شاهر سعد: أكثر من نصف مليون عامل فلسطيني عاطلون عن العمل بعد 7 أكتوبر وخسائر تتجاوز 25 مليار شيكل
محمد البليدي: عمال الداخل كانوا يتمتعون بنوع من الاستقرار الاقتصادي وكانوا يظنون أن أعمالهم ستستمر بلا انقطاع
محمود زيادة: غياب نظام وطني للحماية الاجتماعية فاقم معاناة العمال بعد 7 أكتوبر ويهدد الحماية الاجتماعية
جهاد عقل: العامل الذي لا يستطيع تأمين لقمة عيش لعائلته يتعرض لانهيار نفسي واجتماعي ما يزيد من الأزمات الاجتماعية داخل الأسرة والمجتمع
منذ السابع من أكتوبر 2023، يواجه نحو ربع مليون من العمال الفلسطينيين الذين كانوا يعملون داخل الخط الأخضر واقعًا معيشيًا قاسيًا، بعد أن انقطعت عنهم مصادر دخلهم بشكل مفاجئ.
وبحسب عمال ومسؤولين نقابيين، التقتهم "القدس"، فإن الحرب المستمرة والقيود الإسرائيلية على تصاريح العمل تسببت في توقف شبه تام لهذا القطاع الحيوي، الذي كان يُعد أحد أعمدة الاقتصاد الفلسطيني، وفاقمت من معاناة العمال الذين وجدوا أنفسهم بين البطالة والفقر، دون أي مظلة حماية اجتماعية حقيقية.
في شهادات مؤلمة من عدة محافظات فلسطينية، يروي عمال كيف انهارت حياتهم خلال أشهر قليلة؛ فقدوا أعمالهم ومصدر دخلهم حتى ما ادخروه، واضطروا للاستدانة أو بيع ممتلكاتهم الأساسية لتأمين احتياجات أسرهم، وقد أكد كثيرون أن الأزمة طالت مختلف جوانب حياتهم، من التعليم والصحة إلى السكن، وسط غياب استجابة فعالة من الجهات الرسمية والمؤسسات النقابية.
الأرقام الصادرة عن الجهات النقابية تعكس حجم الكارثة، حيث تجاوز عدد العاطلين عن العمل نصف مليون، وبلغت الخسائر الاقتصادية أكثر من 25 مليار شيكل.
ورغم بعض المبادرات المحدودة، فإن الغالبية العظمى من العمال المتضررين لم يتلقوا أي دعم ملموس، في وقت تتصاعد فيه الدعوات لإقرار نظام حماية اجتماعية شامل يضمن الحد الأدنى من الكرامة الإنسانية لهذه الفئة التي كانت يومًا عصب الاقتصاد الوطني، وفق مسؤولين نقابيين.
عمال الداخل.. معاناة كبيرة
يروي علاء الغول، أحد النازحين من مخيم نور شمس، معاناته الممتدة منذ السابع من أكتوبر 2023، فعلاء، الذي قضى 14 عامًا في مهنة الدهان والديكورات وبعض اعمال البناء داخل الخط الأخضر، وجد نفسه فجأة بلا عمل، بلا منزل، وبلا أي مصدر دخل.
يقول علاء: "كنت أعمل في شركة بشكل ثابت، عملي كان متخصص في الدهانات والديكورات. كنت أذهب يومياً بتصريح من الشركة وأعود مساء. دخلي اليومي كان يصل إلى 350 شيكلاً، وكان هذا يتيح لي توفير أساسيات الحياة، من بناء منزل وتعليم أولادي وشراء سيارة. كنا نعيش حياة مستقرة كباقي الناس".
لكن بحسب علاء، كل شيء تغير بعد الحرب، العمل توقف بالكامل، والبطالة أصبحت مصيرًا جماعيًا، ما كبد العمال معاناة كبيرة وزادت المعاناة للعمال الذين نزحوا من مخيماتهم.
علاء، الذي دمرت قوات الاحتلال منزله في مخيم نور شمس، يعيش اليوم في مركز إيواء، ويقول: "أنا لا أعمل، ولا يوجد أي دخل. ما كنا قد وفرناه صرفناه، بل واستدنا وتراكمت علينا الديون. الوضع سبب لنا ضغطًا نفسيًا كبيرًا".
