Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo

أقلام وأراء

الجمعة 12 يوليو 2024 11:00 صباحًا - بتوقيت القدس

النشيد الكامل لناصر أبو سرور

تلخيص

يسرد ناصر أبو سرور حكايته مع الجدار الأول من مخيم عايدة للاجئين في مدينة بيت لحم المحتلة، وهو المولود عام 1969، ومحكوم بالسجن المؤبد مدى الحياة منذ عام ١٩٩٣، ومضى على اعتقاله أكثر من ثلاثين عاما.
وحصل أبو سرور على درجة الماجستير من داخل الأسر (تخصص دراسات إقليمية) وصدر له ديوان بعنوان "عن السجن وأشياء أخرى".
في سيرته "حكاية جدار" الصادرة عن دار الآداب عام ٢٠٢٢، يطرح أبو سرور ثلاثية بين الرب والقلب وبينهما جدار الراوي. جاءت من ولادة رحم المخيم إلى السجن، ليلتصق بالجدران منذ نشأته، ليأخذ من الحجر الكبير رفيقه القاص، حيث يكتب بصوته ملتصقاً بسنوات طويلة من حكايات الصمت التي لم تفارقه، ليُدخل طيف الحكاية على حياة المخيم وجداريات بدأت متنقلة لرحلة أسيرة من المخيم إلى السجن، كما يصف القناع السماوي للكاتب الأسير باسم خندقجي، وفي رسم المشهد نظرياً وواقعياً في التطبيق للشهيد الأسير وليد دقة "الزمن الموازي" حيث الأسرى في سجون الاحتلال أصوات الأزمنة، ونداء اَخر ينشغل ذهنه في تركيب بارقة الحياة لتأسيس شبكة الحرية والإبداع ضد النسيان لمسار يستمر مع ماضِ منذ الاعتقال ولم ينتهِ، وكما سجل قبل استشهاده في غزة الكاتب الشهيد رفعت العرعير "الرد بالكتابة لأهمية القصص والنضال بها وتوريثها للأجيال".
الحركة الأسيرة تمرّ على مرآى العدالة والكون بيوميات من الانتهاكات ومأساة مملوءة بقصص وسرديات الألم والصمود، وما يستهدف العقل والروح أكثر من استهداف الجسد.
يُسجل ناصر أبو سرور في "حكاية جدار" شهادة مؤلمة ومبدعة في اَن، محققاً مطلب إدوارد سعيد، "على الفلسطينيين تسجيل روايتهم الأصلية وترسيخها"، في وقت تعمل فيه المستعمرة الإسرائيلية على سرقة ومحو الرواية الفلسطينية بنفس النهج والانفراد برواية مخترعة، إسرائيلية للمستعمرين والمستوطنات .
يصف أبو سرور صوت الجغرافيا الزمنية في فلسطين المحتلة بأنه "لا يتم أو يتحقق الانتقال من جغرافيا إلى أخرى إلا إذا رافقه انتقال أو تحوُّل في الحالة الشعورية، أي أن الانتقال يحدث بين حالتين شعوريتين، أو بين زمانين ثقافيين. لكل منهما مزاجه الخاص. لقد فرض الاحتلال الإسرائيلي على الأرض المحتلة عام 1984 زمناً ثقافياً مختلفاً عنه في تلك المحتلة عام 1967".
من مساحة المعتقل المستحيلة يروي أبو سرور السيرة الحقيقية، ويفتح من السجن عيناً واسعة للتعبير والوصف، بعدما التصق به الجدار لأكثر من ثلاثين عاما، في سطر صغير ممتد الأفق كبير الدلالة "أنا قلبي وضيق المكان" في زمن الأسر الاستعماري المفروض على "الأرض والناس والحكاية" زمن الكونيالية الكارثي بفرض سياج الحصار على الجسد والروح والمعرفة، وحتى الوعي يستمر الاحتلال في اعتقاله ومنع الكتابة، فلا قيود تقيدها ولا سجن يحاصرها، هي القادمة من الروح النضالية المؤمنة بالحرية والعدالة وحق الشعوب في التحرير والاستقلال.
في المخيم يتلقى ناصر أبو سرور أولى قراءاته المعرفية بقراءة الزمن الضيق والمفقود على المكان، فيلتقي مع أسرته وأبناء المكان وعموم فلسطين، بما تفرضه "الجغرافيات المحاصرة". ينطق أبو سرور من قلبه ليروي اللامرئي والمرئي مرة واحدة.. من بيت لحم حتى الخليل، بدايته مع السجن، وصولاً إلى المكان، قلبه وروحه وجداره، مرّ ناصر أبو سرور بين سجون كثيرة، من قسم التحقيق في سجن الخليل المحتلة، إلى سجن عسقلان، ومُعتقل نفحة الصحراوي، وسجن بئر السبع، ومعتقل هداريم. عاشت معه الكتابة المستمرة، رفيقته للسرد والرواية والقصة والسيرة الحقيقية.

