أقلام وأراء
الأربعاء 13 مارس 2024 9:38 صباحًا - بتوقيت القدس
من القدس إلى غزة ... هات السكة...هات المنجل
تلخيص
في أواخر شهر شباط 2024، شهر الكبيسة والموت الجماعي، هي ساعات أو أيام، بتوقيت القصف الصاروخي والمدفعي على قطاع غزة واستمرار الجرائم والمجازر الاحتلال وخلط الطحين بالدم، تفصل بين وفاة الفنان المقدسي مصطفى الكرد، واستشهاد أربعة من الأسرى المرضى والمعاقين وكبار السن وهم: خالد الشاويش، عز الدين زياد البنا، عاصف الرفاعي، أحمد قديح، ليرتفع عدد الشهداء الأسرى منذ السابع من أكتوبر 2023 إلى أحد عشرة أسيرا، إضافة إلى العشرات من الأسرى في قطاع غزة الذي جرى إعدامهم وقتلهم بعد اعتقالهم و إخفائهم في سجون مجهولة، وما بين القدس وغزة أرواح تتعانق ونبض لا يتوقف، فإما الحرية أو الموت، ولأن الزمن الفلسطيني هو زمن الصلاة وقوفاً في المسجد والكنيسة والخيمة، ولأن شهر رمضان الفضيل يطل علينا بأقماره الهجرية والميلادية صوماً وعبادة وجوعاً وبرداً وتشرداً وإبادة، كان لا بد أن تلتحم الأجساد البشرية المتطايرة في قطاع غزة مع ضوء القدس وهو يحرك عود النار و أوتار الحنجرة، و كانت أغنية
هات السكة...هات المنجل...
أوعى بيوم عن أرضك ترحل...
يموت المغني وتبقى الأغاني، يموت الأسير وتبقى الحرية، فالوطن ليس حجارة أو منازل صامتة يتم تدميرها في هذه الحرب الدموية على قطاع غزة، الوطن هو الأعلى، المشاعر والأحاسيس العميقة في التاريخ، من القلب إلى الأبجدية والهوية، الصوت الإنساني من النقش على الحجر إلى النشيد والبندقية، هكذا يرتسم الوطن الفلسطيني وجدانياً ومعنوياً في كل الدورب العسيرة، وتكون الكينونة الفلسطينية هتافاً وطرزة وزفة في الموت وعرساً وعودة ولقاء جمعياً في رواية متجددة تصنعها دبكة شعبية.
هات السكة...هات المنجل، انتشرت الأغنية من جديد لتقاوم مخططات التهجير والترحيل القسري والتجويع التي يتعرض لها أهلنا في قطاع غزة، وقد حلَقت الأغنية المقدسية ما فوق الخراب، حملت المكان إلى كل مكان، دخلت من النوافذ وحطمت الحديد والقضبان، الاغنية الفلسطينية تنبعث من الرماد، مرجعية القلب والعقل واللسان، منذ أن غنى شاعرنا الشعبي نوح إبراهيم في ثورة 1936: من سجن عكا طلعت جنازة حتى ثورة سجن النقب في الانتفاضة الأولى عام 1988 عندما غنى صلاح عبد ربه: يا نقب كوني إرادة، لم يستطع المستعمر أن يدفن الأغنية مع المغني، أو يسكت صوتها تحت الركام، ولم يستطع أن يفك الاشتباك بين القدس وعواصم العالم، هي أغنية أعادت الإنسان إلى الوطن، وأعادت الوطن إلى الإنسان.
هات السكة...هات المنجل، لن أرحل يقول المرحوم الفنان مصطفى الكرد، أنا مسكون بالقدس، لم تغب عني بتاتاً، فأنت تستطيع أن تجد خمسين نيويورك ومئتي باريس والكثير من ميونخ وبرلين والعالم كله، ولكن القدس واحدة لا مثيل لها بلون حجارتها وجمال ضوئها، القدس فرضت عشقها على الجميع، وسكنت في دواخل كل من زارها أو تجول فيها، الحارات العتيقة، رائحة الأجداد والأسواق القديمة، باب حطة والسعدية، باب العامود وحي الشيخ جراح، التكايا وحلقات الذكر والمتصوفين، الآيات والترنيمات، موسيقى الكنائس وصوت الآذان، رائحة الأسير الضرير علاء البازيان والشهيد الأسير عمر القاسم، خليل السكاكيني وادوارد سعيد وفيصل الحسيني وكل من يكتب بالصوت في الزنازين المعتمة.
