Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo

أقلام وأراء

الثّلاثاء 03 سبتمبر 2024 8:40 صباحًا - بتوقيت القدس

قهوة الصباح في زمن الحرب

ينشر المحتلون صناع الخراب وتدمير الذكريات في غزة رائحة البارود والدم المحترق ومذاق العدم، الذي يحاول التغلب على رائحة ومذاق القهوة ونكهتها المضادة للحرب والخوف، إضافة لمساهمتها في تحسين المزاج.


وترتبط القهوة عند أهل غزة باللهفة والشغف في الجلسات الخاصة والعامة، والحاجة إلى المنبهات من أجل المزيد من التركيز والسهر الصاخب بالأحلام ، لكن أهل غزة اليوم يشتاقون إلى القهوة كي يشحنوا قلوبهم وعقولهم بقهوة مرة صامتة وساحرة، ولا يحتاجون إلى المنبهات بسبب القصف المستمر ودوي القذائف والصواريخ والرصاص وصرخات الضحايا، طيلة الليل والنهار، إضافة لانقطاع الكهرباء، وشح المياه الصالحة للشرب، ومعاناة البقاء في الخيام ومراكز الإيواء.


ينتظر أهالي غزة قهوة الصباح بصبر مالح وعنيد يشبه انتظارهم لحظة انتهاء الحرب، ليعودوا إلى شاطئ البحر، ويستمعوا إلى فيروز تغني: بالقهوة البحرية وطالع بإيديك، وتشرب من فنجانك، وأشرب من عينيك، وتعود النكهة والسكينة إلى صباحات الناس في المنازل والأحياء والشوارع والمقاهي والمخيمات.


وأهل غزة الذين كانوا في الماضي يدللون الشاي بإضافة القليل من الميرامية والنعناع، أصبحوا اليوم أكثر إقبالاً على احتساء القهوة في زمن التوتر الدامي واشتداد الحرب والحصار.


وقد أخبرني الكاتب محمد إسماعيل في غزة، والذي كان يتردد إلى محل شركة (ديليس) لبيع القهوة، خاصة أنواعها المعروفة باسم (أرابيكا) أي القهوة العربية أو (روبستا) وهي من أقوى النكهات، وكان يحتسيها مع الشاعر الشهيد سليم النفار الذي كان ماهراً في صناعة القهوة بيديه معتقداً، كما قال الشاعر محمود درويش، بأن تحريك القهوة ببكرجها من اليمين إلى اليسار، ثم من اليسار إلى اليمين متساوية ببطء وعناية قبل أن تفور وتغلي يكسب القهوة نكهة لا تضاهى.


ويقول محمد إسماعيل إن مرارة القهوة هي أقل بكثير من مرارات الواقع الذي يعيشه الناس في غزة بسبب الحرب، وأن القهوة ما زالت رغم صعوبة الحصول عليها تشكل مفتاح الصباح، وسلاحاً قادراً على تعديل المزاج بطعمها الأصيل، ومذاقها الرائع، ونكهتها الفريدة والجميلة التي تساعد على الدخول في أحلام جديدة بذاكرة طازجة تؤكد على التمسك بالحياة ،وعدم التنازل عن طقوس احتساء قهوة الصباح لمن استطاع الحصول عليها بعد فقدانها، ووصول سعر الكيلو الواحد منها أحياناً إلى 200 دولار، بعد أن كان ثمن الكيلو منها قبل الحرب لا يتجاوز العشرة دولارات.


يذكر أن غزة كانت قبل الحرب تستهلك حوالي سبعة أطنان من القهوة يومياً، وتستورد نحو 2500 طن من حبوب القهوة سنوياً، ويتم تقديمها في الأفراح والأتراح، وفي المقاهي وعلى البسطات في الطرقات، حيث كان الشباب يجلسون حولها يتأملون تحقيق الكثير من الأشياء، ومنها المصالحة الفلسطينية التي أصبحت بفعل الأداء السياسي تشبه الغول والعنقاء والخل الوفي.


وفي غزة اليوم، ورغم عدم خذلان الدول المنتجة للقهوة كاليمن وكولومبيا والبرازيل يتساوى تحدي الحصول على الطعام، مع تحدي الحصول على القهوة التي يصعب على الكثيرين الاستغناء عنها وعن رائحتها وهي تطهى على نار الحطب، بسبب فقدان الغاز خاصة حين تفوح تلك الرائحة من الخيام ومراكز الإيواء ونوافذها المليئة بالأحلام والآمال المعقودة على الشباب، ومنهم الشاب الأسمر من سرايا القدس الذي ظهر في فيديو يحتسي قهوة الصباح بيد وباليد الثانية يطلق قذائف الهاون على جنود وآليات الاحتلال بمزاج عالٍ في قلب الميدان الذي تكتب فيه حكايات الصمود الفلسطيني وكوابيس الغزاة.


مرارة القهوة هي أقل بكثير من مرارات الواقع الذي يعيشه الناس في غزة بسبب الحرب، وأن القهوة ما زالت رغم صعوبة الحصول عليها تشكل مفتاح الصباح، وسلاحاً قادراً على تعديل المزاج.

دلالات

شارك برأيك

قهوة الصباح في زمن الحرب

المزيد في أقلام وأراء

نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي

حديث القدس

مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً

جواد العناني

سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن

أسعد عبد الرحمن

جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية

مروان أميل طوباسي

الضـم ليس قـدراً !!

نبهان خريشة

دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة

معروف الرفاعي

الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا

حديث القدس

من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها

أحمد لطفي شاهين

الميدان يرد بندية على ورقة المبعوث الأمريكي الملغّمة

وسام رفيدي

تماسك أبناء المجتمع المقدسي ليس خيارًا بل ضرورة وجودية

معروف الرفاعي

المطاردون

حمادة فراعنة

فيروز أيقونَة الغِناء الشَّرقي.. وسيّدة الانتظار

سامية وديع عطا

السلم الأهلي في القدس: ركيزة لحماية المجتمع المقدسي ومواجهة الاحتلال

الصحفي عمر رجوب

إسرائيل تُفاقم الكارثة الإنسانية في غزة

حديث القدس

شتاء غزة.. وحل الحرب وطين الأيام

بهاء رحال

المقاومة موجودة

حمادة فراعنة

وحشية الاحتلال بين الصمت الدولي والدعم الأمريكي

سري القدوة

هوكشتاين جاء بنسخة لبنانية عن إتفاق أوسلو!

محمد النوباني

ماذا وراء خطاب نتنياهو البائس؟

حديث القدس

مآلات موافقة حزب الله على ورقة أمريكا الخبيثة

حمدي فراج

أسعار العملات

الأربعاء 20 نوفمبر 2024 9:43 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.74

شراء 3.73

دينار / شيكل

بيع 5.28

شراء 5.26

يورو / شيكل

بيع 3.96

شراء 3.95

هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟

%53

%47

(مجموع المصوتين 81)