Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo

أقلام وأراء

الثّلاثاء 12 مارس 2024 10:40 صباحًا - بتوقيت القدس

الفجر الأول من رمضان غزة وسياسة النقد الثقافي

تلخيص

من أهم وأخبث سياسات العدوّ في تعامله مع الشعوب المحتلة إشغالهم بصغائر الأمور وتوافهها، والدخول إليهم من باب عقيدتهم، وخياريّ الحلال والحرام، فيلجأ إلى دسّ الخلاف بينهم بطرق جهنميّة، تحصرهم في خيارين كلاهما يصبّ في مصلحته، ويلههم بهما وبالصراع حول أيهما يختارون، بعيدًا عن التفكير بالقضية الأساسية وأسبابها ومخرجاتها.


في ظل المجاعة الكارثية القائمة في غزة قبيل شهر رمضان، تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي السؤال التالي: "هل يجوز صيام شهر رمضان في غزة، دون تناول طعام السحور وطعام الإفطار؟"، مما أثار دهشتي واستغرابي، لماذا نقحم الإفتاء والدين في كل صغيرة وكبيرة في حياتنا؟ نزجّ الناس في متاهة الحلال والحرام، ونشغلهم بأمور وجدل هم في غنى عنه في ظل هذه الكارثة الإنسانية الكبيرة، التي خلقها المحتل الهمجي في ظل الحرب.


في الوقت الذي أثير الجدل بين البالغين حول هذا السؤال (بعمد أو بدون عمد) يجيب طفل صغير عنه بكل عفوية وفطرة سليمة، حيث كانت تبدو عليه علامات السعادة الكبيرة؛ لحصوله على كيس مساعدات من المظلات التي أسقطت من سماء غزة، يلتقي به أحد الشباب المراقبين للمشهد، ويدور بينهما حوار تلقائيّ طريف:
الشاب: "لم أنت سعيد إلى هذه الدرجة؟"
الطفل: "لأني حصلت على كيس طعام؟"
الشاب: ماذا ستفعل به؟
الطفل: "سأخبّه للسحور"


إن إجابة الطفل تحوله إلى مفتٍ حكيم، وتلغي حالة الجدل والخلاف التي زُجّت بنوايا ليست سليمة، لتصرف الجمهور عن التفكير بالمصيبة الكبرى التي يمارسها المحتل الهمجي، من إبادة جماعية، ومجاعة كارثية بين أهلنا في غزة، ففي حالة وجود الطعام، بديهيّ لأي مسلم يتمتع بفطرة سليمة وإيمان صادق، أن تؤجل الوجبة لوقت الإفطار أو السحور، كما فعل الطفل، وفي حالة عدم وجود سحور أو إفطار، فلا محل للسؤال من أصله، فلو أفتي بعدم جواز الصيام، فالنتيجة ستكون الإفطار، الذي يركلنا إلى دائرة السؤال مرة أخرى: وماذا سيفطر؟ لا يوجد إفطار، فيدور المسلم في دائرة السؤال العبثية، التي أعتقد برأيي أنها سياسة ممنهجة ممن يعمدون إشغال الناس بتوافه الأمور التي تجرهم إلى شرخ صف المسلمين، وزرع الخلاف بينهم، واجترارهم خارج المبادئ العامة والقيم الشاملة المجردة التي في حدودها تنبع التعددية الإسلامية، مناقضة كل التناقض تلك الشمولية والأحادية، وسلطة الرأي الواحد التي تقول "الأحزاب" الإسلامية به، كلّ على اختلاف مشربه واختلاف إدراكه واختلاف هدفه، فهل تتسع قلوب أهلنا في غزة إلى عملية نقد ثقافي تُخرج من الدين ما ليس منه؟


لا يقتصر الأمر على العامة، إنما يقع العلماء، أحيانًا، في هذا الشرك، وإن كانوا غير قاصدين لذاته؛ لكن النتيجة واحدة في النهاية على مستوى الأمة ومواقفها المصيرية، والعالِم مكلّف شرعًا بإدراك الواقع، فإن لم يدركه فهو والعامي سواء، فليس لحفظ المتون والأحكام الشرعية عندها قيمة، ومن لوازم العالِم الفقيه شدة الذكاء والدهاء، فإن كان مغفلا ذو قراءة سطحية للنوازل لم يكن أهلا للفقه.


لكنّ حكمة الله ورحمته التي أنزلها في عقول وقلوب أهل الخير والجمع الغفير من غزة، جعلهم يتنبّهون للأمر، ويتمسكون بوحدة الدين والعقيدة والوطن والحق التاريخي في الوجود على هذه الأرض، لم يفوّتوا صلاة التراويح على أنقاض المساجد المدمرة، ولم يفتهم تشارك ما تيسر من طعام وشراب بين الناس في غزة، وإقامة موائد السحور في الفجر الأول من رمضان، بنكهة السعادة وفرحة الصمود، ولغة الحياة التي لا يفقهها حكام الشعوب العربية، أصحاب القلوب المتحجرة والضمائر الميتة.


غزة تستقبل رمضان برفع صوت الأذان عاليًا "الله أكبر"، وخلق أجمل الأجواء رغم الحصار والدمار والقصف، فشعب غزة يثبت كل يوم أنه شعب حياة وحب وسلام، هو أكبر من كل المؤامرات التي تحاك ضده.

دلالات

شارك برأيك

الفجر الأول من رمضان غزة وسياسة النقد الثقافي

المزيد في أقلام وأراء

سيادة العراق ولبنان في خندق واحد

كريستين حنا نصر

إسرائيل ترفع وتيرة قتل الفلسطينيين

حديث القدس

توفير الحماية العاجلة والفورية لأطفال فلسطين

سري القدوة

حقائق حول انضمام فلسطين للمحكمة الجنائية الدولية وصولاً لمذكرات الاعتقال

د. دلال صائب عريقات

سموتريتش

بهاء رحال

مبادرة حمساوية

حمادة فراعنة

Google تدعم الباحثين بالذكاء الاصطناعي: إضافة جديدة تغيّر قواعد اللعبة

بقلم :صدقي ابوضهير باحث ومستشار بالاعلام والتسويق الرقمي

التعاون بين شركة أقلمة والجامعات الفلسطينية: الجامعة العربية الأمريكية نموذجاً

بقلم: د فائق عويس.. المؤسس والمدير التنفيذي لشركة أقلمة

أهمية البيانات العربية في الذكاء الاصطناعي

بقلم: عبد الرحمن الخطيب - مختص بتقنيات الذكاء الاصطناعي

ويسألونك...؟

ابراهيم ملحم

الحرب على غزة تدخل عامها الثاني وسط توسّع العمليات العسكرية الإسرائيلية في الجبهة الشمالية

منير الغول

ترامب المُقامر بِحُلته السياسية

آمنة مضر النواتي

نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي

حديث القدس

مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً

جواد العناني

سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن

أسعد عبد الرحمن

جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية

مروان أميل طوباسي

الضـم ليس قـدراً !!

نبهان خريشة

دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة

معروف الرفاعي

الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا

حديث القدس

من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها

أحمد لطفي شاهين

أسعار العملات

السّبت 23 نوفمبر 2024 10:34 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.7

شراء 3.69

دينار / شيكل

بيع 5.24

شراء 5.22

يورو / شيكل

بيع 3.85

شراء 3.83

هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟

%53

%47

(مجموع المصوتين 93)