Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo

أقلام وأراء

الأحد 12 فبراير 2023 10:22 صباحًا - بتوقيت القدس

في وداع الألماني النبيل وصديق فلسطين كليمنس مسرشميد

بقلم: نهاد أبو غوش

خسرت فلسطين منذ أيام صديقا وفيّا منح شعبَها وقضيَتها العادلة جُلّ اهتمامِه وإخلاصه المهني وعلمِه ومشاعره التي دفعته لاختيار فلسطين وتحديدا مدينة رام الله مكانا لإقامته نحو ربع قرن، إنه الهيدرولوجي وخبير المياه الألماني كليمنس مسرشمد الذي توفي في رام الله الأسبوع الماضي بعد مسيرة حافلة في خدمة فلسطين وشعبها في قطاع المياه، أكثر القطاعات حرجا وتعقيدا ومساسا بحياة ملايين الناس وبمستقبل القضية.

استغرب الناس تأجيل "قضية المياه" التي تبدو ظاهريا كقضية فنية، إلى مفاوضات الوضع الدائم إلى جانب القضايا الكبرى: القدس واللاجئين والمستوطنات والحدود ومستقبل الأراضي المحتلة، لكن التدقيق في بنود اتفاق أوسلو وفي ما فعلته إسرائيل في موضوع المياه منذ العام 1967 يكشف إلى أي حدّ يُعدّ قطاع المياه قطاعا مصيريا، وأن تاجيله الذي انطلى على المفاوض الفلسطيني لم يكن مجرد مسألة إجرائية بقدر ما ارتبط بنِيّة إسرائيلية مُبَيّتة ومخططة لتأبيد الاحتلال.

لم يكن الراحل مسرشميد معروفا لكثيرين من خارج المهتمين بقطاع المياه، لكن نشاطه وملاحظاته الجوهرية التي لخصها في كُتيب صغير أسماه "آخر شفّة" تظهر إلى أي مدى استغلت دولة الاحتلال قطاع المياه في ابتزاز الفلسطينيين والتحكم بحياتهم واقتصادهم ومصيرهم. وهذا الكُتيب الذي أصدرته مؤسسة روزا لوكسمبرغ المرتبطة بحزب اليسار الألماني في كانون الأول 2011 يُعد وثيقة دامغة مدعمة بالحقائق والبينات، على كيفية قيام الاحتلال بإرساء نظام الفصل والتمييز العنصري من خلال السطو على النسبة العظمى من مصادر المياه الفلسطينية، والتحكم في إنتاج وتوزيع الجزء الشحيح المتبقي، واستخدام سلاح المياه وتعطيش الفلسطينيين كأداة لقهرهم وابتزازهم والسيطرة عليهم.

كل فلسطيني يعاني من أزمة المياه يدرك هذه الحقيقة اليومية، والتي باتت سمة من سمات الحياة تحت الاحتلال وكأنها قدر لا مفرّ منه، لكن الحديث عن هذه الحقائق الصارخة من قبل خبير محايد ومهني بوصلته العلم والأرقام يعطيها مزيدا من المصداقية، ويحررها من التحيز العاطفي، مع أن قارئ مسرشميد والمستمع له لا تخفى عليه نزعته الإنسانية المتعاطفة مع الفلسطينيين عموما وبخاصة المحرومين من المياه.

يتحدث البعض عن أزمة مياه عامة في الإقليم نتيجة الطبيعة الصحراوية، وتحكُّم دول غير عربية بمنابع الأنهار الرئيسية، وكثرت الدراسات التي تدعو لترشيد استخدام المياه والبحث عن مصادر بديلة كتحلية مياه البحر واستيراد المياه من الخارج فضلا عن تدوير المياه، لكن مسرشميد يصدمنا بالحقيقة البسيطة: فلسطين ليست فقيرة بالمياه! فمعدل المياه في القدس يزيد عن معدلها في برلين، وفي رام الله أعلى من باريس. في محاضرة له استضافتها مؤسسة روزا لوكسمبرغ قال الخبير الألماني أن سكان كثير من المدن العالمية الشهيرة يشربون من المياه التي تسقط على بعد آلاف الكيلومترات، فلماذا تحرم غزة من مياه طبريا ونهر الأردن ( الذي تنبع مياهه في الأراضي اللبنانية والسورية) بينما تُروى من مياهه مستوطنات النقب؟

