أقلام وأراء
الأحد 26 يناير 2025 9:13 صباحًا - بتوقيت القدس
بوابات وحواجز قهر وإذلال وامتهان كرامة
أعطوني شعباً من شعوب العالم، يستطيع أن يعيش في بقعة جغرافية، كمساحة الضفة الغربية، التي تقطعها في الوضع الطبيعي من شمالها إلى جنوبها في السيارة خلال 4 ساعات، هذه المسافة في ظل 900 بوابة وحاجز عسكري، تحاصر الضفة الغربية، وتقطع أوصالها جغرافياً وديمغرافياً، منها 146 بوابة أقيمت بعد السابع من أكتوبر 2023، و17 منها أقيمت منذ بداية هذا العام. اليوم تحتاج منك إلى أسبوع سفر، يكفيك أن تسافر إلى سبع دول أوروبية، بدون أن يُخزن في ذاكرتك، هل من الممكن أن تعود إلى بيتك؟ أم سيبقى يساورك الشك بأن جنود الاحتلال المستنفرين على الحواجز، قد يغلقونه، ويقولون لك عد من حيث أتيت، وأي نقاش مع هؤلاء المتغطرسين والحاقدين، قد يكلفك حياتك ثمناً لذلك.
هذه الحواجز والبوابات، والتي باتت تحتاج إلى إنشاء صفحات خاصة على المجموعات أو مواقع التواصل الاجتماعي، حول وضع تلك البوابات والحواجز، والتي تريد "تطويع" عقلك ووعيك، لكي تضبط وتنظم حياتك على مواعيد فتحها وإغلاقها، وهي ليس فقط تًمتهن فيها كرامتك، وتقتل فيها إنسانيتك، وتشعرك بأن للحيوان قيمة أكثر منك، وأنه مطلوب أن تموت حياً كفلسطيني، وأن تتعود على الذل والمهانة، دون أن تشكو أو تتذمر، فهؤلاء جنود وحراس "شعب الله المختار"، يحق لهم أن يفعلوا بك أي شيء، وحياتك عندهم لا قيمة لها، وإذا أطلقوا عليك النار وقتلوك، فالتهمة جاهزة، محاولة طعن أو دهس، وسادة البيت الأسود في واشنطن، جاهزون لتبني روايتهم وترويجها والدفاع عنها.
والأنكى من ذلك، إذا كنت ستجتاز المعبر أو الحاجز راجلاً، فأنت مجبر أن تمر من خلال حواجز دوارة، تشبه "معاطات الدجاج"، يتحكم فيها جنود ورجال أمن مشبعون بالحقد والكراهية، بحيث يجري تفتيشك يدوياً و"بالماغنوميتر" إلكترونياً، ومرورك رهن بمزاجية الضابط أو الجندي، وما أسهل أن يقول لك "تحزور"، أي ارجع، وأي جدال أو رفض قد يكلفك حياتك بإطلاق النار عليك، أو تعريض نفسك للاحتجاز أو الإعتقال.
هناك من العمال والموظفين وحتى الطلبة من يخرجون من ساعات الفجر الأولى، على أمل الوصول إلى أعمالهم ووظائفهم ومؤسساتهم التعليمية والصحية، أو من أجل العلاج، ولكنهم يفشلون في الوصول إليها في الوقت المحدد، رغم ساعات الانتظار التي تطول وتطول، وتمتد لساعات طويلة، أو عند الوصول للحاجز، فجأة يجري إغلاقه، بعد أن تكون القلوب قد بلغت الحناجر، وأصبحت قاب قوسين أو أدنى من انفجار داخلي، نتاج ضغط نفسي لا يقوى على تحمله البشر.
