"الصهيونية المسيحية" (وقوامها متمسيحون متصهينون) هو الاسم الذي يطلق عادة على معتقد فئة من المسيحيين، المنحدرين غالبًا من الكنائس البروتستانتية الأصولية، والتي تؤمن بأنّ قيام دولة إسرائيل عام 1948 كان ضرورة حتمية، لأنها تتمم نبوءات الكتاب المقدس بعهديه: القديم والجديد. ويشكّل قيام دولة إسرائيل في اعتقادهم مقدمة لمجيء المسيح الثاني إلى الأرض كملكٍ منتصر لألف عام، بعد حرب سيخوضها ضدّ "الشر" في العالم. كما يعتقد "الصهاينة المسيحيون" أن من واجبهم الدفاع عن الشعب اليهودي بشكل عام، وعن الدولة العبرية بشكل خاص؛ فهم يعارضون أي نقد أو معارضة لإسرائيل، وبالأخصّ في الولايات المتحدة الأمريكية، التي يشكّلون فيها جزءًا من اللوبي المؤيد لإسرائيل.
ترجع أصول الصهيونية المسيحية المباشرة إلى التدبيرية، ذلك المنهج (اقرأ: النظام) اللاهوتي الذي يركز على التفسير الحرفي للنبوءات الكتابية، ويدرك وجود فرق بين إسرائيل والكنيسة، ويقسم الكتاب المقدس إلى حقب مختلفة، والذي ظهر في إنجلترا في القرن التاسع عشر، بفضل جهود (جون نلسون داربي) من كنيسة الإخوة البليموث، إلا أن البعض يرجع بأصولها إلى فترة أقدم من ذلك إلى بريطانيا القرن السابع عشر.
أما "الصهيونية الدينية"، فقد ولدت مطلع القرن الـ20 من تزاوج الدين مع الصهيونية السياسية زواجاً غير شرعي! وقد حظيت بدعم من (أفراهام كوك) كبير حاخامات الطائفة اليهودية التي كانت موجودة في فلسطين قبل عام 1948، الذي جادل بأن "الحركة القومية العلمانية اليهودية" تشكل أداة إلهية وخطوة للخلاص النهائي في آخر الزمان، ووافق قبل وفاته في عام 1935 على تأسيس دولة يهودية علمانية من نهر الأردن إلى البحر المتوسط، يعيش فيها اليهود تحت سيادة ذاتية كاملة، الأمر الذي أرسى أسس التعاون بين الجناحين الديني والعلماني للحركة الصهيونية. هذا، وخالفت الصهيونية الدينية "التيار اليهودي الأصولي" الذي يرى: أن دولة إسرائيل ينبغي أن تقام فقط عند ظهور المسيح المخلص، وأن العمل على تأسيسها قبل ذلك يخالف الشريعة اليهودية.
في العقود التي سبقت إنشاء إسرائيل في عام 1948، كان أبرز مؤيدي الصهيونية المسيحيون الأمريكيون وأكثرهم نشاطًا سياسيًا هم: الليبراليون والبروتستانت الرئيسيون، الذين لم يكن دعمهم للحركة في كثير من الأحيان مرتبطًا بتفسيرهم للكتاب المقدس.
ولقد نظر هؤلاء "المسيحيون" المؤيدون للصهيونية إلى فلسطين باعتبارها ملاذًا آمنًا ضروريًا لليهود الذين فروا من الاضطهاد المتزايد في أوروبا، وكثيرًا ما اعتقدوا أن دعمهم للحركة كان جزءًا من جهد أوسع للتقارب بين الأديان. فعلى سبيل المثال، "الاتحاد المؤيد لفلسطين" - وهو منظمة مسيحية مؤيدة للصهيونية تأسست عام 1930- كان دعا إلى تعزيز: "حسن النية والاحترام بين اليهود وغير اليهود"، كما دعا الحكومة البريطانية إلى الالتزام بشروط الانتداب على فلسطين، والتي تعهدت بدورها بدعم إنشاء "وطن قومي لليهود".
في خضم الحرب العالمية الثانية، وفي ظل وعيهم المتزايد بـ "المحرقة"، ساعد الصهاينة اليهود الأمريكيين في تنسيق إنشاء منظمتين صهيونيتين غير يهوديتين هما: "اللجنة الأمريكية الفلسطينية" و "المجلس المسيحي لفلسطين"، اللتين تم دمجهما لاحقًا في "اللجنة الأمريكية المسيحية لفلسطين (ACPC)" التي تألفت إلى حد كبير من الليبراليين والبروتستانت الرئيسيين؛ اللوبي المسيحي الأمريكي الرائد في دعم إنشاء "دولة يهودية" في فلسطين.
أعطى قيام دولة إسرائيل عام 1948 زخماً قوياً لمتبني الصهيونية المسيحية، كما أن حرب حزيران عام 1967 كانت بالنسبة لهم أشبه بمعجزة إلهية تمكن فيها اليهود من دحر عدة جيوش عربية مجتمعة في آن واحد، وأحكمت خلالها الدولة العبرية سيطرتها على بقية أراضي فلسطين التاريخية، خصوصاً القدس الشرقية ومواقعها الدينية المقدسة. وبالنسبة للتدبيريين (المشار إليهم سابقاً) فإنه وباحتلال إسرائيل للقدس والضفة الغربية، فقد تحققت "نبوءات الكتاب المقدس". وبالفعل، شجعت هذه العلامات "الإلهية" (!!!) مسيحيين إنجيليين آخرين على الانخراط في صفوف المدافعين عن إسرائيل، وإلى دفع الولايات المتحدة للبقاء إلى جانب "الطرف الصحيح" في تتميم هذه النبوءات!!!
.............
أعطى قيام دولة إسرائيل عام 1948 زخماً قوياً لمتبني الصهيونية المسيحية، كما أن حرب حزيران عام 1967 كانت بالنسبة لهم أشبه بمعجزة إلهية تمكن فيها اليهود من دحر عدة جيوش عربية مجتمعة في آن واحد.
أقلام وأراء
الجمعة 06 سبتمبر 2024 9:53 صباحًا - بتوقيت القدس
مع اقتراب الانتخابات الأمريكية: عن الأصول التاريخية للصهيونية المسيحية

