أقلام وأراء
الجمعة 12 يوليو 2024 10:58 صباحًا - بتوقيت القدس
رغم نتائج الانتخابات في فرنسا وبريطانيا.. اليمين المتطرف في صعود
تلخيص
في حين أن هناك بعض التشابهات بين الظروف التي أدت إلى صعود اليمين المتطرف في الثلاثينيات من القرن الماضي، وصعود الحركات اليمينية المتطرفة الحالية في أوروبا، هناك أيضاً اختلافات كبيرة في السياقات التاريخية والاجتماعية والسياسية. هذه العوامل تجعل من الصعب رسم مقارنة مباشرة بين الفترتين، لكنها تساعد في فهم المحركات التي تدفع بعض الأفراد والجماعات نحو الأيدولوجيات المتطرفة في كلا الزمنين .
فوز اليسار الفرنسي بنتيجة احتساب المقاعد واليمين المتطرف يحظى بأعلى الأصوات الانتخابية . فبالرغم من حصول تحالف اليسار الفرنسي على الترتيب الأول في الانتخابات من حيث عدد المقاعد بالبرلمان، إلا أن التحولات الجارية عبر قراءة متعمقة لنتائج الانتخابات من حيث عدد الأصوات ما زالت تعكس تزايداً في الدعم للأحزاب اليمينية المتطرفة، وصعودها في أنحاء متفرقة من القارة الأوروبية بما فيها فرنسا، حيث تكتسب المزيد من الأصوات والمقاعد في البرلمانات الوطنية والأوروبية على حد سواء.
بعد الجولة الثانية من الانتخابات الفرنسية التي انتهت مساء الأحد الماضي، حصل تحالف اليسار "الجبهة الشعبية الجديدة" في النتيجة النهائية على ٥،١ مليون صوت، بما نسبته ٢٧% من تعداد الناخبين، ما انتج له ١٨٢ مقعداً، وفق القانون الانتخابي الفرنسي المختلط "الأكثري" الذي يعتمد الدوائر الانتخابية، بالإضافة إلى التصويت الشعبي، محققا بذلك الترتيب الأول من حيث حصة المقاعد البرلمانية.
أما حزب الرئيس ماكرون، يمين الوسط، فقد حصل على ٢٢% وحصل بالمقابل على ١٦٨ مقعدا برلمانيا مستحقا الترتيب الثاني وفق حصته البرلمانية .
أما اليمين المتطرف "التجمع الوطني"، فقد تصدر التصويت الشعبي بحصوله على ٩،٣ مليون صوت من الناخبين أي بنسبة ٣٧% ، إلا أن قانون الانتخاب المختلط الذي جمع المرحلتين من الانتخابات، وخلط بين القوائم والدوائر فقد انتج له ١٤٣ مقعداً برلمانياً فقط من أصل مجموع عدد مقاعد البرلمان البالغ عددها ٥٧٧ مقعداً ، وحل في الترتيب الثالث، رغم حصوله على أعلى الأصوات كما أشرت بالتصويت الشعبي .
٥٣ مقعداً اضافياً لليمين المتطرف
الملفت للأنتباه أيضا أن اليمين المتطرف قد تمكن وفق النتائج من الحصول على ٥٣ مقعداً اضافياً عن حصته في انتخابات ٢٠٢٢. وبالمقابل ورغم أن قاعدة التحالف اليساري قد توسعت بانضمام قوى سياسية جديدة للجبهة الشعبية الجديدة فإنها تمكنت فقط من تحقيق ٥٠ مقعداً إضافياً فقط عن الدورة السابقة، ما يشكل تراجعاً نسبياً، في حين أن حزب الرئيس ماكرون يمين وسط خسر ٧٦ مقعداً عن الدورة السابقة.
