أقلام وأراء
السّبت 16 نوفمبر 2024 10:20 صباحًا - بتوقيت القدس
تحديات تجسيد الدولة الفلسطينية في ظل الوقائع الجارية
تعيش القضية الفلسطينية لحظات فارقة اليوم وسط تصاعد الجرائم الإسرائيلية غير المسبوقة وتواطؤ المجتمع الدولي، خاصة الدول الغربية الكبرى بإرادة سياسية، تتغاضى عن هذه الممارسات إن لم تكن شريكة بها لاعتبارات ثقافة الاستعمار التي ما زالت تكون جزءاً من مفاهيمها السياسية ومحددات علاقاتها مع دولة الأحتلال. ما يجري حالياً يتجاوز مفهوم الحرب، إذ يقود نتنياهو عدواناً لا يستهدف المشروع الوطني فقط ، بل كل الشعب الفلسطيني من خلال الإبادة الجماعية والتهجير والتجويع والإحلال، وهو عدوان لا يستهدف الفلسطينيين وحدهم بل يمتد اليوم ليطال شعوب ومقدرات دول إقليمية أخرى لخدمة مصالحه الحزبية والشخصية والتي تريد حكومته التوسع على حساب سيادة أراضيها لتنفيذ مشروع إسرائيل الكبرى بما ينسجم مع رؤية الصهيونية المتطرفة التي عبّر عنها زئيف جابوتنسكي منذ بدايات القرن الماضي ورؤية نتنياهو المسيانية وعقليته الفاشية. وما يساعده اليوم بذلك أكثر مما كان سابقاً هو نتائج الانتخابات الأمريكية بعد فوز ترامب التي تشير إلى تعزيز التيارات اليمينية المتطرفة ذات الفكر المسيحي الصهيوني بالإدارة الجديدة للبيت الأبيض.
ورغم الاعتراف الدولي بحق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة ذات سيادة ومتواصلة وفق حدود ما قبل الرابع من حزيران ١٩٦٧، يبقى السؤال: هل يمكن تجسيد هذا الاستحقاق في ظل المعطيات الراهنة اليوم؟
فمنذ إقرار وثيقة إعلان الاستقلال الفلسطيني عام ١٩٨٨ والتي حملت مفاهيم ثقافية واجتماعية ديمقراطية وحقوقية تؤشر إلى جوهر الدولة العتيدة، إلى جانب البعد السياسي للوثيقة، بالعاصمة الجزائر الذي يصادف تاريخ إعلانها ١٥ نوفمبر وذلك خلال انعقاد مجلسنا الوطني، وما تبع ذلك من اعترافات دولية في حينه، ولاحقاً قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة عام ٢٠١٢ بقبول عضوية فلسطين كدولة مراقب، تواجه الجهود لتحقيق دولة ذات سيادة تحديات متزايدة أمام سياسات الضم وتوسيع الاستيطان والمصادرة التي تطال كافة أراضي الدولة الفلسطينية التي كان من المفترض إعلانها منذ زمن "دولة تحت الاحتلال" بما يعنيه ذلك من بعد سياسي وقانوني، خاصة في مواجهة سياسات الاحتلال الرافضة للدولة والتي توجت مؤخراً بقرارات الكنيست حول رفض إقامة الدولة الفلسطينية التي اعتمدت بالأغلبية المطلقة لكافة الأحزاب الصهيونية بمن في ذلك من يعتبرون أنفسهم المعارضة التي بدورها عكست منحى تفكير أغلبية المجتمع اليهودي بإسرائيل.
ويشهد الوضع الفلسطيني تهديدات متصاعدة تستهدف بقاء السلطة الوطنية الفلسطينية ذاتها، فضلاً عن عوامل تعيق إقامة دولة ذات سيادة في ظل تكثيف الاستيطان ووصول عدد المستوطنين إلى ما يقرب من مليون بالاستيلاء على نحو ٦٠% من أراضي الدولة العتيدة والذين يمارسون الإرهاب العنصري ضد أبناء شعبنا في كل مكان حتى في داخل المدن التي يفترض أنها مصنفة مناطق ( أ ). هذا إلى جانب السياسات الهادفة لجعل الضفة الغربية مجزأة إلى "كانتونات" معزولة من خلال فرض نظام أبارتهايد وتعزيز العنصرية والفوقية اليهودية التي تسعى إسرائيل من خلالها لتغيير التركيبة الديمغرافية ومنع أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة. هذا الواقع المتعلق في جانب منه بتصريحاتهم حول ضم مناطق كما فعلوا بالقدس والجولان، يدعو إلى ضرورة التفكير والتقييم والمراجعة النقدية العلمية لمسيرة الكفاح الوطني الفلسطيني، وتحديداً منذ ما نتج عن اتفاق أوسلو وما أدى له من ظروف نعيشها اليوم بعد أن قامت إسرائيل بإبراء ذمتها وتحقيق ما أرادت منه خلال العقود الماضية، مروراً بكل المحطات بما فيها الجوانب المختلفة ليوم السابع من أكتوبر الماضي، وصولاً إلى ما يجري أمامنا اليوم حتى لا يصبح الأمر متاخراً ولا ينفع الندم، الأمر الذي يتطلب أيضا بافتراض أننا ما زلنا في مرحلة التحرر الوطني بما لكل ذلك من استحقاقات وفي غياب حياة برلمانية أن تعمل القيادة الفلسطينية على توضيح الرؤى والسياسات والخيارات القائمة أمام شعبنا باعتباره مصدر السلطاتـ وحشد طاقاته الممكنة على قاعدة الشراكة بالنضال للوصول إلى أهداف شعبنا بإنهاء الاحتلال أولاً حتى نتمكن من تجسيد الدولة الفلسطينية.