دلالات
المزيد في أقلام وأراء
تجارة لا تبور
إسماعيل الشريف
جائحة الركود التضخمي الجديد
حسام عايش
عائلة بأكملها في قبضة الغياب... حين تُقصف السماء الذاكرة
بن معمر الحاج عيسى كاتب وباحث جزائري
رفح.. سنة في درب المعاناة وسبع محطات من الصبر الجميل المقدّس
حلمي أبو طه
الهجمة على القدس تشتد وتمتد وتتسع
راسم عبيدات
اصلاح حال بال المراهقين/ المراهقات (3)
غسان عبد الله
قراءة في مذكرة التفاهم الثنائية بين الحكومتين الفلسطينية والبريطانية
د. دلال صائب عريقات
أوروبا تحتفل.. ونحن ننتحب
أمين الحاج
كُـنْ مســاعداً...!
د. أفنان نظير دروزه
حين تُمنع الكلمات.. تكميم البحث العلمي وطمس المعرفة في زمن الإبادة
د. سماح جبر/ استشارية الطب النفسي
بعد ٨٠ عاماً من الانتصار على النازية.. شعبنا بإرادته وإتقان شروط المواجهة سينتصر أيضاً
دروز سوريَة بين نار داعش ونار إسرائيل!
هذه الحكومة الإسرائيلية ليست حليفتنا
خطة ترامب.. تحت غطاء إنساني
فنتازيا ترامب وتكهنات الإعلان المرتقب
تحولات سياسية طارئة
حين تُمنع الكلمات: تكميم البحث العلمي وطمس المعرفة في زمن الإبادة
بقلم: د. سماح جبر استشارية الطب النفسي
بعد عام على حكومة المهندسين
نصار يقين
مطالب "الجمهوريين" في استطلاعات الرأي
جيمس زغبي
القلمُ مُكبَّلٌ: الصحفيون الفلسطينيون في مواجهة آلة الاعتقال الإداري الإسرائيلية سردية القمع المنظم ضد شهود...
بن معمر الحاج عيسى
الأكثر تعليقاً
الشيخ: أولوية الرئيس هي وقف الحرب الإجرامية على شعبنا

نتنياهو: تدمير غزة يهدف إلى التهجير

ويتكوف يطلع مجلس الأمن على خطة إسرائيلية أميركية لإدخال المساعدات إلى غزة
اشتباكات بين الهند وباكستان.. وإسقاط درون هندية في لاهور

صحة غزة: نحو 1500 مواطن فقدوا بصرهم جراء حرب الإبادة

لماذا قد تنقلب إسرائيل على نتنياهو قريباً؟

"هدنة غزة": القاهرة والدوحة تؤكدان فاعلية دور الوساطة قبيل زيارة ترمب

الأكثر قراءة
الشيخ يطلع رئيس مجلس الوزراء القطري على آخر التطورات في فلسطين

نتنياهو: تدمير غزة يهدف إلى التهجير

النقابة: ارتفاع عدد الشهداء الصحفيين إلى (212)

ذاكرة الانتقاء الرحيم

إصابات بالاختناق بين صفوف الطلبة خلال اقتحام الاحتلال حلحول شمال الخليل

شي: الصين وروسيا ستتحملان مسؤولية خاصة كونهما دولتين كبيرتين

مطالب "الجمهوريين" في استطلاعات الرأي


أسعار العملات
الأربعاء 07 مايو 2025 11:16 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.62
شراء 3.61
دينار / شيكل
بيع 5.11
شراء 5.1
يورو / شيكل
بيع 4.11
شراء 4.1
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%55
%45
(مجموع المصوتين 1212)
شارك برأيك
مع اقتراب الانتخابات الأمريكية: عن الأصول التاريخية للصهيونية المسيحية