يتساءل كثيرون عن هذا الحقد اليهودي على غزة وأهلها والذي يتبدى في حرب إبادة غير مسبوقة في تاريخ البشرية والتركيز على قتل الأطفال والنساء وإبادة عائلات بكاملها وتدمير ومسح بيوت وأحياء ومستشفيات الخ، خصوصا أن هذه الممارسات تصدر عن جيش دولة في القرن الواحد والعشرين، تزعم أنها متحضرة وديمقراطية؟ ولماذا لا تجد حرب الإبادة استنكارا كبيرا في المجتمعات الغربية المسيحية وخصوصا حيث تسود الديانة البروتستانتية والانجليكيون؟
كل ما ذكرته دولة اليهود عن أسباب اندلاع الحرب وأهدافها، وهذا الكم من الإجرام والتعذيب وإطالة أمد الحرب كالزعم بقوة المقاومة وتهديدها لوجود دولة إسرائيل، أو الزعم بأن الأمر يتعلق بإعادة الهيبة لجيش الاحتلال بعد الإهانة التي تعرض لها في السابع من أكتوبر الخ، غير مقنعة وليست كل الحقيقة.
السبب غير المُعلن في حرب الإبادة يكمن في النصوص التوراتية التي تتحكم في نهج وسلوك اليمين الصهيوني اليهودي المتطرف الذي يتحكم بالنظام السياسي اليهودي (بن غفير وسموترتش ونتنياهو) إنهم من خلال هذه الحرب ينفذون مشيئة ربهم، وتعاليم التوراة التي تتحدث عن الأغيار وتحلل حرق حرثهم وإبادة نسلهم، كما أن هناك نصوص توراتية مباشرة تتحدث عن الفلسطينيين ومقاومتهم لقبائل بني إسرائيل الغازية والوافدة من خارج فلسطين، وتتحدث عن غزة وكيف عصي فتحها على بني إسرائيل وكيف أصبحت ملعونة.
وقد استشهد قادة اليمين الصهيوني وحاخامات اليهود أكثر من مرة بنصوص التوراة لتبرير أعمالهم سواء في الضفة أو غزة، فالحاخام مانيس فريدمان تحدث صراحة عما سماها "قيم التوراة" أو "الطريقة اليهودية" في الحرب الأخلاقية، رافضا ما سماها "الأخلاقيات الغربية" في الحرب. حيث قال: إن الطريقة الوحيدة لخوض حرب أخلاقية هي الطريقة اليهودية "دمِّر أماكنهم المقدسة، واقتل رجالهم ونساءهم وأطفالهم ومواشيهم".
وفي التوراة "وفي "سفر صفنيا" جاء: "هذه هي كلمة الرب التي كلم فيها صفنيا: أزيل كل شيء عن وجه الأرض، أزيل البشر والبهائم، أزيل طير السمك وسمك البحر، أسقط الأشرار وأقطع الإنسان عن وجه الأرض (...) قريب يوم الرب العظيم (...) ستكون غزة مهجورة وأشقلون خرابا، ويُطرد سكان أشدود عند الظهيرة، وتُقلع عقرون من مكانها"."
حتى نتنياهو أشار بوضوح للمرجعية الدينية للحرب على غزة في أكثر من خطاب له، ففي خطاب متلفز له يوم الأربعاء 25 أكتوبر استشهد بنبوءة أشعيا الواردة في التوراة عندما قال: (نحن أبناء النور وهم أبناء الظلام وسينتصر النور على الظلام)، وقال أيضا مخاطبا جنود الاحتلال: "يجب أن تتذكروا ما فعله العماليق بكم كما يقول لنا كتابنا المقدس"
قد يفسر كل ما سبق موقف بعض حكومات وأحزاب الغرب المسيحي الذين يعتقدون أن اليهود يقومون بمهمة دينية وينفذون تعاليم الرب ورؤى أشعيا، وعندما يتكلم الرب ويفوض حاخامات اليهود بتنفيذ تعاليمه فليصمت العالم، ولأن كثيرا من النخب الحاكمة في الغرب يمينية وليست بعيدة عن المرجعية الدينية، فإنهم يتصرفون وكأن المرجعية التوراتية تعلو على القوانين الوضعية سواء كان الدولية أو الوطنية، ومن هنا نلاحظ التمايز في المواقف من حرب الإبادة مثلا بين ايرلندا واسبانيا، من جانب الأكثر إدانة لحرب الإبادة، والأكثر دعما للحق الفلسطيني، حيث الأغلبية في هاتين الدولتين من الديانة الكاثوليكية غير المتصالحة تماما مع اليهودية، بينما الأمر مختلف مثلا مع أمريكا وبريطانيا وألمانيا الأكثر دعما وتأييدا لدولة الكيان اليهودي ولحرب الإبادة، وفي هذه الدول تنتشر البروتستانتية الأكثر تصالحا مع اليهود والتوراة.
ما يقوم به اليهود اليوم يعبر عن حقد اليهود على أصحاب الأرض الأصليين ومحاولة تصفية حسابات مع الحقيقة والرواية الفلسطينية الراسخة والثابتة منذ آلاف السنين، وبعد حرب الإبادة الأخيرة ازدادت ثباتا ورسوخها، وما زاد من حقدهم أن قطاع غزة بعد نكبة 1948 احتضن الوطنية الفلسطينية، وفيه نشأت أولى طلائع العمل المقاوم والفدائي، ومن غزة كان كثير من القيادات الوطنية الذين قادوا في الشتات الثورة الفلسطينية المعاصرة.
(لمزيد من المعلومات حول غزة في التوراة يمكن الرجوع لمقال توفيق شومان بعنوان (غزة في التوراة، إبادة مدينة المعاصي والعصيان) المنشور على موقع 180.
أقلام وأراء
الأحد 14 أبريل 2024 11:21 صباحًا - بتوقيت القدس
المرجعية التوراتية لحرب الإبادة على غزة

