Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo

سورية بين مطب الإرث، والفعل

الثّلاثاء 31 ديسمبر 2024 1:50 صباحًا - بتوقيت القدس

زيني محمد لامين

قبل أن نتحدّث ننحي لنبارك لهذا الشعب المقاوم الثائر انتصار ثورته العطرة، المُبهرة التي أبْهرت العالم بإقدام شُجعانها، بتضحياتهم طلبًا وولهًا في عناق الحرية، وسريان العدالة الاجتماعية، شعب حكيم بحكمته المنقطعة النظير، وبإنسانيته النادرة جسّد اليوم واقع "اذهبوا أنتم الطلقاء" أمام من سحقهم، دمّر بلدهم، أحرق أخضرهم، سوى بالبراميل المتفجّرة بنيانهم مع أجسادهم أظهروا أرقى قيم الإنسانية التسامح، والعفو، والرحمة في حين كان بإمكانهم رد المعاملة، أخذ الحق أو باللسان الفقهي القصاص لكنهم فضلوا التسامي تغليب الحكمة.
نبارك ونشارك الفرحة وفي خضم هذه البهجة العارمة نود أن نتطرق إلى نقاط في نظرنا هي أفضل ما يمكن أن نتطرق إليه في أجواء كهذه أجواء الفتح والتمكين، والاحتفال، كما أنّها أفضل ما يمكن أن نحكي ونردّد على مسامع أشقائنا في الياسمين الزّكي.
احذروا وسائل الطواغيت
رحل الطاغية وهذه لوحدها نعمة تستوجب السّجود حمدًا وشكرًا، لكن هذا الديكتاتور ليس وليد اليوم ولا نكرة سياسيّا، جثم لسنوات مديدة على سدة الحكم، تولّيه للحكم في الشام كان نتيجة ميراث، نتيجة توصية، تخطيط وتدبير؛ أي أنه ممتد سياسيّا واجتماعيا وثقافيا، وحتى اقتصاديا، وبالتالي هذا لا يمكن تجاوزه ولا يمكن تجاوز مآلاته، هذا الإرث المطب سيكون حجر عثر في مسار البناء والتعمير إن لم ننتبه ونأخذ بالفعل ورد الفعل، وفي ذلك على سوريا الثورة أن تأخذ بالحيطة والحذر تجاه المجالات التالية، وأن تسن ما يؤمن دربها المستقبلي من هذه المتربّصات وفي قادم الكلم سنناقش هذه المجالات بشيء من التفصيل.
الوسيلة السياسة:
السياسة وما أدراك ما السياسة من المَعالي المُعليّات، بعلوّها ورشدها تعلو الأوطان وبدنوّها وسفسافها تنحدر، تنحط الأوطان، لذا وأكثر على الثوار في الشام أن يحذروا تجاه هذا النسق ومن الحذر أن تقيم الثورة محاكم عقاب لمجرمي السياسة، محاكم تُعاقب بقدر الإجرام، لا رحمة فيها لمن خطّط ودبّر ونفّذ عمليات الإجرام ضد الشعب السوري الأبي هذه نقطة، أما الثانية فهي عدم السماح لعودة أي شكل من أشكال النظام البائد لا عقوله الشائخة ولا شبابه المتفّه، ولا شبه نظمه ولا قوانينه ولا أحزابه ولا شعاراته وهنا نفتح المجال لمحاكم التفتيش لتفتش بنباهة وعين متّقظة لا ترمش عن أي صورة مشابهة للقديم وهذا بدهيًّا؛ لحياة الجديد، لسلامة المولود الجديد.
أما الثالثة فهي أن تسلم الحياة المدنية من الأجواء العسكرية، أكبر خدمة قد تقدّمها الثّورة لشعوبها أن تُعيد العسكر إلى حيث يجب، الحدود هناك تصرخ وتنادي أين حماة الوطن، الوطن ينتهك ويخرب وتتربص به الدوائر من هنا من هذا الثغر، من هنا يُصبح الوطن خبر كان، أما هناك المدينة فلا علاقة للعسكر بها نهائيا هي مكان لحياة المواطنين وفق نسائم المدنية وفق نواميس الإنسانية، مكان ليعيش المدني بحريته، بكرامته بعيدا عن نقاط غطرسة الجنود، جغرافيا تفسح المكان والزمان للمدني ليبني ويشيّد وفق عقله المدني فحسب، تتشوّه المدينة حقًا بمظاهر العسكرة، وتتزيّن وتزدهر بمظاهر المدنيّة.
أما الرابعة فهي نقطة ذات أهمية بمكان وهي أن تَمسح روح الشباب المعطاءة القيادة، وأن تُفعّل روح المسؤولية تجاه مقدّسات الأمّةِ، بمعنى أن تحاولَ الثورة قدر المستطاع أن تكون القيادة شبابية، فالشباب هم من فجروا الثورة وهم وهم... وبالتالي هم من يستطيع بناء الدولة، الكهول بصدق اكتفوا " توقّف القطار" كفاهم ما أخذوا من حياة هذه الأوطان آن الأوان للسواعد الشبّانيّة والعقول الفتية أن تسيّس ما قدّمت له أرواحها قربانا، أثمن ما يُمكن أن نطرح إن لم يتسيّد الشباب ويأخذ بزمام الأمور، ويُدير ما بعد الثورة، ويُمنح كلمة الفصل، فلا معنى للحديث عن أيّ جديد، بل لا جديد يذكر إنّما هي حليمة بزيٍّ مختلف. وفيما يخص روح المسؤولية تجاه مقدّسات الأمة نقصد بذلك أن تجعل القيادة القضية الأم فلسطين قضية عقيدة لا سياسة، وقضية أمن قومي لا قضية جوار، فمساسها من مساس الأمن الوطني وفي الحقيقة هذا هو الواقع الماثل لأن هذا الكيان وجد ليخلد ويتمدّد، لذلك جعل فلسطين ضمن خارطة الأمن القومي ضرورة لا مفر منها، خطوة استباق دفاعي.
