فلسطين
الثّلاثاء 25 فبراير 2025 8:15 صباحًا - بتوقيت القدس
الدبابات في المخيم .. الاقتلاع والتهجير بعد إقصاء "الأونروا"
رام الله- خاص بـ"القدس" و"القدس" دوت كوم:
د. جمال حرفوش: هذه العمليات جزء من سياسة أوسع تهدف إلى إعادة تشكيل المشهد في الضفة عبر التهجير التدريجي للسكان
خليل شاهين: ما يجري جزء من مخطط سياسي طويل الأمد يهدف إلى الضم وفرض السيادة الإسرائيلية على أجزاء واسعة من الضفة
د. رائد الدبعي: التصعيد الحالي ليس رداً على تهديد أمني حقيقي بل قرار سياسي يخدم أجندة الحكومة اليمينية في إسرائيل
محمد هواش: إسرائيل ترسل رسالة للقمة العربية من خلال عملياتها العسكرية أنها الطرف الوحيد الذي يقرر مصير الفلسطينيين
د. تمارا حداد: الاحتلال ينشر الدبابات ليستخدم الغطاء الأمني كأداة لتنفيذ مشروعه الذي يرى الضفة جزءاً لا يتجزأ من "الدولة التوراتية الإسرائيلية"
سري سمور: نشر الدبابات في مخيم للاجئين يحمل في طياته بُعداً استراتيجياً يرتبط بمخطط أوسع يستهدف قضية اللاجئين الفلسطينيين
يشهد مخيم جنين تصعيداً جديداً مع اقتحامه من قبل الدبابات الإسرائيلية، في خطوة تحمل أبعاداً تتجاوز البعد الأمني إلى حسابات سياسية واستراتيجية أوسع، تنذر بتدحرج التصعيد إلى بقية مناطق الضفة الغربية.
ويرى كتاب ومحللون سياسيون وأساتذة جامعات، في أحاديث منفصلة مع "ے"، أن هذا التصعيد الاسرائيلي الجديد يعكس تحولاً في طبيعة العمليات العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية، حيث تستخدم تل أبيب القوة العسكرية لإعادة تشكيل المشهد الميداني، في محاولة لترهيب السكان وتقويض أي مقاومة محتملة، وهو يعكس مساعي إسرائيل لتعزيز نفوذها وتقليص صلاحيات السلطة الفلسطينية مع تصاعد المخاوف من موجات تهجير قسري.
ويوضح الكتاب وأساتذة الجامعات أن هذه التحركات تأتي في وقت حساس داخلياً، حيث تسعى الحكومة الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو إلى تحقيق مكاسب سياسية عبر استعراض القوة وكسب تأييد الأوساط اليمينية.
تحول استراتيجي في طبيعة العمليات العسكرية الإسرائيلية
يرى البروفيسور د. جمال حرفوش، أستاذ مناهج البحث العلمي والدراسات السياسية في جامعة المركز الأكاديمي للأبحاث في البرازيل، أن هذا اقتحام الدبابات الإسرائيلية لمخيم جنين يمثل "تحولاً استراتيجياً في طبيعة العمليات العسكرية الإسرائيلية"، حيث يسعى من خلال إدخال الدبابات إلى المخيم إلى تحقيق عدة أهداف، تتجاوز البعد العسكري لتشمل جوانب سياسية وأمنية ونفسية.
ووفقاً لحرفوش، تحاول إسرائيل فرض واقع جديد على الأرض، مستعرضة قوتها بشكل علني لترهيب السكان، ما قد يؤدي إلى زيادة الضغط على المقاومة وتقويض دعمها الشعبي.
أما على الصعيد السياسي، فإن حرفوش يؤكد أن هذا التصعيد يضع السلطة الفلسطينية في موقف حرج، حيث تبدو عاجزة عن حماية مخيم جنين، مما قد يثير موجة من الغضب الشعبي ويدفع بالمطالبات بإعادة النظر في العلاقات مع الاحتلال.
