أقلام وأراء
الثّلاثاء 16 يناير 2024 9:42 صباحًا - بتوقيت القدس
بعد 100 يوم: هل أصبحت الحرب هي الهدف؟
أصبحت الحرب بعد 100 يوم على بدئها وكأنها هي الهدف؛ ذلك لأن الأهداف المعلنة للحرب (القضاء على المقاومة، وإطلاق سراح الأسرى، وجعل قطاع غزة منطقة غير قادرة على تهديد إسرائيل في المستقبل) لم تتحقق، وفي كل يوم يمر يزداد الإسرائيليون قناعة باستحالة تحقيقها، كما أن الخلافات داخل مجلس الحرب باتت جدية حول الأولوية، هل هي استمرار الحرب، أو عقد هدنة ولو طويلة مدتها ثلاثة أشهر يتم فيها التوصل إلى صفقة أو صفقات لإطلاق سراح الأسرى؟ وإذا تمت الهدنة الطويلة فستكون على الأغلب الاسم الحركي لوقف الحرب الواسعة.
وحتى ندرك أهمية هذه الخلافات، علينا أن نتمعن فيما قاله غادي أيزنكوت، الوزير في مجلس الحرب بأنه "يجب أن نتوقف عن الكذب على أنفسنا، وعلينا أن نذهب إلى صفقة كبيرة تعيد المخطوفين إلى بيوتهم، فكل يوم جديد يمر يعرض حياتهم للخطر"، وأيده زعيم حزبه بيني غانتس، وأرييه درعي، زعيم حركة شاس، بينما عارضه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير حربه يوآف غالانت، اللذان يعتقدان أن المزيد من الحرب يؤدي إلى النصر الذي من دونه كما قال غالانت "لا مكان لإسرائيل في الشرق الأوسط"، وأن الضغط العسكري هو الذي يؤدي إلى إطلاق سراح الرهائن.
وهناك خلاف آخر بين غالانت ونتنياهو؛ إذ يعدّ الأول تقوية السلطة الفلسطينية مصلحة أمنية لإسرائيل، لذا يطالب بالإفراج عن أموال المقاصة، والسماح للعمال الفلسطينيين بالعودة إلى العمل في إسرائيل، أما الآخر فيعدّ السلطة "إرهابية" وتربي الأولاد على "الإرهاب".
ثمة أمر آخر يجعل استمرار الحرب هو الهدف، هو الخلاف الإسرائيلي الإسرائيلي بين نتنياهو وغالانت فهما لا يتحادثان ثنائيًا، وإنما بالاجتماعات فقط، مع أنهما الشخصان الأهم في الحكومة ومجلس الحرب في أيام الحرب، فضلًا عن الخلافات بينهما وآخرين على سيناريو اليوم التالي، فهناك من يريد عودة السلطة، ولكن بعد تجديدها وتقويتها، ومن يريد احتلال القطاع وإعادة المستوطنات وتقليص مساحة القطاع جغرافيًا وبشريًا، لدرجة أن هناك من يطالب بتهجير مليونين اثنين من الفلسطينيين، وهناك نتنياهو الذي يقف بين الموقفين، فهو "لا يريد" احتلالًا، ولكنه يريد سيطرة أمنية إسرائيلية لمدة غير محددة، وإقامة مناطق عازلة، كما أنه يرفض عودة السلطة.
إذا لم تحدد أهداف الحرب في اليوم التالي، فكيف يمكن تحقيقها وكيف يمكن أن تنتهي، فهذا يشبه السفينة العائمة في البحر التي لا تعرف وجهتها، وهذا الأمر إضافة إلى تغير الأهداف باستمرار جعلا الحرب هي الهدف؛ لأن الأهداف تتغير إذا كانت غير قابلة للتحقيق سواء بإعلان أو من دونه.