انعدام الدعم من وزارة العمل والنقابات
ورغم وعود الجهات الرسمية، لم يتلقَ علاء ولا غيره من العمال المتضررين أي دعم ملموس، وفق علاء الذي يقول: "تواصلنا مع الوزير السابق والوزيرة الحالية، ولم نجد أي استجابة. سحب منا تأمين العمال وأعطونا تأمين بطالة، ولكن لم يتم تعويضنا عن الضرر".
علاء يؤكد أن البسطات زادت في الشوارع، والبحث عن عمل أصبح شبه مستحيل، ويقول: "الاقتصاد الآن يعتمد فقط على الموظفين، ولا رواتب تصرف، ولا عمل في الداخل، كنا كعمال نوفر دعما للاقتصاد، ونوفر احتياجاتنا الأساسية بأنفسنا، لكن الآن فقدنا كل شيء".
ويطالب علاء وزارة العمل والنقابات العمالية بالتحرك الفوري، قائلا: "نحن منذ عام وثمانية أشهر نناشد دون أي استجابة. يجب أن يتحملوا مسؤولياتهم. حتى لو كانت المساعدة قليلة، فهي تصنع فرقًا. وإن لم يستطيعوا دعمنا ماليًا، فليساعدونا بالتنسيق مع المؤسسات لتأجيل دفعات الجامعات أو فواتير الصحة والماء والكهرباء."
ويضيف علاء: "لماذا لا يتم دعم ومساندة العمال النازحين؟ لماذا لا تُصرف مساعدات عاجلة لهم؟ هذا واجب إنساني وأخلاقي قبل أن يكون مسؤولية وطنية".
من بلدة يطا جنوب الخليل، يروي سليمان حريزات، أحد العمّال الذين كانوا يعملون داخل الخط الأخضر، التحوّل القاسي في حياته بعد السابع من أكتوبر 2023. سليمان، الذي كان يعمل في مجال البناء.
يقول حريزات: "كان أقل دخل شهري لأي عامل في الداخل عشرة آلاف شيكل. أما اليوم، فالعامل لا يستطيع إدخال عشرة شواقل!".
يضيف حريزات: "كنت أتقاضى 500 شيكل يوميًا، لكننا كنا نتحمل التزامات كبيرة، من مصاريف التصاريح إلى بناء منزل أو شراء شقة، فضلًا عن مصاريف البيت والمواصلات لإيصالنا لعملنا وهي مكلفة".
ومع توقف العمل، اضطر كثير من العمال إلى خيارات قاسية، حيث يقول سليمان: "بعض العمال تسلق الجدار في محاولة خطيرة للدخول، وآخرون باعوا مصاغ زوجاتهم لشراء سيارات حتى لو كانت غير قانونية. البعض جمع الحديد ليبيعه، وآخرون باعوا أثاث منازلهم".
العامل كان محركاً للاقتصاد الفلسطيني
سليمان نفسه اضطر للتنازل عن جزء من حقوقه في التوفيرات ليغطي مصاريفه الأساسية، ويؤكد: "العامل كان يشكل محركًا أساسياً للاقتصاد الفلسطيني، لكن حين تعطل لم يسأل عنه أحد".
ويشير حريزات إلى أن بعض العمال أصبحوا مهددين بالسجن بسبب شيكات مرتجعة، متسائلًا: "لماذا لا تتم مراعاة ظروف العمال؟ لماذا تُهمل هذه الفئة التي كانت تشكل شريانًا اقتصاديًا للبلد؟".
أما العامل علي ثوابت من بلدة بيت فجار جنوب بيت لحم يروي معاناته، بعد توقفه عن العمل داخل الخط الأخضر، حيث كان يعمل في مجال البناء طيلة ست سنوات.
يقول ثوابتة: "كنت أحصل على 300 شيقل يومياً، لكنها لم تكن تكفي، فالمصاريف اليومية كبيرة، وهناك التزامات كأقساط الجامعات والبناء"
يؤكد علي ثوابتة أن كثيرا من العمال في بيت لحم يعتمدون على تبرعات أهل الخير لتلبية احتياجاته الأساسية، ويقول: "أصبح العامل من الفقراء، لا يوجد عمل، والوضع مأساوي".
