أقلام وأراء
الأربعاء 29 مارس 2023 11:05 صباحًا - بتوقيت القدس
رؤية في العمق: د. سامي العريان وتفكيك المشروع الصهيوني
بقلم:د. أحمد يوسف
هناك الكثير من المفكرين والمحللين ممن كتبوا عن زوال إسرائيل أو نهاية الدولة اليهودية، ولكن هناك واحداً ممن وضع علاماتٍ على طريق تحقيق ذلك، وتبدو اطروحته في سياق القبول وفقه الواقع. ولكن بداية دعونا نسأل: من هو المفكر د. سامي العريان (أبو عبد الله)، وما هي خلفيته الحركية وفضائه الإنساني وجذور انتمائه الإسلامي؟
تعود معرفتي به إلى أواخر السبعينيات، إذ التقيته مع مجموعة من شباب فلسطين الدارسين في الجامعات المصرية، وكان -حينذاك- طالباً جامعياً بالولايات المتحدة، وقد قدم لزيارة أهله بالقاهرة، وقضاء إجازته الصيفية معهم.
كان د. العريان ينتمي للتيار الإسلامي، وكان من بين الرعيل الأول الذي عمل لخدمة القضية الفلسطينية في الولايات المتحدة، حيث كان وراء فكرة تأسيس الاتحاد الإسلامي لفلسطين (IAP)، ونجح في جمع عددٍ من الشخصيات الفلسطينية من ذوي التوجهات الإسلامية ليشكِّلوا نواة هذه المؤسسة، أمثال: البروفيسور إسماعيل الفاروقي والطبيب على مشعل والشيخ محمد الحانوتي والشيخ عمر الصوباني والمهندس ياسر بشناق وآخرين.
كان د. سامي العريان شخصية متميزة في مستواه العلمي ونشاطه الإسلامي، ويعود له الفضل في إنشاء الكثير من المؤسسات الدعوية والتعليمية ومراكز الأبحاث، ولهذا استهدفته الجماعات اليهودية الصهيونية، التي كالنت ترى في أنشطته السياسية والإعلامية وعلاقاته الوطيدة بعددٍ من رجالات الكونجرس خطراً يتهدد عمل ماكينتها الدعائية، ورسالتها في نشر وتسويق السردية الإسرائيلية.. وفي الوقت نفسه، ما تقوم به من ملاحقة نشطاء العمل الفلسطيني وخاصة الإسلاميين منهم، واتهامهم بالتطرف والإرهاب ومعاداة السامية!!
كان د. العريان أستاذاً جامعياً متخصصاً في مجال هندسة الكومبيوتر بولاية فلوريدا الأمريكية، ويحظى باحترام وتقدير كبيرين داخل الجامعة، إضافة لنشاطه الدعوي وفعالياته الحركية كمتحدث في أوساط الجاليتين الفلسطينية والمسلمة.
وبعد أحداث 11/9/ 2001، تعالت أصوات التحريض من وكلاء الإسلاموفوبيا ضد النُشطاء والدعاة الإسلاميين، وكان د. العريان واحداً من بين هؤلاء الذين طالتهم سهام الإعلام الصهيوني، حيث تمَّ تلفيق العديد من التهم إليه، وجرى اعتقاله على خلفية انتمائه الإسلامي وعمله الدؤوب لقضيته الفلسطينية. لقد تناولتُ خلفيةَ هذه الحملة الصهيونية وما تعرض له د. العريان مع غيره من الدعاة والنشطاء الفلسطينيين في أكثر من كتاب، أهمها الموسوم (مسلمو أمريكا: جالية تحت الحصار)، والذي صدر في واشنطن باللغة الإنجليزية عام 2003.
مكث د. العريان في الولايات المتحدة قرابة الأربعة عقود، كطالب وأستاذ جامعي وداعية وناشط فلسطيني ومفكر إسلامي وسجين رأي، وكان من بين تلك السنين أحد عشرة سنة قضاها بين الاعتقال والإقامة الجبرية، وقد جرى ترحيله إلى تركيا، بعد فشل إثبات التهم التي لفُقت ضده. اليوم، د. سامي العريان هو مدير مركز دراسات الإسلام والشؤون العالمية (CIGA) بجامعة صباح الدين زعيم في إستانبول.
