أجرى اللقاء : إبراهيم ملحم (عام 2000)
حركة القوميين العرب كانت حركة غير إقليمية، حركة وارثة لكل الأفكار الثورية والتحررية، ولكن مع ذلك فشلت، لماذا؟
أعتقد أن ذلك يرجع إلى أسباب ثلاثة: الأول أنها لم تعطِ قيمة لإدراك الخصوصية في الواقع، بمعنى أن الحركة كانت تضع برنامجًا عامًا يصلح لكل الأزمان والأماكن. لكن مثلًا حين ننظر إلى تجربة اليمن، نجد أن قيادة الحركة في اليمن اختلفت مع قيادة اللجنة التنفيذية للحركة في بيروت، لأنها لم تكن تدرك خصوصية اليمن. أعرف أن هناك أسماء في قيادة الحركة استغربت الدعوة للثورة في اليمن، ورأوها ثورة قبائلية، مع أن قيادة الحركة في اليمن كانت تقول نحن لا نستطيع إلا أن نُجنْد القبائل في الثورة، ولكن الثورة ثورة وطنية ديمقراطية داعية للتحرر. هذا لم يكن مستوعبًا، لأنه لم يكن هناك إدراك لموضوع الخصوصية.
خُذْ على سبيل المثال المسألة الفلسطينية، عندما قالت بعض الأصوات في قيادة الحركة بأنه لا بد من إعطاء خصوصية للعمل الفلسطيني لإبراز عمل نضالي، وكنا قد تقيّدنا بشعار "فوق الصفر وتحت التوريط"، والذي فوَّت علينا فرصة تاريخية عندما سقط أول شهيد لنا واسمه خالد أبو عيشة في الجليل في العام 1964، حيث دخل مع مجموعة من أجل التنظيم والاستطلاع والحصول على المعلومات، ولكنه كان ممنوعًا من القتال، ما أدى إلى استشهاده، ولذلك لم تتمكن الحركة من إصدار بيان تتبنَّى فيه الشهيد لأسباب أمنية.
وبعده بسنتين استشهدت مجموعة أخرى كان على رأسها رفيق عساف من قرية قرب طولكرم اسمها «كفر لاقف»، ومحمد سليمان اليماني -شقيق أبو ماهر اليماني- وسعيد عبده سعيد من رام الله، هؤلاء أيضًا استشهدوا في الجليل، ولم تستطع الحركة إصدار بيان باسمها، بل أصدرت بيانًا باسم أبطال العودة.
لذا لا نستطيع أن نقول إن الحركة فشلت وإنما أُفشِلت؟
لا، ليس بالضبط، فالحركة لعبت دورًا في عملية النهوض الوطني والقومي والتقدمي في المنطقة، وأنشأت جيلًا من الوحدويين والقوميين، جزءٌ من هذا الجيل يعتبر من صنَّاع التاريخ في المنطقة، بعضهم كان من الحركة في الكويت. حيث إن أول حركة سياسية في الكويت كانت حركة القوميين العرب، وتأسست على يد الدكتور أحمد الخطيب، وأيضًا في سوريا كانت هناك أسماء لامعة في حركة القوميين العرب، وكذلك في لبنان. لكن المحصلة أنها تفتت لأنها لم تدرك خصوصية واقع كل إقليم، فعجزت عن أن تضع برنامجًا يناسب كل إقليم، ويكون مشتقًا من البرنامج العام للحركة
السبب الثاني للفشل يتمثل في أن شعار الوحدة طغى على شعار التحرير؛ فقالوا: لا يمكن أن نتحرر إلا بالوحدة، بينما كان من الممكن أن يكون هناك ترابطٌ وتكاملٌ بين العمل الوطني ضد الاحتلال، والعمل النضالي من أجل الوحدة، بحيث يكمل أحدهما الآخر، ولا يقعان موقع التناقض. لكن العملية الجدلية التكاملية لم تكن واردة في برنامج الحركة، حيث رأوا الوحدة طريق التحرير، وانتهى.
السبب الثالث..؟
أن الحركة بقيادتها المركزية ترددت في استلام السلطة، في العراق مثلًا، كانت لدى الحركة فرصة لاستلام السلطة، لكنها أحجمت، وفي سوريا كذلك، وفي ليبيا أيضًا.
لماذا؟
بسبب النظرية المثالية، وهذا الكلام ناقشت فيه أشخاصًا كثيرين منهم الحكيم، كانت نظرتهم المثالية تقضي بأنك إذا اقتربت من السلطة وقبضت على زمامها فإنها تدجِّنك وتقضي على ثوريتك. مع أن أي حزب ثوري يجب أن يطمح للوصول إلى السلطة والغرض من هذا أن يطبق برنامجه.
كان لهذه النظرية المثالية التى تقضي بأننا لا بد أن نبقى طاهرين وبمنأى عن السلطة - دورٌ في إهدار الكثير من الفرص التي أتيحت للحركة للقبض على زمام السلطة، حتى قبل العام 1969 في ليبيا، عرض بعض الضباط المنظّمين على الحركة أن تتسلم السلطة من فورها، وكان هذا قبل القذافي وآدم حواز وغيرهم من الذين قاموا بالانقلاب في ليبيا.
هناك أيضًا صبحي عبد الحميد وتجربته في العراق، وباسل القبيسي الذي كان أكبر موظف في مجلس الوزراء، وكان هو مسؤول الحركة، وغير معروف، وهو من وضع القنبلة في سيارة نور السعيد عندما حاول اغتياله.
شارك برأيك
فـي الـذكـرى الـ23 لاسـتـشهاده.. أبو علي مصطفى.. حديث لم يُنشَر