Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo

أقلام وأراء

الخميس 18 مايو 2023 10:16 صباحًا - بتوقيت القدس

التجربة: الوجه الحقيقي للتعليم

إن التعليم فضاء واسع يتم فيه استخدام الخبرات وترجمتها بأفضل طريقة من أجل اكتساب المهارات المختلفة وتحقيق الأهداف التعليمية. والتجربة هي النجم الساطع في هذا الفضاء وسطوعها لا يتحقق الا باستمرارها وفعاليتها، فهي تصبح عديمة الفائدة وعقيمة إذا توقف نموها. ولا يحلو الحديث عن التجربة وقرينتها الخبرة دون الرجوع لفلسفة جون ديوي الذي اعتبر التجربة هي أساس التعليم واعتبر الخبرة هي الجوهر.


لقد اقترن التعليم عند جون ديوي بالتجربة، فالتجربة هي الأساس الذي يُبنى عليه كل التعليم والذي من خلاله تتكون التجربة وتتجدد، وبفضل هذا التجديد، تزداد قدرة التعليم على توجيه الخبرات اللاحقة. فهو من قال إن كل تعليم حقيقي يأتي من خلال التجربة.
جون ديوي رائد التجربة والخبرة:


يعطي ديوي أهمية كبيرة للتجربة كأساس للتعليم، ويعتقد أن أفضل طريقة لتربية الطفل هي السماح له بالتعلم من الواقع، والاستفادة ليس فقط من تجاربه اليومية الناتجة عن تفاعله مع بيئته، ولكن عليه أن يستفيد من خير الآخرين. صحيح أن الاستفادة من تجارب الآخرين يوسع نطاق المعرفة، ولكن في نظر ديوي لا ينبغي الاعتماد عليها بشكل دائم ومباشر، حتى لا تكون النتيجة سلبية، ويصبح المتعلم غير قادر على الاستفادة من تجاربه والتفاعل مع بيئته فهو يرى أن الخبرة التي تكتسب بسبب من الاهتمام تؤدي إلى معرفة قابلة للتمثل وتؤدي إلى تعلم قصدي مقابل التعلم العارض.


ويؤكد ديوي على الصلة الوثيقة بين الخبرة والتجريب، فالتعلم في نظره ما هو إلا ثمرة التجريب المستمر الذي يمكن الطفل من التعاطي الايجابي مع المواقف العملية التي تعدل من سلوكه وأفكاره. كما يشير إلى أن للخبرة جانبين: أحدهما هو التجربة ذاتها والثاني هو الأثر الناجم عن هذه التجربة.


فلسفة الخبرة والتجربة:
يعتبر جون ديوي فيلسوف الخبرة بامتياز، والخبرة نقطة أساسية في فلسفته، فهي تحتل مكانة مهمة وأساسية في سيرورة الحياة، لذلك حيثما توجد حياة، يوجد سلوك ونشاط، ولكي تستمر الحياة، يجب أن يظل هذا النشاط متصلاً ومستمرًا ومتوافقًا مع البيئة، وهذا التكيف هو تكيف الجوار مع بيئته، فهو لا يكون سلبيًا بأي شكل من الأشكال، ولكنه تكيف يهدف إلى تشكيل الكائن الحي من خلال البيئة التي يعيش فيها.


إن فلسفة التجربة هي واحدة من الموضوعات التي احتلت مساحة مهمة في أفكار ديوي الفلسفية والتعليمية ، فيعرف الخبرة بأنها عملية التفاعل بين الفرد وبيئته والتي تمكنه من اكتساب أساليب التفكير الصحيحة. واعتبرها مصدرا للتفكير المنطقي ويرفض بشكل قاطع وجود الصورة المنطقية خارج نطاق الواقع والخبرة، لقد ربط ديوي الاستدلال بالتجربة من أجل التخلص من التصورات الفلسفية التقليدية.


فالتربية بالنسبة إليه هي من المهد إلى اللّحد؛ وليست جرعة تعطى مرة واحدة وإلى الأبد بل هي ظاهرة طبيعية في الجنس البشري، تتم بطريقة لاشعورية منذ الولادة بحكم وجود الفرد في المجتمع، وهي عملية مستمرة ومتطورة، كما أنها ليست مجرد إعداد لحياة مستقبلية بل هي الحياة ذاتها وعملية من عملياتها، أي لابد أن تكون حياة المدرسة من وجهة نظره حياة حقيقية يتم فيها الحصول على الخبرة مباشرة، وأن تشبه في واقعيتها حياة الطفل في البيت أو البيئة التي يعيشها. وهي بحاجة إلى الاستمرار لأن العلم، لديه دائما شيء جديد يوافينا به فالمدرسة هي مختبر وليست قاعة محاضرة.


ولكي تكون الخبرة مفيدة وذات مدلول تربوي ينبغي أن تقود إلى مزيد من الخبرات مما يضمن استمرارية عملية التعلم ، وهذا يتطلب أن يشعر المتعلم بوجود مشكلة جديدة في كل موقف تعليمي فيبادر إلى تحديد المشكلة ومعرفة ابعادها مما يولد لديه إحساسا مبدئيا بالحل فيستحضر الخبرات السابقة والمعلومات التي تمكنه من صوغ الفرضية من جديد فيقبل ما أثبتته التجربة ويرفض ما سواه.


