أقلام وأراء

السّبت 11 نوفمبر 2023 10:51 صباحًا - بتوقيت القدس

فلسطين تستنهض شعوب العالم وتوحدها

إن ما نشهده الآن يشكل بجزء منه ما يرتبط بالتحولات الجارية في محاولات ابتعاد العالم عن النظام الدولي احادي القطب . فقد أصبحت أسس معالم هذا النظام متعدد الأقطاب واضحة على نحو متزايد اليوم ، مع وجود لاعبين رئيسيين بما في ذلك روسيا، الصين، العالم العربي والإسلامي، الهند، مناطق من أفريقيا وأميركا اللاتينية. وتمثل هذه الكيانات حضارات قديمة متميزة، والعديد من دولها متواجد ضمن عضوية مجموعة البريكس بعد أن توسعت هذه المجموعة لتشمل دولًا مهمة من العالم العربي والإسلامي .
ويؤكد هذا التوسع على النفوذ المتنامي للولوج الى النظام العالمي متعدد الأقطاب، في حين يشير ايضا إلى ضعف الهيمنة الغربية بقيادة الولايات المتحدة التي تسعى بكل قواها مع الغرب من اجل الحفاظ على الهيمنة الأحادية القطب وفي البقاء بطليعة القيادة العالمية، لذلك فهي عازمة على الحفاظ على هيمنتها في المجالات العسكرية والسياسية والاقتصادية والثقافية والإيديولوجية.
إن هذا السعي المستمر نحو محاولات الابقاء على الأحادية القطبية يشكل التناقض المركزي في عصرنا الذي يتسم بالصراع المتزايد بين الأحادية القطبية والتعددية القطبية الامر الذي بات ينعكس في مضمون صراعات وحروب جارية او في بؤر نزاعات. ان اصرار الولايات المتحدة أن الشرق الأوسط هو منطقة نفوذ حصري لها ، أمر قد بدأ بالانتهاء ، فقد فقدت المصداقية. والنفوذ الروسي والصيني اَخد بالتموضع الثابت دون ضجيج بمنطقتنا لاعتبارات عديدة وباشكال متنوعة ، وذلك في أوقات صعبة تمر بها اوروبا اقتصاديا نتيجة تبعيتها للمواقف الأميركية حول أوكرانيا وروسيا والصين وحتى حول ما يجري بافريقيا .
وفي هذا السياق فمن الضروري دراسة الصراعات والتطورات الرئيسة في السياسة العالمية، وأبرزها الجهود الرامية إلى تقويض دور روسيا والصين في حين هم يعيدون تأكيد سيادتهم ووجودهم كقطببن متعاونين. ويساعد هذا الفهم في توضيح الصراع المستمر في أوكرانيا ومناطق أخرى من العالم كما والعدوان الوحشي وحرب الابادة الجماعية ومشروع الترحيل القسري بحق شعبنا الفلسطيني وتصعيد الأمور كما وامتدادات وتداعيات ذلك على المنطقة باسرها، خاصة مع ما تخطط له الولايات المتحدة تجاه لبنان والعراق وسوريا من خلال هذا التحشيد العسكري في البحرين المتوسط والأحمر ووجود حشودات عسكرية إسرائيلية في الجبهة الشمالية من جهة اخرى، واصرارها على أن تحقق إسرائيل نصرا لما يشكله ذلك من أهمية لاستمرار هيمنتها .
إن دعم العالم الغربي لكل من النظام في أوكرانيا الذي يسعى لان يكون جزءا من الغرب الثقافي والناتو ، كما ودولة الاحتلال الاسرائيلي مدفوع باجزاء منه بالصراع بين القيم الحضارية والثقافية للشرق الذي نشكل نحن الفلسطينين بحضارتتا جزء منه ، والغرب الذي تشكل اسرائيل جزءا منه لاعتبارات عدة تريدها هي ويريدها الغرب لها لتبقى هي رأس حربة ذلك المشروع الاستيطاني لهم بمنطقتنا وفق اسباب نشأتها واستمرارها، وكخط دفاع اولي عن الغرب ، كما وبالرغبة في منع روسيا من الظهور مرة أخرى كلاعب عالمي مستقل الى جانب الدور الصيني والتكتلات الاقتصادية السياسية الناشئة بالعالم بتوافقهما نتيحة إدراك روسيا بأنها لا تستطيع أن تكون أحد قطبين بالعالم فقط .
ولذلك، فقد دعم الغرب بقوة انقلاب عام 2014 في كييف، وقدم مساعدات عسكرية واسعة النطاق لأوكرانيا، وعزز نشر أيديولوجية النازيين الجدد داخل البلاد، واستفز روسيا ودفعها إلى بدء عملية عسكرية غير عادية.
وتشير وقائع العدوان إلاسرائيلي على غزة إلى شيئ مشابه، حيث ترتبط مسيرة الجرائم بالقطاع كما في القدس والضفة الغربية والمدن والقرى الفلسطينية داخل إسرائيل نفسها، بهذه القضية من الصراع . حيث ساهمت الولايات المتحدة بكافة أشكال الدعم العسكري والاقتصادي والسياسي والدبلوماسي في حمايتها من اجل استدامة الاحتلال الاستيطاني وتفوقه العسكري بالمنطقة وممارسة اشكال الابرتهايد، كما وبالمساهمة في صعود اليمين الصهيوني الديني في اسرائيل من جهة واضعاف دور منظمة التحرير ومنع إقامة الدولة الفلسطينية من خلال الحديث المنافق عن حل الدولتين دون ايضاح شكل الحل وحدوده من جهة اخرى من خلال ادارة الأزمة فقط لصالح تلك الأهداف .
بعد ٧٥ عاما من القهر المستمر ووجود ابناء شعبنا من غزة بسجن مفتوح، لم يكن من الممكن القبول باستدامة ذلك واستمرار تصعيد البطش ضد اسرانا وتهويد القدس وتوسيع الاستيطان. حيث شنت إسرائيل هجوما لم نشهد له مثيل من اضرار بالحرب العالمية الثانية من حيث النسبة والتناسب للجغرافيا والديموغرافيا على قطاع غزة ، كما واتساع اعمال القتل بالضفة الغربية التي وصلت إلى إعدام ١٤ شهيدا في جنين لوحدها في يوم واحد أمس الاول.
