أقلام وأراء

الإثنين 26 فبراير 2024 9:51 صباحًا - بتوقيت القدس

غزة ما زالت على قيد الحياة ..

ويتوالى التاريخ بتسجيل الذكرى كما هي العادة السنوية في أجندة المناسبات الفلسطينية، ويأبى المشهد الدموي ان يتوقف، وغادر عام وأتى آخر ليحمل معه بشاعة القتل، وممارسة الذبح، وإبداعات السطو على الجسد الفلسطيني، والإمعان بتمزيقه بشتى السبل والوسائل، وصار الجرح متسعا، منذ أن اعتلى القاتل منصة السادة الكبار، وصار يلوح بقبضته متوعدا فقراء العصر، والمطاردين بين ازقة احلامهم، والمطرودين من جنتهم، واللاجئين الى هوامش جنان أرض الغير ليتشكل المشهد الإنساني الجديد، فلا يمكن ان تستقيم دنيا الانسان دون لجوء الفقراء من جنان أرضهم الى عتبات جنان الاخرين، وحيث ذلك فلا بد من مواسم للذبح والقتل وممارسة بشاعة المجزرة حتى يستوى فعل القتل وحتى نتذكر ان للإنسان اللاجئ ارض وربما جنة يبحث عنها وسط معاني التذكر والتذكير بالهم البشري، وللباحث عن وطن يستقيم معه فعل صراخه وممارسة ألمه وحبه، والقليل من فعل الشياطين...

تتواصل المجزرة والسؤال مازال مطروحا، وإجاباته معلومة ولا مجاهرة بالحديث او كشف اللثام عن واحدة من اروع وأبشع الإبداعات في القتل والهمجية... وعلى لوحة لم يستطع غبار الزمن إخفاءها ولم يستطع التاريخ طمس معالمها.. رغم القهر.. رغم المعاناة.. رغم الألم مازالت غزة على قيد الحياة وها هي المجزرة رغم السنين ما زالت شاهدة لم تستطع النسيان.


مجزرة المجازر هي غزة.. هي الجرح النازف.. جرح شعب مازال يجمع أشلاءه .. جرح أرض مازالت تأن وتصرخ كما هي الحال في مجازر الفعل اليومي، وممارسات اخوة القيد والمعاناة وحلفاء الشيطان الجديد، التي نشهدها بالظرف الراهن في ازقة ما يسمى بالوطن الفلسطيني المحروم من استكانة ولو قليلة للملمة بشاعة القتل الذي كان وما زال في ظل المحرقة وكل أمكنة لجوء من يحاول أن يحيا فوق الأرض وان يمارس فعله الإنساني وحقه بأن يصرخ بأن له وطن وجنة على ارض تسكن هناك بين ثنايا أنياب الشيطان ..


بعد كل هذه السنوات نمارس فعلنا الأولي والمتواصل بأن نكتب مرثياتنا من جديد وبلغة قد نفهم ابجدياتها، وربما نتوه بالمعاني واساليب صياغة المفاهيم. بالعرف الفلسطيني يرتبط مفهوم القتل والذبح وفعل المجزرة بممارسة العدو، وهذا العدو قد يكون ذاك الشيطان او من يتحالف مع سدنته وخدامه المتطوعون في بلاط سادة القتل ووأد الحلم ان حاول ان يتشكل، او أن يعبر الذاكرة وان كان كمحاولة لاستكانة الذات او ارضاء غرورها بأن تطوف عند قبور الأولين الذين صنعوا مجد اسطورة الزمن الجميل.


تبدأ القصة حينما تسللت الأنوار والأضواء الكاشفة بذاك الليل الحالك عتمة وسوادا لتخترق العتمة، ليبدو مشهد القتل والذبح أكثر وضوحا، وأكثر ايلاما للضحية وللمقتول ولمعصوب العينين، وكأن المشهد الدرامي لابد من تسجيله وسط صرخات الثكالى ما بين الأضواء الكاشفة، وهنا تكمن حقيقة الأشياء الصارخة، القتل لا بد ان يكون تحت الأضواء الكاشفة والفاضحة لكل العورات، وسيد القتل لا بد له من ان يراقب تفاصيل التفاصيل لكشف المستور وتوجيه القاتل وأدواته المغروزة باللحم الحي. كان لا بد لهم من ان يرعبوا الضحية، ورعب الضحية لا يستوي الا بفعل نصل السكين والذبح بآليات العصر القديم وذاك المُستحدث، وحتى تستوي الأمور اكثر لا بد من شهود ليخبروا من بقي حيا من ابناء المخيمات، فكانت النجاة للذين عزفوا شهادتهم على دفاتر ازمانهم عويلا وبكاء وصراخا، وبشيء من الضجيج لعل مضاجع سادة العرب والعجم يتنبهوا ان ثمة مجزرة ترتكب هنا، ورائحة الموت تنتشر بالمكان، ولا ضير ان كان القليل من عطر الموت قد أزكم الأنوف، فالقاتل بحاجة لمن يوقفه عن القتل، ويستصرخ كل ضمائرهم ان تعالوا اوقفوني عن ممارسة القتل، لذلك لا ضير ان تسلل القليل من ابناء الوسخ في تلك الاحياء والمخيمات..


هنا جلس من كان في المكان على تلة من الجثث، محاولا ان يستعرض المشهد من جديد. وفي محاولة لأن يفهم مجريات النسق السياسي الذي تبدل، وحيث هو يتفكر يأتيه من يلقي على مسامعه بيان العصر الجديد، وأساطير حكاية الضحية والجلاد، وتغير الأزمان، وكيف يصبح من ينطق بلهجة الفقراء على هامش البيان الرشيد.