من جهة ثانية، يؤكد حرفوش أن التصعيد العسكري يخدم الحكومة الإسرائيلية داخلياً، حيث يسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى توحيد صفوف الائتلاف الحاكم وكسب التأييد الشعبي من خلال تصعيد المواجهات مع الفلسطينيين.
ويشير حرفوش إلى أن الجانب النفسي والاجتماعي يلعب دوراً كبيراً في هذا الهجوم، إذ تسعى إسرائيل إلى بث الرعب بين أهالي مخيم جنين ودفعهم إلى عدم العودة إلى المخيم وقف دعمهم للمقاومة.
ويقول حرفوش: "هذه العمليات ليست مجرد مواجهات عسكرية، بل هي جزء من سياسة أوسع تهدف إلى إعادة تشكيل المشهد في الضفة الغربية عبر التهجير التدريجي للسكان".
ويرى حرفوش أن هذا الاقتحام بالدبابات لمخيم جنين يعد اختبارا لردود الفعل العربية والدولية، موضحاً أنه "إذا لم يكن هناك رد فعل حازم من المجتمع الدولي، فقد نشهد امتداد هذه السياسة إلى مناطق أخرى، مما يفتح الباب أمام تصعيد واسع في الضفة الغربية".
ويرى حرفوش أن استمرار الاحتلال في استخدام الدبابات والمدرعات سيدفع نحو حملات اجتياح واسعة النطاق قد تستهدف مخيمات أخرى مثل طولكرم ونابلس، وكذلك زيادة عمليات الاغتيال الميدانية، وهذا قد يدفع الى تفجر الاوضاع الميدانية أكثر وبالتالي ازدياد اعمال المقاومة وتمددها لمناطق أخرى بالضفة الغربية، ما قد يفضي إلى انتفاضة شعبية جديدة.
ويرى حرفوش أن الاحتلال قد يلجأ إلى فرض عقوبات جماعية مثل قطع الكهرباء والمياه وحصار المناطق كأداة ضغط إضافية على السكان، كما قد يحاول "إشعال الفتنة الداخلية بين الفصائل الفلسطينية لمنع توحدها في مواجهة الاحتلال".
ويشدد حرفوش على أن العامل الحاسم الآن هو مدى قدرة الشعب الفلسطيني وفصائله على التصدي لهذه السياسات وفرض معادلات جديدة تجبر الاحتلال على إعادة حساباته.
أهداف مباشرة وغير مباشرة
يؤكد الكاتب والمحلل السياسي خليل شاهين أن العمليات العسكرية الإسرائيلية المستمرة في شمال الضفة الغربية منذ أكثر من شهر، والإغلاقات الطويلة عبر نشر أكثر من 900 حاجز، تحمل أهدافاً مباشرة وغير مباشرة تتجاوز مجرد المواجهات العسكرية، حيث تهدف إلى تهجير السكان الفلسطينيين وتفكيك المخيمات، في إطار مخطط أوسع للسيطرة على المنطقة.
أحد الأهداف المباشرة للحملة العسكرية الإسرائيلية، وفق شاهين، هو التهجير القسري الداخلي، الذي تشهده مخيمات شمال الضفة الغربية، ولا سيما في جنين، حيث تشير تقديرات إلى نزوح أكثر من 40 ألف فلسطيني.
ويشير شاهين إلى أن استمرار منع المهجرين من العودة إلى منازلهم يؤدي إلى توزيعهم قسراً في مراكز المدن والقرى المجاورة، مما يسهم في تفتيت النسيج الاجتماعي وإضعاف الروابط العائلية والعشائرية التي لطالما ميّزت هذه المجتمعات.
ويرى شاهين أن أحد الأهداف الرئيسية لهذه العمليات هو القضاء على الحيز المكاني للمخيمات، التي تمثل رمزاً لقضية اللاجئين الفلسطينيين، إذ ترتبط المخيمات بواقع التهجير منذ نكبة عام 1948، وبفكرة العودة التي كفلتها قرارات الأمم المتحدة.
