Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo

أقلام وأراء

الثّلاثاء 16 يوليو 2024 9:28 صباحًا - بتوقيت القدس

في البقعة المائلة نحو الجنة: بيننا خيمة وتراب

تلخيص

في زمن الخذلان الجماعي، نحترق كلنا؛ في غزة، وعليها، وأهلها يصطادون الصباح، ويحملون أوزارنا على ظهورهم المنكسرة، بقلوب مشتعلة؛ لا شيء يُطفئها.

هل لنا أن نعي معنى النزوح في القرن الحادي والعشرين؟ هو أن تحظى ببضع دقائق، لتغادر تفاصيل عشرين عاماً، مثلاً، لتُخرج جسدك، جسدك فقط من المكان الذي أنجبت فيه طفلك الأول، وجدران بيتك اللاتي حرصت على ألا تُعلق صورة لوالدك الشهيد عليها كي لا يهوي بالأرض مرتين، ومفتاح البيت للهجرة الأُولى لجدك، الذي انطوى شوقه بالعودة، تحت التراب، فيما غرفة المعيشة التي كانت تتسع لضحكات العائلة والأبناء والأحفاد، لم تعد تتسع لقلب أحدهم وحده اليوم.

وفي الشارع المجاور، هناك من ادّخر كتباً ومخطوطات هائلة كانت جل ما يملك ليورثها لأبنائه، استطاع أن ينفض الغبار عن بعض ما رآه وتوسّدها على كتفيه المنهكين، ونزح بها، لم يعد الناس فقط ينزحون، إنما هم وما تبقى لهم من كتب وبعض من ذاكرة.

وتحت سماء غزة، صار الدم نخيلاً، والبيوت شواهد قبور، والزوايا يعتنقها الحزن الذي يجثو على كلتا ركبتيه، وامرأة ترش ملحاً على الـمُرّ، تتقلص القلوب بحجم حبة الجوز، بطعمٍ يصل حد الاحتراق، والمئات يغفون على قارعة الحياة، والجوع يمتشق أمعاءهم، بعد أن ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، والقذائف التي تتوغل في دمنا تتلقف الأنفاس، وتأكل الرؤوس.

الآباء لا يفيقون من صدمة الجغرافيا، اختلط الركام بالجدران والشوارع والمخيم، بالمدينة والشاطئ، لا شيء في مكانه، يلفهم الليل بجناحيه، وفي الصباح يشاهدون من لا يموتون تماماً، حيث قدما طفلٍ خارج الرمل، والجسد تغطيه رموش الأُمهات الصابرات القابضات على جذوة غزة، ويُشَيّعُ الأبناء الممددة عظامهم بجانب بعضها من قبل ذويهم، وهذا يحدث كثيراً، وكأنما الحياة تغير من سنتها.

ومن ثم، يفجعون في كل شيء، النازحون من الموت إلى الموت المحتم، فالطائرات الحديثة تبدأ غاراتها على الخيام التي نصبت للتو، كأن الحياة لا تعطِي فرصة للتأقلم، تتطاير أشلاؤنا باب الخيمة، وهناك مسافة مترين من التراب تكفي لنواري جثمانا بكل أطرافه، وآخرون يوارون أطرافاً الثرى في ظل غياب الجسد.

في تلك البقعة المائلة نحو الجنة، هناك، تُحلق أرواح بين يدي الله، تهرول تحت عرشه، وتشتكي له ما حل ببعضها الآخر، فيما هنا، فتاة في العشرين من عمرها تحمد الله لأن يدها اليمنى بخير بعد أن بُترت اليسرى وتطايرت بفعل القصف، تقول: "اليد اليمنى أستطيع فيها أن أثبت ذراع الخيمة على الأرض، وأغرس قلبي مكانه من جديد ليعافر بما تبقى لي من عمر وصبر"..

وفي كل نزوح، نترك جزءاً منا خلفنا في زاوية تلك الخيمة، وفوق تلك الأرض وتحت السماء التي تظللنا جميعا، كذلك ثلثا قدرتنا على التكيف، حتى نمضي في نزوحٍ جديد بأفئدة مهشمة.

وبعد كل ذلك ستصطف قلوب الأمهات -ممن كانت أسماؤهنّ يافا وبيسان وكرمل وجنين وغزة وفلسطين- تجتاز الأسلاك الشائكة؛ لتسند الجدران في المدن الجديدة.

دلالات

شارك برأيك

في البقعة المائلة نحو الجنة: بيننا خيمة وتراب

المزيد في أقلام وأراء

Google تدعم الباحثين بالذكاء الاصطناعي: إضافة جديدة تغيّر قواعد اللعبة

بقلم :صدقي ابوضهير باحث ومستشار بالاعلام والتسويق الرقمي

التعاون بين شركة أقلمة والجامعات الفلسطينية: الجامعة العربية الأمريكية نموذجاً

بقلم: د فائق عويس.. المؤسس والمدير التنفيذي لشركة أقلمة

أهمية البيانات العربية في الذكاء الاصطناعي

بقلم: عبد الرحمن الخطيب - مختص بتقنيات الذكاء الاصطناعي

ويسألونك...؟

ابراهيم ملحم

الحرب على غزة تدخل عامها الثاني وسط توسّع العمليات العسكرية الإسرائيلية في الجبهة الشمالية

منير الغول

ترامب المُقامر بِحُلته السياسية

آمنة مضر النواتي

نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي

حديث القدس

مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً

جواد العناني

سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن

أسعد عبد الرحمن

جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية

مروان أميل طوباسي

الضـم ليس قـدراً !!

نبهان خريشة

دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة

معروف الرفاعي

الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا

حديث القدس

من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها

أحمد لطفي شاهين

الميدان يرد بندية على ورقة المبعوث الأمريكي الملغّمة

وسام رفيدي

تماسك أبناء المجتمع المقدسي ليس خيارًا بل ضرورة وجودية

معروف الرفاعي

المطاردون

حمادة فراعنة

فيروز أيقونَة الغِناء الشَّرقي.. وسيّدة الانتظار

سامية وديع عطا

السلم الأهلي في القدس: ركيزة لحماية المجتمع المقدسي ومواجهة الاحتلال

الصحفي عمر رجوب

إسرائيل تُفاقم الكارثة الإنسانية في غزة

حديث القدس

أسعار العملات

السّبت 23 نوفمبر 2024 10:34 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.7

شراء 3.69

دينار / شيكل

بيع 5.24

شراء 5.22

يورو / شيكل

بيع 3.85

شراء 3.83

هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟

%54

%46

(مجموع المصوتين 89)