أقلام وأراء
الجمعة 26 يوليو 2024 9:55 صباحًا - بتوقيت القدس
بارقة أمل جديدة من لاهاي على طريق إنهاء الاحتلال
تلخيص
الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية الذي صدر يوم 19-7-2024، له أهمية قانونية لأهل فلسطين عامة وأهل القدس خاصة، بما سيتبعه من تبعات وآثار قانونية جمة على الصراع بين دولة الاحتلال وفلسطين، وهذا الأثر حكماً سيمتد بالأثر الإيجابي على الحجر والبشر في القدس الشريف، وسيعكس المرآة الحقيقة لوجه الاحتلال الغاشم.
ومما لا ريب فيه، أنه مهما طالت سياسات الاستيطان الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس، ومهما توفر من حماية وانتهاك وتحدٍ لقواعد القانون الدولي دون وجل أو خجل، ومهما كانت أدوات المحاباة والتحييز الصادرة عن جميع الإدارات الأمريكية - دون استثناء- المتعلقة بغطرسة الاحتلال وأفعاله وتصرفاته، التي تشكل ضرراً وإخلالاً بقواعد القانون الدولي، فإن مآل ذلك بنتيجة حتمية وهي تزكية الصراع وإدارته لصالح المحتل، ما سيعرض السّلم والأمن الدوليين للخطر.
لذلك، فإذا كانت الحماية التي تتمتع بها إسرائيل كدولة احتلال، بمظلة ووشاح علم الولايات المتحدة الأمريكية، في ظل استمرار الأخيرة في استخدام حق النقض "الفيتو"، ضد أي قرار قد يصدر عن مجلس الأمن يدين إسرائيل على أفعالها وتصرفاتها المستمرة في انتهاك قواعد القانون الدولي، إلا أنها حماية مؤقتة، باعتبار سياسات الغطرسة وحمايتها نابعة عن جرائم مخلة ومخالفة لقواعد القانون الدولي، التي لا تسقط بالتقادم لأنها جرائم مستمرة تُرتكب بفعل فاعل أصلي (الاحتلال الإسرائيلي) مع شريك يتمتع بصفتين: المحرض والمتدخل (الولايات المتحدة).
وبالتالي، جدير ببيانه أنه منذ إعلان قيام إسرائيل عام 1948، ورغم مرور 57 سنة على الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية والقدس، فإنه لأول مرة يصدر عن محكمة العدل الدولية موقف قانوني بشأن الاحتلال الإسرائيلي، ولأول مرة تتم تسمية الأمور ضمن قالبها القانوني، ولأول مرة يُعتبر الاحتلال الإسرائيلي وتبعاته وآثاره غير قانونية في الضفة الغربية والقدس.
ورغم أن هذا الرأي، يعد رأياً استشارياً ليست له صفة الإلزام أمام مجلس الأمن الدولي لتنفيذه، إلا أنه سيكون له أثر كبير على صعيد الرأي العام الدولي، بخصوص بناء إسرائيل للمستوطنات في القدس والضفة الغربية، وسيؤثر أيضا على السياسات الإسرائيلية، وسيحد من طموحاتها الاستعمارية التوسعية في أراضي القدس والضفة الغربية.
لذا، اعتقد جازماً أن هذا الرأي يعتبر نواة لكسر طموح وأحلام بعض الإسرائيليين حكومة وشعباً والصهيونية العالمية المؤيدة لهم، بأن حدود إسرائيل من النيل إلى الفرات، الأمر الذي ستضطر إسرائيل عاجلاً أم آجلاً إلى تغيسر شكل ولون علمها.
وما تجدر الإشارة إليه، فإنه من الأهمية توضيح طبيعة الرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية، إذ أنها تعتبر الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة، بحيث تتولى الفصل في المنازعات الدولية التي تنشأ بين الدول طبقا لأحكام القانون الدولي، وبالتالي فإن مهامها تنحصر في دورين مزدوجين لا ثالث لهما، الأول: يتصل بحل النزاعات القانونية التي تحيل إليها الدول وفقاً للقانون الدولي، والثاني: تقديم فتاوى في المسائل القانونية المحالة إليها من قبل أجهزة الأمم المتحدة والوكالات الدولية المخولة، وفي كلا الدورين تتخذ قراراتها من مصادر متعددة أهمها: المعاهدات والاتفاقيات الدولية المعمول بها، والعرف الدولي، وأحكام المبادئ العامة للقانون الدولي، والأحكام القضائية، بالإضافة إلى مذاهب أو فقه كبار مؤلفي شرح القانون الدولي كوسيلة فرعية مساعدة.
