رام الله- خاص بـ"القدس" دوت كوم- تمر اليوم الخميس، الذكرى السنوية الأولى لرحيل الأستاذ الدكتور أحمد فهيم جبر، العالم التربوي الفلسطيني، وأحد أعلام الأمة الأكاديميين في المجال التربوي والإنساني، تاركًا وراءه إرثًا تربويًا وإنسانيًا من الكتب المختصة في المكتبة العربية.

خمسون عامًا في العلوم التربوية

أكثر من نصف قرن في العلوم التربوية أمضاها العالم أحمد فهيم، كان أولها 10 سنوات (1962- 1972) في التعليم الثانوي في مدارس رام الله الثانوية والمدرسة الرشيدية والمأمونية ودار الأيتام الإسلامية وثانوية الأقصى الشرعية في القدس، وفق ما تؤكده كريمته سماح لـ"القدس" دوت كوم.

تقول سماح فهيم: "لقد انتقل والدي بعد التدريس في رام الله والقدس، إلى العمل في جامعة النجاح الوطنية قرابة عشرين عاماً (1977- 1966)، وأخيراً في جامعة القدس ما يقارب العشرين عامًا أيضاً (1996- 2014).

تولى أحمد فهيم خلال مسيرته العديد من المناصب الإدارية، حيث ترأس قسم علم النفس في جامعة النجاح الوطنية لفترتين، كما عمل منسقاً لكلية التربية فيها لفترتين، وترأس قسم الدراسات العليا في كلية التربية في جامعة النجاح الوطنية، وعمل أيضاً عميدًا لكلية التربية في جامعة القدس قبل تقاعده.

كان أحمد فهيم  أكاديمياً بامتياز، وعلماً سكوتاً وفاعلاً من أعلام الوطنية الفلسطينية، بحسب كريمته التي تؤكد، أن ذلك تجسد باهتمامه المتميز في التعليم الشعبوي أثناء الانتفاضة عام 1987، حيث فتح بيته لاستقبال طلابه حين أغلقت الجامعات، في محاولة واضحة للصمود الفكري في ظل صدمات الاحتلال المختلفة.

تقول سماح: "لقد كان هذا الرجل معلماً اتخذ من التعليم رسالة وشغفاً، وليس مجرد مهنة يعتاش بها، رحم الله هذا القائد التربوي الفذ الذي ترك لنا إرثا تربوياً ضخماً يلهمنا بالسير على خطاه، فقد كان أحد أبناء فلسطين الذين يحق ليها أن تبكيه كما تبكي غيره من الأبطال".

إرثه بالمكتبة التربوية

شارك فهيم بعضوية العديد من المجالس واللجان العلمية، فقد كان عضو تحرير وعضو مجلس استشارة في كل من مجلة "هدى الإسلام" الصادرة عن دائرة الأوقاف الإسلامية 1984- 2000م، ومجلة النجاح للأبحاث 1994- 1996م، ومجلس أمناء كلية الدعوة وأصول الدين، ومجلة التقويم والقياس النفسي والتربوي، ووحدة التطوير التربوي في جامعة القدس، ومشروع الخطة الوطنية لتنمية الموارد البشرية والتعليم، وكان عضو مجلس الدراسات العليا في جامعة القدس أيضًا.

كما كان علما من أعلام الأمة الأكاديميين في المجال التربوي والإنساني، إذ كان له من المؤلفات كتب مختلفة درّست في الجامعات العربية، ومنها: دراسات تربوية في الوطن، ودوافع السلوك وتطبيقاتها التربوية، وسيكولوجية الموهوب وتربيته، وسيكولوجية المراهق وتربيته، ووجودنا الحضاري في بيت المقدس، كما أشرف على العشرات من الدراسات ورسائل الماجستير والدكتوراه أو شارك في تحكيمها في كافة الجامعات الفلسطينية وبعض الجامعات العربية.