أعتقد بأن ذلك ينسجم مع رؤية وقناعات ومفاهيم ومقولات الكذب والدجل والخداع والتضليل التي يحاول أن يروج لها الأمريكان ودول الغرب الاستعماري، عن الحرية والديمقراطية والعدل وحقوق الإنسان والحق في التنقل والحق في العبادة والحق في الوصول إلى المشافي والمراكز الطبية من أجل العلاج، ولكن لكون الفلسطينيين، وحسب نظريات العولمة الرأسمالية "المتغولة" و"المتوحشة"، ضمن الشعوب التي يقول عنها منظرو الفكر الرأسمالي المعولم من فوكاياما وكتابه عن "نهاية التاريخ" بأن الرأسمالية في طورها الأعلى الإمبريالية، هي "أعلى درجات التحضر والإنسانية والتطور"، وصاحب نفس النظرية والفكرة والموقف والرواية والسردية صموئيل همنغتون في كتابه عن "صراع الحضارات"، والذي يرى فينا وفي شعوب العالمثالثية، شعوباً همجية ووحشية غير قابلة للتحضر، ولذلك منحهم الرب وفق الفكر التلمودي التوراتي والمسيحي الأنجليكاني المتصهين، الحق بإبادتنا والتخلص منا، لكي يعم الأمن والاستقرار والسلام في العالم، ونحن كفلسطينيين لسنا كالشعب الأوكراني، ليست عيوننا زرقاء ولا بشرتنا بيضاء ولا شعرنا أشقر، لكي يهبوا في أمريكا والغرب الاستعماري، للوقوف إلى جانبنا ومنع إبادتنا وقتلنا، بل يرسلون كل أنواع اسلحتهم، من أجل الإجهاز علينا، إيماناً بالوعد الرباني، بإنه يجب التخلص منا.
أظن أن شعبنا لا يستحق فقط اسم شعب الجبارين، بل هو شعب الجبابرة. تصوروا عندما تضيق سبل العيش على الإنسان الفلسطيني، ويحرم من تصريح للعمل، مجبر للحصول عليه من دولة الاحتلال، لكي يصل إلى مكان عمله أو وظيفته في القدس أو في الداخل الفلسطيني- 48 – ، أو مؤسسات إسرائيلية وقطاعات اقتصادية إسرائيلية مختلفة، تجده يقامر ويخاطر بحياته، لكي يوفر الطعام لأفواه جائعة، تنتظر منه الطعام والحليب، ولذلك يتسلق جدران الفصل العنصري التي يزيد ارتفاعها عن 8 أمتار تحيط بها أسلاك شائكة، وعليها كاميرات وأبراج مراقبة، ودوريات عسكرية تقوم بجولات مستمرة حول هذا الجدار، ومن تشاهده يتسلق هذا الجدار، أو ينجح في اجتيازه، يكون عرضة لإطلاق النار عليه، وفي أحسن الحالات اعتقاله، وتعرضه للضرب المبرح.
هذه البوابات والحواجز المسماة بكمائن الموت، زادت وتضاعفت، بقرار من وزير مالية الاحتلال سموتريتش، وموافقة نتنياهو ووزير الحرب السابق غالانت، تحت حجج وذريعة حماية المستوطنين والطرق الاستيطانية، وهذا يعني تعطيل حياة الفلسطينيين، وحشرهم على الحواجز والطرقات لفترات تمتد لساعات طويلة، وما ينتج عنها من ضغط نفسي، وسعي احتلالي خبيث، لنقل هذه المعاناة والعذاب، إلى اقتتال وخلافات داخلية بين الفلسطينيين أنفسهم، حيث طول الانتظار والمنع، يخرج الإنسان عن طوره ويفقد أعصابه.
أعطوني شعباً قادراً على أن يتحمل كل هذه المعاناة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، في ظل حواجز وبوابات الموت، وفي ظل "توحش" و"تغول" استيطاني وقطعان مستوطنين منفلتين من عقالهم، يمارسون كل أشكال القمع والتنكيل بحق الشعب الفلسطيني، على طول وعرض الضفة الغربية، قتل وجرح مواطنين وإغلاق طرقات وحرق منازل وممتلكات وحتى دور عبادة، وقطع أشجار وسرقة محاصيل، والاستيلاء على أراض وإقامة بؤر استيطانية .