وعليه، ولمّا كان الرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية بالأمس القريب، قد صدر بناء على طلب تقدمت به الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 11 تشرين الثاني 2022، بحيث اعتمدت اللجنة الرابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة المعنية بالمسائل السياسية وإنهاء الاستيطان، بناء على مشروع قرار قدمته دولة فلسطين، لطلب فتوى قانونية ورأي استشاري من محكمة العدل الدولية، عن الآثار القانونية الناشئة عن انتهاك إسرائيل المستمر لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، وعن احتلالها طويل الأمد للأرض الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967، واستيطانها وضمّها لها، بما في ذلك التدابير الرامية إلى تغيير التكوين الديمغرافي لمدينة القدس الشريف وطابعها ووضعها.
لهذا الرأي الذي صدر، تبعات ومنافع قانونية كثيرة على أهل فلسطين عامة وأهل القدس خاصة، لاسيما في ظل الحرب الشرسة غير المتكافئة القائمة على الإبادة الجماعية لأهل قطاع غزة وفق تقرير حقوق الانسان الدولية، منذ 7 تشرين أول 2023 وحتى اللحظة، الأمر الذي يجدر الإشارة إليه في هذا المقام، أن من أهم ما جاء في الرأي الاستشاري هو:
1- القلق البالغ الذي وجدته المحكمة في سياسة الاستيطان الإسرائيلية وهي سياسة آخذة في التوسع، ما يشكل مخالفة واضحة للقانون الدولي.
2- إن استخدام إسرائيل للموارد الطبيعية في الأراضي المحتلة "يتعارض" مع التزاماتها بموجب القانون الدولي كـقوة احتلال.
لذلك، أول الغيث قطرة، فالنتائج القانونية التي ستُبنى على هذا الرأي محققة وكبيرة، لأن ولاية المحكمة مستمدة من القانون الدولي، وحق إصدار رأيها كان من ضمن اختصاصاتها القانونية، وبناء على إجراء قانوني سليم سبق الإشارة إليه أعلاه، ما لا يعتبر من الضرورة حضور إسرائيل جلسات المحاكمة، وليس لبياناتها أية أهمية، وليس في نعتها لمؤسسات القانون الدولي بأنها "ضد السامية" أي تأثير على الحق وقواعد القانون الدولي السامي، وليس في وسائل الترغيب والترهيب الصادرة عن الشريك الأمريكي أي فاعلية بالتأثير على القضاة، عن أداء مهامهم في إرساء قواعد القانون الدولي وفي قول الحق، فمهما كانت قوة الولايات المتحدة، إلا أن قوتها تبخرت أمام إصرار العالم وفي ظل إبداء أكثر من 52 دولة رأيها في القضية، إذ أن الأغلبية الساحقة منها رأت أن الاحتلال مخالف للقانون الدولي، ووجهت المحكمة إلى اعتباره كذلك.
وبناء على ما تقدم، ولمّا كانت محكمة العدل الدولية قد سبق لها وأن أصدرت رأياً استشارياً عام 2004، بشأن جدار الفصل العنصري حول الضفة الغربية، فإن إصدارها الرأي الحالي محل هذا المقال، يعد انتصاراً إضافيا للقضية الفلسطينية المشروعة العادلة، ويعد انتصاراً لأهل فلسطين في حق تقرير مصيرهم، كما يشكل بوصلة للوصول إلى الدولة الفلسطينية عن قريب جداً، لأن قواعد القانون الدولي أسمى من التشريعات الوطنية، فلا قيمة قانونية لقانون سيصدر عن الكنيست الإسرائيلي يمنع إقامة دولة فلسطينية، ولا قيمة للحبر المصاغ على ورقه، في ظل إرادة دولية ورأي عام دولي ناصر القضية الفلسطينية بطريقة لم يكن لها مثيل من قبل، فبشاعة وجه الاحتلال وزيف ادعائه بالديمقراطية، كشف عن حقيقة تعطشه لقتل الأبرياء والأطفال بمجازر تشيب لها الولدان، ويعجز المؤرخون عن وصفها.
لذلك، أرى أن ساعة العمل الجدية قد دقت، وحان قطاف ثمرة هذا الرأي الاستشاري للعمل على تمريره على باقي مؤسسات الأمم المتحدة، من أجل استصدار قرار الاتحاد من أجل السلام (قرار العميد أديتسون) في ظل عجز مجلس الامن الدولي عن القيام بدوره المناط إليه.
