أقلام وأراء
الإثنين 30 أكتوبر 2023 9:59 صباحًا - بتوقيت القدس
من «حرب الأيام الستة» إلى «حرب الست ساعات»: عالم جديد
«حرب الست ساعات» التي بادرت إليها القيادة الميدانية العسكرية لحركة "حماس"، ومن معها، وأطلقتها فجر السابع من أكتوبر الجاري، تحت اسم «طوفان الأقصى» تأتي ردّاً فلسطينياً على حرب حزيران 1967 المشينة، التي تحرص إسرائيل على تسميتها «حرب الأيام الستة». وقد تمتد ارتداداتها لتصل الى «سايس بيكو» الذي قطّع «بلاد الشّام» وسوريا الكبرى، وإلى «وعد بلفور» ومجمل نتائج الحرب العالمية الأولى.
يخطئ الإسرائيليون عندما يعتقدون أن أمريكا، (والغرب معها) تحميهم وتدافع عنهم. أمريكا تدافع عن دور أمريكا ومصالحها، دورها على رأس النظام العالمي، المترنّح، والآيل الى السقوط في هذه الأيام. وليست إسرائيل، في هذا السّياق، أكثر من أداة، وربما الأهم بين أدوات أمريكا في هذا العصر.
لست مؤرّخاً. لكن كل من يقرأ التاريخ يعرف حقيقة أن من يهيمن على «أرض فلسطين» (عن بُعد، في الغالب الأعم من العصور، إن لم يكن في جميعها) يهيمن على العالم، ويفرض النظام العالمي. هكذا كان منذ بدء تسجيل التاريخ، وهكذا هو حتى الآن، وللقادم من الحقب والعصور أيضاً.
تثبت وقائع التاريخ المُسجّل هذه الحقيقة. هكذا كان الوضع منذ زمن الآشوريين والبابليين، واستمر في العصور اللاحقة جميعاً، عصور الفراعنة والفرس والإغريق والرومان، هكذا كان الوضع في العصر الأموي والعصر العبّاسي، وطوال مئتي سنة الحروب الصليبية.
حتى لا نبحر عميقاً وبعيداً في التاريخ، نكتفي بتسجيل أن «أرض فلسطين» كانت تحت الهيمنة العثمانية عندما كانت هذه الإمبراطورية تسيطر على الجزء الأكبر من أوروبا، من فينّا الى بودابست. وعندما انهارت الخلافة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، ورثت بريطانيا الهيمنة على فلسطين، وبدأت «الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس» في الإعداد لتسليم السيطرة على فلسطين إلى الحركة الصهيونية العنصرية. نجحت بريطانيا في تحقيق مؤامرتها، وظلّت صاحبة الدور بالغ التأثير في القرار العالمي، الى سنة 1956، حيث ارتكبت حماقة الاشتراك في «العدوان الثلاثي» مع فرنسا وإسرائيل، دون التنسيق المسبق مع أمريكا، وكانت النتيجتان الأهم:
ـ توافق المصالح بين الولايات المتحدة (آيزنهاور) والاتحاد السوفياتي (خروتشوف) وخسارة بريطانيا لدورها المنفرد في كل ما هو «شرق السّويس».
ـ تسليم بريطانيا لـ«مفاتيح الهيمنة» على أرض فلسطين إلى أمريكا، وتنازل بريطانيا (العملي، وغير المعلَن) عن أي دور مستقل في سياستها الخارجية، والالتزام بما تقرره أمريكا. ومثال ذلك: الحربان على العراق، وقصة اختلاق «كذبة العصر» بامتلاك العراق لأسلحة غير تقليدية، وغير ذلك الكثير.
بانتقال الهيمنة على «أرض فلسطين» لأمريكا، منفردة، كان الانطباع الأول هو الإعجاب الأمريكي بالأداء العسكري الإسرائيلي، وما ترتّب على هذا الإعجاب من بدء اعتماد إسرائيل كـ»حليف استراتيجي» لأمريكا، وتوقيع الاتفاقيات الخاصة بذلك معها، وتزويدها بكل ما يمكنها استيعابه من معدات وأسلحة، لتمكينها، بداية، ولتشجيعها، لاحقاً، على المبادرة بشن «حرب الأيام الستة».
تندرج «حرب الست ساعات» (طوفان الأقصى) في هذا المستوى والسّياق التاريخي، الذي كان لا بد من سرده وتسجيله، ليكون دليلاً لنا على كيفية قراءته، وتوقّع ما قد يحدِثه ويترتّب عليه من تغيير جذري، على كامل صورة الوضع المستقبلي لـ«أرض فلسطين».