في رؤيته التي طرحها لتفكيك المشروع الصهيوني قبل عدة سنوات، وعرضها في الكثير من المحافل الجامعية والمراكز البختية، مثل المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالعاصمة القطرية الدوحة، بيَّن د. العريان أنَّ هناك أكثر من طريق ونهج لمواجهة إسرائيل؛ الكيان الاستعماري المارق، وأن بإمكان الفلسطينيين أن يخوضوا الصراع معها على أكثر من جبهة مواجهة، ففي الداخل هناك مساحات للمقاومة بكافة أشكالها، وفي الخارج هناك أيضاً أشكالاً من الحِراكات لنزع مخالب هؤلاء الصهاينة، وإضعاف متانة "حبل الناس" الذي يكمن فيه سرّ قوتهم.
ما عرضه د. العريان أشبه بحجر الزاوية لأية رؤية يمكن أن تُجيِّش لنُصرتنا الكثير من الأنصار وأصحاب الضمائر في الغرب، وأن تُقدم مقاربة يمكن أن تسهم في رفع المظلومية عن شعبنا وقطع هذا الحبل الذي تعتمد عليه إسرائيل كشريان حياة لوجودها.
أشار د. العريان في مقاربته الفكرية ورؤيته لتفكيك المشروع الصهيوني إلى 12 مبدأً استراتيجياً يمثلان شريان الحياة وركيزة الوجود بالنسبة إلى إسرائيل، وكلما تمَّ تقليص هذه المرتكزات والمبادئ وإضعافها كلما اقتربت نهاية هذه الدولة؛ لأنها لا تستطيع البقاء وحدها بدون الأيديولوجية العنصرية.
وقد عرض د. العريان هذه المبادئ الإثنا عشر على الشكل التالي: أولاً) الاستفراد؛ أي حصر حقهم وحدهم في الوجود على أرض فلسطين، وتجميع يهود العالم ليسكنوا فيها. الثاني) الاقصاء لغير ما هو يهودي، عبر إخراج الفلسطينيين وحرمانهم من حقوقهم. والثالث) التوسع الاستيطاني، فدومًا ما كانت الحركة الصهيونية تسعى لأخذ المكاسب والتوسع، وهذا ما وقع خلال حروب 1948 و1967. الرابع) فرض وقائع على الأرض، والخامس) هو تأسيس دولة عسكرية يكون كلُّ مواطنيها جنودًا في جيشها، نظراً لشعورها بالتهديد الدائم على استمرار وجودها. السادس) الاعتماد على القوة العسكرية في سحق أعدائها. السابع) احتكار السلاح النووي. الثامن) بناء وخلق أجهزة أمنية في غاية التطرف والوحشية، وهذا ما نراه يتشكل الآن في الضفة الغربية كمليشيات مسلحة من المستوطنين المتطرفين. التاسع) ربط الكيان نفسه بقوة دولية، كما حدث في الماضي حين ربطت إسرائيل نفسها ببريطانيا وروسيا والآن بالولايات المتحدة ذات النفوذ الكبير في العالم والمنطقة. العاشر) الحفاظ على اليهودية واليهود حول العالم. الحادي عشر) الحرص على إبقاء أعدائهم مفرَّقين، وهذا ما كانوا يحرصون عليه دائماً وخاصة مع الفلسطينيين. أما المبدأ الأخير، فهو أن تكون إسرائيل القوة المهيمنة إقليمياً، وذلك من خلال بناء التحالفات وتطبيع العلاقات مع الأقليات والأنظمة الشمولية بالمنطقة.
وقد أشار د. العريان في نهاية عرضه لتلك الرؤية، بأن آليات العمل التي اعتمدها سوف تركز على الكيفية التي سيتم بها تفكيك وإضعاف هذه المبادئ، ويرى بأن التغيير في موازين القوى العالمية والإقليمية والخلافات الداخلية في إسرائيل وحيوية حركة التضامن العالمي ضد العنصرية، سوف تُسهم في تهميش وخلخلة أركان هذا الكيان، ووضع علامات استفهام حول مستقبل وجوده.
قد تجد النخبة الفلسطينية في هذه الرؤية مدخلاً آخر للتحرك، بهدف تسريع تآكل "منسأة" هذا الكيان الاستعماري، وإن كانت هذه الرؤية تحتاج إلى الكثير من الدعم والتسويق والحشد، وهذا ما يعمل عليه الآن د. العريان وبعض المؤمنين بواقعية فكرته لتوسيع رقعة أنصارها، وهي حقيقةٌ رؤية تستحق الدراسة وتأطير الجهود خلفها.
