Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo

فلسطين

الجمعة 17 مارس 2023 7:58 مساءً - بتوقيت القدس

58 يومًا من الفراق ولا زالت الذكريات تحرق قلب "آلاء"

جنين - "القدس" دوت كوم -علي سمودي

بعد 58 يوماً على استشهاد والدها وقدوتها وصديقها الأقرب لقلبها المعلم جواد فريد بواقنة (58 عاماً)، برصاص قوات الاحتلال أمام عينيها، ما زالت المعلمة آلاء (34 عاماً)، تقاوم وتتحدى وتقاتل لاعادة لملمة الجرح النازف الذي أحدثه الرصاص الغاشم بحياتها التي تحولت "لحزن ووجع ودموع ..لا تجف"، كما تعبر عن والدها " الطيب والحنون والشهم" كما وصفته.


في أسوأ كوابيس حياتها، لم تتوقع آلاء ما سمته "الفراق السريع والمفاجيء والقاتل"، حتى تتمنى في كثير من الأحيان "أن تلحق به سريعاً .. فلا يوجد في العالم كله، من يعوضني عن جوادي (كما تدلل وشقيقاتها والدهن)، فكيف سأعيش بدونه؟".


أنهت آلاء عباراتها وغرقت في بحر من الدموع حتى فقدنا القدرة على السيطرة، وشاركناها لحظات الألم، وهي تتذكر وتروي حكاية والدها من الطابق الثاني في منزل العائلة الواقع وسط الساحة الرئيسية بمخيم جنين،المكان الأكثر سخونة ومواجهات كلما شن الاحتلال عدوانًا على المخيم الذي رفض والدها مغادرته حتى خلال الاجتياح الكبير في المجزرة الشهيرة في نيسان 2002.


"هنا سنعيش ونقضي عمرنا حتى نلتقي مع جوادنا الذي ترك لنا ذكرى وبصمة وقصة في كل ركن وزاوية"، قالت آلاء،  وبسرعة انتقلت للمنطقة التي كان يفضل الجلوس فيها وتلتف حوله كريماته وأسرته، "للنقاش والجدال والدراسة أو رسم الأحلام والمستقبل، ودوما يخطط لنعيش أروع وأجمل حياة خطفوه منا، لكن روحه معنا ورائحته هنا"، ثم أشارت بيدها نحو صوره التي غطت جدران المنزل وابتسمت مرددة " أنظر اليه .. والدي يتحدث معنا كل يوم .. لم يفارقنا .. يطمئن على أخبارنا .. وكلما انهرت أقف أمام صوره  .. فيمنحنني القوة والصبر ".


تتعدد الصور والمواقف التي شاهدناها وسجلناها  في منزل المعلم جواد بواقنة، والذي ما زالت عائلته تعيش الصدمة من هول الكارثة التي حلت بها، فجر يوم الخميس الأسود الموافق 19-1-2023، أما بالنسبة لكريمته آلاء فقد تحولت الساعة الرابعة من فجر كل يوم، لكابوس مروع ومحطة للوجع سترافقها للـبد، ومعها والدتها وشقيقاتها الثلاثة وشقيقيها، "فكلما دقت عقارب الساعة في نفس الموعد، تتكرر أمامي صور الفاجعة الكبرى التي سببها الاحتلال بحياتنا، منذ قتله والدي مربي الأجيال، خلال تأديته واجب إغاثة وإسعاف المقاوم أدهم جبارين، الذي أصيب برصاص قناص اسرائيلي خلال العدوان على مخيم جنين، وسقط مضرجاً بالدماء أمام منزلهم" روت آلاء.


في المنزل المسكون بالحزن كأصحابه، لا تجف دموع  الابن البكر  فريد، ورغم مرور الوقت وايمانه بالقضاء والقدر، ما زال لا يصدق رحيل والده المبكر،  فهو يشكل له "الأخ والصديق والرفيق والقدوة وكل العالم"، وسرعان ما تنتابه مشاعر الألم، كلما  تردد اسمه أمامه، أو عندما يعود لمنزله من عمله في شركة كهرباء الشمال، فتفاصيل اللحظات الرهيبة التي عايشها قلبت حياته ولم يعد وجهه يعرف سوى الألم  الذي سرق ابتسامته التي تحولت لحزن تنطق به عينيه قبل شفتيه.