تشكيل الحكومة الفرنسية
في هذه الحالة، حيث حصلت الجبهة الشعبية الجديدة تحالف اليسار على أكبر عدد من المقاعد ولكن دون الأغلبية المطلقة من مقاعد البرلمان البالغ عددها ٥٧٧، فإن التكليف بتشكيل الحكومة سيكون معقداً من خلال احتمالات متعددة قد تعتمد على التحالفات بين الكتل البرلمانية، ما يتيح للرئيس الفرنسي ماكرون تكليف شخصية من خارج تحالف اليسار، على أن تحظى حكومته لاحقا بتأييد الأغلبية البرلمانية.
كما أن هناك ملامح أزمة يفتعلها أقطاب النظام في فرنسا اليوم من أجل محاولة استبعاد زعيم أحد مكونات تحالف اليسار "ميلنشيون" من تكليفه بتشكيل الحكومة بسبب ادعاءاتهم له بمعاداة السامية نتيجة مواقفه الواضحة تجاه فلسطين ومعاداة الحركة الصهيونية، الأمر الذي من الممكن أن يشكل تباينات داخل تحالف اليسار نفسه حول هذا الأمر الذي لن تكون تداعياته سهلة .
صعود وتمدد اليمين المتطرف الأوروبي
في الآونة الأخيرة، حقق اليمين المتطرف نجاحات ملحوظة في عدة دول أوروبية. فبالإضافة إلى فرنسا، هنغاريا، والنمسا، وبولندا، وإيطاليا، وفنلندا، والتشيك، وسلوفاكيا التي شهدت صعوداً ملحوظاً لليمين المتطرف فيها .
هذه التحولات تعكس تزايد الدعم للأحزاب اليمينية المتطرفة في أنحاء متفرقة من القارة الأوروبية، حيث تكتسب المزيد من الأصوات والمقاعد في البرلمانات الوطنية والبرلمان الأوروبي على حد سواء .
وقبل يومين أعلن زعيم اليمين المتطرف فيكتور أوربان رئيس وزراء هنغاريا ومارين لوبان زعيمة اليمين المتطرف في فرنسا عن توقيع اتفاقية لتشكيل كتلة يمينية متطرفة جديدة في البرلمان الأوروبي بعد الانتخابات التي جرت في دول الاتحاد قبل شهر وأشرت لتفاصيلها في مقال سابق تم نشره هنا. ويهدف هذا التحالف إلى تعزيز التعاون بين الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا، والتي تضم أحزابا مثل التجمع الوطني الفرنسي، وحزب فيدس الهنغاري، وحزب الرابطة الإيطالي بزعامة ماتيو سالفيني، وحزب الإخوة الإيطالي بزعامة جورجيا ميلوني .
إن هذه الخطوة قد تجعل التحالف الأوروبي اليميني المتطرف ثاني أكبر كتلة في البرلمان الأوروبي.
المبررات المفترضة لتأييد اليسار الأوروبي
إن فظائع اليمين الفاشي الفرنسي خلال الحرب العالمية الثانية، وتعاونهم مع الاحتلال النازي ورغم أنه قد شكل مكوناً من ذاكرة الوعي التاريخي للفرنسيين والشعوب الأوروبية الأخرى، إلا أن ذلك لم يحول دون دعم وإنجاح أحزاب اليمين المتطرف والتصويت الشعبي الكبير لها، حيث يبقى اليسار مرتبطاً في الذاكرة الجماعية بمقاومة النازية والفاشية ومقاومة الاحتلال الألماني والدفاع عن حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية التي قادها اليسار الفرنسي، وتحديداً الشيوعيين منهم على مر العقود ضد أشكال الاحتلال والاستغلال .
إن حرب الولايات المتحدة بالوكالة في أوكرانيا وتداعياتها الاقتصادية من الفقر والبطالة وأزمة الطاقة على الشعوب الاوروبية وأشكال الهيمنة السياسية والاقتصادية التي تمارسها الولايات المتحدة في أوروبا، لم تمنع الشعوب الأوروبية من مساندة اليمين الأوروبي الذي يساندها، على حساب تأييد الأحزاب اليسارية التي تركز من جهتها على حماية الفئات الضعيفة والمهمشة وتعزيز السياسات الاجتماعية والمطالبة بوقف حرب مصالح الولايات المتحده. تلك السياقات كان من المفترض برأيي أنها شكلت دافعاً أمام الناخب الأوروبي للبحث عن بدائل أكثر استدامة وعدالة في برامج اليسار، لكنها لم تفعل ذلك بقوة .
