أقلام وأراء
الثّلاثاء 05 سبتمبر 2023 10:00 صباحًا - بتوقيت القدس
تداعيات أوسلو على الحركة النسوية ...التحديات والفرص
ما من شك أن انشاء السلطة الوطنية بعد أوسلو شكل نقطة تحول فارقة في مسار القضية الوطنية والتبعات المترتبة على دور الحركة الوطنية والمجتمع الفلسطيني برمته. فالاتفاق المقيد لم يتضمن بشكل واضح مسألة انهاء الاحتلال بانتهاء المرحلة الانتقالية، و شابه غموض كبير في مسألة وقف الاستيطان، وترك مجمل مكونات القضية الفلسطينية لمفاوضات الحل الدائم.
ورغم تحذيرات صنّاع أوسلو ذاتهم بأنه بناء على مسار السلطة و أدائها، سيتوقف مصير هذا الاتفاق، وهذا ما ورد نصاً في خطاب الأخ أبو مازن نفسه في اجتماع المجلس المركزي "أكتوبر 1993" الذي عقد في العاصمة التونسية للمصادقة على الاتفاق، بأنه " على الأداء الفلسطيني، سيتوقف ما إذا كان هذا الاتفاق سيفضي إلى انهاء الاحتلال ، أو إلى ترسيخه، وربما تأبيده" .
و للأسف فإنه وفقاً لواقع المسار الراهن، واستمرار رهان قيادة السلطة والمنظمة على سراب التفاوض دون معالجة كل مكونات الضعف الذاتي، وما ولدته من اختلال فاضح في موازين القوى، بالاضافة إلى ما يجري من انزياح في المواقف الاقليمية والدولية، فإن احتمال ترسيخ الاحتلال هو المرجح، سيما اذا ما استمر نهج القيادة الراهنة ، وسلوك المعارضة على ما هما عليه.
نظرة عاجلة لمسار أداء السلطة الوطنية المتعرج والمرتبك، لجهة احتواء دور منظمة التحرير عنوان الائتلاف الوطني لانهاء الاحتلال، لدرجة تغييبها، وغياب رؤية تربط مهمات التحرر الوطني وأشكال المقاومة التي لا تتعارض مع متطلبات مرحلة البناء، دون اسقاطها، بل وغياب فلسفة للحكم تقوم على أساس أن وظيفة السلطة الوطنية يجب أن تنحصر في استراتيجية عمل ترتكز على تعزيز الصمود الشعبي، وتصون وحدة النسيج المجتمعي، وتؤسس في نفس الوقت لعلاقة تكاملية بين مهام التحرر الوطني ومهام البناء الديمقراطي والنضال الاجتماعي، الذي يُبقي اليقظة الشعبية رافعة دائمة لمواجهة ما كشفته السنوات اللاحقة ازاء مخاطر النكوص والانقلاب الاسرائيلي على مجمل التسوية ، حيث يتم اليوم تنفيذ عملية الضم على قدم وساق.
من البديهي، والأمر هكذا، أن يتغلغل الانقسام السياسي حد الافتراق بين القيادة السياسية التي اعتقدت سواء "بحسن النوايا الاسرائيلية" أو "باسترضاء المؤسسة السياسية والأمنية" ، بأن تحقيق المفاوضات لأهدافها بات في يد القيادة، ولا يتطلب سوى "براعة" المفاوضين الموالين لخطها دون تشاور أو التدقيق في مدى إمكانية الاستفادة أو التكامل أو احتواء التوجهات الأخرى . في المقابل فإن الاتجاه المعارض تصرف كحالة رفض مطلقة للواقع، وما يستدعيه ذلك، وفق وجهة نظرها السياسية والفكرية، من استراتيجيات عمل رفضاوية الطابع والخلفية.
كلا الاتجاهين في الواقع تجاهلا أهمية الحركة الشعبية التي وصلت ذروتها إبان الانتفاضة الكبرى. بكلمات أخرى فإن خط "المقاومة"، والتي انحصرت بالعمليات التفجيرية، كان همه اسقاط الاتفاق ومن يقف خلفه، ومن ثم الاستيلاء على منظمة التحرير وتصفية طابعها "العلماني"، هذا في وقت أن السلطة الوطنية لم تقدم بديلاً يتعامل أو يستوعب هكذا موقف سوى العصا الأمنية، ولم تلتفت إلى أهمية ومتطلبات بناء مؤسسات قادرة على تعزيز الحركة الشعبية وقدرة الناس على الصمود، بل، وحاولت في مراحل لاحقة مجاراة معسكر الرفض بأدواته سواء الكفاحية منها"الانجرار للعمليات التفجيرية"، أو اعتماد الخطاب والمرجعية الدينية "لجنة اعداد الدستور وبعض نصوصه" والموقف من قانون العقوبات بما يتصل بقضايا المساواة والحقوق الكاملة للنساء وغيرها من القضايا الاجتماعية، بما في ذلك غياب أي خطة للنهوض بالتعليم ومضمونه البحثي والتنويري .