من المهم أن ندرك أن هجمات حماس، (يوم السابع من اكتوبر) لم تحدث من فراغ، وأن هذه الهجمات لا تبرر لإسرائيل القتل الجماعي الذي تشهده غزة .
أصاب من قال إن «أرض فلسطين» هي «سُرّة الكرة الأرضية» وأي حدث فيها يطغى على كل ما في سواها من أحداث. من سمع أي خبر عمّا جرى ويجري من أحداث وتطورات وقتال في أوكرانيا، منذ اندلاع «حرب الست ساعات» فجر السابع من أكتوبر؟. أنا لم أسمع إلا خبراً واحداً، فحواه: أن الرئيس الأوكراني، فلودومير زيلينسكي، طلب ترتيب زيارة لإسرائيل، للتّضامن معها، وكان الرّد الإسرائيلي أن الوقت غير ملائم لاستقباله. ذلك أن كل ما يجري هناك، وهو كبير وخطير، لكنه ينحصر في تأثيره على أوروبا: شرقها وغربها، وحلف شمال الأطلسي، والاتحاد الروسي. أما خبر فلسطين وأرضها، خبر «سُرّة الكرة الأرضية» فإنه يصيب بأَبعاده، كامل جسد العالم.
ننتقل من سرد هذا التاريخ الى أحداث أيامنا هذه. ونختصر المعالجة، بسبب ضيق المساحة المتاحة، على موضوعين:
الأول: فقدت إسرائيل أعصابها عندما قال غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، في الجلسة الطارئة لمجلس الأمن: «من المهم أن ندرك أن هجمات حماس، (يوم السابع من اكتوبر) لم تحدث من فراغ، وأن هذه الهجمات لا تبرر لإسرائيل القتل الجماعي الذي تشهده غزة». قامت قيامة إسرائيل من هذا التصريح. وزير خارجيتها، إيلي كوهين، انتقد ورفض تصريح غوتيريش، وألغى لقاء معه، كان مقرراً قبل ذلك التصريح. وزاود مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة، جلعاد أردان، على وزيره، و«طالب الأمين العام للأمم المتحدة بالاستقالة.. فوراً»!!.
غوتيريش ردّ أحداث السابع من أكتوبر الى تراكمات منذ بدء استعمار الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية، وقطاع غزة، عام 1967. وهذا ما لا تقبله إسرائيل. مشكلتنا مع الاحتلال والاستعمار الإسرائيلي، أنه يريد تقطيع الأحداث والتطورات على هواه ومزاجه، بغض النّظر عن الحقائق الموضوعية، وترابط الأحداث بين السبب والنتيجة، بين الفعل وردّ الفعل. فإذا ربط، أيّ كان، ما يجري اليوم مع ما سبقه، كما ورد في كلمة غوتيريش، تفقد إسرائيل أعصابها. وبالمناسبة: ربط غوتيريش للتّطورات الحاصلة هذه الأيام، ليس دقيقاً، بالمطلق. جذور هذه الأحداث تمتد من حصار قطاع غزة، الى ما قبلها.. الى استعمار القطاع سنة 1967؛ وتمتد الى «النكبة» 1948، وتحويل أكثر من 75٪ من المقيمين حالياً في القطاع الى لاجئين تم طردهم من قرى ومدن ومضارب بدو «لواء غزة» ومن ألوية فلسطينية أُخرى؛ وتمتد الى وعد بلفور سنة 1917؛ وتصل الى إنشاء الحركة الصهيونية العنصرية سنة 1896.
عند وضع هذه الأمور في نصابها الصّحيح، تهرب إسرائيل الى 2500 سنة الى الوراء، وتستعين بأساطير توراتهم، التي تجعل من الله، سبحانه وتعالى، والأصح أنها تجعل من إله أساطيرهم، سمسار أراضٍ وعقارات، يعطي أبراهام، (وليس إبراهيم الخليل) «أرض فلسطين» له و«لنسله من امرأته سارة» فقط!. كيف يمكن مناقشة من يعود الى أساطير الغابرين؟.
الموضوع الثاني: تعلّمنا من كتب العلوم السياسية، أن الدولة تبني جيشاً وقوة عسكرية، لتحمي مصالحها، وتردع الطامعين بانتهاك حدودها وإلحاق الضرر بمواطنيها وبمصالحها. الأمر الذي يعني أن لجوء الدولة الى استخدام جيشها، يعني فشل سياستها. وهذا ما يثبته واقع الحال في تصرفات دولة الاحتلال والاستعمار الإسرائيلي. إنه فشل متواصل لكل السياسات الإسرائيلية.