ويشير شاهين إلى أن هذا التوجه يتزامن مع محاولات إسرائيلية متزايدة، بدعم أمريكي، لإنهاء وكالة "الأونروا"، ما يهدد بتجريد اللاجئين من الخدمات الأساسية وإضعاف البعد السياسي للقضية.
وتؤكد التقديرات، وفق شاهين، أن قوات الاحتلال دمرت بالكامل نحو 120 منزلاً في مخيم جنين، إضافة إلى تضرر العشرات من المنازل والمنشآت جزئياً، في إطار استراتيجية تهدف إلى تدمير البنية التحتية للمخيمات وشق طرق جديدة، وسط حديث عن مخطط لإنشاء ممر شبيه بـ"ممر نتساريم" في غزة، يقطع المخيمات ويفصلها عن بعضها، وهو ما يؤكد سعي إسرائيل نحو تدمير فكرة الحيز المكاني للاجئين
ويشير شاهين إلى أنه على الرغم من خلو المخيمات من أي مواجهة مسلحة كبيرة، فإن إسرائيل دفعت بالدبابات إلى المدن والمخيمات الفلسطينية، كإجراء يحمل أبعاداً سياسية أكثر من كونه ضرورة عسكرية، فمن جهة، يسعى الاحتلال لإرضاء الأوساط المتطرفة والمستوطنين، ومن جهة أخرى، يهدف إلى خلق حالة من الردع، فضلاً عن تمكين الجيش من إقامة مراكز ثابتة داخل مناطق "أ" التي يفترض أنها تحت سيطرة السلطة الفلسطينية، ما يعزز من تقليص صلاحياتها وإضعافها أمنياً.
مخطط سياسي طويل الأمد
ويلفت شاهين إلى أن ما يجري حالياً ليس مجرد عمليات عسكرية، بل هو جزء من مخطط سياسي طويل الأمد، يهدف إلى الضم وفرض السيادة الإسرائيلية على أجزاء واسعة من الضفة الغربية، خصوصاً شمالها الغربي.
ويوضح شاهين أن تصريحات وزير الطاقة الإسرائيلي إيلي كوهين حول ضم الضفة، والتقارير التي تشير إلى نوايا ضم مناطق بشكل تدريجي، تعكس توجهاً استراتيجياً لدى الحكومة الإسرائيلية، خاصة في ظل وجود دعم محتمل من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب لهذه الخطوات.
ويؤكد شاهين أن المخطط الإسرائيلي يسير نحو توسيع المستوطنات وشرعنة البؤر العشوائية التي أقيمت منذ السابع من أكتوبر 2023، إضافة إلى تهجير التجمعات البدوية والرعوية، خصوصاً في الأغوار ومناطق جنوب الخليل.
ويرى شاهين أن هذا النهج يسعى إلى تقطيع أوصال الضفة الغربية وتحويل السلطة الفلسطينية من كيان سياسي إلى مجرد إدارات محلية ضعيفة، ما يقضي عملياً على أي فرصة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
أمام هذه التحديات، يرى شاهين أن على الفلسطينيين تبني استراتيجيات جديدة ترتكز على تعزيز الصمود، والنضال من أجل الحفاظ على الصلاحيات الفلسطينية في كل شبر من الأرض، بدلاً من الرهان على تفاهمات مع الاحتلال.
ويدعو شاهين إلى إنهاء الانقسام الفلسطيني، وتشكيل قيادة وطنية موحدة خاصة في القرى والبلدات تكون قادرة على مواجهة المخططات الإسرائيلية، في ظل تهديدات وجودية خطيرة تواجه القضية الفلسطينية.
