Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo

أُمّة مُحمد.. قوّالةٌ أم قوّامة؟

الأربعاء 02 أكتوبر 2024 11:22 مساءً - بتوقيت القدس

محمد الذهبي

كتب/ محمد الذهبي:
دوماً أقف على خلاف مع الأحاديث المُلفقة على لسان نبي العالمين، بل لا أخجل من ذلك أو من المُجاهرة به، ولاسيما إذا ما تعلق الأمر بسلسلة "من قال".
فمن قال حين يصبح وحين يمسي، ومن قال حين يصح وحين يمرض، ومن قال حين تفقأ عينه أو تطرش أذنه، كل تلك أقاويل أبعدتنا عن "من فعل".
أجتنب، وأنصح كل من أحببت بأن يجتنب سلاسل سنن "من قال" في المقام الأول، ثم بالعودة إلى مرجعنا الأقدس "كتاب الله"، والقياس عليه في كل الأمور، فما تطابق نأخذه، وما تنافى نتركه.
فهل أراد الله عز وجل بأمته المختارة، أمة محمد عليه صلوات الله، أن تكون أمة قِوالة أم قِوامة؟ وهل يأخذ جل اسمه في علاه بأفعالنا أم أقوالنا؟ وهو الذي افتتح كتابه وتنزيله على محمد بفعل "اقرأ"!
في الحقيقة إذا ما نظرنا قليلاً في حياتنا الدنيا، سنجدُ أن الرب واهبُ الخير لعباده المؤمنين، يحاسبنا على النية والعمل، وأن القول عملٌ وضده في آن، بل ويحاسبنا برحمته، فإن قتلَ فلانٌ فلان، يحاسبه الله على جريمته، ولكن إن نوى القتل ومات أو أعاقه عائق وانتفى عنه فعل الجريمة فإنه يبرأ من حسابها أمام ذو القوة المتين، وهذا من أوجه عدالة الخالق العظيم ورحمته.
فإن النفس الأمارة بالسوء لن تقودنا إلى جهنم إذا ما توقفنا أو حال حائلٌ دون تنفيذ ما وسوَسَت به إلينا، ولكنها ستسوقنا إلى جهنم سوقاً إذا ما سرنا وراءها وقمنا بجريمةٍ أو فاحشةٍ ما.
ومن رحمة القادر الغفور فينا أنه إذا ما نوى امرئٍ خيراً بنيةٍ صادقةٍ خالصةٍ ابتغاء مرضاته، وإن حال حائلٌ دون تنفيذها تُكتب لك في باب الصدقات على وجه الخير الذي هي فيه، فإن أضمرت في نيتك عملا صالحا أياً كان وجهه، شرط النية الخالصة، وحال ما وقع بينك وبين تنفيذه وأنت في طريقك إليه فهو واقعةٌ في صحيفتك بإذن الله، وهذا من حسن الظن بربنا الكريم والله تعالى أعلى وأعلم.
إذاً.. يريدُ الله الخير بعباده الصالحين، ولكن هل يعني ذلك أن سلاسل "من قال" صحيحة؟ وهل من قال هو عبدٌ صالحٌ أم قوّال ذميم؟
هل سألت نفسك يوماً كيف لا يرزقُ الله كثير من المستغفرين وقد قطع على نفسه عهداً بذلك بقوله "فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا"/ (نوح: 10-13)؟
فترى كثيراً من المستغفرين أشقياء في الدنيا، رغم وعد الله لهم، وهم للأسف في حالٍ يدعو إلى الحزن والشفقة، فما تراهم إلا يواسي الواحد منهم نفسه بالقول (هذا ابتلاء وهذا ابتلاء وذاك ابتلاء إلى أن تجد حياته عبارة عن سلسلة مكدسة من الابتلاءات اللا متناهية)، ثم يرددون ويفاخرون بأن فلان -قال- (أستغفرُ الله وأتوب إليه) عشرة ومائة وألف وتريليون مرة في اليوم الواحد، فأين الوعد الحق فيما سبق طرحه من سورة نوح؟ ولماذا هم ليسوا أغنياء الأرض سعةً وصحةً ورزقاً بألوانه؟
فماذا لو انتقلنا قليلاً إلى قوله تعالى "وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا"/ (الطلاق:2-3).
إذا الرزق الذي اقترن في الآيات من سورة (نوح) بالاستغفار، هو ذاته مقرونٌ بشرطٍ آخر وهو تقوى الله، فمن يتق الله بدليل الآيات السابقة من سورة (الطلاق)، يرزقه من حيث لا يحتسب، فالتقوى والاستغفار هما مفتاحان للرزق، وبهذا نجد ضالتنا بالتساؤل عن سبب وجود (المُستغفر الشقي).
وبالانتقال إلى مفهوم الاستغفار، فهو (استقلال الصالحات والإقبال عليها، واستكبار الفاسدات والإعراض عنها)، وفي مضمونه التوبة إلى الله عن المعاصي وتجنبها، والابتعاد عن الموبقات والذنوب، والشرور والفتن، وكل ما يُفسد النفس والمجتمع والدين.
