أقلام وأراء
الجمعة 10 مايو 2024 10:14 صباحًا - بتوقيت القدس
فلسطين حرّة "من النهر إلى البحر"
تلخيص
هذا الشعار "From the River to the Sea, Palestine will be Free" الذي يردّد في المظاهرات الشعبية التي تجتاح العالم، بما فيه أكثر الجامعات الأميركية والبريطانية والفرنسية والألمانية أهمّية، أثار المخاوف والهواجس، و"العقد النفسية"، التي تسيطر على أقطاب التمييز العنصري، ومروّجي الإبادة الجماعية التي تمارسها عصابات المستوطنين في حقّ الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلّة، ولا سيّما في قطاع غزّه.
ذلك أنّ إزالة التمييز العنصري هو من أشدّ المخاطر ضرراً على المشروع الصهيوني المُسمّى "إسرائيل"، ففي دولة "الشعب اليهودي" لا يجوز أن يتساوى اليهودي مع غير اليهودي في الحقوق والواجبات، فالمساواة تُفقد الصهيونية مبرّر وجودها، بل مبرّر عنصريتها. ومن هنا جاء الرعب الذي يُحدثه الشعار، فيعتبرونه شعاراً معادياً للسامية.
ومع ذلك، يؤكّد الواقع أنّ القيادة التاريخية لمنظمة التحرير الفلسطينية أعلنت رسمياً قبولها اقتسام فلسطين مع المستوطنين الصهاينة. ففي 15 نوفمبر/ تشرين الثاني 1988، أعلن المجلس الوطني، المُنعقد حسب الأصول، قيام دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو/ حزيران عام 1967، أي على 21% من مساحة فلسطين، وأكّد "إعلان الاستقلال" على أنّ القيادة الفلسطينية تعترف بأنّ قرار التقسيم (رقم 181 في العام 1947) "ما زال يوفّر شروطاً للشرعية الدولية"، أي سندها الشرعي في إقامة دولتها وقيام دولة المستوطنين، ثمّ جاءت اتفاقيات أوسلو (1993)، وهي اتفاقيات وإن لم تأتِ على ذكر "دولة فلسطينية" ولا على حدود دولتين، يهودية وعربية، إلا أنّه كان مفهوماً ضمناً، على الأقلّ للجانب الرسمي الفلسطيني، أنّ دولة فلسطينية سوف تقام على حدود 4 حزيران (1967)، هذا فضلاً عن أنّ بداية مسار "أوسلو" كان الاعتراف الرسميّ الفلسطيني، ليس فقط بـ"إسرائيل" دولةً، بل ذهب إلى أبعد من ذلك واعترف بـ"حقّ إسرائيل في الوجود"، وهي سابقة نادرة في الاعترافات الدبلوماسية (كما أنّها سابقة أن تعترف حركة بدولة)، إلا أنّ إسرائيل استطاعت تبديد هذا الوهم الذي استقر في ذهن القيادة الفلسطينية، التي ماز الت تحلم به كالشخص الذي يمشي وهو نائم.
ثم جاء الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية (2004)، الذي عرّف الأراضي الفلسطينية المحتلّة بأنّها تمتدّ من حدود 4 حزيران (1967) إلى الحدود الشرقية لفلسطين التاريخية، أي إلى نهر الأردن. وعلى هذه الأراضي سوف يمارس الفلسطينيون حقّ تقرير المصير، وتمسّكت القيادة الفلسطينية بهذا القول استناداً إلى المبدأ القانوني الذي يُحرّم اكتساب أراضي الغير بالقوة، وأنّ أيّ أرض محتلّة تظلّ لأصحابها الأصليين. وتبع ذلك عديد من البيانات والتصريحات الرسمية والدولية، التي تؤكّد أنّ الدولة الفلسطينية سوف تكون في حدود الرابع من يونيو (1967). وتمسّكت القيادة الفلسطينية بهذا التحديد، وأعلن الرئيس محمود عبّاس في أكثر من مناسبة، ومن على منصة الأمم المتّحدة أنّ حدود الدولة هي المناطق التي احتُلّت في العام 1967.