في مسيرتي ككادر وقيادي في الحركة الإسلامية لأكثر من خمسة عقود، توزعت سنواتها بين الوطن والشتات، وكانت فرصة للتعرف على المئات من الشخصيات الإسلامية، التي تمتلك رؤية استشرافية وطاقة عمل وتستحق الكثير من الإشادة والذكر الحسن.. كان د. سامي العريان واحداً من بين أهم هذه الشخصيات في الوسط الفلسطيني الإسلامي إلى جانب الأخوين د. فتحي الشقاقي (رحمه الله) والدكتور موسى أبو مرزوق، لما يمتلكانه من الجُرأة على تقديم الأفكار وطرح المبادرات والإخلاص والتفاني في العمل، ودفع كلّ ما تتطلبه القضية الفلسطينية من تضحيات. لذا، ترك كلُّ واحدٍ منهم خلال مسيرته النضالية صفحات مضيئة من الذكريات وتجليات العطاء لسيرة حسنة يحفظ مشاهدها إخوانه. وفي سياق البصمة، هناك ما يمكن اعتباره نهجٌ وأثر.
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
إسرائيل ترفع وتيرة قتل الفلسطينيين
حديث القدس
توفير الحماية العاجلة والفورية لأطفال فلسطين
سري القدوة
حقائق حول انضمام فلسطين للمحكمة الجنائية الدولية وصولاً لمذكرات الاعتقال
د. دلال صائب عريقات
سموتريتش
بهاء رحال
مبادرة حمساوية
حمادة فراعنة
Google تدعم الباحثين بالذكاء الاصطناعي: إضافة جديدة تغيّر قواعد اللعبة
بقلم :صدقي ابوضهير باحث ومستشار بالاعلام والتسويق الرقمي
التعاون بين شركة أقلمة والجامعات الفلسطينية: الجامعة العربية الأمريكية نموذجاً
بقلم: د فائق عويس.. المؤسس والمدير التنفيذي لشركة أقلمة
أهمية البيانات العربية في الذكاء الاصطناعي
بقلم: عبد الرحمن الخطيب - مختص بتقنيات الذكاء الاصطناعي
ويسألونك...؟
ابراهيم ملحم
الحرب على غزة تدخل عامها الثاني وسط توسّع العمليات العسكرية الإسرائيلية في الجبهة الشمالية
منير الغول
ترامب المُقامر بِحُلته السياسية
آمنة مضر النواتي
نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي
حديث القدس
مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً
جواد العناني
سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن
أسعد عبد الرحمن
جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية
مروان أميل طوباسي
الضـم ليس قـدراً !!
نبهان خريشة
دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة
معروف الرفاعي
الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا
حديث القدس
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أحمد لطفي شاهين
الميدان يرد بندية على ورقة المبعوث الأمريكي الملغّمة
وسام رفيدي
الأكثر تعليقاً
الأردن: حكم بسجن عماد العدوان 10 سنوات بتهمة "تهريب أسلحة إلى الضفة"
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
زعيمة حركة استيطانية تدخل غزة بدون علم الجيش لإعادة الاستيطان
اللواء محمد الدعاجنة قائداً للحرس الرئاسي
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
"العمل": صرف دفعة مالية جديدة لمساعدة عمال غزة المتواجدين في الضفة
الأمم المتحدة: الاحتلال منع وصول ثلثي المساعدات الإنسانية لقطاع غزة الأسبوع الماضي
الأكثر قراءة
"حماس" تنفي انتقال قياداتها من قطر إلى تركيا: أنباء غير حقيقية
الأردن: حكم بسجن عماد العدوان 10 سنوات بتهمة "تهريب أسلحة إلى الضفة"
ماذا يترتب على إصدار "الجنائية الدولية" مذكرتي اعتقال ضد نتنياهو وغالانت؟
نتنياهو يقمع معارضيه.. "إمبراطورية اليمين" تتحكم بمستقبل إسرائيل
الكونغرس يقر قانون يفرض قيودا صارمة على المنظمات غير الربحية المؤيدة للفلسطينيين
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أسعار العملات
السّبت 23 نوفمبر 2024 10:34 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.7
شراء 3.69
دينار / شيكل
بيع 5.24
شراء 5.22
يورو / شيكل
بيع 3.85
شراء 3.83
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%52
%48
(مجموع المصوتين 92)
شارك برأيك
رؤية في العمق: د. سامي العريان وتفكيك المشروع الصهيوني