يقع قبر يوسف داخل مبنى قديم في قرية بلاطة، ويعد هذا الموقع نقطة التقاء بين الطرفين الشرقيين لجبلي عيبال وجرزيم، تحيط به عدة قرى ومخيمات ذات كثافة سكانية عالية، مما يساهم في جعله نقطة تماس مع الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه.
يحتفظ قبر يوسف بمكانة هامة في الذاكرة الوطنية، وهو جزء من تاريخ المدينة العريق، ولا يزال هذا القبر يشكل علامة بارزة، حيث دفعت نابلس فاتورة ضخمة من الشهداء والجرحى والأسرى نتيجة المواجهات المستمرة التي وقعت حوله لعقود من الزمن. كان القبر ملاذًا للباحثين عن السكينة والطمأنينة، ولكن الاحتلال جعل منه نقطة صراع دائمة مع الفلسطينيين.
منذ احتلال مدينة نابلس عام 1967، وضع الاحتلال الإسرائيلي يده على قبر يوسف، وحوَّله إلى موقع مخصص للمستوطنين لأداء الطقوس الدينية اليهودية، رغم كونه أثرًا إسلاميًا مسجلاً بدائرة الأوقاف الإسلامية. في عام 1986 أسس الاحتلال مدرسة يهودية لتدريس التوراة في الموقع، وفي عام 1990 حوله إلى نقطة استيطانية، ليصبح محورًا للانتهاكات الإسرائيلية.
مقام يوسف دويكات ولا علاقة للنبي يوسف به
يزعم اليهود أن عظام النبي يوسف (عليه السلام) تم نقلها من مصر ودفنها في هذا المكان، وتستند الرواية اليهودية إلى "سفر التكوين" في التوراة، حيث يُقال إن النبي يوسف أوصى بني إسرائيل بنقل عظامه ودفنها شرق مدينة شكيم (نابلس)، إلا أن خبراء الآثار الفلسطينيين ينفون صحة هذه الرواية، ويؤكدون أن القبر يعود لرجل مسلم اسمه يوسف دويكات، وأن عمره لا يتجاوز قرنًا ونصف القرن.
شكل قبر يوسف دائمًا بؤرة احتكاك وساحة للمقاومة الشعبية والمسلحة، يعود ذلك إلى موقعه القريب من مركز مدينة نابلس، حيث شهد العديد من المواجهات العنيفة. أبرز هذه المواجهات كانت في أيلول 1996 خلال "هبّة النفق"، حيث قتل سبعة جنود إسرائيليون، وحوصر أربعون آخرون داخل مجمع قبر يوسف الذي كان تحت السيطرة الإسرائيلية.
تكررت المواجهات في مطلع انتفاضة الأقصى، حيث استشهد ستة فلسطينيين وجرح العشرات، هذه الصراعات جعلت من الموقع رمزًا للمقاومة الشعبية، حيث أصبح الفلسطينيون يطلقون عليه اسم "مسمار جحا" كناية عن استخدام المستوطنين له كذريعة لاقتحام المدينة.
أطماع استيطانية توسعية
وبحسب محافظ نابلس، غسان دغلس، فإن اقتحام المستوطنين لقبر يوسف يُعتبر خطوة "لإرضاء" كبار المستوطنين، ولكن له أيضًا أبعادًا سياسية تهدف إلى استمرار الاحتلال في المنطقة هذا التوسع الاستيطاني يؤثر على حياة الفلسطينيين، حيث يتم إعاقة مطالباتهم بالسيادة على أراضيهم ويُحاول الاحتلال تحويل هذه المواقع إلى أماكن دينية يهودية، مما يعزز من استيطانه في هذه المناطق.
منذ عام 2007، ينظم المستوطنون اقتحامات متكررة للقبر تحت حماية قوات الاحتلال، حيث تتم هذه الاقتحامات غالبًا في ساعات الليل المتأخرة هذه العمليات تؤدي إلى مواجهات عنيفة مع السكان الفلسطينيين، مما يتسبب في سقوط شهداء وجرحى في الوقت نفسه، يتعين على سكان المنطقة الشرقية اتخاذ احتياطات كبيرة استعدادًا لهذه الاقتحامات، مثل عدم الخروج من المنازل بسبب القنابل المسيلة للدموع أو الرصاص الطائش من الجنود.
رغم أن السلطة الفلسطينية تولت إدارة مدينة نابلس منذ عام 1995، لم يتغير الوضع كثيرًا. اتفاقات أوسلو حددت منطقة قبر يوسف والطريق المؤدية إليه كمنطقة (ج) وهي تحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية، ما يجعل القبر نقطة تماس ساخنة في أي مواجهة مع الاحتلال.
قبر يوسف ليس مجرد موقع تاريخي أو ديني، بل هو نقطة محورية في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هذه المنطقة تمثل بؤرة لتوسع الاحتلال المستمر، وهي منبع للصراع المتجدد بين الفلسطينيين والمستوطنين الإسرائيليين. في ظل هذه التحديات، تبقى حياة الفلسطينيين في هذه المنطقة مليئة بالصعوبات، وسط مخاوف من تحويل هذا الموقع إلى نقطة استيطانية دائمة يبقى الأمل في تحقيق حقوق الفلسطينيين وحمايتهم من التوسع الاستيطاني المستمر، وهو ما يتطلب تدابير سياسية وقانونية لوقف هذا التهديد المتزايد.
شارك برأيك
قبر يوسف.. مسمار جحا الإسرائيلي للسيطرة على نابلس