أنا جداري، وجداري أنا.
يكتب ناصر أبو سرور "مرّ عام وأكثر على وجودي في معتقل نفحة، أنا وجداري لا ثالث لنا. عاشتِ الأرواحُ يومها كأنْ لا غد ينتظرها، تذكَّرت حياتها في عيون زوُّارها، ونسيت عند كل نهاية زيارة. عادت إلى غبارها ورملها، صَلَّت وصامَت ونامت، وشاخت فيها روايتها القديمة، فما عادت تأتي على ذِكْرها إلا قليلاً وإن فعلتْ" ينتهي الاقتباس.
ولا يتوقف أبو سرور عن تقديم حياة المعتقلات والاضراب عن الطعام ومعركة الأمعاء من أجل تحسين شروط العيش داخل المعتقل. إضرابات كثيرة يقوم بها الأسرى كما يصف أبو سرور، من أجل الحياة، ومن أجل الكتابة، ومن أجل الحركة، ومن أجل زيارة العائلة، رغم حاجز من زجاج يفصل بينهم، من أجل وقت أطول لرؤية الشمس. بكتْ أمه في إحدى الزيارات عندما سأل عن والده، فكان البكاء والصمت هو الجواب" غياب أبي عن المشهد، سقطت من وعيي في غرفة الزيارة" وامتلأ دماً بسبب لكماته للحديد الفاصل بين بكاء أم حبيبها، وبكاءه على والده وفقدانه الأبدي..

