أقلام وأراء
الأحد 20 أغسطس 2023 10:13 صباحًا - بتوقيت القدس
الاعتراف بالماضي الأليم جيمس زغبي*
في الأيام التي أعقبت وفاة «سينيد أوكونور»، تدفق سيل من المديح للمغنية الأيرلندية. وأشارت التقارير الإخبارية ومقالات الرأي في وسائل الإعلام الرئيسة في الولايات المتحدة وأيرلندا إلى صوتها الشجاع. وأحد الدروس المستفادة من حياة «سينيد» وردود الفعل على وفاتها هو أهمية دعوة المؤسسات والأمم إلى محاسبة خطايا الماضي والفوائد التي تعود على الأجيال القادمة من مثل هذه الحسابات. والقضايا التي دافعت عنها «سينيد» بشدة كان لها قاسم مشترك واحد، وهو قلقها من الظلم.وإيرلندا بلد يغلب عليه الكاثوليكية لكنها تفهمت غضب «سينيد».
وكانت زوجتي إيلين شديدة التعلق بتراثها الأيرلندي وإيمانها الكاثوليكي. وذهبنا إلى جزيرة إميرلد (بولاية نورث كارولاينا) في زيارات كثيرة، وذات مرة كنا هناك في أوائل التسعينيات وكانت الصحف تمتلئ بقصص مغسلة المجدلية، وهي البيوت التي أُرسل إليها «الأطفال الجانحون» والنساء الحوامل غير المتزوجات وتعرضن للإيذاء والعبودية القسرية. ونشرت الصحافة الأيرلندية صوراً ومقابلات مع نساء شرحن بالتفصيل الانتهاكات التي تعرضن لها وآلام خسارتهن، وقصص الأمهات اللائي لقين حتفهن أثناء الولادة والأطفال الذين لقوا حتفهم (ستة آلاف إجمالاً) ودفنوا في مقابر جماعية. في سن 14 عاماً، حُكم على «سينيد» بالسجن 18 شهراً في «مغسلة مجدلية»، ولذا كانت تعرف عن كثب إهانة السجن. ولأن وسائل الإعلام والقادة السياسيين الأيرلنديين لم تترك الأمر يهدأ، انضم إليها كثيرون من الكاثوليك ليشاركوها غضبها.
وألقيت المسؤولية على عاتق الكنيسة الكاثوليكية في إيرلندا عن ماضيها وما زالت موضع لوم للذات بسبب هذا الحساب. وفي الوقت الذي يتم فيه تكريم إرث سينيد في المطالبة بالمساءلة عن مظالم الماضي، لا يسع المرء إلا أن يقارن هذا بقصص الأخبار الأميركية الأخيرة التي تظهر ساسة أميركيين وأساقفة كاثوليك أميركيين يرفضون الاعتراف بماضي بلادهم وكنيستهم ويسعون إلى محوه.
وعلى سبيل المثال، يطالب الحكام «الجمهوريون» والمسؤولون المنتخبون الآخرون في فلوريدا وتكساس وفيرجينيا بتغييرات في طريقة تدريس تاريخ أميركا المؤسف في العبودية والعنصرية في المدارس. وفي محاولة لتزيين العبودية، يتم تصويرها على أنها وقت تعلم فيه بعض السود المهارات التي أفادتهم بعد العبودية. واُستبعد سرد تفصيلي لأهوال الفصل العنصري في ظل قانون «جيم كرو» وعمليات الإعدام الجماعية التي أودت بحياة الآلاف.
إنهم يريدون ماضيا خاليا من الذنب وبلا مساءلة. والانتهاكات ليست غريبة على الكنيسة الكاثوليكية الأميركية (أو، في هذا الصدد، الطوائف البروتستانتية الأميركية أو المؤسسات اليهودية). فما زال هناك تقارير تسرد لنا قصصاً مروعة عن انتهاكات منتشرة على نطاق واسع، وسرعان ما يتم نسيانها، بعد أن يتخلص الزعماء الدينيون من الاتهامات من أجل «حماية مؤسساتهم»، أو يغيرون الموضوع من خلال التأكيد على أن «المشكلات الحقيقية» هي الإجهاض أو غيره من قضايا الزواج.
وبينما أُجبرت أيرلندا وكنيستها على التصالح مع الماضي، لم تتصالح أميركا ومؤسساتها تماماً مع خطاياها وتتحرك في الاتجاه المعاكس.