هات السكة...هات المنجل، كيف تجمع الأغنية الفلسطينية كل هذا الليل في تابوت واحد ودبكة واحدة في غزة؟ قتلوا الفنانين والموسيقيين والمثقفين والعلماء، هدموا المسارح وبعثروا الأغاني في الغبار والفحم، لا بأس، يقول الفنان مصطفى الكرد، سنجمع الكلمات والأصوات من تحت الأنقاض، سنطلق الأغاني من اللحم والدم، سنشهر جماليتنا الإنسانية في مواجهة الوحش والبشاعة الصهيونية، لا بأس، هناك موسيقى و وتر وأصابع وحجر وسكة ومنجل وأرض، لم يعد المنفى والتشرد قدرنا، لن تتكرر النكبة، هذا ما نريد، لن نفقد المفتاح والبيت والحصان، هنا دم ورمل وبرق وشتاء.
هات السكة...هات المنجل، حطموا القلم وحرقوا الدفتر ولكن بقي الصوت، نكتب بالصوت، توفي الفنان فتحي غبن وهو يطلب الأكسجين كي يتنفس، لكن لوحاته الفنية تنطق وتصرخ وتتنفس في كل بيت، وقتل الفنان عمرو مروان وهو يقوم بآخر أدواره البطولية بعنوان ميلاد فجر، وقتل الفنان والحكواتي غازي طالب وهو يروي للأطفال حكاية الحياة التي غلبت الموت، أين معلمة الموسيقى الهام فرح؟ السيدة المبتسمة دائماً للأحلام التي يسقيها الرمل، قنابل تهدم البيوت وأيادي تزرع الحرية، قتل الفنانون مع عائلاتهم ولكن أعمالهم ولمساتهم وأصواتهم تتحدى الصمت.
هات السكة...هات المنجل، الفنانون والموسيقيون والفرق الفنية في فلسطين تحولت إلى خلايا وكتائب ثقافية و وجدانية منذ بداية الاحتلال عام 1967 ولا تزال، فإذا كانت الكاميرا لا تلتقط المشهد الدامي والمرعب وآلام الضحايا في قطاع غزة، فإن الأغنية الفلسطينية بكلماتها وألحانها تنقل الحقيقة إلى أعماق النفس البشرية غضباً وفكرا و تثويرا وسياسة، تعتبر الأغنية هي الكل الفلسطيني والمغني هو المجتمع، الأغنية صوت الانتفاضات المفعمة بالأمل والتحريض و التوثيق و التعبئة، البيان والمنشور واللقاء بين الأرض والسماء، شفاء الروح واختراق العزلة والجدار، وقد كرست الأغنية الفلسطينية الهوية السياسية الفلسطينية في الخطاب الثقافي الفلسطيني والدفاع عن السردية الفلسطينية أمام العدوان والتهديد الاستعماري لها، ففي السجن أغنية خارج حدود القيد، وفي الجنازة أغنية خارج حدود الموت، وفي الشارع أغنية خارج حدود الجدار والأسلاك الشائكة، أغنية تقاوم اليأس والنسيان والانسحاق، أغنية تأتيك من الخندق كما تأتيك من المدرسة والذاكرة.
هات السكة...هات المنجل، أغاني السبعينيات والثمانينيات تنهض الآن، الثورة الفنية والثقافية التي عاشتها الأرض المحتلة، فرقة صابرين وترشيحا وبلالين والفنون والعاشقين والجذور، فرقة بلدنا ودبابيس وغيرها الكثير، صوتها ما زال أعلى من صوت الاحتلال، الأغاني نزلت على الشوارع والساحات، صار لها قبضة تشد على النقيفة والمقلاع، وصار لها كفين تزرع الحقول وتغمس ألحانها في التراب، لهذا اعتقلت سلطات الاحتلال مصطفى الكرد وأبعدته إلى خارج البلاد، لكن العتابا والجفرا والميجنا والموال والزجل صارت المعادل الموضوعي للحضور الفاعل في ظل القمع والقتل والسلب والغياب.
