ليس ثمة وجع يعادل وجع الفقد والثكل الذي يكسر قلوب الأمهات، اللاتي يستغثن صباح مساء، ويستعذن في صلواتهن ودعواتهن وسكناتهن من كآبة المنظر وسوء المنقلب.
سوء المنقلب الذي عصف بالمنطقة، وأحال الآمال والأحلام إلى كوابيس مرعبة، تقضّ مضاجع الثاكلات، وتجعل النوم يجافي عيونهنّ، وتكسر الهموم قلوبهن، ويسكن القلق نفوسهن مما يرينه بأعينهن، كما لم يرين مثله من قبل لفظاعته، وفرط توحّشه، وغياب أية معان لقيم الحق والعدل والإنسانية، بعد أن حلّت محلّها المعايير المزدوجة، وبات "حق القوة لا قوة الحق"، هو ما يسود في عالم سالت فيه الخرائط، وتفشت فيه المظالم، واختلطت فيه أنساب المفاهيم، فبات الحق باطلاً والباطل حقاً.
لا شيء في غزة سوى الموت الزؤام. يموت الناس في المنازل، وفي الخيام، وعلى موائد الإفطار، يموتون جوعاً وقهراً وعطشاً وخوفاً وقصفاً، يموت الجرحى في المستشفيات، ويلفظ المرضى أنفاسهم لغياب الرعاية، وأدنى متطلبات الطبابة في منطقة خرجت كل مستشفياتها عن الخدمة، واستحالت مقابر لنزلائها.
قلوب الأمهات لا تحتمل زلازل فقد الأبناء، وإن تجلدن على المصائب بالصبر والدعاء والرجاء، فليست تلك سوى مسكنات، وسرعان ما تفيض القلوب المتعبة بتباريح الوجع وخزان الأحزان، وتنهمر أنهار دموعهن دون توقف، بينما تعجز المرضعات عن استدرار الحليب لأطفالهن، وتعجز الأمهات عن توفير وجبة حساء لمن تبقى من أبناء على قيد الحياة، وهم ينتظرون دورهم في طابور الإبادة المتدحرجة.
حتى ساعة كتابة هذه المقالة، قبل موعد الإفطار، كان عداد الشهداء على عواجل الأخبار بالعشرات.
أوقفوا الإبادة الآن...!
شارك برأيك
استغاثات الأمهات!