ولكن، من الثابت رسمياً وعملياً أنّ إسرائيل هي التي ترفض اقتسام فلسطين مع الفلسطينيين، ليكون نصيب إسرائيل 22,000 كيلو متر مربع (78% من مساحة فلسطين) ونصيب فلسطين خمسة آلاف كيلو مترٍ مربعٍ. ولا أدلّ على ذلك من أنّ إسرائيل لا تزال تقيم المستوطنات لليهود حصراً في الأراضي الفلسطينية المحتلّة، مع ما في ذلك من مخالفة صريحة لكلّ القرارات الدولية، والرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية، وما زالت إسرائيل تنقل مستوطنيها إلى هذه الأراضي، وتغدق عليهم المال والسلاح، وتأمّن لهم المواصلات والكهرباء والماء والاتصالات، التي تربط مستوطناتهم بمثيلاتها في داخل إسرائيل، وذلك شكل من أشكال الضمّ والاستعمار. ثمّ أصدرت إسرائيل قانوناً في 2018 (قانون القومية) يُقرّر في مادته الأولى أنّ حقّ تقرير المصير حقّ حصري لـ"الشعب اليهودي"، يمارسه في كلّ "أرض إسرائيل"، أيّ أنّ ذلك يشمل كلّ فلسطين التاريخية، ويتجاوزها إلى ما وراء ذلك من أراضي الدول المجاورة. وهكذا، نزعت إسرائيل صفة الاحتلال عن "الأراضي المحتلّة" وأصبحت ملكاً خالصاً لـ"الشعب اليهودي". كما نزع القانون في مادته السابعة الصفة غير القانونية للمستوطنات وأسبغ عليها "الصفة الوطنية"، وفي هذا قلبٌ لكلّ مفاهيم القانون الدولي.
إسرائيل ترفض تماماً أيّ حقّ للفلسطينيين في أرضهم التاريخية. وإذا كانت إسرائيل هي التي ترفض اقتسام فلسطين بينها وبين الفلسطينيين، الذين قبلوا هذه القسمة، فلماذا إذن يلام الفلسطينيون إذا طالبوا بدورهم في استعادة كامل أرضهم التاريخية من النهر إلى البحر؟ وإذا كان الأمر واضحاً وثابتاً، فلماذا يصدر الكونغرس الأميركي في 17 من الشهر الماضي (إبريل / نيسان) قراراً يدين فيه شعار "من النهر إلى البحر.. ستكون فلسطين حرّة"؟ وتجدر الملاحظة أنّ الكونغرس لم يتخذ موقف الإدانة من قانون القومية الإسرائيلي الذي شطب حقوق أبناء الشعب الفلسطيني كلّها، الفردية والجمعية، أيّ حين سنّت إسرائيل قانوناً يعلن، عملياً، شعار "من النهر إلى البحر ستكون صهيونية"، لم يتخذ الكونغرس موقفاً، ولم يصدر قراراً يعلن فيه أنّ في ذلك تجاوزاً لحقوق الفلسطينيين، بينما سارع إلى إدانة الشعار حين كان في ذلك مساس بالصهيونية.
أخفق الكونغرس الأميركي المرّة تلو الأخرى في استيعاب دوره ومهمّته الأساسية، وهي أنّه الحارس الأول للدستور الأميركي، بما في ذلك التعديل الأول منه، الذي قد يكون الأكثر أهمّية واحتراماً من المواطنين الأميركيين، باعتبار أنّه يُقنّن بغيرة شديدة حرّية القول والرأي. هذه الحرية بالنسبة للمواطن الأميركي ترقى إلى مرتبة القداسة. ونلاحظ أنّ أيّ مواطن أميركي يستطيع أنّ يخاطب أيّ مسؤول من الرئيس إلى أصغر مسؤول في الإدارة الأميركية، وأحياناً يكون الخطاب حادّاً وبعيداً عن اللباقة، ومع ذلك، لا يستطيع أحد أن يعتقله أو يسكته، طالما أنّ النقد لا يتطاول على إسرائيل والصهيونية. ويتخذ الكونغرس قراراً يحرم المواطنين والمتظاهرين من إعلان شعارهم الجديد الدالّ على صحوة فكرية وعلمية: "من النهر إلى البحر، فلسطين ستكون حرّة"، لأنّها ستكون حرّة من الصهيونية، وهذا ما يرعب الكونغرس الأميركي الذي لا يبدي اعتباراً لمبدأ حرّية الرأي والقول. بل إن سلوك الشرطة الأميركية في التعامل مع طلاب الجامعات الأميركية وأساتذتها فيه خرق فاضح للتعديل الأول من الدستور. أيّ أنّ حرّية التعبير يجب أن تكون على مقاس الإبادة الجماعية والأبارتهايد لكي تحترم، حسب مفهوم الرئيس جو بايدن.