نترحّم على كل شهدائنا جرّاء هذه الهجمات الإسرائيلية الإجرامية المتواصلة، ونتألّم مع كل الجرحى والمصابين، أعانهم الله، ولكننا نتذكر بفرح واعتزاز، انتصار الثورة الجزائرية، وتحرير الجزائر واستقلالها. هذه الثورة قدمت من أبناء الشعب الجزائري الشقيق البطل، مليون ونصف المليون شهيد. استمرت الثورة ضد الاستعمار الفرنسي البغيض، نحو ثماني سنوات، وتحديدا: 2803 أيام، منذ انطلاقتها يوم 1.11.1954 الى يوم إعلان استقلالها، ما يعني أنها قدّمت في كل يوم من أيام ثورتها المجيدة، من 350 الى 530 شهيداً. رحم الله جميع شهداء أمتنا العربية.
إن كان لي أن أنهي هذه الأسطر بملاحظة شخصية فإني أقول: كنت في بيروت يوم بلغني نبأ وفاة والدي في سخنين، في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 1973. حزنت كثيراً.. وقلت لمن كان معي: عزائي الأكبر بوفاة والدي أنها تمّت بعد حرب السادس من أكتوبر، ولم يمُت كَمَداً، جرّاء حرب حزيران/ يونيو 1967.
هنيئاً لكل فلسطيني وعربي، شهد وتابع السابع من أكتوبر.
"القدس العربي"
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي
حديث القدس
مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً
جواد العناني
سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن
أسعد عبد الرحمن
جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية
مروان أميل طوباسي
الضـم ليس قـدراً !!
نبهان خريشة
دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة
معروف الرفاعي
الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا
حديث القدس
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أحمد لطفي شاهين
الميدان يرد بندية على ورقة المبعوث الأمريكي الملغّمة
وسام رفيدي
تماسك أبناء المجتمع المقدسي ليس خيارًا بل ضرورة وجودية
معروف الرفاعي
المطاردون
حمادة فراعنة
فيروز أيقونَة الغِناء الشَّرقي.. وسيّدة الانتظار
سامية وديع عطا
السلم الأهلي في القدس: ركيزة لحماية المجتمع المقدسي ومواجهة الاحتلال
الصحفي عمر رجوب
إسرائيل تُفاقم الكارثة الإنسانية في غزة
حديث القدس
شتاء غزة.. وحل الحرب وطين الأيام
بهاء رحال
المقاومة موجودة
حمادة فراعنة
وحشية الاحتلال بين الصمت الدولي والدعم الأمريكي
سري القدوة
هوكشتاين جاء بنسخة لبنانية عن إتفاق أوسلو!
محمد النوباني
ماذا وراء خطاب نتنياهو البائس؟
حديث القدس
مآلات موافقة حزب الله على ورقة أمريكا الخبيثة
حمدي فراج
الأكثر تعليقاً
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
أبو الغيط: الوضع في فلسطين غير مقبول ومدان ولا يجب السماح باستمراره
الأردن: حكم بسجن عماد العدوان 10 سنوات بتهمة "تهريب أسلحة إلى الضفة"
مصطفى: الصحفيون الفلسطينيون لعبوا دورا محوريا في فضح جرائم الاحتلال
ضابط إسرائيلي يهرب من قبرص بسبب غزة
سموتريتش يضع البنية التحتية المنطقة (ج) في مهبّ أطماع المستوطنين
أطفال فلسطينيون تعرضوا للإعدام الميداني
الأكثر قراءة
نتنياهو يقمع معارضيه.. "إمبراطورية اليمين" تتحكم بمستقبل إسرائيل
الكونغرس يقر قانون يفرض قيودا صارمة على المنظمات غير الربحية المؤيدة للفلسطينيين
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
الأونروا: فقدان 98 شاحنة في عملية نهب عنيفة في غزة
بعد مرسوم بوتين.. هل يقف العالم على الحافة النووية؟
زقوت في حوار شامل مع "القدس".. خطة حكومية لوضع دعائم بناء دولة مستقلة
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أسعار العملات
الأربعاء 20 نوفمبر 2024 9:43 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.74
شراء 3.73
دينار / شيكل
بيع 5.28
شراء 5.26
يورو / شيكل
بيع 3.96
شراء 3.95
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%53
%47
(مجموع المصوتين 81)
شارك برأيك
من «حرب الأيام الستة» إلى «حرب الست ساعات»: عالم جديد