عودة فعلية للاحتلال العسكري المباشر لكامل الضفة
يعتقد رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة النجاح الوطنية د.رائد الدبعي أن اقتحام الدبابات الإسرائيلية لمخيم جنين يتجاوز كونه عملية أمنية أو عدواناً محدوداً، بل يمثل عودة فعلية للاحتلال العسكري المباشر لكامل الضفة الغربية.
ويوضح الدبعي أن ما يحدث يعيد إلى الأذهان ما كانت عليه الأوضاع قبل توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993، بعدما لم تعد إسرائيل تلتزم بأي ترتيبات أمنية سابقة، وأصبحت تتعامل مع الضفة كمناطق غير خاضعة لأي اتفاقيات دولية، ما يعني تقويضاً فعلياً لدور السلطة الفلسطينية في إدارة المناطق المصنفة (أ).
ويشير الدبعي إلى أن استهداف مخيمات اللاجئين، وخاصة مخيم جنين، يندرج ضمن سياسة ممنهجة تهدف إلى خلق بيئة غير قابلة للحياة داخل هذه المخيمات، مما يدفع سكانها إلى الهجرة القسرية أو الطوعية.
ويبيّن الدبعي أن إسرائيل تعمل على إزالة رمزية المخيمات الفلسطينية المرتبطة بحق العودة وتنفيذ القرار الأممي 194، وهو ما يتوافق مع تصريحات سابقة لرئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق نفتالي بينيت عام 2014، عندما قال: "علينا أن نجعل حياة الفلسطينيين غير قابلة للاحتمال حتى يغادروا طواعية".
ويوضح الدبعي أن إسرائيل تعتمد في عملياتها الحالية على "عقيدة الضاحية الجنوبية"، التي سبق أن استخدمتها في الحرب على لبنان عام 2006، حيث قامت بتدمير البنية التحتية لحزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت بهدف منع عودة الحياة إلى طبيعتها.
ويلفت الدبعي إلى أن هذه العقيدة يتم تطبيقها الآن في الضفة الغربية من خلال تدمير البنية التحتية للمخيمات والمدن الفلسطينية، بما يشمل المنازل، الشوارع، شبكات المياه والكهرباء، واستهداف الاقتصاد المحلي، بهدف منع أي استقرار اقتصادي للفلسطينيين، ما يشكل ضغطاً إضافياً لدفعهم نحو الهجرة.
ويؤكد الدبعي أن التصعيد العسكري الإسرائيلي الحالي ليس رداً على تهديد أمني حقيقي، بل هو قرار سياسي داخلي يخدم أجندة الحكومة اليمينية المتطرفة بقيادة بنيامين نتنياهو، التي تسعى إلى تصعيد الوضع عسكرياً لتعزيز سياساتها الاستيطانية والدينية المتطرفة.
ويوضح الدبعي أن شخصيات مثل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، الذي وصفه بالحاكم الفعلي للضفة الغربية، تدفع باتجاه التصعيد الممنهج لفرض واقع جديد يتمثل في توسيع المستوطنات، وهدم القرى والمخيمات، وتحقيق مشروع الضم الكامل للضفة الغربية تحت شعار "أرض أكثر لليهود وعرب أقل".
ويحذّر الدبعي من أن استمرار هذه السياسات سيؤدي إلى تدحرج الأمور نحو اجتياح شامل للضفة الغربية، مع التركيز على السيطرة العسكرية المباشرة على المدن الفلسطينية وفرض حصار شديد على المخيمات، التي تعتبر مراكز رمزية لحق العودة.
ويؤكد الدبعي أن إسرائيل قد تعتبر ما يحدث في جنين نموذجاً لتوسيع عملياتها في مدن أخرى، وصولاً إلى مركز القرار السياسي في رام الله.
الهدف تحقيق "تهجير جماعي صامت"
ويوضح الدبعي أن هذه السياسات تسعى إلى تحقيق "تهجير جماعي صامت"، من خلال الضغوط الاقتصادية والعسكرية، والسماح للمستوطنين بارتكاب الجرائم دون محاسبة، إضافة إلى استخدام القوة المفرطة لخلق بيئة غير قابلة للعيش تدفع الفلسطينيين للهجرة الطوعية.