وكأن الجريمة وقعت اليوم، استعاد فريد شريط الذكريات وما زالت مشاعر الحزن والدموع تلازمه، ويقول: "خلال اقتحام الاحتلال لعدة مناطق في أطراف المخيم، لم يتوقف صوت الرصاص والانفجارات، وفجأة سمعت شقيقتي آلاء، صوت صراخ واستغاثة قريبة من منزلنا الواقع وسط الساحة الرئيسية في المخيم والتي كان تسلل القناصة لمنازلها ونصبوا فرق الرصد والقتل على شرفاتها دون أن يتنبه لهم أحد، بسبب الهجمة الكبيرة".


وتحدث عن تلك اللحظات التي أشار فيها إلى أنه سحب مع والده جسد الشاب أدهم، وحينها وقع والده أرضًا بعد أن أصيب بعيار ناري في الصدر، كما يبدو من نفس القناص القاتل، ليقع جانب الجريح الأول، وكان ينزف بشدة، مشيرًا إلى أنه اتصل بسيارة الاسعاف لكن كانت الكارثة الكبرى، أن الاحتلال منعها من التنقل والوصول للمصابين.


تعالت الصرخات والبكاء في منزل المعلم جواد، في تلك الساعة السوداء والمؤلمة،  رفيقة العمر منى توفيق الخطيب (55 عاماً)، والتي ارتبطت به قبل 37 عاماً، والأبناء والبنات، أصابهم انهيار لانهم لم يحتملوا رؤية والدهم ممداً على الأرض التي غمرتها دماءه، بينما لم يتوقف رصاص الاحتلال حتى أصاب الجدران ومحل بجواره، حتى شعروا جميعا أن "الاحتلال لم يكتفي ويريد المزيد من الضحايا"، فلم يكن أمام آلاء سوى" خوض غمار المخاطرة مهما كان الثمن حتى لو عمري لنقل والدي للمشفى، بعدما أيقنا أن وصول الاسعاف مستحيل" كما تقول.


دقائق مرت سريعا، وقصة سجلت في صفحات التاريخ الفلسطيني الحديث لمخيم جنين المقاوم والضحية، لكن كل ما حدث خلالها مختلف بتفاصيله وصوره وراويته بالنسبة لكريمته آلاء "عندما شاهدت والدي ممداً على الأرض، فكرت أنه كان يحتمي من القناصة المتواجدين في المنطقة، ولكن سرعان ما أصبح لون بلوزته البيضاء التي يرتديها أحمر، فأدركت أنه أصيب من أحد القناصة، وركضت نحو والدي الذي بدى كأنه ساجد على عتبة منزلنا، وصرخت بابا اتشاهد، وردد الشهادة، وحاولت حمله لكن اطلاق الرصاص لم يتوقف".


في نفس الوقت لم تستسلم آلاء، وسعت للاستعانة بوالدتها وأشقائها الذين "هرعوا مذهولين .. تجمعوا عند باب المنزل، حتى أوصلناه للمدخل، وعندما استلقى على ظهره، شاهدنا كمية الدماء الغزيرة التي سالت، نافورة دماء، حاولنا قدر المستطاع اعادته لوعيه، حتى حضر مسعف متجول حاول مساعدته، وصرخت عليه أبي حي وعايش، لكنه في الحقيقة كان قد فارق الحياة".


 في حلكة الليل، ورغم الخطر وانتشار الاحتلال ودورياته وقناصته وأزيز الرصاص، خاطرت آلاء بحياتها وصممت على نقل والدها للمشفى، بسرعة قفزت لمركبتها المتوقفة في كراج بمدخل منزل عائلتها بالطابق الأول، ودون تردد أو تفكير أو خوف حملت والدها مع شقيقها لداخل مركبة العائلة وطلبت منه النطق بالشهادتين، وقادتها بسرعة جنونية عبر الأزقة حتى وصلت لمشفى ابن سينا، وهي في حالة انهيار وصدمة شديدة .