التهجير الهدف الدائم بإعلان أو من دونه
هناك أهداف أخرى مختلف عليها، وأهداف مهمة تقف في خلفية وأساس الحرب تتعلق بالتهجير، وهي التي تفسر حرب الإبادة وكل هذا القتل والتدمير والتهجير داخل قطاع غزة، والحصار والتجويع ومنع وصول الاحتياجات الإنسانية، بما فيها الدواء، فلا يجب على أحد أن ينسى أن المقولة الأساسية للصهيونية "شعب بلا أرض لأرض بلا شعب"، التي ترجمت بالاستيلاء على "أكبر مساحة ممكنة من الأرض مع أقل عدد ممكن من السكان".
الجدير بالانتباه إلى أن الخلاف الداخلي الإسرائيلي له بعد أميركي، لا سيما فيما يتعلق بالخلاف على اليوم التالي للحرب، فهو يكتسب أهمية أكبر نظرًا إلى مطالبة الإدارة الأميركية المستمرة والمتزايدة على تحديد خطة اليوم التالي للحرب.
إن عدم تحديد هذه الخطة يجعل الجيش الإسرائيلي يضيق ويحتج على قيادته، فمن دون تحديد المحطة النهائية لا يمكن الوصول إليها، ولا يمكن وضع الخطط العسكرية المناسبة، فهناك فرق بين إذا كان الهدف المعلن (أو الحقيقي) احتلال قطاع غزة وإقامة إدارة محلية تابعة للاحتلال، أو القضاء على "حماس"، أو إسقاطها من السلطة، أو تفكيك بنيتها العسكرية وتنصيب أو المساعدة على تنصيب سلطة محلية أو عودة السلطة.
إذا كان الهدف تهجير الفلسطينيين وإقامة المستوطنات بدلًا منها فهذا شيء، وإذا كان الهدف إقامة مناطق عازلة وتقليص مساحة القطاع وتقليل عدد سكانه فهذا شيء آخر.
كما أن هناك فرق بين أن المطلوب وجود قوات أميركية أو دولية أو متعددة في غزة، وبين الموافقة على عودة السلطة المتجددة؛ أي تحويل السلطة من سلطة متعاونة مع الاحتلال إلى سلطة عميلة للاحتلال.
السؤال: هل تقبل السلطة بأن تعود إلى غزة على ظهر الدبابة الإسرائيلية وأن تتحول إلى سلطة عميلة؟ هي تقاوم وترفض ذلك حتى الآن.
وهناك فرق أيضًا بين هدف القضاء على "حماس"، أو القضاء عليها عسكريًا أو بوصفها فكرة وأيديولوجيا، وبين تحويلها إلى قوة ضعيفة أو منزوعة السلاح أو تؤدي دورًا من وراء الستار وليس لاعبًا رئيسيًا.
دولة الاحتلال في قفص الاتهام
تعاملت دولة الاحتلال مع الدعوى التي رفعتها ضدها جنوب أفريقيا بارتكابها إبادة جماعية باهتمام بالغ مختلف عن الكيفية التي تعاملت معها في المرات السابقة؛ ذلك لأسباب عدة، منها أن هناك بالفعل جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان، فما نفذ من قتل وتدمير وتهجير يوفر الركن المادي بامتياز، وما صرح به رئيس الحكومة ورئيس الدولة والوزراء ورئيس الأركان والجنرالات والجنود والضباط وأعضاء الكنيست ورجال الدين والإعلاميون؛ يوفر الركن المعنوي والنية المسبقة.
إنّ ما قام به وفد جنوب أفريقيا باعتراف قانونيين إسرائيليين من مرافعة راقية احترافية، من حيث اللغة والمضمون والأدلة والبراهين، يجعل إمكانية إفلات إسرائيل من الإدانة مسألة تكاد تكون مستحيلة، وإذا نجت لن يكون ذلك بسبب افتقار الدعوى إلى أي ركن، وإنما ناتج من تعرض المحكمة والقضاة بشكل جماعي، عن طريق الدول التي ينتمون إليها، أو بشكل فردي عبر الترغيب والتهديد والابتزاز.