وهنا حاول من حاول من اطفال "البزازة" ان ينتزعوا حلمات امهاتهم، ليأخذوا منها قطرات من حليب، فكان للقتل الفعل الرحيم لأمهات سئمن الصراخ والعويل، وكان ان جاءهن القتل بغفلة وهن يرضعن اطفال "البزازة" بذاك المساء، حيث كن يحاولن سرد حكايا أقاصيص الرجال الراحلين للتو عبر الشوارع، ومن الممكن عبر السياج، وبانفاق كل اقاصي الدنيا وقهقة من يعتلي منصة المكان تختصر كل بلاغات اوامر فعل التنفيذ.


هي قصة المجزرة وهي قصة ابادة الحالمين، ومحاولة لاستئصال فلسطين من ذاكرة المؤمنين بالأرض السمراء، وكل هذا من سفر تكوين حكاية المهاجرين باستمرار، والقابضين على مفاتيح البيوت المعلقة بالصدور، منذ ان كان العبور للزمن المجهول، وهذا الطبيعي، فلا هجرة دون اشتياق، ولا عبور دون ان يتكون ويتشكل المجهول بالأذهان، ولكن ان نرتكب نحن المجزرة وتنقلب على ذاتها الضحية وتحاول ان تمارس فعل الجلاد، فهذا ما احاول ان افهمه واتفهمه هذه الأيام، وان نمارس القتل والذبح بحد السكين وعلى مرأى ومسمع من القاتل المتبختر الان في شوارع رام الله ونابلس والخليل وعاصمة الحلم القدس، والمتحالف بشكل او بآخر مع القادم الى فعل السيادة والحرية والاستقلال، فهذا ما لا استوعبه الان، وما عسانا سنقول لكل من يحاول ان ينصر دماء شهداء المجزرة التي تكومت اجسادهم جبالا بالطرقات، ونحن نمارس ابشع افعال القتل اليومي بحواري غزة وخان يونس، ولربما ايضا هنا حيث القدس الأقرب الى مرمى الحجر.


بعد كل هذه السنين نعجز عن فضح القاتل من جديد، وممارسة فعل البكاء والعويل، حيث ان الأحمر القاني ينزف الآن في حوارينا، وعلى ارض البرتقال، وقد صار القتل محللا باعتى الفتاوى الشرعية لجهابذة الخلوات الشرعية.


المجزرة الآن اصبحت خلف الحقيقة، بعدما غابت تلك الحقيقة خلف الأفق كالشمس في ظل حقيقة القتل الآنية والراهنة لحملة بنادق ما يسمى (بالوطنية الجديدة)، فها هي المجزرة من جديد متواصلة بلا اسم، بلا عنوان، بلا قضية، محت أمواج الصمت الألوان ومات صدى الدماء في جوف الأرض، لنحاول ان نجمع تراث المجازر ونحصي أسماء القتلي ولربما ايضا الشهداء.

دلالات

شارك برأيك

غزة ما زالت على قيد الحياة ..

المزيد في أقلام وأراء

ملامح ما بعد العدوان... سيناريوهات وتحديات

بقلم: ثروت زيد الكيلاني

نتانياهو يجهض الصفقة

حديث القدس

هل الحراك في الجامعات الأمريكية معاد للسامية؟

رمزي عودة

حجر الرحى في قبضة المقاومة الفلسطينية

عصري فياض

طوفان الجامعات الأمريكية وتشظي دور الجامعات العربية

فتحي أحمد

السردية الاسرائيلية ومظلوميتها المصطنعة

محمد رفيق ابو عليا

التضليل والمرونة في عمليات المواجهة

حمادة فراعنة

المسيحيون باقون رغم التحديات .. وكل عام والجميع بخير

ابراهيم دعيبس

الشيخ الشهيد يوسف سلامة إمام أولى القبلتين وثالث الحرمين

أحمد يوسف

نعم ( ولكن) !!!!

حديث القدس

أسرار الذكاء الاصطناعي: هل يمكن للآلات التي صنعها الإنسان أن تتجاوز معرفة صانعها؟

صدقي أبو ضهير

من بوابة رفح الى بوابة كولومبيا.. لا هنود حمر ولا زريبة غنم

حمدي فراج

تفاعلات المجتمع الإسرائيلي دون المستوى

حمادة فراعنة

أميركا إذ تقف عارية أمام المرآة

أسامة أبو ارشيد

إنكار النكبة

جيمس زغبي

مأساة غزة تفضح حرية الصحافة

حديث القدس

بمناسبة “عيد الفصح”: نماذج لعطاء قامات مسيحية فلسطينية

أسعد عبد الرحمن

شبح فيتنام يحوم فوق الجامعات الأميركية

دلال البزري

البدريّون في زماننا!

أسامة الأشقر

تحرك الجامعات والأسناد المدني لوقف لعدوان

حمزة البشتاوي

أسعار العملات

السّبت 04 مايو 2024 11:31 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.74

شراء 3.73

دينار / شيكل

بيع 5.3

شراء 5.27

يورو / شيكل

بيع 4.07

شراء 3.99

رغم قرار مجلس الأمن.. هل تجتاح إسرائيل رفح؟

%74

%21

%5

(مجموع المصوتين 214)

القدس حالة الطقس