ويؤكد الدبعي أن هذه الممارسات قد تؤدي إلى انفجار الأوضاع، مشيراً إلى أن ارتفاع عدد الشهداء والاعتقالات وعمليات التدمير الممنهج قد تشعل انتفاضة فلسطينية جديدة، وقد تصل الأمور إلى تصاعد الغضب في الداخل عام 1948 ما يؤدي إلى احتجاجات واسعة واضطرابات داخلية داخل إسرائيل.
ويرى أن السيناريو الأكثر ترجيحاً هو امتداد العمليات العسكرية الإسرائيلية إلى مدن فلسطينية أخرى، حيث لم تعد إسرائيل بحاجة إلى ذرائع أمنية لتبرير عدوانها، بل أصبحت تتخذ قرارات سياسية يتم تغليفها بمبررات أمنية، في إطار مخطط واضح لإنهاء الوجود الفلسطيني في الضفة الغربية.
تقويض الأسس القانونية لقضية اللاجئين
يؤكد الكاتب والمحلل السياسي محمد هواش أن دخول الدبابات الإسرائيلية إلى شمال الضفة الغربية، وتحديداً جنين، لا يحمل أي أهداف عسكرية جديدة، إذ لا تواجه إسرائيل هناك جيشاً مسلحاً، بل مواطنين فلسطينيين يتمسكون بأرضهم وحقوقهم.
ويوضح هواش أن هذه التحركات العسكرية تهدف إلى فرض هيمنة إسرائيل على الضفة الغربية وإيصال رسالة سياسية بأن "لغة القوة هي الوحيدة" التي تعتمدها إسرائيل لتحقيق أهدافها الاستراتيجية في المنطقة.
ويشير هواش إلى أن إسرائيل تسعى، من خلال عملياتها العسكرية، إلى تقويض الأسس القانونية لقضية اللاجئين الفلسطينيين، التي تعتمد على قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بحق العودة وحقوق اللاجئين في ممتلكاتهم داخل الأراضي المحتلة عام 1948.
ويوضح هواش أن أحد الأساليب التي تتبعها إسرائيل في هذا الإطار هو استهداف المخيمات الفلسطينية، باعتبارها رموزاً لقضية اللاجئين، حيث تروج لوجود مقاومة مسلحة بداخلها لتبرير عمليات التدمير، وهو ما يعتبر جزءاً من محاولات تصفية القضية بشكل تدريجي.
ويلفت هواش إلى أن إسرائيل تتخذ إجراءات قانونية لمنع عمل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، في خطوة تعزز المساعي الرامية إلى إلغاء الاعتراف الدولي بوضعية اللاجئين الفلسطينيين.
ويعتقد هواش أن التقديرات السياسية التي تعتمدها إسرائيل في حملتها العسكرية الحالية في شمال الضفة الغربية ليست دقيقة، إذ قد تتمكن من السيطرة مؤقتاً على بعض المناطق، لكنها لن تستطيع منع الفلسطينيين من العودة وإعادة بناء مخيماتهم، كما أن ما يحدث هو "معركة إرادات"، حيث تسعى إسرائيل لفرض واقع جديد في الضفة الغربية، فيما يرفض الفلسطينيون هذه المخططات ويتمسكون بأرضهم.
ويلفت هواش إلى أن ما يجري يهدف إلى توجيه رسائل متعددة، من بينها ترهيب الفلسطينيين والتأكيد على أن مستقبل الضفة الغربية تحدده إسرائيل وحدها، وليس الفلسطينيون ولا حتى المجتمع الدولي أو القمم العربية.
