تشهد مدينة نابلس مراحل انطلاق مشروع "بوليفارد نابلس"، في الجزء الشرقي من المدينة، والذي يعتبر أحد أهم مشاريع التطوير الحضري و بربط ما بين التراث والحداثة، ويعد من ثمار علاقة التوأمة مع مدينة "ليل" الفرنسية.

ويشّكل هذا المشروع نقلة نوعية لإعادة احياء أماكن مهمة وغير مستغلة بشكلها الصحيح، وذلك وفق تصميم يحفظ الهوية الحضرية للمنطقة الشرقية من المدينة، ويُدخل إليها عناصر مستحدثة تهدف إلى تحقيق المتطلبات المعاصرة لفئات المجتمع كافة، وفئة الشباب خاصة.

ويستهدف المشروع عدداً من الأماكن الواقعة ضمن المخطط الهيكلي لمدينة نابلس، ويمتد من منتزه إسعاد الطفولة حتى مشارف تل بلاطة الأثري، وتبلغ مساحتها 35 دونماً، يتخللها عدد من الشوارع الرئيسية والفرعية والمسطحات الخضراء ومبانٍ قديمة.

ويقول مدير مركز تنمية موارد المجتمع ومنسق هذا المشروع في بلدية نابلس، أيمن الشكعة، إن فكرة هذا المشروع ولدت عام 2015، وذلك على غرار إنشاء حاضنة أعمال تكنولوجية داخل مصنع قديم بمدينة ليل الفرنسية، والذي جرى ترميه وإعادة استعماله، مضيفاً أن ذلك دفَعه للتفكير بمشروع مشابه يخدم فئة الشباب بمدينة نابلس وشمال الضفة الغربية، وذلك من منطلق رؤيته والمجلس البلدي بأن مشاريع الشباب تشكّل رافعة اقتصادية هامة، وأن الاهتمام بها يعطي هذه الفئة فرصاً مميزة لبناء مستقبلهم ودعم أفكارهم الإبداعية.

وتابع الشكعة في حديثه مع "القدس" دوت كوم، قائلاً: "لقد وقع الاختيار على هذه المنطقة لما تتمتع به من موقع استراتيجي هام، فيما سيشكّل المشروع حلقة وصل ما بين حاضر نابلس وارتباطها التاريخي بتل بلاطة والبلدة القديمة التي تمثل تراث المدينة الحضاري، فضلاً عن وجود عددٍ من المباني العامة فيها، مثل وزارة الصحة، ومبنى المحافظة وغيرها".

 وضمن علاقة التوأمة ما بين بلديتي نابلس و"ليل"، والتعاون المشترك بين الطرفين في مجال التخطيط الحضري وتصميم الفراغات الحضرية –بحسب الشكعة-، شرعت الطواقم الفنية في المدينتين منذ عام 2017 بإعداد الدراسات والمخططات الحضرية التي تشتمل على إضافة وتطوير عدد من العناصر الحيوية الهامة للمواطنين في هذه المنطقة وأهالي نابلس كافة، منها المرافق الترفيهية، والحدائق، والمسطحات الخضراء، والطرق ومواقف السيارات التي تخدم المشروع.

ويوضح الشكعة، أن هذه المخططات تتضمن أيضاً إعادة تأهيل محطة الكهرباء القديمة التابعة للبلدية والتي تتألف من مبنيين مهجورين، أحدهما يبلغ مساحته ألف وسبعمائة متر مربع، ويحتوي على مولدات للطاقة الكهربائية، سيتم ترميمه وتحويله إلى حاضنة أعمال للمشاريع التكنولوجية والريادية الشبابية، حيث سيزود بعدد من القاعات والمكاتب لمختلف الشركات التي ترعى مشاريع الشباب.

وأضاف أن المبنى الآخر يتكون من ثلاث طبقات، سيتم تحويله إلى مسرح يتسع لـ450 مقعداً، وذلك لإقامة الأنشطة الثقافية والاجتماعية المتنوعة، كما سيجري توفير قاعات متعددة الاستخدامات، كالاجتماعات، والندوات، والمناسبات التي تنظمها مؤسسات المحافظة المختلفة.

وتوافر هذه المرافق في المدينة سيعمل على إحياء الحركة الثقافية والفنية فيها، وبالتالي إعادتها إلى سابق عهدها، كما سيتيح للمجموعات الشبابية والفرق الفنية الصغيرة ممارسة أنشطتها وإنتاج أعمالها عبر استخدام تلك المساحات بتكاليف شبه رمزية، ما يساعد في تشجيع هذه المجموعات على الاستمرار بمجالاتها، ومن ثم تحقيق أهدافها لتخطو نحو التميز والإبداع، على حد قوله.

ويلفت الشكعة إلى أن خطوات تنفيذ المشروع في نابلس مرّت بعدد من المراحل، تخللها صعوبات عديدة جراء الأوضاع التي تعيشها المدينة، وأنه من المفترض أن يتم إنجاز المشروع خلال عام 2025، وذلك بحسب الجدول الزمني له، حتى يصبح متاحاً لخدمة الأهالي في المنطقة الشرقية ومدينة نابلس، والفلسطينيين كافة في شمال الضفة الغربية.

ويؤكد أن مشروع "بوليفارد نابلس" من المشاريع الاستراتيجية والتطويرية غير الربحية التي تَنقُص المدينة، وأنه يستهدف فئة الشباب وطلبة الجامعات والرياديين ما يشّكل نقطة انطلاق لأفكارهم وأعمالهم وابتكاراتهم في مجال تكنولوجيا المعلومات والانترنت الذي يعتبر من أكبر قطاعات الاستثمار على مستوى العالم في وقتنا الحاضر، كما أن المشروع يساهم في توفير فرص عمل متعددة داخل الوطن دون الحاجة للهجرة إلى الخارج.

ويشير الشكعة إلى أن أحد أهداف المشروع تتمثل بإعادة تأهيل المنطقة الشرقية ذات الطبيعة الصعبة، بخلاف غيرها من المناطق الأخرى بالمدينة؛ وذلك من خلال إضافة مرافق حيوية تحوّلها إلى منطقة جذب للمواطنين، ما يرفع من قيمتها ويحسن حياة السكان بها، مبيناً أن القائمين على المشروع يتواصلون باستمرار مع أهالي المنطقة والهيئات المحلية فيها حتى يكونوا شركاء به، وكذلك العمل على تلبية طموحاتهم في هذه المنطقة، معبراً عن أمله بتعاون جميع مؤسسات القطاعين العام والخاص في المدينة من أجل إنجاح المشروع حتى يدخل حيّز الوجود.

ومن الجدير ذكره، أن هذا المشروع المتخصص في مجال التطوير الحضري والمحافظة على الموروث الثقافي يعتبر من أهم المشاريع الحضرية التي تنفذها مدينتا نابلس و"ليل الفرسية"، اللتان تربطهما علاقة توأمة منذ عشرات السنين، وذلك بمشاركة خبراء البلديتين ومركز التخطيط الحضري لشمال فرنسا وجامعتي "ليل" الفرنسية والنجاح الوطنية، وبدعم كل من الحكومة ووزارة الخارجية الفرنسيتين، فيما يجري تمويله من قبل بلدية ليل، والقنصلية ووكالة التنمية الفرنسيتين.