وقف الحرب أم تخفيفها أم تدفق المساعدات؟
وإذا لم تصدر محكمة لاهاي قرارًا مبدئيًا خلال مدة أقصاها أسبوعان بوقف حرب الإبادة إلى حين الانتهاء من التحقيق الذي قد يستغرق عامًا أو أقل أو أكثر، واكتفت بالطلب بتخفيف الحرب أو بتدفق المساعدات الإنسانية، أو عودة المهجرين إلى الشمال، أو إرسال بعثة تقصي حقائق، فستسقط أعلى مؤسسة قضائية دولية، مثلما سقطت منظومة الأمم المتحدة التي لم تملك سوى الشجب والاستنكار إزاء جرائم يندى لها جبين الإنسانية، فجريمة حرب الإبادة المستمرة لا تحتمل أي قرار لا يتضمن وقفها فورًا إلى حين استكمال التحقيق.
ما قد يطمئن على نتيجة قرار المحكمة أن الحكومة والمعارضة في إسرائيل تخشيان الإدانة، لذا استبقتا الحكم بشيطنة جنوب أفريقيا، وشن حرب عليها بوصفها ذراع "حماس" وشريكة حزب الله في عمليات تهريب متعددة سلاح ومخدرات، وأن دعوتها سياسية ولا تستند إلى أي مسوغات حقيقية. والأنكى والأمر أن الهجوم الإسرائيلي لم يقتصر على جنوب أفريقيا، وإنما تركز كذلك على المحكمة قبل أن تصدر حكمها استباقًا له، وللتقليل من آثاره، فهم يعرفون جيدًا ما يقومون به من إبادة، سواء صدرت الإدانة أم لا.
تدرك حكومة نتنياهو أنها في قفص الاتهام، لذلك طالب نتنياهو الوزراء بمسك ألسنتهم وإلا سيورطون إسرائيل، وتتبجح بأنها ستواصل الحرب، مع أن قرارات المحكمة ملزمة لأي دولة موقعة عليها، وإذا لم تلتزم فغيرها من الدول الموقعة يمكن أن تبدأ بمعاقبة إسرائيل ومساءلتها. أما الدول الأخرى الشريكة لإسرائيل في حرب الإبادة وتتحمل المسؤولية الجنائية معها، سواء من الموقعين على الاتفاقية بخصوصها أم لا، فهي تخشى من مواجهة عرض الأمر على مجلس الأمن، وحينها ستكون الولايات المتحدة وبريطانيا بالذات محرجتين باستخدام الفيتو؛ لأنه سيكون ضد قرار صادر من أعلى محكمة قضائية في العالم ويتعلق بحرب إبادة، وهذا سيفاقم الخلافات داخل الإدارة الأميركية والحكومة البريطانية، وسيفاقم الانتفاضة الشعبية ضدهما؛ ما سيترك المزيد من التأثير الذي يؤدي إلى زيادة العوامل الضاغطة باتجاه وقف الحرب.
بايدن محبط من نتنياهو
يأتي ما سبق في ظل ما نشرته وكالات الأنباء من إشارات إلى أن بايدن محبط من نتنياهو؛ لأنه فضّل سموتريتش وبن غفير عليه، وفي عدم تحويل أموال المقاصة إلى السلطة، وعدم الانتقال إلى المرحلة الثالثة من الحرب، وعدم إعطاء الأولوية للهدنة الإنسانية وصفقة تبادل للأسرى، وعدم الموافقة على عودة المهجرين من الشمال إلى مناطقهم، وعدم تحديد خطة لليوم التالي، وعدم الموافقة على عودة السلطة المتجددة إلى القطاع ولا على "حل الدولتين"، وعدم التصعيد على الجبهة الشمالية، بل يحاول نتنياهو توريط واشنطن في حرب إقليمية لا تريدها، ولا يريدها سوى نتنياهو وغالانت وهليفي، مع أن إسرائيل ليست جاهزة لخوضها وحدها، فهي غارقة في مستنقع غزة، فكيف ستغرق في المستنقع اللبناني من دون مشاركة أميركية.
ماذا كان رد رئيس أقوى دولة في العالم على كل ما سبق من عدم أخذ النصائح الأميركية؟ الإحباط حتى الآن، على الأقل، وإذا انتقل إلى الضغط على نتنياهو، وهو سيضطر إلى فعل ذلك في النهاية، وذلك لإنقاذ إسرائيل من نفسها، ولإنقاذ نتنياهو من من نفسه المحكومة باعتبارات شخصية تدفعه إلى إطالة الحرب إلى ما لا نهاية.
