Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo

أقلام وأراء

الإثنين 04 سبتمبر 2023 10:16 صباحًا - بتوقيت القدس

ماذا يفعل نتنياهو في فندق بالاس الفلسطينيّ؟

انتقلت عائلة نتنياهو للسكن في فندق "والدورف أستوريا" في القدس، بسبب ترميمات في المسكن الرسميّ. لا، هذه ليست سخرية من القدر، بل مكر من التاريخ، فقد أقيم هذا الفندق في أحشاء بناية فندق بالاس، المقرّ التاريخيّ للمجلس الإسلاميّ الأعلى والحركة الوطنيّة الفلسطينيّة، وكان الحاجّ أمين الحسيني، رحمه اللّه، قد جنّد التمويل، وبادر إلى بناء الفندق باسم المجلس الإسلاميّ الأعلى الّذي كان يرأسه، وأوكل التخطيط للمهندس المعماريّ التركيّ المبدع نحّاس بيك.

جرى تشييد العمارة، الّتي افتتحت عام 1929، على الطراز العربيّ الإسلاميّ الأندلسيّ، وشملت 200 غرفة، منها 50 جناحًا فاخرًا، وارتفعت إلى علوّ أربعة طوابق، وكان فيها ثلاثة مصاعد وتدفئة مركزيّة وهواتف ومراحيض وحمّامات في كلّ غرفة، وكان الفندق، في حينه، أفخر فنادق القدس، وعمد الحاجّ أمين الحسيني على منح مبناه طابعًا عربيًّا أصيلًا للتأكيد على هويّة المكان، وللتشديد على هذه الهويّة نقش فوق المدخل بيتًا من الشعر لشاعر الحماسة الأمويّ المتوكّل الليثي: "نبني كما كانت أوائلنا… تبني ونفعل مثلما فعلوا".

لقد بني الفندق الاستعماريّ "والدورف أستوريا"، بعد هدم وتفريغ الأجزاء الداخليّة الّتي كانت مبهرة بجمالها، وتمّ الإبقاء على الغلاف الخارجيّ لفندق بالاس الفلسطينيّ، بالضبط كما تجري عمليّة قحف الكوسا. كانت تلك جريمة معماريّة من الطراز الثقيل وتمثيلًا في الجسد المعماريّ وتفريغه من محتواه حرفيًّا، وليس مجازًا فقط. وتمثّل هذا الانحطاط الأخلاقيّ في إنشاء مشهد همجيّ لقوس نصر، بانسجام "معماريّ" مع سياسات الاستعمار الاستيطانيّ الإحلاليّ، حيث جاءت العمارة الإسرائيليّة الجديدة لتركب فوق العمارة الفلسطينيّة، وتقهرها وتعتلي فوقها بخيلاء المستعمر المزهوّ بنفسه وجرائمه الّتي تحدّد هويّته.

قبل سنوات قلت في الكنيست لنوّاب قاطعوني: "كنّا قبلكم وسنبقى بعدكم!" – أي كنّا قبل الصهيونيّة، وسنبقى بعد أن تزول، فطلب نتنياهو حقّ الكلام، واعتلى المنصّة للردّ عليّ وقال: "الجزء الأوّل من كلام زحالقة غير صحيح والجزء الثاني لن يكون". وقد تباهى بهذه القصّة في كتابه الجديد، الّذي نشر عشيّة الانتخابات الأخيرة، وها هو اليوم يدخل فندق بالاس الفلسطينيّ، الّذي شيّده الحاجّ أمين، وفوق مدخله نحت "بنى هذا النزل المجلس الإسلاميّ الأعلى بفلسطين سنة 1929".