فالدولة الوحيدة التي استخدمت الأسلحة النووية، فعلت ذلك من دون إخبار اليابانيين بالتأثير طويل المدى للإشعاع على المدنيين. وبإلقاء ملايين الأطنان من القنابل على فيتنام وأفغانستان والعراق، أصبحنا نحمل ذنب ملايين الأبرياء. وفي العقد الماضي، استخدمنا صوراً بشعة من التعذيب لانتزاع المعلومات من السجناء وسوغناها بـ«مذكرات قانونية» مفصلة وبشعة كتبها مسؤولو إدارة بوش. وعلى الرغم من هذا التاريخ البشع، نتمسك بادعاءاتنا بالبراءة وحقنا في أن نكون حاملي لواء الفضيلة.
وينشأ هذا الشعور بالإفلات من العقاب من عدم إجبارنا قط على إعادة النظر في ماضينا والاعتبار منه، كما أُجبرت أيرلندا والكنيسة الكاثوليكية الأيرلندية على فعل ذلك. وهذا، إذن، هو الدرس المستفاد من حياة وموت «سينيد أوكونور»: أهمية دعوة الدول والمؤسسات للاعتراف بتحمل المسؤولية عن ماضيها، ومحاسبة الذات وفتح المجال لإمكانية تغيير السلوك الذي يمكن أن يصاحب هذا الاعتراف.
*رئيس المعهد العربي الأميركي- واشنطن
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
Google تدعم الباحثين بالذكاء الاصطناعي: إضافة جديدة تغيّر قواعد اللعبة
بقلم :صدقي ابوضهير باحث ومستشار بالاعلام والتسويق الرقمي
التعاون بين شركة أقلمة والجامعات الفلسطينية: الجامعة العربية الأمريكية نموذجاً
بقلم: د فائق عويس.. المؤسس والمدير التنفيذي لشركة أقلمة
أهمية البيانات العربية في الذكاء الاصطناعي
بقلم: عبد الرحمن الخطيب - مختص بتقنيات الذكاء الاصطناعي
ويسألونك...؟
ابراهيم ملحم
الحرب على غزة تدخل عامها الثاني وسط توسّع العمليات العسكرية الإسرائيلية في الجبهة الشمالية
منير الغول
ترامب المُقامر بِحُلته السياسية
آمنة مضر النواتي
نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي
حديث القدس
مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً
جواد العناني
سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن
أسعد عبد الرحمن
جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية
مروان أميل طوباسي
الضـم ليس قـدراً !!
نبهان خريشة
دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة
معروف الرفاعي
الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا
حديث القدس
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أحمد لطفي شاهين
الميدان يرد بندية على ورقة المبعوث الأمريكي الملغّمة
وسام رفيدي
تماسك أبناء المجتمع المقدسي ليس خيارًا بل ضرورة وجودية
معروف الرفاعي
المطاردون
حمادة فراعنة
فيروز أيقونَة الغِناء الشَّرقي.. وسيّدة الانتظار
سامية وديع عطا
السلم الأهلي في القدس: ركيزة لحماية المجتمع المقدسي ومواجهة الاحتلال
الصحفي عمر رجوب
إسرائيل تُفاقم الكارثة الإنسانية في غزة
حديث القدس
الأكثر تعليقاً
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
الأردن: حكم بسجن عماد العدوان 10 سنوات بتهمة "تهريب أسلحة إلى الضفة"
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
الأردن: قصف إسرائيل حيًّا ببيت لاهيا ومنزلا بالشيخ رضوان "جريمة حرب"
ماذا وراء خطاب نتنياهو البائس؟
نتنياهو يقمع معارضيه.. "إمبراطورية اليمين" تتحكم بمستقبل إسرائيل
مستعمرون بينهم بن غفير يقتحمون الحرم الإبراهيمي
الأكثر قراءة
الأردن: حكم بسجن عماد العدوان 10 سنوات بتهمة "تهريب أسلحة إلى الضفة"
ماذا يترتب على إصدار "الجنائية الدولية" مذكرتي اعتقال ضد نتنياهو وغالانت؟
نتنياهو يقمع معارضيه.. "إمبراطورية اليمين" تتحكم بمستقبل إسرائيل
الكونغرس يقر قانون يفرض قيودا صارمة على المنظمات غير الربحية المؤيدة للفلسطينيين
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
بعد مرسوم بوتين.. هل يقف العالم على الحافة النووية؟
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أسعار العملات
السّبت 23 نوفمبر 2024 10:34 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.7
شراء 3.69
دينار / شيكل
بيع 5.24
شراء 5.22
يورو / شيكل
بيع 3.85
شراء 3.83
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%54
%46
(مجموع المصوتين 82)
شارك برأيك
الاعتراف بالماضي الأليم جيمس زغبي*