ويعتبر هواش أن التحركات العسكرية الإسرائيلية قد تكون رسالة موجهة إلى القمة العربية المرتقبة، التي ستناقش مبادرة سياسية تتمسك بحل الدولتين وإنهاء الاحتلال، وأن إسرائيل تسعى من خلال عملياتها الميدانية إلى التأكيد على أنها الطرف الوحيد الذي يقرر مصير الفلسطينيين، وليس أي مبادرات أو قرارات دولية.
محاولة فرض واقع جديد في الضفة
ويشدد هواش على أن الحكومة الإسرائيلية الحالية تحاول فرض واقع جديد في الضفة الغربية من خلال تصعيد عسكري يحمل أبعاداً سياسية، من بينها إرضاء اليمين الإسرائيلي المتطرف، الذي يدعو إلى السيطرة الكاملة على الضفة الغربية ونزع ملكية الفلسطينيين لأراضيهم.
ويحذر هواش من أن إسرائيل ترتكب خطأً استراتيجياً عندما تعتقد أنها قادرة على تهجير الفلسطينيين أو دفعهم لمغادرة أراضيهم، مؤكداً أن الفلسطينيين اليوم يتجاوز عددهم السبعة ملايين في فلسطين التاريخية، ما يجعل أي محاولات لترحيلهم أمراً مستحيل التحقيق.
تموضع عسكري دائم لتعزيز القبضة الأمنية على الضفة
توضح الكاتبة والباحثة السياسية د. تمارا حداد أن وجود الدبابات الإسرائيلية في جنين منذ عام 2000 يعكس تموضعاً عسكرياً دائماً يهدف إلى تعزيز القبضة الأمنية الثقيلة على الضفة الغربية.
وتشير حداد إلى أن الاحتلال ينشر الدبابات ليستخدم الغطاء الأمني والمبررات الأمنية كأداة لتنفيذ مشروعه السياسي، معتبرةً أن هذا التواجد ليس مجرد إجراء أمني بل جزء من مشروع توراتي يرى الضفة الغربية كجزء لا يتجزأ من "الدولة التوراتية الإسرائيلية".
وتؤكد حداد أن استمرار وجود الدبابات في جنين يشير إلى أن الاحتلال يتعامل مع الضفة الغربية كجبهة رئيسية، وليس قطاع غزة فقط، رغم عدم وجود حرب فعلية أو عمليات مقاومة تستدعي مثل هذا الانتشار العسكري المكثف.
وتوضح حداد أن الهدف الأساسي ليس فقط القضاء على ما يسميه الاحتلال "الإرهاب" أو الحركات الإسلامية، بل استخدام هذا المبرر الأمني كغطاء لفرض واقع سياسي جديد على الأرض، وتحويل الضفة الغربية إلى ساحة مواجهة مستدامة.
وتعتقد حداد أن عملية "السور الحديدي" في شمال الضفة لن تتوقف عند جنين، بل ستتوسع تدريجياً إلى باقي مناطق الضفة الغربية.
إنهاء رمزية المخيمات كمراكز للاجئين
وتشير حداد إلى أن الاحتلال يهدف إلى إنهاء رمزية المخيمات الفلسطينية كمراكز للاجئين وإعادة هيكلتها جغرافياً، بحيث تتحول إلى أحياء داخل المدن، مما يسهم في إنهاء مقومات الحياة فيها ودفع سكانها للنزوح القسري إلى مناطق أخرى.
وتلفت حداد إلى تصريحات وزير الجيش الإسرائيلي يسرائيل كاتس، الذي أكد أن الاحتلال لن يسمح بعودة سكان المخيمات المهجرين، وأن الجيش الإسرائيلي سيبقى في الضفة حتى عام 2026، ما يعكس نية الاحتلال في التعامل مع الضفة الغربية كجبهة مركزية في استراتيجيته العسكرية.
