أقلام وأراء
الأحد 22 أكتوبر 2023 9:31 صباحًا - بتوقيت القدس
نزع الصفة الإنسانية عن الفلسطينيين
لا أسباب سياسية ولا عسكرية ولا ثقافية ونفسية يمكن لها أن تفسر كل هذه الوحشية الإسرائيلية في حرب الإبادة والتهجير ضد شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة، ولا توضح أسباب التواطؤ الأميركي الغربي مع مجرمي الحرب مع تبني رواياتهم الكاذبة والمفبركة، سوى أن هؤلاء لا ينظرون للفلسطينيين وللعرب عموما كبشر ذوي حقوق إنسانية قبل الحقوق الوطنية والسياسية.
هذا السلوك الإسرائيلي ليس جديدا، بل هو متأصل في الفكر والممارسة الصهيونيين منذ إنشاء إسرائيل وعلى امتداد العقود الماضية وحتى الآن. فكر استعلائي بطبيعته، يظن أن اليهود متميزون ومختلفون عن سائر البشر لكونهم شعب الله المختار، ومع أن النظريات الاستعمارية الصهيونية ليست دينية في الأصل، ولكنها اتكأت على انتقاء ما يلائمها من نصوص وقصص توراتية وتلمودية لا حصر لها تنظر إلى الآخرين (الأغيار) ككائنات دون مستوى البشر، خلقها الرب لخدمة اليهود.
ثمة أمثلة كثيرة في الأدبيات القديمة والحديثة عن أفكار الاستعلاء ونزع الصفة الإنسانية عن الفلسطينيين، من بينها ما كان يردده الحاخام عوفاديا يوسف، الزعيم الروحي لحركة (شاس) بأن العرب هم كالصراصير والعقارب والديدان التي ينبغي معاملتها كما تعامل هذه الكائنات، أي بالقتل والإبادة، ولذلك فإن النتيجة المنطقية لهذا الفكر هي إباحة ارتكاب الجرائم، فكانت المجازر الصغيرة والكبيرة، الفردية والجماعية دائما أدواتٍ معتمدةً لتنفيذ السياسات والأهداف الإسرائيلية مثل تهجير السكان، أو ردع الخصوم، ومعالجة التحديات الأمنية، أو حتى لتفريغ شحنات الحقد والكراهية التي تنتجها حملات التعبئة والتحريض وغسل الدماغ، لكن كل ذلك كان يبدو هامشيا، أو يجري تصويره وتفسيره بأنه مجرد حوادث متفرقة وثانوية. أما الآن فالجريمة منهجية ومخططة ومكتملة الأركان ومترابطة الفصول، وهذه الجرائم ليست مجرد نتائج جانبية أو عرضية للحرب، بل هي أفعال مقصودة لذاتها.
يمكن العثور يوميا على شهادات إدانة دامغة يطلقها مسؤولون سياسيون وجنرالات، وزراء وأعضاء كنيست، ومحللون سياسيون تستضيفهم ستوديوهات التلفزة والإذاعة الإسرائيلية، على امتداد ساعات الليل والنهار، ونقرأ لهم في الصحف العبرية، وكلهم منخرطون في جوقة واحدة لتبرير الحرب الوحشية، فالوزير جدعون ساعر الذي انضم مؤخرا إلى المجلس الوزاري الأمني المصغر يدعو إلى جباية ثمن باهظ من الفلسطينيين عبر احتلال جزء مهم من مساحة قطاع غزة، والمعلق العسكري البارز ألون بن دافيد يرى أن بالإمكان إعادة بناء مستوطنات الغلاف وقد أصبحت لها "إطلالات جميلة" على البحر، أما الجنرال في الاحتياط غيورا آيلاند فيرى أن على الجيش الإسرائيلي التسبب بكارثة إنسانية في غزة، وهو يفضل أن تصل الأمور إلى وضع تكون فيه غزة بدون بشر.
