أقلام وأراء
الأربعاء 13 ديسمبر 2023 10:07 صباحًا - بتوقيت القدس
«فيتو» أمريكي مُنفصل عن الواقع
ذراع واحدة ارتفعت في معارضة لمقترح وقف إطلاق النار، بينما ذراع أخرى بدت مشلولة، إما خوفاً من النقد أو ربما تعبيراً عن التضامن مع أهداف مشتركة. هكذا بدا الموقف في اجتماع مجلس الأمن الطارئ في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2023 الذي تقدمت فيه الإمارات العربية المتحدة، بطلب لوقف اطلاق النار في غزة، حيث طالب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بتفعيل المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة، وهي مادة نادراً ما تُستخدم، تمنح الأمين العام صلاحيات سياسية بدلاً من الإدارية، في خطوة صارمة من الأمم المتحدة للتدخل بعد القصف الإسرائيلي المتواصل الذي أدى إلى واحدة من أكبر مآسي التاريخ المعاصر، وصل خلالها عدد الضحايا المدنيين إلى 18,000 قتيل حتى تاريخ كتابة هذه السطور، فضلاً عن تهجير 80% من السكان وحدوث دمار شامل لمنطقة غزة بأسرها.
الذراع المعارضة التي رُفعت عالياً في تحدٍ لوقف إطلاق النار الإنساني الفوري كانت أمريكية، أما الذراع المشلولة التي امتنعت عن التصويت لصالح راحة وسلام ملايين المدنيين العاجزين، فكانت بريطانية. وهز بقية الأعضاء رؤوسهم في خيبة أمل واضحة، ولكن لم تكن ملامح الدهشة حاضرة عند استماعهم إلى ممثل الشؤون السياسية الخاصة للولايات المتحدة روبرت أ. وود وهو يصف الطلب بأنه «منفصل عن الواقع». ومع ذلك، تبرز الحقيقة من خلال الأرقام المروعة الواردة من المنظمات الإنسانية في غزة، تلك الإحصاءات نفسها التي شكك فيها الرئيس الأمريكي جو بايدن، متبعاً خطى الرئيس السابق جورج بوش الابن الذي أنكر حجم الضحايا المدنيين في حربه على «أسلحة الدمار الشامل» في العراق، والتي أدت إلى مقتل مليون عراقي، متعهداً بمستقبل أفضل للمنطقة على الرغم من الفظائع.
استمر روبرت وود في تجريد الشعب الفلسطيني من إنسانيته، باعثاً برسالة واضحة إلى بقية الأعضاء من خلال انشغاله بهاتفه أثناء خطاب الدبلوماسي الفلسطيني رياض منصور في الأمم المتحدة. بعد مرور أكثر من شهرين على القصف الإسرائيلي، والعالم لم يتلق بعد هدفاً واضحاً لمهمة إسرائيل في ما يتعلق بهذه الكارثة الفظيعة.
أصبح جلياً تماماً أن إسرائيل لم يكن لديها هدفاً واضحاً منذ البداية. فالقضاء على «الإرهاب» مهمة غامضة سمعناها مراراً وتكراراً في هذه المنطقة، لكن التاريخ أظهر أن أمريكا وحلفاءها الغربيين نجحوا في شن حروب باستخدام هذه الذريعة لكن من دون أن ينجزوا أبداً هذه المهمة المزعومة، فلم يتم القضاء على الإرهاب باستخدام هذا المنطق بل ساهموا فقط في تمكينه من خلال خلق بيئة أكثر فوضى وملائمة لتناميه.
موقف الولايات المتحدة جعل حلفاءها يدركون أنه ليس كل التحالفات على قدم المساواة، وأن دعمها وعلاقاتها السياسية مشروطة. لم يكن هذا مفاجئاً، حيث تخلت الولايات المتحدة عن أخلاقياتها في ما يتعلق بحقوق الإنسان والقوانين الدولية، وبذلك قدمت نفسها منافقة في أعين العالم الذي كانت تعظه. في كل مسعى سياسي، يكمن المسار الأكثر موثوقية لاستمرار الحكومات في تقديم نموذج قيادي قوي والتمسك الثابت بالمبادئ، بغض النظر عن التحالفات. ومع ذلك، غالباً ما يثبت هذا النهج المثالي أنه بعيد المنال في واقع عالمي معقد.