العالم التربوي الإنساني

كان أحمد فهيم إنسانياً في توجهاته التربوية، إسلاميّ الهوى، وكان يؤمن أن المتعلم هو "محور العملية التربوية، وليس الكتاب المدرسي أو المعلم، وأن يتنوع الزاد التربوي وأن يعيد المعلم تعريف دوره، فهو لم يعد مالك المعرفة، وعليه أن يحسن الإصغاء إلى المتعلمين ويستشيرهم في الأعمال والخبرات وعليه أن يحاورهم ويفاوضهم".

ووفق كريمته سماح، فقد كان "أحمد فهيم جبر" يرى "أن التربية وسيلة مهمة للتنمية والتطوير، ولتغيير المعتقدات والأفكار، وتغيير السلوك، وأن في الفكر الإسلامي مبادئ تربوية عظيمة يجدر البحث والكشف عنها، وأن كل نهضة تربوية مرجوة “لا بد أن تأخذ في الحسبان واقع شعبنا، وعقيدة أمتنا".

وتتابع، "كان والدي يشجع على تعليم البنات وتمكينهن، وتشهد له بناته وكل طالباته بذلك، كما كان يؤمن بأنه لا بد من شغل فراغ الشباب والشابات بكل ما هو مفيد من قراءة ونشاطات إبداعية ورياضية وترفيهية مع مجموعات شبابية".

وتؤكد سماح، "لقد كان والدي ينأى بنفسه عن الفصائلية  والمفاخرة والمباهاة، وكان ممتناً وفياً لمعلميه الذين أثّروا به مثل قسطنطين زريق، ويذكرهم بالخير، وكان يحمل هم الوطن ومعاناته وكان يرى أن لا سبيل للحرية والاستقلال دون تعلم نوعي ناقد ومؤثر وفعال".

وتتابع، "لقد تعلم منه أبناؤه وطلابه؛ الاعتزاز بالنفس، والاعتداد بالحق، والمعرفة، والشجاعة في البحث خارج السائد والمألوف، وعرفوا أهمية الإصغاء لللآخرين، والتفكير الناقد، وكيفية التعامل مع الاختلاف".

سيرة عطرة

ولد العالم التربوي أحمد فهيم جبر عام 1941 في قرية كفل حارس التي تتبع محافظة سلفيت، ثم انتقل ليعيش مع أسرته في القدس، حيث كان يعمل والده في سلك الشرطة في العهد الأردني، وترعرع وكبر في حي الواد في البلدة القديمة بجوار المسجد الأقصى المبارك، مما أثر على تنشئته وميوله الدينية والوطنية.

حصل على تعليمه الأساسي في المدرستين البكرية والعمرية داخل أسوار البلدة القديمة من القدس ثم أتمّ تعليمه الثانوي في المدرسة الرشيدية باعتبارها المدرسة الثانوية الوحيدة في القدس آنذاك، وتخرج منها متفوقاً عام 1958، وأهّله تفوقه في الثانوية العامة للحصول على بعثة دراسية لدراسة التاريخ العربي الإسلامي في الجامعة الأمريكية في بيروت مقدمة من وزارة التربية والتعليم الأردنية.

كما حصل على درجة البكالوريوس في الآداب عام 1962، وعلى درجة الماجستير في التربية وعلم النفس من الجامعة الأمريكية في بيروت عام 1972، ثم حصل على شهادة الدكتوراه من جامعة نورث كولورادو في الولايات المتحدة عام 1980، وقد تناولت دراسته تحليل برامج التعليم العام في جامعات الضفة الغربية واقتراح نموذج تربوي مغاير.

وأحمد فهيم متزوج من المربية ومديرة المدرسة المتقاعدة لمياء عبد اللطيف كمال، وهو أب لخمس بنات وشاب.

رحل العالم التربوي الدكتور أحمد فهيم جبر في السادس عشر من فبراير\ شباط 2022، عن عمر ناهز الحادي والثمانين، بعد مسيرة تربوية وأكاديمية، حيث قضى حياته  بالقراءة والكتابة والتدوين والإشراف على بعض الرسائل إلى حين مرضه ثم وفاته.