من الصعب تلخيص الكتيب في مقال، وهو يصدمنا بعدد من الحقائق الدالّة أبرزها مسارعة الاحتلال إلى إصدار أمر عسكري في شهر آب/أغسطس عام 1967 نقل فيه السلطة على المياه إلى القادة العسكريين، أي أن الاحتلال تعامل مع ملف المياه كملف عسكري استراتيجي وليس مجرد ملف خدمي، وعزز هذا القرار لاحقا بقوانين تعطي الأوامر العسكرية أفضلية على قررات المحاكم، وتمنع القيام بأي نشاط يتصل بالمياه بما في ذلك آبار الجمع (الأمر الذي تحرص حكومة نتنياهو- بن غفير- سموتريتش الآن على تطبيقه بمنتهى التشدد).

يؤكد مسرشميد على أن الحق في الحصول على مياه نظيفة وبكلفة معقولة هي من الحقوق الأساسية للإنسان لكن إسرائيل تسطو على أكثر من 90% من المياه الفلسطينية (دون احتساب المناطق المحتلة عام 1948)، ولقد أكدت الأمم المتحدة على هذا الحق ضمن أهداف التنمية المستدامة (الهدف 6 من الأهداف ال17)، كما أكد عدد من القرارات واللجان الدولية ومنها خطة جونستون لعام 1955 على حقوق الفلسطينيين المائية ومن ضمنها حقهم في مياه نهر الأردن، لكن إسرائيل ضربت بكل ذلك عرض الحائط، بل نجحت في تضمين اتفاق أوسلو بنودا تكفل سيطرتها المطلقة على قطاع المياه الفلسطيني بما في ذلك مشاريع المياه في المناطق المصنفة (أ) و (ب).

ينتقد مسرشميد بشدة مشاريع المانحين لدعم قطاع المياه الفلسطيني ويقول أنها تفتقد إلى الشجاعة لأنها تتجاهل المشكلة الأساسية/السياسية وهي سرقة إسرائيل لمياه الفلسطينيين، ويضيف أن مشاريع المانحين تنصرف إلى مشاريع تقنية مثل تحسين الوصول إلى المياه وإنشاء شبكات جديدة ومدّ الأنابيب وإقامة الخزانات ولكن من دون زيادة قطرة مياه واحدة، ويأسف لأن المؤتمرات وورش العمل التي عقدت وصرفت عليها أموال كثيرة لم تنعكس فعليا على وصول الناس إلى حقوقهم، حيث أن معدل حصول الفرد على المياه في فلسطين أقل من 60 لترا في اليوم اي دون مستوى الحد الإنساني الأدنى، بينما إسرائيل خمسة أضعاف الحد الأدنى، ويصل في قطاع غزة إلى مستويات كارثية (مستوى أحوال الطوارئ) ومخالفة لمعايير منظمة الصحة العالمية، مع تدنٍّ مُريع في نوعية المياه ونسبة الأملاح فيها.

يلحظ مسرشميد غياب العدالة الداخلية في توزيع المياه وكلفتها حيث تنقطع المياه في بعض قرى الخليل ونابلس وجنين لأسابيع وأشهر، ويدفع الفقراء والمعوزون أضعاف ما يدفعه المقتدرون ثمنا لمياه الشرب، كما ينتقد بعض الممارسات والصراعات الداخلية العشواية على مصادر المياه لبيعها والتربح منها وسط ضعف السلطة وصمتها عن ذلك.