لقد رفض رئيس الوزراء الإسرائيليّ الأوّل، دافيد بن غوريون، السكن في بيت عائلة جمل الفلسطينيّة، تفاديًا لرمزيّة سكن رأس السلطة في الدولة الصهيونيّة في بيت عربيّ هجر أهله، وتلاه في ذلك وللسبب نفسه رئيس الوزراء الإسرائيليّ السابق، ليفي أشكول، الّذي لم يقبل السكن في بيت عائلة عبد الغني في القدس الغربيّة، أمّا رئيس الوزراء القصيرة ولايته، يئير لبيد، فقد انتقل إلى السكن في "فيلا سلامة"، الّتي بناها رجل الأعمال الفلسطينيّ حنّا (جو) سلامة عام 1932. يمكن القول عن لبيد بأنّه فاقد للوعي التاريخيّ، لكن لا يمكن قول ذلك عن نتنياهو، الّذي يعرف تمامًا مغزى ومعنى انتقاله للسكن في عمارة شيّدها أصلًا الحاجّ أمين الحسيني، فهذا بالنسبة لعقليّته تأكيد على النصر على الحاجّ، وعلى ما يمثّله، وعلى ما هو منحوت فوق مدخل الفندق الّذي انتقل إليه.


يقودنا هذا العدوان "المعماريّ" إلى التشديد على الضرورة الوجوديّة للمقاومة الثقافيّة في هذا المضمار أيضًا، عبر فضح الجرائم المعماريّة من جهة وبناء هويّة معماريّة فلسطينيّة (وعربيّة) حديثة من جهة أخرى. لقد استطاعت قوانا السياسيّة والأهليّة، بفضل نضال عنيد استمرّ لسنوات طويلة منع إقامة عمارة "مركز التسامح" فوق مقبرة "مأمن اللّه"، الّتي تقع في الجهة المقابلة من الشارع، على بعد أمتار قليلة من بناية فندق "بالاس". 


وكانت لجان التخطيط الإسرائيليّ أجازت هذا المركز، وصادقت على الشروع ببنائه، وكاد يتمّ ذلك لولا المظاهرات والمسيرات والنداءات والعمل المتواصل الدؤوب، الّذي أجبر القائمين عليه على التراجع، والإبقاء على المقبرة التاريخيّة كما هي. علينا أن نتصدّى للجرائم المعماريّة في كلّ موقع، وأن نبني بالمقابل عمارتنا الحديثة، لا اجترارًا للماضي، ولا نسخًا عن الآخرين، بل تعبيرًا عن واقعنا وأحلامنا وحاجاتنا وذوقنا الجماليّ، بالاستفادة من الإرث الحضاريّ والتفاعل مع الآخر الغربيّ والشرقيّ، ولنا في الحداثة الكاتالونيّة مثال يحتذى به.

دلالات

شارك برأيك

ماذا يفعل نتنياهو في فندق بالاس الفلسطينيّ؟

المزيد في أقلام وأراء

ترامب المُقامر بِحُلته السياسية

آمنة مضر النواتي

نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي

حديث القدس

مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً

جواد العناني

سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن

أسعد عبد الرحمن

جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية

مروان أميل طوباسي

الضـم ليس قـدراً !!

نبهان خريشة

دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة

معروف الرفاعي

الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا

حديث القدس

من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها

أحمد لطفي شاهين

الميدان يرد بندية على ورقة المبعوث الأمريكي الملغّمة

وسام رفيدي

تماسك أبناء المجتمع المقدسي ليس خيارًا بل ضرورة وجودية

معروف الرفاعي

المطاردون

حمادة فراعنة

فيروز أيقونَة الغِناء الشَّرقي.. وسيّدة الانتظار

سامية وديع عطا

السلم الأهلي في القدس: ركيزة لحماية المجتمع المقدسي ومواجهة الاحتلال

الصحفي عمر رجوب

إسرائيل تُفاقم الكارثة الإنسانية في غزة

حديث القدس

شتاء غزة.. وحل الحرب وطين الأيام

بهاء رحال

المقاومة موجودة

حمادة فراعنة

وحشية الاحتلال بين الصمت الدولي والدعم الأمريكي

سري القدوة

هوكشتاين جاء بنسخة لبنانية عن إتفاق أوسلو!

محمد النوباني

ماذا وراء خطاب نتنياهو البائس؟

حديث القدس

أسعار العملات

الأربعاء 20 نوفمبر 2024 9:43 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.74

شراء 3.73

دينار / شيكل

بيع 5.28

شراء 5.26

يورو / شيكل

بيع 3.96

شراء 3.95

هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟

%53

%47

(مجموع المصوتين 81)