خلّد الفنان والخطاط “علي عاشور” من الخليل، اسمه عبر مزركشات وزخارف إسلامية خطّها على جدران مساجد فلسطين التاريخية، كما أبدع بتأليف زخارف جديدة في مساجد حديثة البناء. وقد شكّلت الإعاقة التي ألمّت به منذ نعومة أظفاره - وأفقدته السيطرة على يده وقدمه اليمنى - حافزًا له ليصبح أحد أشهر الخطاطين العاملين في زخرفة المساجد، تاركًا إرثًا فنيًا وثقافيًا يبقيه حيًا في الذاكرة والتاريخ.
شخصية مميزة
واعتبر الدكتور فاروق عاشور أن شخصية قريبه الفنان علي سعيد عاشور كانت مميزة وتستحق الكثير من التكريم في حياته. وأوضح أنه تعرّض في طفولته لخطأ طبي جراحي تسبب له بشلل في نصفه الأيمن وصعوبة في النطق، بعد عام واحد فقط من وفاة والده ودخوله عالم الأيتام. ورغم ذلك، تحدى علي اليُتم والإعاقة وقرر أن يتميز ويبدع، فظهرت لديه ملامح هواية الكتابة والتخطيط على الورق، والتي تطورت لاحقًا إلى رسم اللوحات الفنية والزخارف الإسلامية، حتى أصبح أحد أبرز فناني الزخرفة في فلسطين، مشاركًا بإبداعاته في مساجد يافا وحيفا ومدن الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، فضلًا عن إبداعاته في مساجد حديثة البناء بعموم الوطن.
تخطى العوائق
وأضاف أن إبداع علي لم يقتصر على زخرفة المساجد، بل تميز أيضًا في الرسم التشكيلي، متخطّيًا كافة العوائق، حيث طور موهبته بجهود ذاتية، من خلال ترجمة مراجع أجنبية عن الفن التشكيلي إلى العربية والاستفادة منها. وتمتع علي بدقة عالية وروح إبداعية، مجسدًا نموذجًا للإرادة والنجاح رغم إعاقته. كما اجتهد في قراءة مجلدات الفن والخط العربي، وتدرب على أيدي بعض الفنانين في الخليل، حتى أتقن كتابة جميع أنواع الخطوط العربية القديمة والحديثة.
واهتمامه بالفن الكلاسيكي القديم أكسبه خبرة واسعة في ترميم المباني والمساجد التي تحتوي على زخارف وكتابات أثرية، حيث شارك في ترميم مسجد يافا الكبير والعديد من مساجد الأراضي المحتلة عام 1948 بالتعاون مع مؤسسة الأقصى للوقف والتراث.
حتى قضى نحبه
وبيّن الدكتور عاشور أن الفنان علي كان يعتبر الإعاقة سببًا رئيسيًا في نجاحه وإبداعه، إذ خضع لعملية جراحية فاشلة أدت إلى شلله، وجعلته طريح الفراش نحو ثمانية أعوام، قبل أن تتدهور حالته الصحية لاحقًا بسبب أمراض الكلى، حتى قضى نحبه إثر توقف قلبه، مخلفًا خسارة فادحة. وأكد أن كل من يتجول بين لوحاته وإبداعاته يدرك مشاعر الفنان وخياله ومثابرته التي تحدى بها اليُتم والإعاقة، داعيًا للترحم عليه والدعاء له بالجنة.
طريقة فريدة
ووصف الفنان التشكيلي يوسف كتلو، الخطاط علي عاشور، بأنه أحد أبرز المبدعين الذين تركوا إرثًا غنيًا في الفنون البصرية والخط العربي. وأوضح أن أعماله جمعت بين الأصالة الإسلامية والحداثة الفنية، من خلال لوحات ومخطوطات جسدت الهوية الفلسطينية والتراث الإسلامي.
وأشار إلى أن عاشور ترك بصمته الواضحة في زخرفة المساجد بالخليل ومناطق أخرى، حيث مزج بين الخط والزخرفة بطريقة فريدة، وبيّن أن رحيله جسديًا لم يلغِ حضوره الفني الذي ما زال مصدر إلهام للأجيال، مؤكداً أن الفن هو روح المقاومة، وأن الخطوط العربية هي جذورنا التي لا تنقطع.
بصمة لا تُنسى
ونعت أسرة وزارة الثقافة في محافظة الخليل ومجلسها الاستشاري الثقافي وكافة المؤسسات الثقافية الفنان علي عاشور، مشيرةً إلى أنه خط حروفه بمداد الروح، وأبدع في رسم كلمات الله بخطه الجميل، وكان مثالًا للصبر والإتقان وشغف الخط العربي.
وقال رشاد أبو حميد، مدير وزارة الثقافة في الخليل، إن الفنان عاشور عاش مخلصًا لفنه، وعمل بإصرار على زخرفة جدران المساجد، فخلّد اسمه بين أبرز مبدعي الخط العربي، وترك إرثًا فنيًا غنيًا من اللوحات والخطوط التي تحمل روحه وتجسد شغفه الكبير.
شارك برأيك
الخطاط المبدع “علي عاشور” رحل تاركًا نبضات قلبه مزركشات وزخارف على جدران المساجد