فهل يكفي أن نقول (أستغفر الله) ليغفر الله لي ذنب؟ وهل كثرة تكرار وتعداد صيغة الاستغفار قولا نافعة؟ فلماذا جعل الله التوبة عن الذنوب والمعاصي إن كانت "أستغفر الله" لفظاً كافية؟
وكم من مستغفرٍ لقي وعد الله الحق وعاش جنة الدنيا بتوبته واستغفاره الحق دون أن يكرر أو يُعدّد صيغة استغفار ما! وذلك أعظم دليلٍ على أن الله عز وجل أراد باستغفارنا التوبة لا ترديد مفردات الاستغفار والتفنن فيها والتنافس في عدد القول، وقد كانت التوبة والاستغفار مثالاً ليس أكثر، فإن للاستغفار والتوبة تفاصيلٌ كثيرة لست في موضع الإطالة فيها.
بالعودة إلى سلسلة "من قال"، فقد أثار هذا الأمر حفيظتي منذ فترةٍ بعيدة، حيث أن أكثر الناس لاهثين وراء القول، وكأن رسولنا الكريم لم يكن إلا قوّالاً وصحبه من بعده ونحن على سنتهم سائرين، فأين العمل منا؟ ومتى نعمل إن التزمنا بكل القول المزعوم كمّاً؟ لاسيما وأن موسوعة من قال تحتاج إلى أيام طوال لقضائها تارةً من أجل الرزق وتارة من أجل المغفرة وتارةً من أجل الصحة وتاراتٌ كُثُر!
ألم يقل الله في محكم كتابه "وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ"/(التوبة 105)، فهل كان عاجزاّ -حاشاه- أن يخبرنا بـ "قولوا" بدلاً من "اعملوا"؟ ثم قوله تعالى "وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ"/(التوبة 105)، فهل أَولى الله ساعة الحساب القول أم الفعل؟ فإذاً يطالبنا الله عز وجل بالفعل، بينما يطالبنا أتباع الهوى بالقول وإن أكثر الناس لا يعلمون، وهل يبني الفعل أم القول أمماً، وقد قال جل وعلا "هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا" (هود: 61)، أي خلقكم من أجل إعمار الأرض والأمة، فهذا سبب أساسي لخلق آدم وبنيه إلى جانب عبادة الله عز وجل، فهل تكون العمارة بالقول أيضاً وفقاً لسلسلة "من قال" التي تبني في الجنة بيوتاً من هواء في الجنة وقصوراً من وهمٍ في الفردوس الأعلى؟
أخيراً.. لقد خلقنا الله في هذه الدنيا لأمرين، عبادته وإعمار الأرض، وكلاهما لا يصحان بالقول وإنما بالعمل، بينما كل الملصقات بدينه القويم، والدسائس التي أدخلت وسار بها جهلاء الأمة وساقوا الناس خلفها ما هي إلا ملهيات ومبعدات عن كتاب الله، فحولوا ديننا الحنيف إلى جملة من الطلاسم اللفظية، ولا أدعو هنا للنفور أو البعد عن الذكر وإنما، لكل عبادةٍ شروطها وطقوسها وملزماتها ومكملاتها، فلا يصح استغفارك إلا بالتوبة عن المعصية، ولا يصح الذكر إلا باستحضار عظمة المذكور، ولا يصح الشكر إلا باستحضار النعم وتأملها وحفظها، كما لا يصح صيامك إلا باإمساك عن المعصية، ولا تصح صلاتك إلا بالإمساك عن الفحشاء والمنكر.. إلخ.
فعبادة الله ليست بالأمر الشاق وإنما أمراً يسيراً سهلاً هيناً ما إن لزمنا كتابه وعملنا به، ولسنا في حاجة للانجرار وراء سلسلة "من قال" دون تفكير وإنما في حاجة إلى العمل الذي يكمله القول لا العكس، فمن قال وحدها ليست أساساً ولا كافية، فلا يكون فيها خيراً إن كانت في سبيل القول فقط، ولا إن كانت خارج نطاق الوعي الذهني والبدني.

للمتابعة عبر الفيس بوك:
https://www.facebook.com/mo7ammed.a?mibextid=ZbWKwL

إقرأ المزيد لـ محمد الذهبي ...

أسعار العملات

الثّلاثاء 05 نوفمبر 2024 8:35 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.75

شراء 3.73

دينار / شيكل

بيع 5.29

شراء 5.27

يورو / شيكل

بيع 4.08

شراء 4.06

من سيفوز في انتخابات الرئاسة الأمريكية؟

%57

%43

(مجموع المصوتين 54)