أقلام وأراء
الخميس 30 مايو 2024 10:09 صباحًا - بتوقيت القدس
تأملات من الأرض المقدسة: بصيص من الأمل
تلخيص
لعلّ الزيارة الأخيرة التي قام بها غبطة الكاردينال بيتسابالا إلى غزة قد فاجأت العالم، إلا أنها كانت بالتأكيد زيارة منتظرة بالنسبة لنا نحن الذين نعمل معه عن كثب ونعلم مدى اهتمامه بمعاناة شعبنا هناك. وعلى الرغم من المخاطر العديدة التي انطوت عليها هذه الزيارة، إلا أنها أظهرت تضامنًا استثنائيًا يبعث الأمل في مجتمعنا.
لقد اختبر غبطة الكاردينال لبضعة أيام الحياة اليومية التي يخوضها إخواننا وأخواتنا في غزة، حيث يتحتم عليهم النوم على أصوات الانفجارات وسط انقطاع الكهرباء وتقنين الإمدادات الغذائية. ما يعتبر أساسيًا في أي مكان آخر في العالم أصبح ترفًا في غزة.
شهدت أرضنا المقدسة مستوى غير مسبوق من الخسائر البشرية والدمار منذ اندلاع الحرب على غزة، فوفقًا للإحصاءات الصادرة عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، أسفرت الحرب عن آثار مدمرة، حيث قُتل 35,500 فلسطيني وأصيب 80,000، من بينهم 60 بالمائة من كبار السن والنساء والأطفال. كما تعرّض 1.7 مليون نسمة (75 بالمائة من السكان) للنزوح، وطال الدمار 60 بالمائة من الوحدات السكنية، فضلًا عن 80 بالمائة من المنشآت التجارية. كما واجه 1.1 مليون شخص مستويات كارثية من انعدام الأمن الغذائي في خضم انقطاع الكهرباء وغياب شبكات الصرف الصحي والمياه والاتصالات.
وعلى الجانب الصحي، باتت معظم المستشفيات خارج الخدمة وسط نقص حاد في الأدوية واللوازم الطبية، كما تم الإبلاغ عن 800,000 حالة من التهابات الجهاز التنفسي الحادة و442,000 حالة من الإسهال المائي الحاد.
وقد تراكم نحو 270,000 طن من النفايات الصلبة في الشوارع. أما بالنسبة لقطاع التعليم، فقد دُمرت 73 بالمئة من جميع المدارس، مما حرم 625,000 طالب من التعليم، ناهيك عن أن جميع الجامعات تحولت إلى أنقاض.
ويوجد حاليًا 17,000 طفل غير مصحوبين بذويهم لأنهم انفصلوا عنهم وهم على الأرجح أيتام. أما فيما يتعلق بالمساعدات الإنسانية، فإن ما يتدفق من المساعدات الإنسانية لا يلبي ولو جزءًا يسيرًا من الاحتياجات، وقد تفاقم الوضع بسبب إغلاق معبر رفح من مصر.
وترسم هذه الإحصاءات البحتة صورة قاتمة للغاية للوضع الراهن في غزة، وهي ليست سوى جزء من القصة.
إن المآسي الإنسانية التي نسمع عنها يوميًا، بما فيها عمليات بتر الأطراف دون تخدير، هي أكثر مما يمكن تحمله. لقد انعدمت الإنسانية في غزة.
لا يقل الوضع في الضفة الغربية سوءًا، فقد ارتفعت نسبة البطالة إلى مستويات قياسية تقدر بـ45 بالمائة، دون أمل كبير في إنعاش القطاع السياحي/الحج. كما لم يتم إحراز أي تقدم في إعادة العمال الفلسطينيين إلى وظائفهم في إسرائيل أو في الإفراج عن عائدات الضرائب للسلطة الفلسطينية من أجل السماح لها بدفع رواتب موظفيها المدنيين. وقد تدهورت الظروف الاقتصادية لمعظم الأُسر بشكل كبير في الأشهر الأخيرة، حيث استنفدت الآن أي مدخرات كانت لديهم. ومن العوامل الأخرى التي تزيد الأمور تفاقمًا، عنف المستوطنين الذي لم يتم التصدي له، مما جعل العديد من الطرق في الضفة الغربية غير آمنة وأدى إلى تزايد الهجمات والاستيلاء على الأراضي على نطاق واسع. كما أصبحت الحواجز غير محتملة، فقد اختبرت شخصيًا قسوة هذه التأخيرات قبل بضعة أيام فقط، فبعد حضوري اجتماعًا في رام الله، استغرقتني رحلة العودة إلى القدس لمسافة 16 كيلومترًا ما يزيد عن 4 ساعات.