على العكس، فقد أبدت السلطة استعدادها للمساومة على قضايا المجتمع الحيوية مقابل محاولة احتواء ما بات يشكله معسكر الرفض والمعارضة في حينه من خطر على وجودها، ولمجرد نيل رضى الاحتلال عن سلوكها الأمني. وفي هذا المناخ، وفي ظل انسداد مسار التسوية وانهيار محادثات كامب ديفيد وانفجار " الانتفاضة الثانية"، ونجاح اسرائيل في جرّها نحو العسكرة، تم وبصورة شبه شاملة تحييد دور البنى والمؤسسات المجتمعية والحركة الشعبية، التي سادها الركود خلال السنوات الخمس الأولى من نشوء السلطة "1995-2000"، حيث فقدت خلالها دورها وقدرتها على التدخل لاعادة تصويب مسار النضال الوطني، وترابطه مع النضال الاجتماعي، الذي غيَّب بالكامل على مدار سنوات "انتفاضة 2000- 2006 "، وارتفعت وتيرة الصراع الداخلي، حيث اتسمت تلك الانتفاضة" بالصراع على موازين القوى الداخلية، أكثر من كونها صراعاً مع الاحتلال وبطشه، و معه غُيِّب دور القوى الاجتماعية ذات الطابع التقدمي، ومعها مؤسسات المجتمع المدني، ومن ضمنها مؤسسات الحركة النسوية ودورها ومضمون رسالتها .
لقد اجتهدت المؤسسات النسوية، باذلةً أقصى جهدٍ ممكن لحشد النساء و دفعهن لأوسع مشاركة في الانتخابات التشريعية عام 2006، وقد نجحت تلك المؤسسات في ذلك تحت عنوان المشاركة السياسية للنساء وتعزيز الديمقراطية الانتخابية، إلا أن غالبية المصوتات والمصوتين أعطوا ثقتهم لحركة حماس الأصولية، والتي وقفت دوماً ضد الحقوق المتساوية بين النساء والرجال، معتبرة أن ذلك يتعارض مع "قواعد الشريعة الاسلامية"، الأمر الذي يظهر خللاً واضحاً في مضمون رسالة تلك المؤسسات، و دورها في التنمية الاجتماعية والسياسية على ذات القدر .
وبهذا المنعطف، الذي أدى بعد وقت قصير إلى انقلاب حكومة حماس على وحدة كيانية السلطة ومؤسساتها، ودُفع الصراع على شرعية المنظمة ومحاولة تجريدها من "طابعها العلماني" حافة الخطر على طابعها التمثيلي، وعلى هوية المجتمع ذاته، دخلت الحركة النسوية مرحلة جديدة من التحدي الذي بات يهدد القضاء التام على مجمل انجازاتها التي سبق وتحققت قبل نشوء السلطة الوطنية.
لقد بات من الواضح أن القيادة المتنفذة للمنظمة والسلطة لا تريد مغادرة هذا المسار وما ألحقه من أضرار على الصعيدين الوطني والاجتماعي، وربما بذات القدر فإن سلطة الأمر الواقع التي تقودها حماس في قطاع غزة مكتفية بغنيمتها في حكم غزة وماضية في مشروعها، سيما أن الطرف الآخر غير معني سوى باللهاث وراء وهم المفاوضات في ظل موازين القوى وحالة التفكك في النظام السياسي ومجمل الحركة الوطنية، ذلك لمجرد البقاء وكسب الوقت دون تغيير حقيقي .