وهذا الرأي بلا ريب، يعد انتصاراً للقدس وأهلها وبارقة أمل في الحفاظ على الهوية المقدسية، في ظل المحاولات المتكررة بتهويد المدينة، إذ اعتبره أداة إضافية لحماية حجارة القدس ورونقها العربي الإسلامي المسيحي، وكل بقعة مقدسة فيها من عبث الاستبداد الاستعماري التهويدي، لا سيما وأنه سيعرقل أي مخطط مستقبلي في بناء المستوطنات في القدس الشرقية، فيما لو استمرت الجهود بمواكبة ومتابعة باقي أروقة الأمم المتحدة من أجل إلزام إسرائيل باحترام قواعد القانون الدولي بل إلزامها بتطبيقه، بالتوازي مع ازدياد الدول المعترفة بفلسطين، وهذا سيشكل ذلك الاعتراف في نهاية المطاف حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وسيكون ذلك الحق مشمولاً بالحفاظ على الهوية والطابع العربي الإسلامي في المدينة المقدسة، والحفاظ على الطابع الوجودي الديمغرافي في القدس، وعلى وجه التحديد في البلدة القديمة، التي تشكل النسبة العربية نسبة مطلقة من تعداد السكان. كما وأنني اعتبر هذا الرأي الاستشاري نقطة انطلاق لمحاسبة إسرائيل عن استغلالها للموارد الطبيعية المتوفرة في الأراضي المحتلة سيما المياه الجوفية المتوفرة في منطقة القدس على مدار الاحتلال، وكنتيجة لاستغلالها للمعالم التاريخية والأثرية المتوفرة في القدس وتحريفها ضمن المشروع التهويدي.
وهذا الأمر بحاجة إلى إعداد فريق عمل مهني متخصص في علوم الجغرافي والموارد الطبيعية والتاريخ والآثار، لمطالبة إسرائيل بالتعويض الكامل والشامل، نتيجة إهدار حق الشعب الفلسطيني في استغلال موارده المذكورة خلال المدة الطويلة بسبب قوة الاحتلال غير القانوني.
...........
لهذا الرأي الذي صدر، تبعات ومنافع قانونية كثيرة على أهل فلسطين عامة وأهل القدس خاصة، لاسيما في ظل الحرب الشرسة غير المتكافئة القائمة على الإبادة الجماعية لأهل قطاع غزة وفق تقرير حقوق الانسان الدولية، منذ 7 تشرين أول 2023 وحتى اللحظة.
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي
حديث القدس
مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً
جواد العناني
سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن
أسعد عبد الرحمن
جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية
مروان أميل طوباسي
الضـم ليس قـدراً !!
نبهان خريشة
دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة
معروف الرفاعي
الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا
حديث القدس
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أحمد لطفي شاهين
الميدان يرد بندية على ورقة المبعوث الأمريكي الملغّمة
وسام رفيدي
تماسك أبناء المجتمع المقدسي ليس خيارًا بل ضرورة وجودية
معروف الرفاعي
المطاردون
حمادة فراعنة
فيروز أيقونَة الغِناء الشَّرقي.. وسيّدة الانتظار
سامية وديع عطا
السلم الأهلي في القدس: ركيزة لحماية المجتمع المقدسي ومواجهة الاحتلال
الصحفي عمر رجوب
إسرائيل تُفاقم الكارثة الإنسانية في غزة
حديث القدس
شتاء غزة.. وحل الحرب وطين الأيام
بهاء رحال
المقاومة موجودة
حمادة فراعنة
وحشية الاحتلال بين الصمت الدولي والدعم الأمريكي
سري القدوة
هوكشتاين جاء بنسخة لبنانية عن إتفاق أوسلو!
محمد النوباني
ماذا وراء خطاب نتنياهو البائس؟
حديث القدس
مآلات موافقة حزب الله على ورقة أمريكا الخبيثة
حمدي فراج
الأكثر تعليقاً
أبو الغيط: الوضع في فلسطين غير مقبول ومدان ولا يجب السماح باستمراره
الأردن: حكم بسجن عماد العدوان 10 سنوات بتهمة "تهريب أسلحة إلى الضفة"
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
ضابط إسرائيلي يهرب من قبرص بسبب غزة
سموتريتش يضع البنية التحتية المنطقة (ج) في مهبّ أطماع المستوطنين
مصطفى: الصحفيون الفلسطينيون لعبوا دورا محوريا في فضح جرائم الاحتلال
واشنطن ترفض قرار المحكمة الجنائية الدولية بإلقاء القبض على نتنياهو وغالانت
الأكثر قراءة
الكونغرس يقر قانون يفرض قيودا صارمة على المنظمات غير الربحية المؤيدة للفلسطينيين
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
الأونروا: فقدان 98 شاحنة في عملية نهب عنيفة في غزة
بعد مرسوم بوتين.. هل يقف العالم على الحافة النووية؟
زقوت في حوار شامل مع "القدس".. خطة حكومية لوضع دعائم بناء دولة مستقلة
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
ضابط إسرائيلي يهرب من قبرص بسبب غزة
أسعار العملات
الأربعاء 20 نوفمبر 2024 9:43 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.74
شراء 3.73
دينار / شيكل
بيع 5.28
شراء 5.26
يورو / شيكل
بيع 3.96
شراء 3.95
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%54
%46
(مجموع المصوتين 80)
شارك برأيك
بارقة أمل جديدة من لاهاي على طريق إنهاء الاحتلال