ويضيف ثوابتة: "نطالب الحكومة والنقابات بأن تقدم لنا مساعدات أو توفر فرص عمل. كثير من العمال في الضفة الغربية تم تسريحهم، والعديد من المنشآت أغلقت أبوابها بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة".
سوق العمل الفلسطيني يعيش أزمة غير مسبوقة
يؤكد الأمين العام للاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، شاهر سعد، أن سوق العمل الفلسطيني يعيش أزمة غير مسبوقة منذ السابع من أكتوبر 2023، عقب تصاعد الأحداث الأمنية واندلاع الحرب على قطاع غزة، وهو ما أدى إلى فقدان مئات الآلاف من العمال الفلسطينيين وظائفهم، سواء في الداخل الفلسطيني المحتل أو في الضفة الغربية وقطاع غزة.
ويوضح سعد أن عدد العمال الفلسطينيين الذين كانوا يعملون داخل أراضي الـ48 قبل السابع من أكتوبر، بلغ نحو 248 ألف عامل، منهم 200 ألف يحملون تصاريح عمل رسمية، في حين كان هناك نحو 48 ألفًا يعملون بشكل غير قانوني دون تصاريح.
ووفقاً لسعد، كان أولئك العمال يشكلون عصبًا مهمًا للاقتصاد الفلسطيني، حيث تشير تقديرات البنك المركزي الإسرائيلي إلى أن مجموع رواتب هؤلاء العمال شهريًا كان يصل إلى مليار و350 مليون شيكل.
ويؤكد سعد أن الكارثة لم تقتصر على توقف العمل في الداخل فقط، بل شملت أيضًا قطاعات واسعة داخل الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث تشير التقديرات إلى أن عدد العاطلين عن العمل بلغ حاليًا نحو 507 آلاف عامل، من بينهم 248 ألفًا فقدوا عملهم في أراضي الـ48، ونحو 100 ألف فقدوها من عمال الضفة الغربية، بينما تتوزع بقية الأعداد على قطاع غزة.
ويشدد الأمين العام لنقابات العمال على أن ما حدث بعد السابع من أكتوبر 2023، لم يكن متوقعًا على الإطلاق، حيث كانت التقديرات الأولية تشير إلى أن توقف العمل سيكون مؤقتًا لبضعة أشهر، لكن الحرب طالت، ولم يُسمح للعمال بالعودة حتى الآن.
الاحتلال لم يلتزم بتعويض العمال المتضررين
ويؤكد سعد أن الاحتلال الإسرائيلي لم يلتزم بأي من الاتفاقيات المتعلقة بتعويض العمال المتضررين، ما أدى إلى ترك عشرات الآلاف من العائلات الفلسطينية دون مصدر دخل أو مدخرات، وتسبب ذلك في أزمة اقتصادية واجتماعية خطيرة.
ويشير سعد إلى أن خسائر العمال الفلسطينيين منذ السابع من أكتوبر 2023، وحتى الآن فاقت الـ25 مليار شيكل، وهو ما انعكس مباشرة على تراجع الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني، وتسبب في ارتفاع معدلات الفقر في صفوف العمال إلى 38%، وهي نسبة مرتفعة جدًا مقارنة بالفترة التي سبقت عام 2023.
ويقول سعد: "عندما يفقد العامل الفلسطيني دخلًا كبيرًا كان يحصل عليه دفعة واحدة، فإن ذلك يخلق مشاكل اقتصادية واجتماعية ونفسية كبيرة".
ويؤكد سعد أن العمال الفلسطينيين يعيشون حاليًا أسوأ ظروف اقتصادية واجتماعية ممكنة، فلا توجد فرص عمل جديدة، ولا أمل قريب بعودتهم بشكل قانوني للعمل داخل أراضي 48.
حجم الدعم لا يوازي حجم الضرر
وعلى الرغم من تقديم العديد من المبادرات لمحاولة التخفيف من حدة الأزمة، فإن سعد يؤكد أن حجم الدعم المقدم حتى الآن لا يوازي حجم الضرر، واصفًا إياه بأنه "ضئيل ولا يلبي احتياجات العمال"، مشيرًا إلى أن المساعدات اقتصرت على نسبة ضئيلة جدًا من العمال، معظمهم من غزة الذين فقدوا وظائفهم وبقوا عالقين في الضفة الغربية.