الوسيلة الإعلامية
لا يخفى على إنسان اليوم محوريّة الإعلام، كما لا يخفى على مواطن الدول المتألمة الآسنة في وحل الطغيان من كان يدير ويتحكم في هذا الإعلام، المتّفق عليه أن هذا الإعلام ما كان سوى مجرد مرآة عاكسة لأكاذيب وأباطيل، وتشوّهات، وأمراض الديكتاتور المتكرّر في رُقع الآسنة، كم تفّه به من مواطن، كم شوّه به من قيم، كم حرّض به، كم نشر به من فسوق وفجور، كم خدّر به من عقول، وسيلة فعالة على مستوى عام، لذلك على الثورة أن توليها اهتمام بالغ، تُخصّص لها عقول فطنة، عاقلة، مثقفة، متوازنة، أن تتمكن منها وتخلّصها من الشاشات السوداء الوجوه المتلونة، التعيسة، الأبواق المأجورة التي كانت عبر مختلف الوسائط، والمناسبات تُسبّح باسم الظالم، في هذه المرحلة لا مكان نهائيا لمن له سوابق إعلامية إجرامية خاصة منها السياسية والثقافية، والإعلامية، وأن تحرص الثورة كل الحرص على أن تُقدّم إعلام حقيقي إعلام يحترم الإنسان يقدر الإنسان يعرض تطلعاته أحلامه، وجهات نظره المتباينة، و معاناته وآراءه بكل تجرد، أن يكون وسيط حقيقي بينه وبين السلطة ومؤسساتها، كما أنه يدعم القيمة والمعنى والجمال، يرقى بالذوق العام يُجافي التّفاهة والخلاعة التي كانت قوت ومازوت إعلام الطاغوت، كما يسعى أن يبث قيم التعايش والأفكار الجامعة بين طبقات المجتمع العديدة، بالمختصر على الثورة تحرير الإعلام وتقديمه عن طيب خاطر للشعب مصدر كل المؤسسات.
الوسيلة الثقافية
الثقافة مصدر من مصادر الطاقة لدى المجتمعات فالدول تتقدّم اليوم بمستوى الثقافة لا بمستوى براميل المازوت ولا مساحات الجغرافيا فالدولة ابنة إنسان مثقف، والثقافة استثمرت فيها الديكتاتوريات حتى اشتكت، فبكت، لكن أي استثمار وأي ثقافة لقد دمّرت العلم من خلال مناهج لا علاقة لها بالعلم سوى صوره وأشكالها، وتفّهت مادة الثقافة، وخرّبت رجال الثقافة من خلال تقديم أشباههم للعامة ليهدموا ما تبقى من صالح، لقد عانت الثقافة وما زالت تعاني إلى اللحظة، تسيّد أشباه رجال الثقافة مؤسسات ذات أهمية ثقافية فراحوا يعبثون بها يمنة ويسرة وفيما يخدم سيدهم ينشطون، ويبدّدون، مؤسسات تُكرّس ثقافة التبعية، الكسل، الدونية، وسوء الأخلاق، لا علاقة لها بهم وتطلعات المواطن غايتها ومسعاها أن تخدر الشعب من أجل رماد السيد...
الثورة ثقافة بنسبة 99 بالمائة لذلك هي أمام تحدّيات جسام فيما يخص حقيبة الثقافة، أن تأخذ بلجام هذه المؤسسة، أن تَعمل بكلّ جهدِ جهيد من أجل تقديم ثقافة مغايرة تماما، ومثقّفين بحق وحقيقة، الشعوب في حاجة ماسة إلى ثقافة حقيقية، ثقافة ذات قيمة، تقدم قيم تجعل من الإنسان إنسان، ثقافة تصنع لا تستورد ثقافة من الشعب وللشعب لا مكان فيها للسيد والعبيد، الكل سواسية في بناية الوطن الشامخة، لا مكان فيها للأباطيل ولا للسحرة، ثقافة تبهرج معالم الحياة، تطور العقول، تطبّب القلوب تَرقى بالفنون، تمتن النصوص، تصنع لنا مبادرين مناضلين، مثقفين تتبع أثرهم السلطة ولا يتبعون يُجيدون قول: لا حين تحيد أو تزيغ، ثقافة تزين مختلف الشاشات بالمواد الدسمة، المكوّنة، المجمّلة، والبرامج المغيرة، والمعدّون، والمقدمون الفارهون البارعون.
في نهاية حديثنا هذه رسائل في ظاهرها قد تبدو أنها موجّهة للشعب السوري لكن في حقيقتها، وفي جوهرها أنّها لا تعني سوريا فحسب، بل تعني الأحرار في كل مكان وزمان، كلّ من ينشد الحرية ويحلم بوطن بهيّ متحضّر.

إقرأ المزيد لـ زيني محمد لامين ...

أسعار العملات

الإثنين 06 يناير 2025 10:17 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.64

شراء 3.63

دينار / شيكل

بيع 5.14

شراء 5.12

يورو / شيكل

بيع 3.77

شراء 3.75

هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟

%60

%40

(مجموع المصوتين 359)