في هذا السياق يتضح تماماً من خلال التعيينات الجديدة لغلاة المتطرفين الأمريكان من صف المسيحيين الصهاينة في إدارة ترامب القادمة، أن الدعم الأمريكي لإسرائيل كعامل رئيسي يعزز سياسات الاستيطان والضم سيتصاعد، حيث يتماهى صناع القرار الأمريكيون كافة بغض النظر عن أحزابهم مع مواقف الحكومة بل والمجتمع الإسرائيلي ذي التوجهات المتطرفة القائمة على أساس من الحقد والكراهية والعنصرية وفزاعات معاداة السامية والهولوكوست، مشجعين بذلك على المضي في محاولات تصفية الحقوق الوطنية الفلسطينية.
ومع استمرار الشراكة الأمريكية ونفاق عدد من الدول الأوروبية، تتعاظم التحديات أمام الجهود الدولية لحماية ودعم حل الدولتين خاصة في غياب آليات واضحة لذلك أمامهم، ما يتطلب منا نحن الفلسطينيين مراجعة الاستراتيجيات الحالية لمواجهة هذا الانحياز المستمر بل الشراكة الاستعمارية في تحديد مسار العلاقات معهم بعيداً عن سراب الوعود التي لم تؤد سوى إلى استدامة الاحتلال الاستيطاني، من خلال رؤية وبرنامج وآليات واضحة تستند إلى الحق والكرامة الوطنية.
تتطلب المرحلة الحالية تقييماً شاملاً للعمل الوطني التحرري لوضع استراتيجية فاعلة تقوم على وحدة الأرض والشعب والقضية الوطنية. رغم أن الدولة المستقلة على حدود ١٩٦٧ تعد خياراً أممياً جاء في ظروف مختلفة عن اليوم، فإن الواقع الجديد قد يفرض رؤى أخرى لتحقيق الحقوق التاريخية السياسية للشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، وذلك في ظل المتغيرات القائمة والمحتملة في النظام الدولي وتنامي قوى وتحالفات دولية ناشئة وجديدة، وإعادة تموضعنا السياسي مع الدول الصديقة التي تقر بحقوقنا الأساسية وتعزيز علاقات التضامن الدولي مع القوى التقدمية الشعبية على مستوى العالم التي أحدثت وما زالت تغيراً نوعياً في إعادة الاهتمام الدولي وأولياته تجاه شعبنا الفلسطيني سنداً لفهم جوهر قضيتنا وجوهر مكانة إسرائيل كدولة مارقة متهمة بالاقتلاع العرقي والإبادة أمام القضاء الدولي، حتى أن فلسطين اليوم أصبحت إحدى مكونات الهوية التقدمية لحركات وأحزاب عديدة حول العالم ومعياراً للتضامن مع حقوق الشعوب كافة، بل ولعبت دوراً في تحديد مسار التصويت الانتخابي في بعض الدول.
الآن أصبح من الضروري اتخاذ قرارات حاسمة تتضمن إعادة النظر في الاعتراف بإسرائيل وتنفيذ قرارات المجلسين الوطني والمركزي لتعزيز الوحدة الوطنية وتطبيق نتائج الحوار الوطني وآخرها ما جرى في بكين، والطلب من الدول العربية والإسلامية اتخاذ إجراءات مقاطعة فعلية كما فعلت دول أمريكا اللاتينية وغيرها، والتوقف عن الركض باتجاه اتفاقيات التطبيع الإبراهيمي الذي يسعى ترامب إليه. إن العمل يجب أن ينصب اليوم على وقف عدوان الإبادة وحماية شعبنا بطرق تعتمد المسؤولية الوطنية والقرار المستقل، كما ودعم مقاومة الاحتلال والسياسات الإسرائيلية بكافة الأشكال الممكنة الشعبية والسياسية والاقتصادية والدبلوماسية التي يجب أن تستند إلى الجرأة وإلى واقع مقاومة الاحتلال وفق الظروف المتاحة والتي تضمن نتائج نوعية تزيد من كلفة الاحتلال وتحقق الحماية والصمود لشعبنا، كما وتصاعد التضامن الدولي، واعتماد الخطاب الوطني الواحد أمام العالم بما تمثله منظمة التحرير كممثل شرعي وحيد تتمتع بالمكانة العربية والدولية والتي تتطلب من أجل استنهاضها توسيع الشراكة والاستفادة من قدرات شعبنا خاصة الشباب منهم. إن الوحدة بين الفصائل الفلسطينية والقوى الشعبية الاجتماعية تمثل ركيزة أساسية لتمكين وتمتين الموقف الفلسطيني المطلوب اليوم في مواجهة الضغوطات من هنا وهناك، وما يجري من عدوان وجودي علينا من جهة، بما يتعلق بقرارات السلم والمقاومة من جهة أخرى. فالوحدة الوطنية الواسعة هي القانون الأساسي للانتصار كما كان يردد القائد الأسير مروان البرغوثي.
