Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo

لا كرامة لنبي في وطنه ...

الثّلاثاء 22 أكتوبر 2024 9:51 صباحًا - بتوقيت القدس

الأب سيمون بيترو حرّو

تُعتبر عبارة "لا كرامة لنبي في وطنه" واحدة من الأمثال الشعبية التي تعكس حالة التناقض التي يواجهها الإنسان حينما يحاول أن يقدم رسالته أو إسهاماته في محيطه الخاص، وكذلك من العبارات الأكثر تداولاً وشيوعاً في المجتمعات، والتي تُستخدم للتعبير عن واقع أن الأفراد الذين يحاولون تقديم الأفكار أو التغيير في مجتمعاتهم الأصلية قد يُقابلون بالرفض أو التجاهل. هذه العبارة، التي تعود أصولها إلى قول منسوب للسيد المسيح له المجد، تحمل في طياتها معاني عميقة حول التحديات التي يواجهها الفرد حينما يسعى لتقديم قيمة أو إحداث تغيير داخل بيئته ووطنه، أو بين أهله ومعارفه. في العادة هذه العبارة تبرز في مختلف السياقات الاجتماعية والسياسية.
المعنى التاريخي لهذه العبارة يرتبط بقول السيد المسيح: "لا كرامة لنبي في وطنه"، حيث كان يعبر عن تجربته الشخصية في مواجهة عدم تقبل رسالته النبوية من قِبَل مجتمعه المحلي الذي اعتاد على رؤيته كواحد منهم وليس كصاحب رسالة عظيمة. هذه العبارة، على الرغم من جذورها الدينية، إلا أنها تظل قابلة للتطبيق على العديد من الأوضاع الاجتماعية والسياسية في المجتمعات الحديثة، حيث يعاني الأفراد الذين يسعون إلى إحداث التغيير من تحديات كبيرة في محيطهم.
على المستوى الاجتماعي، تبرز هذه الظاهرة بشكل متكرر. الأفراد الذين يسعون إلى الابتكار أو تطوير مجتمعاتهم قد يُقابلون بالنقد أو التجاهل، وذلك لعدة أسباب:
• الموروث الاجتماعي والتقاليد الثابتة: المجتمعات التقليدية تميل إلى التمسك بالقيم والمعتقدات القديمة، مما يجعلها غير مستعدة لتقبل التغيير أو الأفكار الجديدة. الأفراد الذين يحاولون كسر هذه القوالب يواجهون عادةً مقاومة كبيرة، حيث يُنظر إليهم على أنهم يتحدون النظام الاجتماعي المستقر.
• الشخصنة والمألوفية: يُنظر غالباً إلى المبدع أو المصلح في مجتمعه الأصلي كشخص عادي، وهو ما يجعل الآخرين غير قادرين على رؤية قيمته الحقيقية. هذه المعرفة المألوفة، المرتبطة بالتاريخ الشخصي والاجتماعي للفرد، تُسبب عدم تقدير المجتمع لإسهاماته.
• الخوف من النجاح والتغيير: بعض المجتمعات تشعر بالتهديد من الأفراد الذين يظهرون بوادر نجاح وتميز. هذا الخوف ينبع من إمكانية أن يشكل هؤلاء الأفراد تحدياً للوضع القائم أو يُظهرون قصور المؤسسات الاجتماعية الحالية.
• الغيرة والمنافسة: المنافسة داخل المجتمع، خاصة في المجتمعات الصغيرة أو المغلقة، تجعل نجاح فرد معين محل انتقاد بدلاً من الاحتفاء. الغيرة الاجتماعية تؤدي في كثير من الأحيان إلى تقويض الجهود بدلاً من دعمها.

على المستوى السياسي، تحمل عبارة "لا كرامة لنبي في وطنه" أبعاداً أعمق، حيث يُواجه القادة السياسيون أو الإصلاحيون الذين يسعون إلى التغيير تحديات ضخمة في مجتمعاتهم. تُعزى هذه التحديات إلى مجموعة من الأسباب:
• المصالح السياسية والاقتصادية: الأنظمة السياسية المستقرة تعتمد في الغالب على هيكل هرمي ومصالح اقتصادية وسياسية تتعارض مع التغيير. الأفراد الذين يسعون إلى الإصلاح يُعتبرون تهديداً لهذه المصالح. وبالتالي، قد تقوم الأنظمة بتهميش هؤلاء الأشخاص أو تشويه سمعتهم للحفاظ على السلطة.
• الاستقطاب السياسي: في كثير من الأحيان، يكون السياسيون أو الإصلاحيون جزءاً من مجتمع منقسم سياسياً. بغض النظر عن مدى صحة أفكارهم أو صلاحية إصلاحاتهم، يمكن أن يُقابلوا بالرفض لمجرد أن أفكارهم تتعارض مع توجهات النخبة السياسية أو الأحزاب المهيمنة.
• الاعتماد على الدعم الخارجي: غالباً ما يُضطر السياسيون أو الإصلاحيون إلى البحث عن دعم خارجي لتحقيق النجاح. هؤلاء الأفراد قد يواجهون مقاومة داخل أوطانهم، ولكنهم يحققون نجاحاً في محافل دولية أو في سياقات سياسية خارجية. هذا النجاح الخارجي قد يُستخدم لاحقاً للضغط على النظم الداخلية لتبني الإصلاحات، ولكنه يُظهر بوضوح مدى الصعوبة التي يواجهها الإصلاحيون في الحصول على الاعتراف من داخل مجتمعاتهم.