ويحذر سعد من تداعيات استمرار هذا الوضع، مؤكدًا أن عشرات الآلاف من العمال لا يزالون دون عمل حتى اليوم، في ظل غياب أي حلول حقيقية وشاملة، ما يزيد من تفاقم الأزمة التي تطال بنية الاقتصاد الوطني والمجتمع الفلسطيني برمته، مؤكداً أن أولئك العمال إضافة لفقدانهم أعمالهم فإنه لا يوجد لديهم أية حماية اجتماعية، أو ضمان اجتماعي، أو حتى تأمين صحي.
7 أكتوبر نقطة تحول كبرى في حياة آلاف العمال
من جانبه، يقول الأمين العام لاتحاد النقابات العمالية الجديدة، محمد البليدي، إن أحداث السابع من أكتوبر 2023، شكّلت نقطة تحول كبرى في حياة الآلاف من العمال الفلسطينيين، خصوصًا أولئك الذين كانوا يعملون في المنشآت الإسرائيلية داخل أراضي عام 1948 أو في المستوطنات.
ويؤكد البليدي أن عمال الداخل كانوا يتمتعون بنوع من الاستقرار الاقتصادي، حيث كانت رواتبهم عالية نسبيًا وتصل إلى أضعاف مضاعفة ما يعادل أحيانا عشرة أضعاف متوسط الأجور في الضفة الغربية وقطاع غزة.
ويشير البليدي إلى أن العديد منهم كانوا يبنون منازلهم أو لديهم التزامات مالية مع مقاولي بناء وعمال في الضفة الغربية، وكانوا يظنون أن أعمالهم ستستمر بلا انقطاع.
لكن، بحسب البليدي، جاءت مفاجأة السابع من أكتوبر، لتعصف بهذا الاستقرار، حيث فقد أكثر من 200 ألف عامل فلسطيني أعمالهم بشكل مباشر، سواء في الداخل أو المستوطنات، ورغم عودة جزئية لبعض العمال إلى المستوطنات لاحقًا، فإن الغالبية لا تزال ممنوعة من العمل داخل الخط الأخضر حتى اليوم.
ويشير البليدي إلى أن أوضاع هؤلاء العمال تدهورت بشكل كبير، حيث اضطر كثيرون منهم إلى بيع ممتلكاتهم وسياراتهم لتأمين احتياجاتهم الأساسية، في ظل غياب أي دعم فعّال من الحكومة الفلسطينية بسبب أزمتها المالية.
ويؤكد البليدي أن كثيراً من العمال حاولوا إيجاد بدائل لتأمين لقمة عيشهم، مثل فتح بسطات أو مشاريع صغيرة، لكن التحديات الاقتصادية حالت دون نجاح كثير من هذه المحاولات، وتفاقمت الأزمات خصوصًا في مناطق شمال الضفة الغربية كجنين وطولكرم، التي تعرضت لدمار واسع وهدم منازل ونزوح قسري بسبب التصعيد الإسرائيلي المستمر.
تحصيل حقوق العمال خاصة التوفيرات
ويوضح البليدي أن النقابات العمالية الجديدة باشرت منذ اليوم الأول بعد 7 أكتوبر، بالتحرك لتحصيل حقوق العمال، لا سيما التوفيرات المالية المستحقة لهم، حيث تمكّنت، عبر طواقم قانونية ومحامين، من استرجاع نحو 70 مليون شيكل لصالح العمال المتضررين.
ويشدد البليدي على أن هناك مسؤولية نقابية ومجتمعية مشتركة يجب أن تتحملها كافة الأطراف، خاصة أن آلاف العمال كانوا يدفعون اشتراكات شهرية للنقابات تصل إلى 8 أو 10% من رواتبهم، وهو ما يُعد مئات ملايين الشواقل، مما يحتم على تلك النقابات الوقوف إلى جانبهم في هذا الوقت العصيب.
ويؤكد البليدي على أن فشل إقرار قانون الضمان الاجتماعي قبل سنوات كان بمثابة ضربة قاسية للعمال الفلسطينيين.
ويقول البليدي: "لو كان هذا القانون قد أُقر ونُفّذ، لما وصلنا إلى هذه الحالة من العجز والضياع، فالضمان الاجتماعي كان سيمثل مظلة أمان اقتصادية واجتماعية، ونحن نأمل أن يُعاد طرحه والعمل على إقراره بشكل عادل يخدم مصلحة العمال والمواطنين كافة".