.............
الآن أصبح من الضروري اتخاذ قرارات حاسمة تتضمن إعادة النظر في الاعتراف بإسرائيل وتنفيذ قرارات المجلسين الوطني والمركزي لتعزيز الوحدة الوطنية وتطبيق نتائج الحوار الوطني وآخرها ما جرى في بكين.
دلالات
لا شغلة ولا عملة قبل حوالي 13 ساعة
سفير سابق فاشل بطل في التنظير. زبالة زبالة زبالة
المزيد في أقلام وأراء
غزة.. حكاية صمود وكبرياء
حديث القدس
أيام سوداء قاتلة
حمادة فراعنة
"إسرائيل" مثل الـ ROBOT والـ Fast Food (الصفات العشر الجديدة/ القديمة)
عبد الله جناحي
مستقبل السلام في المشرق العربي أرض السلام والأنبياء
كريستين حنا نصر
التقى نصر الله عشر ساعات.. ظنها ساعة واحدة
حمدي فراج
في ذكرى حضور د. صائب عريقات "دبلوماسية الحصار"؛ تأصيلٌ، تنقيةٌ، ولم يُعقِّب! وأين باقي الوثائق؟
المتوكل طه
الفضـول... آفـة
د. أفنان نظير دروزة
كارثة إنسانية في شمال قطاع غزة ومؤتمر "التحضير للاستيطان" على حدوده
ماهر الشريف
إسرائيل وفرنسا: جدل دبلوماسي
د. دلال صائب عريقات
الولايات المتحدة تستخدم لغة الشيطان الجديدة
حديث القدس
وجهة نظر: وأرسل لي لوحة وقصيدة فعلقت
زهير سالم
ثقافة المبالغة والتضخيم والتبجيل والألقاب
د. فواز عقل
خطط التهويد والقضم والرهان على عودة ترامب
بهاء رحال
الاستباحة
حمادة فراعنة
الروبوتات متعددة الوظائف: مستقبل الإنسان في عصر الذكاء الاصطناعي
بقلم : صدقي ابوضهير باحث ومستشار بالاعلام والتسويق الرقمي
الهندسة الاجتماعية: تلاعب بالعقول وحماية البيانات
بقلم عبد الرحمن الخطيب- مختص بتقنيات الذكاء الاصطناعي
هاكابي.. رابعة الأثافي!
ابراهيم ملحم
سياسة هدم تعسفية في القدس
حديث القدس
ياسر عرفات الثائر العظيم صاحب الكوفية
بكر أبو بكر
ترامب ونتنياهو.. ماضياً ومستقبلاً؟
أسعد عبد الرحمن
الأكثر تعليقاً
"إسرائيل" مثل الـ ROBOT والـ Fast Food (الصفات العشر الجديدة/ القديمة)
15 قتيلا في قصف إسرائيلي على دمشق
الرئيس: الاستقلال هدف مركزي وحق مشروع نتمسك به ونضحي من أجله
مصادر لـ "القدس": استشهاد قياديين من الجهاد الإسلامي في غارة دمشق
أبو ردينة: إرهاب الاحتلال ومستعمريه لن يحقق الأمن بالمنطقة
السعودية تُسلّم الدفعة الثالثة من الدعم المقدم لدولة فلسطين
أبو ردينة: نحمل الإدارة الأميركية مسؤولية مجازر غزة وبيت لاهيا
الأكثر قراءة
ياسر عرفات الثائر العظيم صاحب الكوفية
تقرير: الاحتلال ماض في إزالة حي البستان في سلوان
السعودية تُسلّم الدفعة الثالثة من الدعم المقدم لدولة فلسطين
بري: أحد شروط المقترح الأميركي لوقف إطلاق النار غير مقبول لدينا
مصادر لـ "القدس": استشهاد قياديين من الجهاد الإسلامي في غارة دمشق
"كون نسيب ولا تكون قريب" !! .. هل يؤثر مسعد بولس على مواقف ترمب؟
خطة الحسم بدأت بالقضم قبل الهضم.. بدء العمل بالبنية التحتية لابتلاع الضفة الغربية!
أسعار العملات
السّبت 16 نوفمبر 2024 7:45 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.74
شراء 3.72
دينار / شيكل
بيع 5.3
شراء 5.28
يورو / شيكل
بيع 3.95
شراء 3.93
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%47
%53
(مجموع المصوتين 36)
شارك برأيك
تحديات تجسيد الدولة الفلسطينية في ظل الوقائع الجارية