العالم غابة سقطت فيه كل القيم، ولا يعترف بحقوق الإنسان ولا بحق تقرير المصير للشعوب، ولا العدالة ولا المساواة، ولولا دول مثل جنوب أفريقيا والانتفاضة الشعبية العالمية التي انتصرت للحق، وإسناد الجبهات، خصوصًا اللبنانية واليمنية والعراقية وأحرار العالم أينما تواجدوا، فلا مكان للعيش فيه، فألف تحية لبلد نيلسون مانديلا التي فضلت الحق والعدالة والأخلاق على المصالح وكل شيء، ولكل الذين انتصروا للحق والعدالة على الرغم من الأثمان الغالية.
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
سيادة العراق ولبنان في خندق واحد
كريستين حنا نصر
إسرائيل ترفع وتيرة قتل الفلسطينيين
حديث القدس
توفير الحماية العاجلة والفورية لأطفال فلسطين
سري القدوة
حقائق حول انضمام فلسطين للمحكمة الجنائية الدولية وصولاً لمذكرات الاعتقال
د. دلال صائب عريقات
سموتريتش
بهاء رحال
مبادرة حمساوية
حمادة فراعنة
Google تدعم الباحثين بالذكاء الاصطناعي: إضافة جديدة تغيّر قواعد اللعبة
بقلم :صدقي ابوضهير باحث ومستشار بالاعلام والتسويق الرقمي
التعاون بين شركة أقلمة والجامعات الفلسطينية: الجامعة العربية الأمريكية نموذجاً
بقلم: د فائق عويس.. المؤسس والمدير التنفيذي لشركة أقلمة
أهمية البيانات العربية في الذكاء الاصطناعي
بقلم: عبد الرحمن الخطيب - مختص بتقنيات الذكاء الاصطناعي
ويسألونك...؟
ابراهيم ملحم
الحرب على غزة تدخل عامها الثاني وسط توسّع العمليات العسكرية الإسرائيلية في الجبهة الشمالية
منير الغول
ترامب المُقامر بِحُلته السياسية
آمنة مضر النواتي
نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي
حديث القدس
مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً
جواد العناني
سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن
أسعد عبد الرحمن
جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية
مروان أميل طوباسي
الضـم ليس قـدراً !!
نبهان خريشة
دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة
معروف الرفاعي
الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا
حديث القدس
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أحمد لطفي شاهين
الأكثر تعليقاً
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
اللواء محمد الدعاجنة قائداً للحرس الرئاسي
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
زعيمة حركة استيطانية تدخل غزة بدون علم الجيش لإعادة الاستيطان
"الجنائية" تتحرك أخيراً ضد الجُناة.. قِيَم العدالة في "ميزان العدالة"
واشنطن ترفض قرار المحكمة الجنائية الدولية بإلقاء القبض على نتنياهو وغالانت
نيويورك تايمز تكشف تفاصيل اتفاق وشيك بين إسرائيل ولبنان
الأكثر قراءة
نتنياهو و"الليكود" يتربصان بغالانت لفصله من الحزب وإجباره على التقاعد
لائحة اتهام إسرائيلية ضد 3 فلسطينيين بزعم التخطيط لاغتيال بن غفير ونجله
ماذا يترتب على إصدار "الجنائية الدولية" مذكرتي اعتقال ضد نتنياهو وغالانت؟
نتنياهو يقمع معارضيه.. "إمبراطورية اليمين" تتحكم بمستقبل إسرائيل
الكونغرس يقر قانون يفرض قيودا صارمة على المنظمات غير الربحية المؤيدة للفلسطينيين
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أسعار العملات
السّبت 23 نوفمبر 2024 10:34 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.7
شراء 3.69
دينار / شيكل
بيع 5.24
شراء 5.22
يورو / شيكل
بيع 3.85
شراء 3.83
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%53
%47
(مجموع المصوتين 93)
شارك برأيك
بعد 100 يوم: هل أصبحت الحرب هي الهدف؟