لا يسعني إلا أن أتعاطف مع أولئك الذين يضطرون إلى القيام بمثل هذه الرحلات يوميا.
أما بالنسبة لعملنا في البطريركية اللاتينية في القدس، ونظرا للمعايير العالية التي وضعها غبطته لنا جميعًا، فإن جميع الدوائر تعمل بجد لتكون عونًا لمجتمعاتنا التي تكابد المعاناة سواء في غزة أو في الضفة الغربية.
وفي غزة، لا تزال الأولوية تتمثل في الحفاظ على قيم العيش المشترك بين المسيحين والمسلمين المتواجدين في كنيسة العائلة المقدسة وكنيسة الروم الأرثوذكس.
وشمل ذلك تقديم الإمدادات الكافية من المواد الغذائية والمياه والأدوية والمستلزمات الشخصية وإمدادات الوقود لنحو 1,000 شخص على أساس يومي. وقد كان ذلك مشروعًا ضخمًا نظرًا لعدم وصول الإمدادات الإنسانية، وخاصة إلى الشمال، والحاجة إلى شراء الإمدادات بأسعار السوق السوداء التي تتراوح بين 10 و20 ضعفا لا كانت عليه الأسعار قبل الحرب. وفي الضفة الغربية، إضافة إلى المساعدات الإنسانية المستمرة مثل كوبونات الغذاء ومساعدات الإيجار والمرافق والدعم الطبي والمساعدات التعليمية التي قُدمت لأكثر من 12,000 مستفيد، تركزت الجهود على برامج خلق فرص العمل، بما في ذلك التدريب الداخلي، وبرامج النقد مقابل العمل، والمشاريع المدّرة للدخل. وحتى الآن، تم توفير مئات الفرص التي ساعدت آلاف الأفراد. وبفضل التمويل السخي من العديد من الجهات المانحة الموقرة، سنتمكن من مواصلة تنفيذ هذه البرامج خلال الأشهر القليلة المقبلة. وسيعود هذا الدعم بالنفع على العديد من المؤسسات التي يتم فيها إلحاق المتدربين وتنفيذ المشاريع، بما فيها دور المسنين والمدارس ودور الأيتام وغيرها من المؤسسات التي تقدم الخدمات.
بمجرد انتهاء الحرب، لدى الكنيسة أحلام كبيرة ليس فقط لإعادة إنشاء مؤسساتها والخدمات التي كانت تقدمها قبل الحرب، بل من المحتمل أن توسع نطاق تقديم هذه الخدمات في مناطق أخرى حيث تشتد الحاجة إليها بشكل أكبر. وتهدف مذكرة التفاهم الأخيرة الموقعة مع منظمة فرسان مالطة المستقلة إلى إيصال المساعدات الغذائية والطبية المنقذة للحياة إلى السكان في غزة. ويجري البحث عن شراكات أخرى لتمكين الكنيسة ليس فقط من استعادة عملياتها السابقة في غزة، ولكن أيضا لتوسيع نطاق هذه الخدمات للمساعدة في تلبية الاحتياجات الهائلة والمساعدة في إعادة بناء المجتمع في غزة.
إن عودة الأب جبرائيل رومانيللي، كاهن رعية غزة، بعد أن ظلّ عالقًا لأكثر من سبعة أشهر، ستحمل معها الدعم والسند في احياء الفعاليات الرعوية في غزة مع ضرورة استئناف بعض البرامج التعليمية والتربوية لطلابنا بعد أن خسروا عامًا دراسيًا.