وليت الرئيس الأمريكي ترامب وأركان قيادته والقيادات الأوروبية الغربية الاستعمارية، يأتون لكي يعيشوا مأسي ومعاناة الشعب الفلسطيني ليوم واحد فقط، متحررين من نزعة الفوقية والتفوق العرقي وتصهينهم المتفوق على قادة الصهيونية أنفسهم.
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
رسالة إلى ترمب .. لن يرحل الشعب
حديث القدس
تأملات حداثية في معجزتي الإسراء والمعراج
مسعود ريان
يتعاملون مع مسألة التهجير كأنها عمل خيري
د. أحمد رفيق عوض
الأردن للأردنيين وفلسطين للفلسطينيين
حمادة فراعنة
الضفة الغربية بين "السور الواقي" و"السور الحديدي"
أحمد عيسى
عندما "تُحرَّم" الأرض على أهلها ؟
عطية الجبارين
الصفقة اليوسفية بعد أن حصحص الحق
وليد الهودلي
بين اتفاقين... إغراء المقارنة وغوايتها
عريب الرنتاوي
وللحرية باب
بهاء رحال
قدسية الأسرة في القدس.. بين التحديات والحلول
د. فريال رياض التميمي
"الأيديولوجيا تسقط من جيبي": قراءة في ديوان "في البيت وما حوله" لعبود الجابري
نداء يونس
بين يدَي الذكرى العطرة
إبراهيم ملحم
السجن ما بسكّر على حدا..!
ابراهيم ملحم
بين اتفاقين... إغراء المقارنة وغوايتها
كتب: عريب الرنتاوي، مدير عام مركز القدس للدراسات السياسية
٢٥-١-٢٥ يوم للتاريخ
حديث القدس
الحرب على الضفة هي الأسوأ منذ النكسة
د. عقل صلاح
أزمة غزة والمصير المجهول بين التحديات الداخلية والمخطط الاستعماري لإسرائيل
إياد أبو روك
مأزق نتنياهو وهزيمته
حمادة فراعنة
مفاوضات صفقة تبادل الأسرى هل هي مستدامة؟
د. دلال صائب عريقات
تربية الأمل!
ابراهيم ملحم
الأكثر تعليقاً
دروس "الطوفان" وارتداداته (4) ..سوريا... "فرحة" اللحظة و"قلق" السياق
أزمة غزة والمصير المجهول بين التحديات الداخلية والمخطط الاستعماري لإسرائيل
الاحتلال يمنع عائلة أبو حميد من السفر عبر معبر الكرامة للقاء أبنائها المبعدين إلى مصر
حكومة نتنياهو توعز للجيش الإسرائيلي بألّا ينسحب من القطاع الشرقي بجنوب لبنان
خلافات حادة بين عائلات المحتجزين بغزة وبن غفير خلال جلسة بالكنيست
آلاف النازحين يبدأون بالعودة إلى شمال قطاع غزة عبر شارع الرشيد
من «خطة سيناء» لـ«صفقة القرن»... محطات تاريخية في محاولات «تهجير الفلسطينيين»
الأكثر قراءة
مغازلة أبو مرزوق لواشنطن استراتيجية أم تكتيك؟
قدورة فارس: الفلسطينيون المبعدون سيبقون بالقاهرة لترتيب وجهتهم
الأشقاء نصر ومحمد وشريف أبو حميد يتنسمون الحرية وتم إبعادهم خارج فلسطين
وزارة الداخلية بغزة توضح بشأن عودة النازحين إلى الشمال غداً
قائمة الأسرى الذين ستُفرج عنهم "إسرائيل" اليوم ضمن صفقة التبادل
الهلال الأحمر الفلسطيني ينفي شائعات استبدال الأونروا في القدس الشرقية
إعلام مصري: الأسرى الفلسطينيون الـ70 المبعدون يتجهون إلى القاهرة
أسعار العملات
الأربعاء 22 يناير 2025 9:11 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.55
شراء 3.54
دينار / شيكل
بيع 5.01
شراء 5.0
يورو / شيكل
بيع 3.7
شراء 3.69
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%55
%45
(مجموع المصوتين 505)
شارك برأيك
بوابات وحواجز قهر وإذلال وامتهان كرامة