فمحاولات التجميل التي تقوم بها تلك القيادة ما زالت بعيدة عن متطلبات تغيير النهج ، وجوهره استنهاض الطاقات الشعبية للدفاع عن مصيرها الوطني، واستعادة وحدة ودور المؤسسات الجامعة للمنظمة والسلطة على حد سواء، وصون مكونات الهوية الوطنية، واطلاق الحريات العامة، وافساح المجال أمام قوى المجتمع لبلورة توجهات كفيلة بالاسهام الفاعل في تعزيز الصمود، وليس التضييق عليها، وتركها وحيدة في مواجهة القوى الرجعية التي تستهدف مجمل المنجزات الاجتماعية، وعلى رأسها قضايا النساء، بالاضافة لمراجعة كاملة لبنى ومؤسسات و دور السلطة، وتخليصها من كل مظاهر الفساد والمحسوبية وهدر المال العام وغيرها من قضايا المجتمع المُلّحة، ناهيك عن استرداد هيبة القضاء واستقلاليته المستباحة . ويبقى سؤال كيفية مواجهة القوى الاجتماعية الحية ومؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات النسوية لهذه التحديات وسبل النهوض بدورها المطلوب في عملية التغيير الديمقراطي المنشودة ؟ وكيف ؟ سيما أن إعادة بناء ناجعة لدور الحركة الوطنية تستدعي اعادة بناء الأطر والمؤسسات العاملة في الحقل الاجتماعي باعتبارها الأسس والقواعد الجماهيرية لبناء حركة وطنية جديدة . وهو ما سأحاول الاجابة عليه في مقال لاحق .
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة
معروف الرفاعي
الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا
حديث القدس
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أحمد لطفي شاهين
الميدان يرد بندية على ورقة المبعوث الأمريكي الملغّمة
وسام رفيدي
تماسك أبناء المجتمع المقدسي ليس خيارًا بل ضرورة وجودية
معروف الرفاعي
المطاردون
حمادة فراعنة
فيروز أيقونَة الغِناء الشَّرقي.. وسيّدة الانتظار
سامية وديع عطا
السلم الأهلي في القدس: ركيزة لحماية المجتمع المقدسي ومواجهة الاحتلال
الصحفي عمر رجوب
إسرائيل تُفاقم الكارثة الإنسانية في غزة
حديث القدس
شتاء غزة.. وحل الحرب وطين الأيام
بهاء رحال
المقاومة موجودة
حمادة فراعنة
وحشية الاحتلال بين الصمت الدولي والدعم الأمريكي
سري القدوة
هوكشتاين جاء بنسخة لبنانية عن إتفاق أوسلو!
محمد النوباني
ماذا وراء خطاب نتنياهو البائس؟
حديث القدس
مآلات موافقة حزب الله على ورقة أمريكا الخبيثة
حمدي فراج
مصير الضفة الغربية إلى أين؟
عقل صلاح
كيف نحبط الضم القادم؟
هاني المصري
هل من فرصة للنجاة؟!
جمال زقوت
تحية لمن يستحقها
حمادة فراعنة
قل لي: ما هو شعورك عندما ترى أحداً يحترق؟!
عيسى قراقع
الأكثر تعليقاً
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
الأردن: حكم بسجن عماد العدوان 10 سنوات بتهمة "تهريب أسلحة إلى الضفة"
أبو الغيط: الوضع في فلسطين غير مقبول ومدان ولا يجب السماح باستمراره
مصطفى: الصحفيون الفلسطينيون لعبوا دورا محوريا في فضح جرائم الاحتلال
سموتريتش يضع البنية التحتية المنطقة (ج) في مهبّ أطماع المستوطنين
ضابط إسرائيلي يهرب من قبرص بسبب غزة
استهداف الصحفيين بالقتل والاعتقال.. محاولة للتعمية على الجريمة الـمُدوّية
الأكثر قراءة
الأونروا: فقدان 98 شاحنة في عملية نهب عنيفة في غزة
عبدالعزيز خريس.. فقد والديه وشقيقته التوأم بصاروخ
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
زقوت في حوار شامل مع "القدس".. خطة حكومية لوضع دعائم بناء دولة مستقلة
بعد مرسوم بوتين.. هل يقف العالم على الحافة النووية؟
سموتريتش يضع البنية التحتية المنطقة (ج) في مهبّ أطماع المستوطنين
ضابط إسرائيلي يهرب من قبرص بسبب غزة
أسعار العملات
الأربعاء 20 نوفمبر 2024 9:43 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.74
شراء 3.73
دينار / شيكل
بيع 5.28
شراء 5.26
يورو / شيكل
بيع 3.96
شراء 3.95
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%54
%46
(مجموع المصوتين 78)
شارك برأيك
تداعيات أوسلو على الحركة النسوية ...التحديات والفرص