ديوي هو صاحب اسلوب منهج الخبرة والذي ينص على أن الخبرة الإنسانية ليست سلسلة مفككة من النوبات المتقطعة، بل دائرة متطورة من الأنشطة. يستحق التعلم أن يؤطر بهذه الطريقة كعملية تراكمية وتطورية، حيث ينتقل الباحثون من مرحلة الشك غير المُرضية، إلى مرحلة أخرى تتميز بالحل المُرضي للمشكلة. إن من أسس عملية التعليم، ايجاد التلميذ نفسه في وضع خبرة حقيقية ترتكز حول مشكلة تكون بمنزلة حافز للتفكير ويشترط ان تكون هذه المشكلة طبيعية المصدر غير مصطنعة وتخص التلميذ نفسه ليكون التعلم اكتشافا وابتكارا وليس مجرد تكديس معلومات، فهو يرى ان التربية التقليدية قد اغفلت عنصر الطبيعة الانسانية، وقيدت حرية الفرد واهملت دور المتعلم في العملية التربوية، وان التربية التقليدية تنتج خبرات ضارة في التربية وهذه الخبرات تعيق النمو، ومن هنا فهي تؤدي الى التبلد وتشتت الفكر، بينما يرى ان غرض التربية هو تحقيق النمو وزيادته وايجاد السبل الكفيلة في الوصول الى هذا الهدف وهنا يظهر الاساس الذي يعتمده ديوي وهو مفهوم الخبرة باعتبارها مرشدا في العملية التربوية، لان نظرية التربية تتلخص في تكوين الخبرة تكوينا جديدا مطردا، وهي فكرة متميزة عن التربية من حيث هي اعداد لمستقبل بعيد، او هي اكتشاف او تكوين خارجي او اعادة للماضي.


الخاتمة:
يقول ديوي: “الاعتقاد بان التربية الصحيحة انما تتحقق عن طريق الخبرة لا يعني ان كافة الخبرات لها قيمة تربوية حقيقية، او انها تتساوى من هذه الناحية. لان بعض الخبرة ضارة من الناحية التربوية وكل خبرة تؤدي الى اعاقة نمو الخبرة في المستقبل او انحرافها عن سواء السبيل تعتبر ضارة من الناحية التربوية".


وعليه فان ديوي يرى بان الخبرة ما هي إلا قوة متحركة نحو النمو، فمن واجب المربي العمل على البلوغ بخبرة التلميذ الى تمام نضجها فالمهمة الاساسية امام التربية الصحيحة هي ننتقي من الخبرات الحاضرة ما يترك اثرا مثمرا في الخبرات التالية ويطبعها بطابع الابتكار.


لقد أحدث جون ديوي انقلابا جوهريا في حقل التربية فهو من حرك سبات المشهد التربوي، وزود النظم التعليمية بإطار فلسفي وتربوي يمكنها من الفكاك من التعليم القهري. لقد أعاد للعقل الفردي اعتباره وللإرادة الحرة مكانتها وفسح الطريق أمام الإبداع والابتكار والتفكير الخلاق فاستفاد منه الغرب وقفزوا قفزة نوعية في المجال التربوي والعلمي والتكنولوجي ونحن في العالم العربي ما زلنا عالقين بين تعليم المقهورين وتحرير المضطهدين فلم نفلح باللحاق بركب العلم فاضحينا مستهلكين لا منتجين، مخزنين للمعلومات لا مبتكرين، يحدنا الانغلاق الفكري من جهة والخوف من التغيير من جهة أخرى.

دلالات

شارك برأيك

التجربة: الوجه الحقيقي للتعليم

المزيد في أقلام وأراء

سيادة العراق ولبنان في خندق واحد

كريستين حنا نصر

إسرائيل ترفع وتيرة قتل الفلسطينيين

حديث القدس

توفير الحماية العاجلة والفورية لأطفال فلسطين

سري القدوة

حقائق حول انضمام فلسطين للمحكمة الجنائية الدولية وصولاً لمذكرات الاعتقال

د. دلال صائب عريقات

سموتريتش

بهاء رحال

مبادرة حمساوية

حمادة فراعنة

Google تدعم الباحثين بالذكاء الاصطناعي: إضافة جديدة تغيّر قواعد اللعبة

بقلم :صدقي ابوضهير باحث ومستشار بالاعلام والتسويق الرقمي

التعاون بين شركة أقلمة والجامعات الفلسطينية: الجامعة العربية الأمريكية نموذجاً

بقلم: د فائق عويس.. المؤسس والمدير التنفيذي لشركة أقلمة

أهمية البيانات العربية في الذكاء الاصطناعي

بقلم: عبد الرحمن الخطيب - مختص بتقنيات الذكاء الاصطناعي

ويسألونك...؟

ابراهيم ملحم

الحرب على غزة تدخل عامها الثاني وسط توسّع العمليات العسكرية الإسرائيلية في الجبهة الشمالية

منير الغول

ترامب المُقامر بِحُلته السياسية

آمنة مضر النواتي

نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي

حديث القدس

مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً

جواد العناني

سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن

أسعد عبد الرحمن

جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية

مروان أميل طوباسي

الضـم ليس قـدراً !!

نبهان خريشة

دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة

معروف الرفاعي

الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا

حديث القدس

من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها

أحمد لطفي شاهين

أسعار العملات

السّبت 23 نوفمبر 2024 10:34 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.7

شراء 3.69

دينار / شيكل

بيع 5.24

شراء 5.22

يورو / شيكل

بيع 3.85

شراء 3.83

هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟

%53

%47

(مجموع المصوتين 93)