أقلام وأراء

الإثنين 20 مارس 2023 10:12 صباحًا - بتوقيت القدس

المارثون التهويدي وسياسة الأمر الواقع

بقلم: فتحي أحمد


للمرة الثانية عشرة دأبت حكومة الاحتلال على تنظيم مارثون جاب شوارع القدس وأزقتها العربية، وتسعى من خلال ذلك سلطات الاحتلال الإسرائيلي لتهويد مدينة القدس المحتلة وفرض وقائع جديدة للسيطرة عليها، في مخططات متواصلة وانتهاكات يومية تطال المقدسات وكل أنحاء المدينة وأحيائها وسكانها، وليس آخرها الماراثون الرياضي التهويدي، وقد عمدت بلدية القدس والقائمون على تنظيم هذا المارثون على إغلاق جميع الطرق المؤدية للمسجد الأقصى والبلدة القديمة، مما اعاق وصول المصلين لإداء صلاة الجمعة في المسجد الأقصى، وهذا النهج العنصري وتنظيم هذا المارثون أيام الجمع ما هو إلا دليل على الغطرسة الصهيونية وسياستها في المضي قدما في تهويد المدينة وطمس معالمها الإسلامية والعربية. يبقى السؤال الذي يطرح نفسه لماذا لم ينظم هذا المارثون في شوارع يافا وحيفا وصفد وغيره علما بأنه تم تنظيمه قبل ذلك في تل ابيب ومدن اخرى؟ الإجابة بسيطة كل شيء يعزز الوجود الصهيوني في القدس تقوم دولة الاحتلال على دعمه وتوفير كل الأسباب المادية والمعنوية لإنجاحه، وهذا ما حصل فعلاً، بمعنى إن تنظيم هذا المارثون هو رسالة للعالم بإن القدس موحدة بشقيها الغربي والشرقي، وما يتداول في الاروقة السياسية وفرض مبادرات سلمية لتسوية القضية الفلسطينية على أساس الشرعية الدولية وحل الدولتين غير مقبول لا على المدى المنظور، ولا حتى المدى البعيد، وهو مجرد كلام سخيف لا اصل له حسب اعترافات الحركة الصهيونية الدينية التي تعتبر التنازل عن الضفة الغربية هو تجاوز الخطوط الحمر، والكفر بما جاءت به التوراة المحرفة، التي تعتبر الضفة جزءا اصيلا من مملكة إسرائيل المزعومة. فدائماً يردد قادة إسرائيل اسطوانتهم المشروخة وهي إن القدس تحت قبضتنا، ولنا فيها ما نعمل، لنا فيها شوارعها وأزقتها وأبنيتها وحجارتها، ولنا فيها كل شيء، لهذا فهي تسارع الخطى لتهويدها بسرعة البرق، هذا المخطط الذي تقوم به إسرائيل يوميا سواء من خلال التهويد المادي وهو الاستيلاء على المباني في القدس، وترحيل سكانها وتسمية الشوارع العربية في القدس بأسماء يهودية، ويُعد فرض الرواية اليهودية "المكذوبة" على المدينة المحتلة واحداً من أبرز الأهداف الكبرى التي تسعى إليها سلطات الاحتلال، وهو أداتها الأساسية لتحقيق المزيد من السيطرة على المدينة، فلا تكتفي سلطات الاحتلال بهدم المعالم التاريخية في المدينة، بل تعمل على استبدالها بمعالم أخرى لا تمت لتاريخ المدينة وواقعها بصلة.
هنا تنعكس استراتيجية الاحتلال هذه على مجموعة من المسارات التهويدية التي تطال مختلف نواحي المدينة وأرجائها، وهي المسارات الأساسية التي تنعكس على واقع المدينة ومجريات الأحداث وتفاصيل الاعتداءات شبه اليومية على القدس والمقدسيين. أو من خلال التهويد المعنوي وهو إعطاء زخم إعلامي للمدينة المقدسة على أنها يهودية لكسب ود العالم والتأثير النفسي على اليهود في العالم من اجل القدوم إليها والسكن فيها. ويشير الباحث البريطاني كيث وايتلام إلى "أن ما يحدث الآن من قبل الصهاينة في القدس هو إبراز مملكة إسرائيل الصغيرة الخاطفة في التاريخ كما لو كانت مملكة إسرائيلية عظمى، برغم أنها لم تكن إلا لحظة عابرة في مسيرة التاريخ الحضاري لفلسطين القديمة" (1). ويقدم الإسرائيليون في برامج السياحة تاريخ القدس بعمر 3000 عام فقط كتاريخ يهودي، متناسين الـ 2000 عام التي سبقت قيام مملكة داود عليه السلام والتي وجد فيها العرب منذ عام 3000 ق.م.
حسب، فيرى "بول كونرتون" أن من أسوأ الجرائم التي يرتكبها المحتل في حق الإنسان الفلسطيني صاحب الأرض، هي جريمة تدمير "الذاكرة المكانية" وذلك عن طريق تهجير الإنسان الفلسطيني من أرضه وهدم مسكنه، وتغيير اسم الحي والقرية والمدينة التي كان يسكن فيها، وهذا بالضبط ما يحدث خلال هذه الأيام في "حي الشيخ جراح بالقدس" وغيرها من الأماكن، فينتج عن تدمير الذاكرة المكانية قطع أي علاقة تربط الإنسان الفلسطيني بالمكان، وبالتالي يبدأ تاريخ تلك الأماكن ببداية تسميتها بأسمائها الصهيونية الجديدة، فعندما تجول في خاطر الفلسطيني أي ذكريات متعلقة بتلك الأماكن، فإذا به يجد أنها غير موجودة، كون المواقف متعلقة دائمٌا بالأماكن التي حدثت فيها! موجز القول فإن الاحتلال يستغل اسم الرياضة لتمرير الرواية والمصطلحات التلمودية اليهودية في القدس، على حساب الرواية العربية الإسلامية، لأن مثل هذا الماراثون يمر في مسارات تكون قريبة من معالم إسلامية عربية تاريخية في البلدة القديمة وأسوارها وباب العامود، وغيرها وبهذا الأسلوب الهابط في التفكير وسذاجته يقنع الاحتلال نفسه بأنه هو صاحب الدار، ولكن تبقى معالم مدينة القدس شاهدة على اسلاميتها وعروبتها مهما حاولوا من طمس الحقيقة .