يحرص قادة إسرائيل الرئيسيون على اختزال تصريحاتهم وتنميقها ما أمكن، وخصوصا أثناء المؤتمرات الصحفية ولدى زيارات المسؤولين الأجانب. أكثرهم حذرا هو رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وهو الخبير في العلاقات العامة، ولكنه لم يجد سوى الكذب وفبركة الأخبار ذخيرة لحملته الدعاوية لتبرير وحشية الحرب التي يشنها على المدنيين من نساء وأطفال في غزة. وقد ذرف دموع التماسيح حين أطلق فِرْيَته بشأن قطع الرؤوس وذبح الأطفال واغتصاب النساء، مقتفيا أثر غوبلز النازي في الدعاية، ومعتمدا على نظرية إعلامية تقوم على أن "الانطباع الأولي" هو الذي يرسخ في ذهن الناس، وليس الحقائق والوقائع المدعومة بالأدلة. هكذا فعلوا عند اغتيال الشهيدة شيرين أبو عاقلة، وكرروا ذلك أكثر من مرة خلال هذه الحرب الإجرامية ومنها ادعاء أن صاروخا أطلقته المقاومة تسبب في مذبحة مستشفى المعمدان، والمصيبة أن الرئيس الأميركي بايدن صدقهم في جميع هذه الحالات، لا بسبب نقص الأدلة، ولكن لأن الإدارة الأميركية تريد تصديق هذه الأكاذيب، وسبق لها أن لفقت ادعاءات مشابهة كما حصل عند الادعاء بوجود أسلحة الدمار الشامل في العراق لتبرير غزوه.
في المقدمات التبريرية والتمهيدية للحرب على غزة، ركز نتنياهو مقولاته بالادعاء أن حركة حماس هي أسوأ من داعش، متجاهلا أن الحركة نشأت في بيئة رفض الاحتلال ومقاومته، بل إن نتنياهو نفسه لطالما برر التسليم بوجود سلطة حماس في غزة، وسمح بتمرير الأموال لها، لكونها بحسب رأيه تسهم في إدامة الانقسام الفلسطيني، وهو ما ينسجم ومصلحة اسرائيل الاستراتيجية.
وزير الدفاع يوآف غالانت كان أكثر وضوحا وصفاقة حين وصف الفلسطينيين بأنهم "حيوانات بشرية"، لم يأت ذلك في سياق تبادل الشتائم بين زعران في حارة ما، بل لتبرير الجرائم وانتهاك قوانين الحرب، وخرق المعاهدات الدولية، والامتناع عن تطبيق القانون الدولي الإنساني، وجريمة التطهير العرقي والتهجير، وجريمة الإبادة من خلال استهداف المدنيين بقصف البنايات على رؤوس ساكنيها من دون تمييز بينهم وبين المحاربين، وفرض العقوبات الجماعية القاسية بما يشمل قطع الماء والكهرباء ومنع وصول الغذاء والدواء والوقود. خلال المداولات الجارية في وسائل الإعلام الإسرائيلية يكثر استخدام مصطلح "الإبادة" المستقى من أدبيات العهد النازي والذي لم يستخدم منذ الحرب العالمية الثانية إلا بشكل عابر لوصف جرائم الإبادة في رواندا وكمبوديا أثناء حكم الخمير الحمر.
النظرة للفلسطينيين أنهم دون مستوى البشر لا تقتصر على الحرب وخطابها المتطرف، بل نشأت أساسا في حقلي الفكر والسياسة، فحكام إسرائيل لا يرون الفلسطينيين ندّاً لهم، أو شعبا له حقوق وطنية وسياسية، وأقصى ما يمنح لهم هو التسهيلات الاقتصادية أو السلام الاقتصادي كما ورد في صفقة القرن، وتكرر خلال حملة التطبيع مع الدول العربية من دون الفلسطينيين وعلى حسابهم.