تلخيص
دلالات
د كمال قبل حوالي سنة
تحياتي دكتور. مقالة في غاية الدقة. شكرا.
د كمال ق قبل حوالي سنة
تحياتي دكتور. مقالة في غاية الدقة. شكرا.
المزيد في أقلام وأراء
تجارة لا تبور
إسماعيل الشريف
جائحة الركود التضخمي الجديد
حسام عايش
عائلة بأكملها في قبضة الغياب... حين تُقصف السماء الذاكرة
بن معمر الحاج عيسى كاتب وباحث جزائري
رفح.. سنة في درب المعاناة وسبع محطات من الصبر الجميل المقدّس
حلمي أبو طه
الهجمة على القدس تشتد وتمتد وتتسع
راسم عبيدات
اصلاح حال بال المراهقين/ المراهقات (3)
غسان عبد الله
قراءة في مذكرة التفاهم الثنائية بين الحكومتين الفلسطينية والبريطانية
د. دلال صائب عريقات
أوروبا تحتفل.. ونحن ننتحب
أمين الحاج
كُـنْ مســاعداً...!
د. أفنان نظير دروزه
حين تُمنع الكلمات.. تكميم البحث العلمي وطمس المعرفة في زمن الإبادة
د. سماح جبر/ استشارية الطب النفسي
بعد ٨٠ عاماً من الانتصار على النازية.. شعبنا بإرادته وإتقان شروط المواجهة سينتصر أيضاً
دروز سوريَة بين نار داعش ونار إسرائيل!
هذه الحكومة الإسرائيلية ليست حليفتنا
خطة ترامب.. تحت غطاء إنساني
فنتازيا ترامب وتكهنات الإعلان المرتقب
تحولات سياسية طارئة
حين تُمنع الكلمات: تكميم البحث العلمي وطمس المعرفة في زمن الإبادة
بقلم: د. سماح جبر استشارية الطب النفسي
بعد عام على حكومة المهندسين
نصار يقين
مطالب "الجمهوريين" في استطلاعات الرأي
جيمس زغبي
القلمُ مُكبَّلٌ: الصحفيون الفلسطينيون في مواجهة آلة الاعتقال الإداري الإسرائيلية سردية القمع المنظم ضد شهود...
بن معمر الحاج عيسى
الأكثر تعليقاً
نتنياهو: تدمير غزة يهدف إلى التهجير

الشيخ: أولوية الرئيس هي وقف الحرب الإجرامية على شعبنا

لماذا قد تنقلب إسرائيل على نتنياهو قريباً؟

ويتكوف يطلع مجلس الأمن على خطة إسرائيلية أميركية لإدخال المساعدات إلى غزة
فريدمان لترمب: نتنياهو ليس حليفا لنا بل يهدد مصالحنا

اشتباكات بين الهند وباكستان.. وإسقاط درون هندية في لاهور

"هدنة غزة": القاهرة والدوحة تؤكدان فاعلية دور الوساطة قبيل زيارة ترمب

الأكثر قراءة
مطالب "الجمهوريين" في استطلاعات الرأي

إيران: جولة المفاوضات الرابعة مع واشنطن كانت صعبة لكنها مفيدة

جيش الاحتلال الإسرائيلي يستعرض نظام "آرو" خلال زيارة وزير الخارجية الألماني

توقعات ترمب الطموحة من زيارة الخليج قد تعود بنتائج عكسية بسبب دعمه اللامحدود لإسرائيل

ذاكرة الانتقاء الرحيم

إصابات بالاختناق بين صفوف الطلبة خلال اقتحام الاحتلال حلحول شمال الخليل

شي: الصين وروسيا ستتحملان مسؤولية خاصة كونهما دولتين كبيرتين


أسعار العملات
الأربعاء 07 مايو 2025 11:16 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.62
شراء 3.61
دينار / شيكل
بيع 5.11
شراء 5.1
يورو / شيكل
بيع 4.11
شراء 4.1
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%55
%45
(مجموع المصوتين 1212)
شارك برأيك
المرجعية التوراتية لحرب الإبادة على غزة