والآن، بعد أحداث غزة، حتى الحالمون والمتفائلون يبدو أنهم استفاقوا على قسوة الواقع. ثمة لحظات في التاريخ السياسي تعد محورية، وقد أصبحت هذه الإبادة الجماعية تحت شعار «الدفاع عن الدولة» واحدة منها، وسيسجل التاريخ هذه الحرب على المدنيين الفلسطينيين وتشريدهم كلحظة مفصلية استيقظ فيها العالم على خطط في الاحتلال والتوسع، ومن الآن فصاعداً، لن يكون الخطاب القديم نفسه كافياً لتفسير أو تبرير الفظائع التي ارتُكِبت سعياً لتحقيق هذه الأهداف. كما أظهرت الذراع المرفوعة لروبرت وود، عِناد الولايات المتحدة التي وقفت وحيدة في دعمها الأعمى لإسرائيل. فالعالم الآن يدرك أنه لو كانت أي دولة أخرى تقوم بممارسات الإرهاب التي يتم بثها عالمياً، لكانت أمريكا قد حشدت جميع قواتها لإنهاء هذه الجرائم الحربية، ولواجه بنيامين نتنياهو العدالة في لاهاي. لكن، هذه ليست أي دولة أخرى، بل هي إسرائيل، والولايات المتحدة مستعدة للمجازفة بكامل مكانتها السياسية الخارجية دفاعاً عنها.
تبدو الحكومات الأخرى كما لو أنها تفتقر إلى الخيارات، ويبقى الأمل في أن تتخذ موقفاً متحدياً وغير مبالٍ بالمنطق الأمريكي، وأن تقدِمَ على خطوات أكثر حزماً؛ لإجبار اليد التي تتحكم بالإرهاب على الاستسلام، بغض النظر عن الكلف المترتبة على ذلك.
وينبغي على الحكومات، كائناً ما كانت البلدان التي تمثلها، احترام القوانين الدولية ليس من أجل فلسطين فحسب، لكن أيضاً من أجل استعادة ثقة شعوب العالم وتطمينها بأن العدالة والحرية حق مشروع للجميع. بالاتفاق مع "الخليج"
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
ترامب المُقامر بِحُلته السياسية
آمنة مضر النواتي
نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي
حديث القدس
مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً
جواد العناني
سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن
أسعد عبد الرحمن
جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية
مروان أميل طوباسي
الضـم ليس قـدراً !!
نبهان خريشة
دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة
معروف الرفاعي
الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا
حديث القدس
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أحمد لطفي شاهين
الميدان يرد بندية على ورقة المبعوث الأمريكي الملغّمة
وسام رفيدي
تماسك أبناء المجتمع المقدسي ليس خيارًا بل ضرورة وجودية
معروف الرفاعي
المطاردون
حمادة فراعنة
فيروز أيقونَة الغِناء الشَّرقي.. وسيّدة الانتظار
سامية وديع عطا
السلم الأهلي في القدس: ركيزة لحماية المجتمع المقدسي ومواجهة الاحتلال
الصحفي عمر رجوب
إسرائيل تُفاقم الكارثة الإنسانية في غزة
حديث القدس
شتاء غزة.. وحل الحرب وطين الأيام
بهاء رحال
المقاومة موجودة
حمادة فراعنة
وحشية الاحتلال بين الصمت الدولي والدعم الأمريكي
سري القدوة
هوكشتاين جاء بنسخة لبنانية عن إتفاق أوسلو!
محمد النوباني
ماذا وراء خطاب نتنياهو البائس؟
حديث القدس
الأكثر تعليقاً
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
أبو الغيط: الوضع في فلسطين غير مقبول ومدان ولا يجب السماح باستمراره
الأردن: حكم بسجن عماد العدوان 10 سنوات بتهمة "تهريب أسلحة إلى الضفة"
ضابط إسرائيلي يهرب من قبرص بسبب غزة
مصطفى: الصحفيون الفلسطينيون لعبوا دورا محوريا في فضح جرائم الاحتلال
سموتريتش يضع البنية التحتية المنطقة (ج) في مهبّ أطماع المستوطنين
الاحتلال الإسرائيلي يتوغل في القنيطرة السورية ويعتقل راعيا
الأكثر قراءة
ماذا يترتب على إصدار "الجنائية الدولية" مذكرتي اعتقال ضد نتنياهو وغالانت؟
نتنياهو يقمع معارضيه.. "إمبراطورية اليمين" تتحكم بمستقبل إسرائيل
الكونغرس يقر قانون يفرض قيودا صارمة على المنظمات غير الربحية المؤيدة للفلسطينيين
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
بعد مرسوم بوتين.. هل يقف العالم على الحافة النووية؟
زقوت في حوار شامل مع "القدس".. خطة حكومية لوضع دعائم بناء دولة مستقلة
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أسعار العملات
الأربعاء 20 نوفمبر 2024 9:43 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.74
شراء 3.73
دينار / شيكل
بيع 5.28
شراء 5.26
يورو / شيكل
بيع 3.96
شراء 3.95
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%53
%47
(مجموع المصوتين 81)
شارك برأيك
«فيتو» أمريكي مُنفصل عن الواقع