غياب أي نظام وطني للحماية الاجتماعية
بدوره، يوضح محمود زيادة، عضو الاتحاد العام للنقابات المستقلة والناشط النقابي في قطاع الحماية الاجتماعية، أن فقدان آلاف العمال الفلسطينيين لأعمالهم بعد السابع من أكتوبر 2023، أدخلهم وعائلاتهم في أزمة معيشية حادة، نتيجة انعدام الدخل وغياب أي نظام وطني للحماية الاجتماعية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهو ما يهدد الحماية الاجتماعية.
ويشير زيادة إلى أن غالبية هؤلاء العمال كانوا يعيلون أسرهم اعتمادًا على دخلهم من العمل، سواء داخل أراضي 48 أو في المنشآت المحلية، ما جعلهم عرضة للفقر والعوز بمجرد فقدان مصدر رزقهم الوحيد.
ويؤكد زيادة أن المشكلة لا تقتصر على توقف العمل في المنشآت الإسرائيلية، بل تشمل أيضًا انخفاض فرص العمل في السوق المحلية الفلسطينية، التي تعاني أصلًا من بطالة مرتفعة حتى قبل اندلاع الحرب.
ويلفت زيادة إلى أن الواقع المعيشي ازداد سوءًا في ظل الارتفاع الحاد في أسعار المواد والسلع الاستهلاكية الأساسية، ما فاقم من المعاناة الاقتصادية والاجتماعية للعمال وأسرهم، موضحًا أن هذه الأزمة الممتدة لأكثر من عام ونصف بدأت تُحدث آثارًا سلبية على الحياة الاجتماعية، ما لم يتم العمل سريعًا على إيجاد حلول جذرية.
ويشدد زيادة على أن غياب نظام وطني شامل للحماية الاجتماعية هو أحد أبرز مكامن الخلل في مواجهة الأزمات، مؤكدًا أن هذا الغياب يجعل المجتمع عاجزًا عن حماية أفراده عند الأزمات وتوفير الحد الأدنى من مقومات العيش الكريم.
مبدأ التكافل والتضامن وتقاسم الأعباء
ويقول زيادة: "نحن بأمس الحاجة إلى مثل هذا النظام، لا فقط كوسيلة للتخفيف من الفقر، بل كضرورة وجودية ترتبط بالقدرة على الصمود ومواصلة الكفاح من أجل التحرر الوطني".
ويرى زيادة أن إقامة نظام وطني للحماية الاجتماعية يجب أن يُبنى على مبدأ التكافل والتضامن وتقاسم الأعباء، من خلال مساهمة المواطنين في تمويله بما يتناسب مع مستويات دخولهم، ليكون قادرًا على التدخل في حالات الطوارئ والكوارث، مثلما هو معمول به في دول كثيرة حول العالم.
ويؤكد زيادة أن هذا المشروع ليس فقط اقتصاديًا، بل يحمل أبعادًا سياسية واجتماعية وقانونية وأخلاقية، ويُعبّر عن التزام المجتمع الفلسطيني بقيم التعاضد في مواجهة الاحتلال والاستعمار.
ويدعو زيادة إلى ضرورة ترشيد وتوجيه العمال من قبل النقابات والجهات المختصة، خاصة في الأوقات العصيبة، مشيرًا إلى أن المسؤولية تقع على عاتق كل مكونات المجتمع الفلسطيني للوصول إلى "إنجاز تاريخي" يحقق العدالة الاجتماعية ويضمن الكرامة الإنسانية.
ويقول زيادة: "كل الاتجاهات الوطنية الفلسطينية متفقة على ضرورة بناء هذا النظام كبديل واقعي يسهم في تقاسم الأعباء، ويعزز قدرة الشعب الفلسطيني على الصمود في وجه التحديات المستمرة، وهو نظام يفترض أن يرى النور، ليعزز التكافل الاجتماعي في الظروف الصعبة".
أوضاع العمال الفلسطينيين "مؤلمة إلى أبعد الحدود"
من جهته، يصف النقابي جهاد عقل أوضاع العمال الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة بأنها "مؤلمة إلى أبعد الحدود"، مشيرًا إلى أن الطبقة العاملة تقف في مقدمة المتضررين من تداعيات الحرب المستمرة منذ السابع من أكتوبر 2023، سواء من الناحية الاقتصادية أو النفسية أو الاجتماعية.