يفند مسرشميد عددا من الخرافات الشائعة من بينها الأكذوبة الإسرائيلية التي تروج أن الصهاينة حولوا الصحراء إلى جنان خضراء، فيؤكد أن أكثر من 97 من أراضي النقب غير مزروعة، وأن 80% من الأراضي المزروعة هي مزروعة من قبل الفلسطينيين.

لروح فقيد الإنسانية وصديق فلسطين الكبير، الألماني النبيل كليمنس مسرشميد الرحمة والسلام، ولأعماله القيّمة كل التقدير والاحترام.

دلالات

شارك برأيك

في وداع الألماني النبيل وصديق فلسطين كليمنس مسرشميد

-

زين العابدين طاهر قبل ما يقرب من 2 سنة

فلسطين قضية عادلة وتهم كل اصحاب الضمير في العالم

-

michael قبل ما يقرب من 2 سنة

لروحه الرحمةوالسلام الابدي

-

نايف دويكات قبل ما يقرب من 2 سنة

الله يرحمه كل الاحترام لمثل هؤلاء

-

سمير عباس قبل ما يقرب من 2 سنة

رحمة الله عليه

-

ماغي قبل ما يقرب من 2 سنة

الإنتماء للاانسانية هو الاصل

-

عماد سعسع قبل ما يقرب من 2 سنة

رجال أخلصوا عملهم لفلسطين ولكن يا ريت يكون من الفلسطينيين من هو مخلص لفلسطين وهم للأسف نادرين

-

مجدي صالح قبل ما يقرب من 2 سنة

مفاوضنا انطلت عليه ويللا هو مش فارقة معه؟؟

-

سعيد العلمي قبل ما يقرب من 2 سنة

يستحق الوفاء والتكريم

المزيد في أقلام وأراء

Google تدعم الباحثين بالذكاء الاصطناعي: إضافة جديدة تغيّر قواعد اللعبة

بقلم :صدقي ابوضهير باحث ومستشار بالاعلام والتسويق الرقمي

التعاون بين شركة أقلمة والجامعات الفلسطينية: الجامعة العربية الأمريكية نموذجاً

بقلم: د فائق عويس.. المؤسس والمدير التنفيذي لشركة أقلمة

أهمية البيانات العربية في الذكاء الاصطناعي

بقلم: عبد الرحمن الخطيب - مختص بتقنيات الذكاء الاصطناعي

ويسألونك...؟

ابراهيم ملحم

الحرب على غزة تدخل عامها الثاني وسط توسّع العمليات العسكرية الإسرائيلية في الجبهة الشمالية

منير الغول

ترامب المُقامر بِحُلته السياسية

آمنة مضر النواتي

نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي

حديث القدس

مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً

جواد العناني

سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن

أسعد عبد الرحمن

جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية

مروان أميل طوباسي

الضـم ليس قـدراً !!

نبهان خريشة

دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة

معروف الرفاعي

الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا

حديث القدس

من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها

أحمد لطفي شاهين

الميدان يرد بندية على ورقة المبعوث الأمريكي الملغّمة

وسام رفيدي

تماسك أبناء المجتمع المقدسي ليس خيارًا بل ضرورة وجودية

معروف الرفاعي

المطاردون

حمادة فراعنة

فيروز أيقونَة الغِناء الشَّرقي.. وسيّدة الانتظار

سامية وديع عطا

السلم الأهلي في القدس: ركيزة لحماية المجتمع المقدسي ومواجهة الاحتلال

الصحفي عمر رجوب

إسرائيل تُفاقم الكارثة الإنسانية في غزة

حديث القدس

أسعار العملات

السّبت 23 نوفمبر 2024 10:34 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.7

شراء 3.69

دينار / شيكل

بيع 5.24

شراء 5.22

يورو / شيكل

بيع 3.85

شراء 3.83

هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟

%53

%47

(مجموع المصوتين 90)