• الأزمة في الشرعية: الأنظمة السياسية القائمة تعتبر أن أي فرد يسعى لتقديم رؤى جديدة هو تهديد مباشر لشرعيتها. لذلك، يتم التعامل مع هؤلاء الأفراد كمعارضين للنظام، ويتم تجاهلهم أو قمعهم لمنع تحول أفكارهم إلى حركة جماهيرية.
يمكن أن نجد العديد من الأمثلة على المستوى الاجتماعي أو السياسي على هذه الظاهرة في التاريخ الحديث. مثلاً، العديد من الزعماء السياسيين الإصلاحيين لم يتمكنوا من تحقيق إصلاحاتهم في أوطانهم إلا بعد معاناة طويلة، مثل نيلسون مانديلا الذي قضى سنوات طويلة في السجن قبل أن يُعترف به كقائد وطني. كذلك، العديد من العلماء والمبدعين العرب لم يُقدروا في أوطانهم إلا بعد أن حققوا نجاحات عالمية، مثل العالم المصري أحمد زويل الذي حصل على جائزة نوبل في الكيمياء ولم يتم الاعتراف بإنجازاته محلياً إلا بعد تحقيقه شهرة دولية.
على الرغم من هذه التحديات، يمكن إيجاد بعض الحلول الممكنة حيث يمكن للأفراد أن يجدوا وسائل عملية للتغلب على هذا الواقع الصعب:
• التواصل الخارجي: يمكن أن يؤدي النجاح خارج الحدود الوطنية إلى الحصول على الاعتراف في الداخل. هذا ما يفعله العديد من السياسيين والمبدعين الذين يسعون إلى بناء قاعدة من الدعم في الخارج للضغط على الأنظمة المحلية لتبني أفكارهم.
• بناء التحالفات: يمكن أن يكون بناء التحالفات مع النخب المحلية أو الشخصيات المؤثرة وسيلة فعالة لدفع الإصلاحات أو الأفكار الجديدة. هذه التحالفات توفر الدعم السياسي والاجتماعي الضروري لتحقيق النجاح.
• الصبر والمثابرة: التغيير لا يحدث بين ليلة وضحاها. لذلك، يجب على المصلحين الاجتماعيين أو السياسيين التحلي بالتروي والصبر والإصرار على تحقيق أهدافهم، رغم كل التحديات والعقبات التي تواجههم من أجل التغلب عليها.
• التعليم والتوعية: يمكن أن يكون رفع مستوى الوعي الاجتماعي والسياسي وسيلة قوية لتغيير العقليات القديمة وإعداد المجتمع لتقبل الأفكار والإصلاحات الجديدة.

تظل عبارة "لا كرامة لنبي في وطنه" تنبض بالواقع الذي يعيشه الكثيرون في مجتمعاتهم وحقيقة تعكس صعوبة تقديم الأفكار الجديدة والإصلاحات في المجتمع الأصلي. هذه العبارة، سواء على المستوى الاجتماعي أو السياسي، يمكن أن تكون دافعاً للشخص للبحث عن التقدير والاعتراف بجهوده في أماكن أخرى، أو ربما للتحلي بالصبر حتى يأتي الوقت الذي تُقدَّر فيه جهوده داخل وطنه. فإن الفرد الذي يسعى للتغيير سيواجه تحديات كبيرة من قبل مجتمعه. ولكن من خلال التروي، والصبر، والمثابرة، وبناء التحالفات الصحيحة، يمكن لهؤلاء الأفراد التغلب على العديد من هذه العقبات وتحقيق التغيير الذي يسعون إليه بكل ثبات.

إقرأ المزيد لـ الأب سيمون بيترو حرّو ...

أسعار العملات

الإثنين 02 ديسمبر 2024 9:21 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.64

شراء 3.63

دينار / شيكل

بيع 5.13

شراء 5.11

يورو / شيكل

بيع 3.83

شراء 3.8

هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟

%55

%45

(مجموع المصوتين 177)