لقد كان ذلك تعبيرا جديدا بأن إسرائيل كما هي دائما بفضل حصانتها من الغرب ووكيلاً له بالمنطقة تتصرف خارج إطار الأساليب الدولية والقانونية والإنسانية المقبولة لحل الصراعات السياسية.
فإسرائيل، مثلها في ذلك مثل النظام الانقلابي بأوكرانيا، لا تعدو أن تكون مجرد أداة للهيمنة الغربية المتعجرفة والقاسية، فهي لا تخجل من الأعمال الإجرامية أو الخطابات الفاشية والأفعال العنصرية التي باتت حكومة إسرائيل بل والمعارضة فيها تتسم بها الآن.
ومع ذلك ، فإن جذر المشكلة لا يكمن في إسرائيل نفسها، بل في دورها كأداة جيوسياسية في إطار عالم أحادي القطب وفق استمرار استخدامها للسياسات الاستعمارية التي تقوم على اساليب التطهير العرقي والابادة والترحيل ونفي الاَخر، ومحاولات تمرير مصالح السياسة الخارجية وبشكل خاص نموذج الشرق الأوسط الجديد.
لقد أدى ذلك اليوم في ٧ اكتوبر والذي لن يكون ما بعده كما قبله، إلى مواجهة أوسع بين الغرب والعالم العربي والإسلامي، وتنبع هذه المواجهة من ما يُنظر إليه على أنه دعم غير مشروط وأحادي الجانب لإسرائيل على الرغم من الطبيعة الواضحة للجرائم المرتكبة ضد ابناء شعبنا المدنيين في غزة وما يجري بالضفة الغربية الآن من تصعيد خطير وفق رؤية الحسم المبكر للصهيونية ذات البعد التوراتي المزعوم ، الأمر الذي انعكس بالخلافات العربية مع بلينكن ورفض العديد من طروحاته .
وأصبحت وحدة العالم العربي والإسلامي النسبية والممكنة لا يمكن تجاهلها، حيث تعمل القضية الفلسطينية كقوة موحدة تجمع الجميع من تلك الدول برغم من خلافاتها في قضايا اخرى، حيث ان شعبنا الفلسطيني في غزة والقدس والضفة الغربية ومناطق فلسطين التاريخية ينضمون إلى جهد جماعي اليوم موحدين لحماية وجودهم وكرامتهم والدفاع المشروع عن أنفسهم بكافة أشكال المقاومة، بالرغم من انه وخلال العقود الأخيرة ، نجحت الولايات المتحدة في منع العرب والمسلمين من التوحد حول القضية الفلسطينية وتشجيعهم على تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
لكن مثل هذه المحاولات لم تعد ناجحة، وقد أثبتت كل هذه الجهود عدم جدواها في الأسابيع الأخيرة مع استمرار الدعم المطلق لإسرائيل. إن المذبحة والابادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل ترغم العالم العربي والإسلامي على تنحية خلافاته الداخلية جانباً والتفكير في المواجهة المباشرة مع الغرب.
ومن أجل التصدي بفعالية لأولئك الذين يسعون جاهدين للحفاظ على العالم الأحادي القطب والهيمنة الغربية، فمن الأهمية بمكان أن نفهم جوهر استراتيجيتهم. وبالتسلح بهذا الفهم، يمكننا أن نبني بوعي نموذجا بديلا لمواجهة هذه الأجندة، والمضي قدما بثقة نحو انهاء العدوان الهمجي وانتصار شعبنا الفلسطيني من خلال وحدة كل مكوناته واساليب كفاحه بما فيها "حماس" و"الجهاد" باعتبارهما جزء من الحالة وتعبيرا عن فكرة ومنهج في مجتمعنا الفلسطيني كما هي "فتح" والقوى الأخرى.
ان لمنظمة التحرير دور مركزي يجب ان يتعزز بتعزيز الحياة الديمقراطية فيها وتوسيع قاعدتها الشعبية انطلاقا من مسؤوليتها التمثيلية لمصالح الشعب الفلسطيني وصاحبة الولاية السياسية والقانونية والادارية على كامل التراب الفلسطيني التي اعترف العالم بها،والتي تمثل غزة جزء اصيلا منه بالاستناد لحالة وفاق وطني ووحدة حتى ما قبل وقف الحرب العدوانية على غزة ، دون ان نقبل ان يكون هذا الدور على انقاض أحد لأن مسؤوليتنا توفير الحماية لكافة ابناء شعبنا والدفاع عن حقه الاصيل في النضال ضد العدوان والاحتلال والاستيطان والتمييز العنصري وصولا لعودة اللاجئين وفق القرار "١٩٤" وانهاء الاحتلال الاستيطاني نحو إقامة دولتنا المستقلة ذات السيادة والمتواصلة وعاصمتها القدس، وهو مرتكز البرنامج السياسي الذي لا يعترض عليه أحد اليوم .
وبعد ذلك أو بالتوازي ، هنالك ضرورة للعمل السياسي الدبلوماسي لتحالفات مع الدول الصديقة وشعوبها نحو الحفاظ على عودة الصدارة للمشهد والقضية الفلسطينية امام الرأي العام العالمي ، واستثمار المظاهرات التضامنية والمنددة بالاحتلال التي اصبحت يومية في كل مدن العالم حتى بالولايات المتحدة وبريطانيا من اجل الضغط على حكومات الغرب بالابتعاد عن تبرير جرائم الاحتلال والتوقف عن النفاق والانحياز السياسي .
اننا نحتاج اليوم إلى اكثر من المظاهرات في شوارع العالم التي باتت تؤثر على المواقف الأوروبية الرسمية وتراجعها النسبي، لكن غير الكافي. ففلسطين تحتاج الآن إلى وقف جريمة الحرب الجارية دون مسميات جديدة ،... فلسطين تحتاج إلى حلول سياسية تفضي إلى انهاء الاحتلال والحرية والاستقلال الوطني. ومن ثم العمل مع أصدقاء شعبنا على الاسراع بالوصول الى عالم متعدد الأقطاب يكون اكثر عدالة للشعوب وحرياتها وحقوقها بتقرير المصير ويرى في قضية شعبنا الحق والعدالة والبعد الإنساني.