 ما زالت آلاء لا تتذكر، كيف قادت المركبة وسط زخات الرصاص وتوالي الانفجارات ووصلت لغرفة الطواريء "إصابة والدي، قتلتني وصدمتني، لم أفكر سوى بايصاله للمشفى مهما كانت المخاطر وانقاذ حياته، فهو كل حياتنا وروحنا، ونفديه بدمنا، فقد نذر حياته لنا، ربانا احسن تربية، وعملنا أفضل تعليمه، واخترت مهنة التدريس لحبي له وعشقي الذي تعلمته على يديه".


لكل هذه المحبة، لم تتردد آلاء في المخاطرة بحياتها حتى "على حساب روحي وعلى حساب عمري، المهم أصل المستشفى، فقد كنت متعلقة بهذا الأمل، شعرت في الطريق، أن كل شيء أمامي أسود، واسودت الدنيا بوجهي، لكن قاتلت وكافحت على أمل الوصول في الوقت المناسب وانقاذ حياته، فطوال حياتنا لم نعرف معه سوى الحنان والدلال والحب والوفاء، والتي ذهبت بلا رجعة بعد أن سرق الاحتلال روح والدي".


وصلت آلاء للمشفى في حالة انهيار وحزن وصرخات الاستغاثة تسبق خطواتها، وعندما بدأ الأطباء بمحاولاتهم لانقاذ والدها، أصرت على ملازمته ورفضت مغادرة غرفة الطواريء، ورغم أن الدماء غمرت جسد والدها ووجهه، أمسكت بيديه، بينما لم تنجح  كل المحاولات لاقناعها بمغادرة غرفة الطواريء، التي لو نطقت جدرانها لبكت حزناً وألماً على الحالة التي وصلت اليها، الابنة التي لا ينام والدها دون تقبيلها وعناقها وشقيقتها كل ليلة.


لم تتوقف آلاء، افترشت الأرض قبالة وجه والدها المضرج بالدماء، وجلست تحت قدميه وهي تمسك بيديه بشدة، وتناجيه وتناديه " انهض يابا، ما تتركنا، خليك قوي  طول عمرك قوي، ما تهدنا"، وبينما كان يحاول الأطباء إنعاش قلب والدها، كانت تناشد الأطباء انقاذه واعادته لها، لكن الوالد لم يسمع صرخات كريمته، فقد كان يعاني سكرات الموت الأخيرة وتكرر النداء للأطباء حتى يعيدوه لها، وبقيت وحيدة بمواجهة الموقف، فلم تتمكن أسرتها من اللحاق بها، بسبب حصار الاحتلال للمخيم، وقطع الطرق للخروج منه.


مرت أكثر من نصف ساعة، وآلاء في حالة بكاء وانهيار، فجرت حزن ومشاعر كل من شاهدها في المشفى حد البكاء وسط عجز الجميع عن السيطرة على ثورتها العارمة التي تزايدات بمرور الوقت، فأبكت الجميع بما فيهم الصحفيين، وبعدما لفظ الشهيد جواد أنفاسه الأخيرة، أخفت الطواقم الطبية الخبر عنها رغم أنها كانت ترقب حركاتهم، وما كاد يعلن الخبر، حتى ألقت بنفسها فوق جسد والدها وسط انهيار وصراخ ودموع.


في لحظات الوداع الأخيرة ، تعالت الصرخات في منزل الجواد الذي غادره لانقاذ جريح وعاد إليه شهيداً،  وبالدموع والزغاريد، استقبل وودع المربي بواقنة، ووقفت زوجته وكريماته على بوابة المنزل، يلوحن بشارات الوداع والنصر، وتعالى صوت كريمته صمود وهي تردد  "مع السلامة وربي يتقبلك شهيداً، كيف سنعيش بدونك؟، لم يكن مجرد أب لنا، كان صديقنا ورفيقنا ومعلمنا وقدوتنا".

دلالات

شارك برأيك

58 يومًا من الفراق ولا زالت الذكريات تحرق قلب "آلاء"

المزيد في فلسطين

أسعار العملات

الخميس 19 ديسمبر 2024 9:56 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.61

شراء 3.6

يورو / شيكل

بيع 3.76

شراء 3.76

دينار / شيكل

بيع 5.09

شراء 5.08

هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟

%57

%43

(مجموع المصوتين 282)