نوجه صلواتنا وأطيب تمنياتنا للأب جبرائيل وكذلك للأب يوسف الذي تحمل بمفرده وطأة العمل حتى الآن وكذلك راهبات الكلمة المتجسد وراهبات المحبة اللواتي ما فتئن يدعمن إخوتنا وأخواتنا ببطولة.
شكرًا جزيلًا لكل من ساهم في جهودنا الجماعية من خلال الدعم المالي، ولكن الأهم من ذلك شكرًا على تشجيعكم وتضامنكم، وقبل كل شيء صلواتكم. لم يكن بإمكاننا القيام بذلك وحدنا ونتطلع إلى استمرار التعاون.
دعونا نبقى على أمل أن يعود بعض التعقل، وأن تنتهي هذه الحرب البشعة قريبًا حتى تعود الإنسانية والكرامة إلى منطقتنا وتسود العدالة والسلام.
إن المآسي الإنسانية التي نسمع عنها يوميًا، بما فيها عمليات بتر الأطراف دون تخدير، هي أكثر مما يمكن تحمله. لقد انعدمت الإنسانية في غزة.
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي
حديث القدس
مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً
جواد العناني
سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن
أسعد عبد الرحمن
جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية
مروان أميل طوباسي
الضـم ليس قـدراً !!
نبهان خريشة
دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة
معروف الرفاعي
الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا
حديث القدس
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أحمد لطفي شاهين
الميدان يرد بندية على ورقة المبعوث الأمريكي الملغّمة
وسام رفيدي
تماسك أبناء المجتمع المقدسي ليس خيارًا بل ضرورة وجودية
معروف الرفاعي
المطاردون
حمادة فراعنة
فيروز أيقونَة الغِناء الشَّرقي.. وسيّدة الانتظار
سامية وديع عطا
السلم الأهلي في القدس: ركيزة لحماية المجتمع المقدسي ومواجهة الاحتلال
الصحفي عمر رجوب
إسرائيل تُفاقم الكارثة الإنسانية في غزة
حديث القدس
شتاء غزة.. وحل الحرب وطين الأيام
بهاء رحال
المقاومة موجودة
حمادة فراعنة
وحشية الاحتلال بين الصمت الدولي والدعم الأمريكي
سري القدوة
هوكشتاين جاء بنسخة لبنانية عن إتفاق أوسلو!
محمد النوباني
ماذا وراء خطاب نتنياهو البائس؟
حديث القدس
مآلات موافقة حزب الله على ورقة أمريكا الخبيثة
حمدي فراج
الأكثر تعليقاً
الأردن: حكم بسجن عماد العدوان 10 سنوات بتهمة "تهريب أسلحة إلى الضفة"
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
أبو الغيط: الوضع في فلسطين غير مقبول ومدان ولا يجب السماح باستمراره
مصطفى: الصحفيون الفلسطينيون لعبوا دورا محوريا في فضح جرائم الاحتلال
سموتريتش يضع البنية التحتية المنطقة (ج) في مهبّ أطماع المستوطنين
ضابط إسرائيلي يهرب من قبرص بسبب غزة
أ.د. أبو كشك يشارك في المؤتمر العالمي للغة الصينية في بكين ويوقع اتفاقية تعاون مع جامعة جيان شي
الأكثر قراءة
الكونغرس يقر قانون يفرض قيودا صارمة على المنظمات غير الربحية المؤيدة للفلسطينيين
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
الأونروا: فقدان 98 شاحنة في عملية نهب عنيفة في غزة
بعد مرسوم بوتين.. هل يقف العالم على الحافة النووية؟
زقوت في حوار شامل مع "القدس".. خطة حكومية لوضع دعائم بناء دولة مستقلة
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
ضابط إسرائيلي يهرب من قبرص بسبب غزة
أسعار العملات
الأربعاء 20 نوفمبر 2024 9:43 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.74
شراء 3.73
دينار / شيكل
بيع 5.28
شراء 5.26
يورو / شيكل
بيع 3.96
شراء 3.95
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%54
%46
(مجموع المصوتين 80)
شارك برأيك
تأملات من الأرض المقدسة: بصيص من الأمل