.webp)
تربويون يطالبونها بالعدول عن القرار.. لماذا سحبت "الأونروا" كتاب الصف الخامس؟
![](https://alquds.fra1.digitaloceanspaces.com/uploads/df602fc6c3ff5ee10e003377a2ab2ad5.jpg)
الاحتلال يعرقل مغادرة المرضى والجرحى من معبر رفح
ترامب يؤكد لدى استقباله العاهل الأردني على الاستيلاء على غزة وضم الضفة الغربية
الرئيس الفرنسي: إعادة بناء غزة يجب أن لا يأتي على حساب عدم احترام الفلسطينيين
الأكثر قراءة
ترامب يهدد بالعودة للحرب في حال لم يتم الإفراج عن المحتجزين
ملك الأردن: لا يمكن تحقيق الاستقرار بالإقليم دون تنفيذ حل الدولتين
80 مليون دولار لحصر الأضرار وإزالة الركام وإنشاء عدد من مراكز الإيواء المؤقتة في قطاع غزة
عشية لقائه مع العاهل الأردني، ترامب يعلن أنه لن يكون للفلسطينيين حقا بالعودة إلى غزة
![](https://alquds.fra1.digitaloceanspaces.com/uploads/91b1cf7c1eb33a785126f68c97b7c7f0.jpg)
ترامب يؤكد لدى استقباله العاهل الأردني على الاستيلاء على غزة وضم الضفة الغربية
مرسوم رئاسي: تعديل نظام دفع مخصصات عائلات الأسرى والشهداء والجرحى
![](https://alquds.fra1.digitaloceanspaces.com/uploads/039f0cac70a7c09235de1cd0bc478969.jpg)
فارس يطالب الرئيس عباس بسحب مرسوم مخصصات الأسرى والشهداء
![](/assets/block_backgrounds/finance1-27a30c25.jpg)
أسعار العملات
الأحد 09 فبراير 2025 9:22 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.55
شراء 3.56
دينار / شيكل
بيع 5.01
شراء 5.0
يورو / شيكل
بيع 3.68
شراء 3.67
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%54
%46
(مجموع المصوتين 625)
شارك برأيك
"تمكين" كحاضنة لمخصصات الشهداء والأسرى .. ماذا يقول الكُتّاب والمحللون؟