المحامية نَنّا وضيق المكان..
شهد المعتقل في حياة ناصر أبو سرور ولادة جديدة وموعداً غير مؤجل مع صُدفة تمنح المرء وقتاً مستقطعاً من زمن طويل في السجون، تبدأ ولادته من السجن، مع المحامية نَنّا في توقيت الزيارة والجلسة الأولى خلف جدار حديدي يحاول الفصل. لا شئ يفصل بين الأرواح، فكتب أبو سرور الفصل الثاني من سيرته "أنا قلبي وضيق المكان" حلّ القلب راوياً يرافق الجدار ليصبح الصوت الاَخر. بين ناصر ونَنّا في تعريف الطبيعة، والسؤال عن ماهية الدنيا والكون؟ فيضيق الوقت المحاصر بالحديد والأسمنت والبوابات المغلقة. وحين تنتهي الزيارة يرافقه جندي الاحتلال إلى غرفته المعتقلة، وترافق نَنّا الاَثار من الزيارة، وتساؤلات ناصر وعينيه وملامحه الناطقة رغم صعوبة الوقت والمكان، على أمل إضاءة "أوقات الظلام" فيبدأ ناصر أبو سرور باختراع الوقت الإضافي مع نَنّا، لضيق لحظات الزيارة على الكلام والتساؤلات، ليتفق كلاهما على وقت اَخر في تبادل الرسائل، ليتم تسليمها عند موعد الزيارة القادمة، وتبدأ قراءتها في أوقات الوحدة والعزلة بين جدران السجن، وأخرى في الطبيعة تحت سماء فلسطين المحتلة. نَنّا المنتظرة موعد اللقاء وبينهما سياج الحديد.
السيرة المكتوبة من داخل معتقل هداريم، انتهت في الساعة 18-1 يوم الجمعة، بتاريخ 6-7-2019. لتصل محطات النشر ومدارات النور، لصبح صوته مقروءاً ومسموعاً في تبادل الأحاديث، يضيف الرسائل المتدفقة بينه وبين نَنّا، الحب والاشتياق والأصدقاء، والحياة داخل السجن بين الجدار والكتابة. وتصبح الرسائل سيرة أخرى من وقت تضاف عليه تساؤلات سجينة صدره، حيث تصبح حرة في إجابات وبحث نَنّا، ليكتب عن جدراه وصفاً مؤلماً "مرعب أن يكون خوفك دائرياً بزوايا منعزلةٍ وضيقةٍ، تركنُ إليها، تهدأ قليلاً وتلتقطُ بعض أنفاسك، لكن خوفي دائرياً بامتياز وليتهُ اكتفى، بل ضيق في دائرته أكثر بعد كل لقاء وضعني في مواجهة مباشرة مع بكاء نَنّا ومع وحدتها وانتظارها".
ناصر يلتحق بجداره ويضع تعريفاً حديثاً لمفهوم المعتقل. رغم كل الاَلالم والمعاناة الطويلة، فالروح تعود إلى مكانها، ليخاطب ناصر روحه الحرة، نستدعي معه نصّ حسين البرغوثي " تنتهي الطرقاتُ بين يدي يا روحي، تعالي للبراري، حيث يحيا الحرُ مثل الله، عتماً ما أضأتُ، وذاك شوكُ ما أراهُ. إذن تعالي، خارج المألوف، نحو صياغة أخرى "تصغر مساحة الاقتباس، ولا يقف الحديث عن مواصلة الكتابة وقراءة سيرة ناصر أبو سرور، في جمع الأزمنة الفلسطينية وسردها، لا ينهي صوت الجدار في كتابة النشيد الكامل للحرية.

دلالات

شارك برأيك

النشيد الكامل لناصر أبو سرور

المزيد في أقلام وأراء

Google تدعم الباحثين بالذكاء الاصطناعي: إضافة جديدة تغيّر قواعد اللعبة

بقلم :صدقي ابوضهير باحث ومستشار بالاعلام والتسويق الرقمي

التعاون بين شركة أقلمة والجامعات الفلسطينية: الجامعة العربية الأمريكية نموذجاً

بقلم: د فائق عويس.. المؤسس والمدير التنفيذي لشركة أقلمة

أهمية البيانات العربية في الذكاء الاصطناعي

بقلم: عبد الرحمن الخطيب - مختص بتقنيات الذكاء الاصطناعي

ويسألونك...؟

ابراهيم ملحم

الحرب على غزة تدخل عامها الثاني وسط توسّع العمليات العسكرية الإسرائيلية في الجبهة الشمالية

منير الغول

ترامب المُقامر بِحُلته السياسية

آمنة مضر النواتي

نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي

حديث القدس

مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً

جواد العناني

سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن

أسعد عبد الرحمن

جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية

مروان أميل طوباسي

الضـم ليس قـدراً !!

نبهان خريشة

دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة

معروف الرفاعي

الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا

حديث القدس

من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها

أحمد لطفي شاهين

الميدان يرد بندية على ورقة المبعوث الأمريكي الملغّمة

وسام رفيدي

تماسك أبناء المجتمع المقدسي ليس خيارًا بل ضرورة وجودية

معروف الرفاعي

المطاردون

حمادة فراعنة

فيروز أيقونَة الغِناء الشَّرقي.. وسيّدة الانتظار

سامية وديع عطا

السلم الأهلي في القدس: ركيزة لحماية المجتمع المقدسي ومواجهة الاحتلال

الصحفي عمر رجوب

إسرائيل تُفاقم الكارثة الإنسانية في غزة

حديث القدس

أسعار العملات

السّبت 23 نوفمبر 2024 10:34 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.7

شراء 3.69

دينار / شيكل

بيع 5.24

شراء 5.22

يورو / شيكل

بيع 3.85

شراء 3.83

هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟

%54

%46

(مجموع المصوتين 89)