دلالات

شارك برأيك

فلسطين تستنهض شعوب العالم وتوحدها

المزيد في أقلام وأراء

نتانياهو اصطاد العصافير دون النزول عن الشجرة

حديث القدس

القبول الفلسطيني والرفض الإسرائيلي

حمادة فراعنة

إطار للسلام والاستقرار في الشرق الأوسط

جيمس زغبي

رفح آخر ورقة في يد نتنياهو

بهاء رحال

سامحني أبو كرمل.. أنا لم ولن انساك

خالد جميل مسمار

حرب ظالمة وخاسرة

سعيد زيداني

أن تصبح إسرائيل تاريخًا

فهمي هويدي

أمنوا بالنصر فحققوه ..

يونس العموري

التطبيع.. الدولة العربية، جدلية "المصلحة" والثقافة

إياد البرغوثي

كابينيت الحرب يقرر مواصلة الحرب

حديث القدس

الإصرار الأميركي نحو فلسطين

حمادة فراعنة

من "اجتثاث حماس" الى "الهزيمة النكراء" .. الصفقة خشبة خلاص لإسرائيل

حمدي فراج

زمن عبد الناصر

سمير عزت غيث

الأسير باسم خندقجي بروايته طائرة مسيّرة تخترق القبة الحديدية

وليد الهودلي

مرحى بالصغيرة التي أشعلت هذه الحرب الكبيرة

مروان الغفوري

متى تضع أمريكا خطًّا أحمر؟

سماح خليفة

بين انتفاضة الجامعات الأميركية والجامعات العربية

عبد الله معروف

انتفاضة الجامعات ضد حرب الابادة.. هل تنجح في احياء الوعي بقيم العدالة ؟

جمال زقوت

ما أفهمه

غيرشون باسكن

من الاخر ...ماذا وراء الرصيف العائم في غزة ؟!

د.أحمد رفيق عوض.. رئيس مركز الدراسات المستقبلية جامعة القدس

أسعار العملات

الأربعاء 08 مايو 2024 10:24 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.7

شراء 3.68

دينار / شيكل

بيع 5.22

شراء 5.19

يورو / شيكل

بيع 3.97

شراء 3.95

رغم قرار مجلس الأمن.. هل تجتاح إسرائيل رفح؟

%75

%20

%5

(مجموع المصوتين 232)

القدس حالة الطقس