من الثابت رسمياً وعملياً أنّ إسرائيل هي التي ترفض اقتسام فلسطين مع الفلسطينيين، ليكون نصيب إسرائيل 22,000 كيلو متر مربع (78% من مساحة فلسطين) ونصيب فلسطين خمسة آلاف كيلو مترٍ مربعٍ. ولا أدلّ على ذلك من أنّ إسرائيل لا تزال تقيم المستوطنات لليهود حصراً في الأراضي الفلسطينية المحتلّة
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
Google تدعم الباحثين بالذكاء الاصطناعي: إضافة جديدة تغيّر قواعد اللعبة
بقلم :صدقي ابوضهير باحث ومستشار بالاعلام والتسويق الرقمي
التعاون بين شركة أقلمة والجامعات الفلسطينية: الجامعة العربية الأمريكية نموذجاً
بقلم: د فائق عويس.. المؤسس والمدير التنفيذي لشركة أقلمة
أهمية البيانات العربية في الذكاء الاصطناعي
بقلم: عبد الرحمن الخطيب - مختص بتقنيات الذكاء الاصطناعي
ويسألونك...؟
ابراهيم ملحم
الحرب على غزة تدخل عامها الثاني وسط توسّع العمليات العسكرية الإسرائيلية في الجبهة الشمالية
منير الغول
ترامب المُقامر بِحُلته السياسية
آمنة مضر النواتي
نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي
حديث القدس
مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً
جواد العناني
سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن
أسعد عبد الرحمن
جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية
مروان أميل طوباسي
الضـم ليس قـدراً !!
نبهان خريشة
دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة
معروف الرفاعي
الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا
حديث القدس
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أحمد لطفي شاهين
الميدان يرد بندية على ورقة المبعوث الأمريكي الملغّمة
وسام رفيدي
تماسك أبناء المجتمع المقدسي ليس خيارًا بل ضرورة وجودية
معروف الرفاعي
المطاردون
حمادة فراعنة
فيروز أيقونَة الغِناء الشَّرقي.. وسيّدة الانتظار
سامية وديع عطا
السلم الأهلي في القدس: ركيزة لحماية المجتمع المقدسي ومواجهة الاحتلال
الصحفي عمر رجوب
إسرائيل تُفاقم الكارثة الإنسانية في غزة
حديث القدس
الأكثر تعليقاً
الأردن: حكم بسجن عماد العدوان 10 سنوات بتهمة "تهريب أسلحة إلى الضفة"
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
زعيمة حركة استيطانية تدخل غزة بدون علم الجيش لإعادة الاستيطان
اللواء محمد الدعاجنة قائداً للحرس الرئاسي
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
واشنطن ترفض قرار المحكمة الجنائية الدولية بإلقاء القبض على نتنياهو وغالانت
حرب غزة تخطف 18 ألف طفل فلسطيني
الأكثر قراءة
لائحة اتهام إسرائيلية ضد 3 فلسطينيين بزعم التخطيط لاغتيال بن غفير ونجله
الأردن: حكم بسجن عماد العدوان 10 سنوات بتهمة "تهريب أسلحة إلى الضفة"
ماذا يترتب على إصدار "الجنائية الدولية" مذكرتي اعتقال ضد نتنياهو وغالانت؟
نتنياهو يقمع معارضيه.. "إمبراطورية اليمين" تتحكم بمستقبل إسرائيل
الكونغرس يقر قانون يفرض قيودا صارمة على المنظمات غير الربحية المؤيدة للفلسطينيين
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أسعار العملات
السّبت 23 نوفمبر 2024 10:34 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.7
شراء 3.69
دينار / شيكل
بيع 5.24
شراء 5.22
يورو / شيكل
بيع 3.85
شراء 3.83
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%52
%48
(مجموع المصوتين 92)
شارك برأيك
فلسطين حرّة "من النهر إلى البحر"