نجاح تجربة توحيد اليسار الفرنسي
هذه التجربة من وحدة مكونات اليسار الفرنسي من حزب فرنسا الأبية برئاسة ميلينشيون والحزب الشيوعي والحزب الاشتراكي وأنصار البيئة من الخضر إضافة إلى نقابات ومجموعات يسارية صغيرة من التروتسكيين وغيرهم قد شكلت ظاهرة جديدة على مستوى تجربة أحزاب اليسار في أوروبا التي يعاني البعض منها أزمة الهوية الفكرية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي والتحولات العالمية.إلا أن تلك الأحزاب ورغم مكوناتها المختلفة التي ذكرتها وعدد من تباين المواقف بينها، قد وضعت المصلحة الوطنية للشعب الفرنسي وضرورة التصدي لصعود اليمين المتطرف أمام مسوؤلياتها، عبر قاعدة من التوافق على ما هو مشترك واستبعاد القضايا الخلافية ليتم الوصول إلى توافقات بخصوصها لاحقاَ.
بذلك المنهج المسؤول من الرؤية والاستراتيجية الواضحة وبرنامج العمل واختيار المرشحين ذوي الكفاءة من جيل الشباب، استطاع تحالف اليسار الفرنسي أن يحقق الفوز بأكثرية المقاعد بمحصلة المرحلتين الانتخابيتين أول من أمس .
تأثير هذه التحولات السياسية على منطقتنا
أما فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية ومع فوز اليسار بأكثرية المقاعد بالنتيجة الانتخابية القانونية وفرص تشكيله للحكومة الجديدة والتي تبنى على تحالفات لن تكون سهلة. فمن المفترض واعتماداً على مكوناتها، أن تتخذ موقفاً أكثر دعماً لقضايا شعبنا الفلسطيني بوجود شخصيات يسارية. لكن مدى ذلك يعتمد على كيفية التحالفات لتشكيل الحكومة الجديدة بعد أن لم يتمكن اليسار من الفوز بأغلبية مطلقة تؤهله لتشكيل الحكومة منفرداً، ولكنه سيدفع باتجاه الاعتراف الفرنسي بدولة فلسطين، كما أعلن زعماؤه وفرض أشكالاً من المقاطعة على دولة الاحتلال، خصوصاً في مجال الأسلحة من خلال تواجده بالحكومة بالضرورة، وسيسعى اليسار في فرنسا إلى تعزيز حقوق شعبنا الفلسطيني في المحافل الدولية، وبالخروج من سياسة نفاق يمين الوسط وماكرون .
يبقى أن نرى كيف ستترجم هذه التحولات السياسية من استمرار صعود اليمين المتطرف والمؤيد للحركة الصهيونية وسياسات دولة الاحتلال من جهة، وإلى تشكيل اليسار للحكومة الفرنسية وفق ما هو مفترض وفوز حزب العمال البريطاني الذي سيتخذ مواقف أكثر توازنا من المحافظين سابقاً بشأن قضيتنا، رغم المفارقات بينهم من جهة، وبين اليسار الفرنسي من جهة أخرى. إذا نجح ذلك سيقود إلى سياسات عملية تؤثر على الواقع الدولي والأوروبي والمحلي الفرنسي والبريطاني وعلى قضية شعبنا الوطنية نحو وقف حرب الإبادة والتخلص من الاحتلال الاستيطاني ونحو الحرية والاستقلال الوطني الديمقراطي على قاعدة وحدة الأرض والشعب والقضية، بانتظار ما ستوؤل إليه الانتخابات الأمريكية القريبة .