وتشدد حداد على أن الاحتلال يسعى إلى فرض تعايش قسري بين الفلسطينيين والمستوطنين، ليس فقط في المناطق المصنفة "ج" أو "ب"، بل حتى في المناطق "أ" التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية، مما يعني أن الجيش الإسرائيلي سيصبح متمركزاً داخل المدن الفلسطينية الكبرى، وسيصبح مشهد الدبابات أمراً طبيعياً في الحياة اليومية للفلسطينيين.
وتؤكد حداد أن هذه الإجراءات تعكس نية الاحتلال في إنهاء اتفاق أوسلو وكل الاتفاقيات التي تمت برعاية الولايات المتحدة، وذلك بهدف القضاء على أي حل سياسي، سواء حل الدولتين أو أي صيغة أخرى تؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية.
وتشير حداد إلى أن إسرائيل تسعى إلى تسريع تنفيذ مخططها على الأرض لمنع أي إمكانية مستقبلية للتسوية السياسية.
وتحذر حداد من أن هذه السياسات ستتصاعد حتى عام 2026، حيث يعمل الاحتلال على فرض وقائع جديدة على الأرض، من خلال تغيير الجغرافيا والديموغرافيا في الضفة الغربية، بهدف القضاء على إمكانية إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
وتلفت حداد إلى أن الاحتلال يسعى إلى تنفيذ "خطة الحسم"، والتي تهدف إلى جعل الفلسطينيين يعيشون دون مقاومة أو رفض للواقع الجديد، بحيث يكون أمامهم خياران: إما قبول الاحتلال كأمر واقع، أو مواجهة التهجير القسري والطوعي.
المرحلة المقبلة قد تشهد توسعاً في دخول الدبابات للضفة
وتتوقع حداد أن تشهد المرحلة المقبلة توسعاً في دخول الدبابات الإسرائيلية إلى مختلف مناطق الضفة الغربية، مع تمركزها داخل المدن، بهدف فرض واقع جديد وعزل المدن الفلسطينية عن القرى والمخيمات، مما سيؤدي إلى تقسيم الضفة إلى "كنتونات" معزولة، تصعّب التواصل الجغرافي والديموغرافي بين التجمعات الفلسطينية.
وتوضح حداد أن تحقيق أهداف الاحتلال مرهون بغياب حراك عربي ودولي جاد لمواجهته، وكذلك عدم وجود برنامج فلسطيني موحد يربط الضفة الغربية بقطاع غزة، وهو ما سيمكن إسرائيل من تنفيذ مخططها الرامي إلى تصفية القضية الفلسطينية، وإضعاف السلطة الفلسطينية تمهيداً للقضاء عليها ككيان سياسي، ومنع أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
استعراض للقوة يهدف إلى الترهيب وبث الخوف
يؤكد الكاتب والمحلل السياسي سري سمور أن اقتحام الدبابات الإسرائيلية لمخيم جنين هو بمثابة استعراض للقوة، يهدف إلى الترهيب وبث الخوف، إضافة إلى إرسال رسائل داخلية للمجتمع الإسرائيلي بأن جيش الاحتلال يعمل ويسيطر على الوضع في الضفة الغربية، رغم عدم وجود مواجهة حقيقية أو "جبهة ثانية" كما يحاول الاحتلال تصويرها.
ويوضح سمور أن هذا التحرك العسكري ونشر الدبابات في مخيم للاجئين، على الرغم من كونه تكتيكياً في ظاهره، يحمل في طياته بُعداً استراتيجياً يرتبط بمخطط أوسع يستهدف قضية اللاجئين الفلسطينيين.
العمل بشكل منهجي على إلغاء أي مظهر يُذكّر بحق العودة
ويشير سمور إلى أن إسرائيل، بعد حصولها على دعم أمريكي لحظر وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، تعمل بشكل منهجي على إلغاء أي مظهر يذكّر بحق العودة، حيث لم تكتفِ بوقف تمويل الوكالة أو محاصرتها، بل تسعى لإلغائها تماماً.