على مائدة شهر رمضان أكثر من ثلاثين ألف شهيد، وأكثر من مائة ألف جريح ومفقود في غزة، ينفجر رأس الشاعر علي الخليلي وهو يجادل الفنان أبو نسرين عن شكل المخالب في لحم القصيدة.
في مسرح الحكواتي رأيت مصطفى الكرد يعزف على العود بيد ويمسك بالأخرى يد الفنان أحمد أبو سلعوم ملتحمان صوتاً ولحناً مقدسياً، غنى أبو سلعوم: ما نسيتك يا دار أهلي، حتى كاد المسرح أن يطبق على حياد المتفرجين على هول الجريمة.
وقد رأيت مصطفى الكرد في مسرح الحكواتي يرفع مستوى الأغنية والإيقاع إلى مستوى هبة الفجر العظيم في صلوات القدس، المرابطون والمرابطات، الدفاع عن الحق والتاريخ والهوية في حقول الآيات المحكمات الغاضبات.
هات السكة ... هات المنجل
اوعى بيوم عن ارضك ترحل.
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
سيادة العراق ولبنان في خندق واحد
كريستين حنا نصر
إسرائيل ترفع وتيرة قتل الفلسطينيين
حديث القدس
توفير الحماية العاجلة والفورية لأطفال فلسطين
سري القدوة
حقائق حول انضمام فلسطين للمحكمة الجنائية الدولية وصولاً لمذكرات الاعتقال
د. دلال صائب عريقات
سموتريتش
بهاء رحال
مبادرة حمساوية
حمادة فراعنة
Google تدعم الباحثين بالذكاء الاصطناعي: إضافة جديدة تغيّر قواعد اللعبة
بقلم :صدقي ابوضهير باحث ومستشار بالاعلام والتسويق الرقمي
التعاون بين شركة أقلمة والجامعات الفلسطينية: الجامعة العربية الأمريكية نموذجاً
بقلم: د فائق عويس.. المؤسس والمدير التنفيذي لشركة أقلمة
أهمية البيانات العربية في الذكاء الاصطناعي
بقلم: عبد الرحمن الخطيب - مختص بتقنيات الذكاء الاصطناعي
ويسألونك...؟
ابراهيم ملحم
الحرب على غزة تدخل عامها الثاني وسط توسّع العمليات العسكرية الإسرائيلية في الجبهة الشمالية
منير الغول
ترامب المُقامر بِحُلته السياسية
آمنة مضر النواتي
نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي
حديث القدس
مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً
جواد العناني
سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن
أسعد عبد الرحمن
جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية
مروان أميل طوباسي
الضـم ليس قـدراً !!
نبهان خريشة
دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة
معروف الرفاعي
الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا
حديث القدس
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أحمد لطفي شاهين
الأكثر تعليقاً
الأردن: حكم بسجن عماد العدوان 10 سنوات بتهمة "تهريب أسلحة إلى الضفة"
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
"الجنائية" تتحرك أخيراً ضد الجُناة.. قِيَم العدالة في "ميزان العدالة"
اللواء محمد الدعاجنة قائداً للحرس الرئاسي
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
زعيمة حركة استيطانية تدخل غزة بدون علم الجيش لإعادة الاستيطان
السيسي: السلام العادل والمستدام هو خيار استراتيجي لمصر
الأكثر قراءة
نتنياهو و"الليكود" يتربصان بغالانت لفصله من الحزب وإجباره على التقاعد
لائحة اتهام إسرائيلية ضد 3 فلسطينيين بزعم التخطيط لاغتيال بن غفير ونجله
ماذا يترتب على إصدار "الجنائية الدولية" مذكرتي اعتقال ضد نتنياهو وغالانت؟
نتنياهو يقمع معارضيه.. "إمبراطورية اليمين" تتحكم بمستقبل إسرائيل
الكونغرس يقر قانون يفرض قيودا صارمة على المنظمات غير الربحية المؤيدة للفلسطينيين
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أسعار العملات
السّبت 23 نوفمبر 2024 10:34 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.7
شراء 3.69
دينار / شيكل
بيع 5.24
شراء 5.22
يورو / شيكل
بيع 3.85
شراء 3.83
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%53
%47
(مجموع المصوتين 93)
شارك برأيك
من القدس إلى غزة ... هات السكة...هات المنجل