المطلوب منا توسيع التواصل مع قوى اليسار الأوروبي التي خاضت وما زالت مظاهر التأييد الضخم لقضايا شعبنا في مواجهة سياسات ازدواجية معايير حكم اليمين والليبرالية الجديدة الأوروبية والحركة الصهيونية المتعاونة معها، وفق استراتيجية واضحة يتم اعتمادها على مستوى كل شعبنا ومنظمة التحرير تعتمد برامج وأدوات قادرة على قاعدة وحدة الأرض والشعب والقضية للتعاطي مع تلك المتغيرات الجارية نحو الوصول إلى وقف عدوان الإبادة الجاري وإلى الحرية والاستقلال الوطني .
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة
معروف الرفاعي
الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا
حديث القدس
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أحمد لطفي شاهين
الميدان يرد بندية على ورقة المبعوث الأمريكي الملغّمة
وسام رفيدي
تماسك أبناء المجتمع المقدسي ليس خيارًا بل ضرورة وجودية
معروف الرفاعي
المطاردون
حمادة فراعنة
فيروز أيقونَة الغِناء الشَّرقي.. وسيّدة الانتظار
سامية وديع عطا
السلم الأهلي في القدس: ركيزة لحماية المجتمع المقدسي ومواجهة الاحتلال
الصحفي عمر رجوب
إسرائيل تُفاقم الكارثة الإنسانية في غزة
حديث القدس
شتاء غزة.. وحل الحرب وطين الأيام
بهاء رحال
المقاومة موجودة
حمادة فراعنة
وحشية الاحتلال بين الصمت الدولي والدعم الأمريكي
سري القدوة
هوكشتاين جاء بنسخة لبنانية عن إتفاق أوسلو!
محمد النوباني
ماذا وراء خطاب نتنياهو البائس؟
حديث القدس
مآلات موافقة حزب الله على ورقة أمريكا الخبيثة
حمدي فراج
مصير الضفة الغربية إلى أين؟
عقل صلاح
كيف نحبط الضم القادم؟
هاني المصري
هل من فرصة للنجاة؟!
جمال زقوت
تحية لمن يستحقها
حمادة فراعنة
قل لي: ما هو شعورك عندما ترى أحداً يحترق؟!
عيسى قراقع
الأكثر تعليقاً
أبو الغيط: الوضع في فلسطين غير مقبول ومدان ولا يجب السماح باستمراره
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
الأردن: حكم بسجن عماد العدوان 10 سنوات بتهمة "تهريب أسلحة إلى الضفة"
سموتريتش يضع البنية التحتية المنطقة (ج) في مهبّ أطماع المستوطنين
قطر: قصف إسرائيل مدرسة للأونروا في غزة امتداد لسياسات استهداف المدنيين
مصطفى: الصحفيون الفلسطينيون لعبوا دورا محوريا في فضح جرائم الاحتلال
ضابط إسرائيلي يهرب من قبرص بسبب غزة
الأكثر قراءة
الأونروا: فقدان 98 شاحنة في عملية نهب عنيفة في غزة
عبدالعزيز خريس.. فقد والديه وشقيقته التوأم بصاروخ
زقوت في حوار شامل مع "القدس".. خطة حكومية لوضع دعائم بناء دولة مستقلة
بعد مرسوم بوتين.. هل يقف العالم على الحافة النووية؟
سموتريتش يضع البنية التحتية المنطقة (ج) في مهبّ أطماع المستوطنين
ضابط إسرائيلي يهرب من قبرص بسبب غزة
اغتصاب حتى الموت.. هكذا عاملت إسرائيل طبيبًا فلسطينيًا أسَرته من غزة
أسعار العملات
الأربعاء 20 نوفمبر 2024 9:43 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.74
شراء 3.73
دينار / شيكل
بيع 5.28
شراء 5.26
يورو / شيكل
بيع 3.96
شراء 3.95
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%54
%46
(مجموع المصوتين 78)
شارك برأيك
رغم نتائج الانتخابات في فرنسا وبريطانيا.. اليمين المتطرف في صعود