ويرى سمور أن المخيمات الفلسطينية، كونها تجمعات سكنية تحمل رمزية اللاجئين، تشكل إحدى أبرز العقبات أمام هذا المخطط، ولذلك، فإن إسرائيل تخوض "معركة الأونروا" بهدف طمس هذه الرمزية وإزالة أي ذكر لقضية اللاجئين.
ويوضح سمور أن ما يجري في مخيم جنين يمكن اعتباره "بروفة" لمخطط أوسع قد يشمل باقي المخيمات، حيث لم تتوسع إسرائيل إلى جميعها بعد، لكنها قد تكون في مرحلة التمهيد لذلك.
السيناريوهات المقبلة ستكون قاتمة وصعبة
ويتوقع سمور أن السيناريوهات المقبلة ستكون قاتمة وصعبة، إذ إن نجاح الاحتلال في تفريغ مخيم جنين، إلى جانب مخيمي نور شمس وطولكرم، من سكانهم، واستمرار تواجد الجيش الإسرائيلي في هذه المناطق، قد يمهد الطريق نحو تنفيذ عمليات مشابهة في كافة مخيمات الضفة الغربية.
ويشير سمور إلى أن الاحتلال يسعى إلى تدمير أكبر عدد ممكن من المنازل داخل المخيمات، وجعلها غير صالحة للسكن، ومنع سكانها من العودة إليها أو إعادة إعمارها، ما يؤدي إلى تهجير قسري للسكان وتشتيتهم، وبالتالي تقويض رمزية المخيم كمكان يمثل اللجوء وحق العودة.
وبالرغم من هذه التحديات، يؤكد سمور أن قضية اللاجئين لا يمكن القضاء عليها بالكامل، لأنها ليست مجرد تجمعات سكنية يمكن هدمها، بل هي جزء من الوجدان الفلسطيني.
ويشدد سمور على أن أي محاولات إسرائيلية لطمس هذه القضية لن تنجح، لأن اللاجئ الفلسطيني سيظل متمسكاً بحقه في العودة أينما سكن، ومهما حاول الاحتلال فرض وقائع جديدة على الأرض.
دلالات
الأكثر تعليقاً
ترامب: لن أفرض خطة غزة.. وفوجئت برفض مصر والأدرن
قمة الرياض ومصير القضية الفلسطينية

602 أسيرا فلسطينيا يُطلَق سراحهم السبت وإسرائيل تؤكد استلام قائمة رهائنها
"إسرائيل" تعطل الإفراج عن المعتقلين الفلسطينيين و"حماس" ترد
بدء تسليم الدفعة السابعة من الأسرى الإسرائيليين في غزة
ساعر: يجب نزع السلاح بالكامل من قطاع غزة واستسلام حركتي حماس والجهاد

وفاة أسير محرر إثر سقوطه من علو في العيسوية
الأكثر قراءة
وفاة أسير محرر إثر سقوطه من علو في العيسوية
602 أسيرا فلسطينيا يُطلَق سراحهم السبت وإسرائيل تؤكد استلام قائمة رهائنها
«حماس» تعلن تسليم جثمان الرهينة الإسرائيلية شيري بيباس
نتنياهو من مخيم طولكرم: أصدرت الأوامر بتعزيز القوات في الضفة الغربية
"عيوننا عليكم".. رسائل الاحتلال الإسرائيلي على مباني رام الله
ترامب: لن أفرض خطة غزة.. وفوجئت برفض مصر والأدرن
عضو كنيست: يائير نتنياهو ضرب والده بنيامين ونُفي إلى أميركا

أسعار العملات
الأربعاء 19 فبراير 2025 10:18 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.54
شراء 3.53
دينار / شيكل
بيع 5.0
شراء 4.99
يورو / شيكل
بيع 3.7
شراء 3.69
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%53
%47
(مجموع المصوتين 704)
شارك برأيك
الدبابات في المخيم .. الاقتلاع والتهجير بعد إقصاء "الأونروا"