دلالات

شارك برأيك

المارثون التهويدي وسياسة الأمر الواقع

المزيد في أقلام وأراء

إسرائيل تحاول التنصل من جرائمها

حديث القدس

الفعل وليس القرارات ما هو مطلوب

حمادة فراعنة

حراك الجامعات في مواجهة ألة القمع الإسرائيلية

زاهي علاوي

استكشاف هندسة الأوامر: الابتكار والتطور والتأثير على المستقبل

صدقي أبو ضهير

‏ الحكومة الجديدة وأهمية دعم القطاع الزراعي

عقل أبو قرع

معاداة السامية" ... سلاح ظلم وبغي

عطية الجبارين

القادمون من السراديب والذاهبون إليها

حمدي فراج

القمة العربية ما بين الوقائع والاستحقاقات اللازمة

مروان أميل طوباسي

أمريكا وحروب الإبادة: سجل حافل بالصناعة أو التورط

صبحي حديدي

انتظروا بياناً هاماً ...!!

سمير عزت غيث

اليوم التالي ووهْم حلّ الدولتين

محمد الهندي

ألسنة اللهب ترتفع في الجنوب والشمال والدبلوماسية الدولية تكتفي بالأقوال ..!!

حديث القدس

احتجاجات الجامعات: تحولات كمية.. إلى نوعية

د. أسعد عبدالرحمن

بداية التعافي الاقتصادي في الأردن

جواد العناني

النكبة وسرديّة المخيّم الكبرى

سمير الزبن

الجامعات والإعلام ودورهما في تعزيز"الانتماءِ للقضية الفلسطينية"

تهاني اللوزي

المقاومة ونتنياهو ولعبة الوقت

بهاء رحال

القضاء على الشعب الفلسطيني

حديث القدس

النكبة مستمرة

حمادة فراعنة

"إسرائيل" عالقة بين معادلتي العجز في التقدم والعجز في التراجع

راسم عبيدات

أسعار العملات

الجمعة 17 مايو 2024 12:34 مساءً

دولار / شيكل

بيع 3.71

شراء 3.7

يورو / شيكل

بيع 4.02

شراء 4.0

دينار / شيكل

بيع 5.24

شراء 5.2

بعد سبعة أشهر، هل اقتربت إسرائيل من القضاء على حماس؟

%8

%92

(مجموع المصوتين 75)

القدس حالة الطقس