ويقول عقل: "إن ما يحدث في قطاع غزة هو حرب إبادة لا تفرق بين طفل أو عامل أو مدني"، مؤكدًا أن الكثير من العمال استشهدوا أو أصيبوا بجراح خطيرة، وفقدوا أماكن عملهم ومصدر رزقهم، مشددًا على أن "الوضع ليس مجرد معاناة، بل هو مأساوي بكل ما تحمله الكلمة من معنى".
وفي الضفة الغربية، يشير عقل إلى أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي فرضت حصارًا خانقًا على العمال وألغت جميع تصاريح العمل منذ السابع من أكتوبر 2023، ما تسبب في حرمان آلاف العمال من دخول أماكن عملهم داخل الخط الأخضر، وتدهورت أوضاعهم بشكل غير مسبوق.
ويقول عقل: "العمال الآن يعيشون أوضاعًا شديدة السوء، خاصة في المناطق التي تتعرض لاقتحامات متواصلة خاصة في مخيم جنين، ومخيم طولكرم، ونور شمس، حيث تستهدف قوات الاحتلال كل من هو فلسطيني، دون تمييز".
ويؤكد عقل أن الاحتلال الإسرائيلي لا يميز بين العامل والمواطن العادي، بل يواصل سياساته في تجويعهم وحصارهم، ما دفع بعض العمال إلى المخاطرة بحياتهم في سبيل الحصول على لقمة العيش، بمحاولات التسلل للعمل داخل الأراضي المحتلة رغم المخاطر الأمنية الجسيمة.
اضطرابات اجتماعية ومعيشية خانقة
وينوه عقل إلى الأثر النفسي العميق الذي يعيشه العمال، مشيرًا إلى أن حرمانهم من إعالة أسرهم وشراء الاحتياجات الأساسية خلق لديهم شعورًا بالضغط النفسي الشديد، وتسبب باضطرابات اجتماعية ومعيشية خانقة.
ويقول عقل: "العامل الذي لا يستطيع تأمين لقمة عيش لعائلته، يتعرض لانهيار نفسي واجتماعي، ما يزيد من الأزمات الاجتماعية داخل الأسرة والمجتمع".
ويرى عقل أن ما تقوم به سلطات الاحتلال بحق العمال الفلسطينيين هو جزء من سياسة تهجير ممنهجة، تستهدف النيل من صمود الشعب الفلسطيني، وتفكيك نسيجه الاجتماعي، مؤكدا أن الاحتلال يسعى للتأثير على نفسية العامل الفلسطيني ليدفعه لليأس من إمكانية البقاء في وطنه.
ويوضح عقل أن الطبقة العاملة كانت دومًا في طليعة النضال الفلسطيني، وكانت من أعمدة الانتفاضات الشعبية، لكنها اليوم تواجه القمع والاعتقالات والتنكيل، وهي في مقدمة المشهد المأساوي الجاري.
وحول سبل تحصيل الحقوق، يقول عقل: "إن ما قامت به الحكومة الإسرائيلية يُعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، الذي ينص على أن قوة الاحتلال يجب أن تضمن سبل العيش الكريم للسكان الخاضعين لاحتلالها".
ويتابع عقل: "هناك عمال يتوجهون إلى محامين أو إلى النقابات العمالية لتحصيل مستحقاتهم، مثل التوفيرات وتعويضات العمل، ولكن هذه العملية مؤلمة، إذ يخصم المحامون نسبة من هذه التوفيرات، بالإضافة إلى خصم 30% من أصل المبلغ من قبل جهات إسرائيلية، ما يشكل خسارة فادحة للعمال".
ويشير عقل إلى أن وزارة العمل الفلسطينية، إلى جانب جهات دولية متضامنة، قدمت شكاوى رسمية إلى منظمة العمل الدولية والجهات ذات العلاقة بشأن هذه الانتهاكات، معربًا عن أمله في أن تثمر هذه التحركات عن نتائج إيجابية تضمن تعويض العمال عن الخسائر الكبيرة التي لحقت بهم، واستعادة جزء من حقوقهم المسلوبة.
شارك برأيك
عمالنا بعد 7 أكتوبر.. نزيف بلا انقطاع تسبب بسكتة اقتصادية