الخطأ الإسرائيلي في تجاهل الفلسطيني وتجاوزه ليس مجرد هفوة أخلاقية، ففي كل مرة يجري تجاهله يثبت الفلسطيني أنه العنصر الحاسم في معادلة الصراع وقضية الشرق الأوسط، ولعل هذه النظرة الاستعلائية الاستعمارية التي تحط من قدر الفلسطيني، هي التي حالت دون توقُّع ما يمكن أن يفعل الفلسطيني حين وجه لإسرائيل أقسى لطمة في تاريخها فحطم أسطورة جيشها وأسطورة تفوقها النوعي وكونها قوة عظمى تكنولوجية وعلمية وعسكرية وهي لطمة ستبقى آثارها حاضرة لأجيال وأجيال.
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
سيادة العراق ولبنان في خندق واحد
كريستين حنا نصر
إسرائيل ترفع وتيرة قتل الفلسطينيين
حديث القدس
توفير الحماية العاجلة والفورية لأطفال فلسطين
سري القدوة
حقائق حول انضمام فلسطين للمحكمة الجنائية الدولية وصولاً لمذكرات الاعتقال
د. دلال صائب عريقات
سموتريتش
بهاء رحال
مبادرة حمساوية
حمادة فراعنة
Google تدعم الباحثين بالذكاء الاصطناعي: إضافة جديدة تغيّر قواعد اللعبة
بقلم :صدقي ابوضهير باحث ومستشار بالاعلام والتسويق الرقمي
التعاون بين شركة أقلمة والجامعات الفلسطينية: الجامعة العربية الأمريكية نموذجاً
بقلم: د فائق عويس.. المؤسس والمدير التنفيذي لشركة أقلمة
أهمية البيانات العربية في الذكاء الاصطناعي
بقلم: عبد الرحمن الخطيب - مختص بتقنيات الذكاء الاصطناعي
ويسألونك...؟
ابراهيم ملحم
الحرب على غزة تدخل عامها الثاني وسط توسّع العمليات العسكرية الإسرائيلية في الجبهة الشمالية
منير الغول
ترامب المُقامر بِحُلته السياسية
آمنة مضر النواتي
نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي
حديث القدس
مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً
جواد العناني
سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن
أسعد عبد الرحمن
جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية
مروان أميل طوباسي
الضـم ليس قـدراً !!
نبهان خريشة
دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة
معروف الرفاعي
الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا
حديث القدس
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أحمد لطفي شاهين
الأكثر تعليقاً
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
"الجنائية" تتحرك أخيراً ضد الجُناة.. قِيَم العدالة في "ميزان العدالة"
اللواء محمد الدعاجنة قائداً للحرس الرئاسي
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
زعيمة حركة استيطانية تدخل غزة بدون علم الجيش لإعادة الاستيطان
مستعمرون بينهم بن غفير يقتحمون الحرم الإبراهيمي
7 مجازر و120 شهيدًا بعدوان الاحتلال على غزة في 24 ساعة
الأكثر قراءة
نتنياهو و"الليكود" يتربصان بغالانت لفصله من الحزب وإجباره على التقاعد
لائحة اتهام إسرائيلية ضد 3 فلسطينيين بزعم التخطيط لاغتيال بن غفير ونجله
ماذا يترتب على إصدار "الجنائية الدولية" مذكرتي اعتقال ضد نتنياهو وغالانت؟
الكونغرس يقر قانون يفرض قيودا صارمة على المنظمات غير الربحية المؤيدة للفلسطينيين
نتنياهو يقمع معارضيه.. "إمبراطورية اليمين" تتحكم بمستقبل إسرائيل
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أسعار العملات
السّبت 23 نوفمبر 2024 10:34 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.7
شراء 3.69
دينار / شيكل
بيع 5.24
شراء 5.22
يورو / شيكل
بيع 3.85
شراء 3.83
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%52
%48
(مجموع المصوتين 96)
شارك برأيك
نزع الصفة الإنسانية عن الفلسطينيين