أقلام وأراء
الأربعاء 16 أغسطس 2023 10:01 صباحًا - بتوقيت القدس
من يعيد من إلى العصر الحجري؟
أدخل وزير الدفاع الإسرائيلي يو آف غالنت، مصطلح إعادة لبنان إلى العصر الحجري، إذا ما قام حزب الله أو غيره بأي عمل حربي يمس أمن إسرائيل، وإذا ما نظر للأمر من زاوية الإمكانيات والقدرات فلدى إسرائيل قوة تدميرية تقليدية ونووية يمكنها ليس فقط إعادة لبنان إلى العصر الحجري بل المنطقة كلها.
وبالمقابل، ردّ السيد حسن نصر الله على غالنت باستخدام نفس المصطلح أي أن إسرائيل ذاتها ستعود إلى العصر الحجري إذا ما قامت بمجازفة كهذه ضد لبنان.
بقياس القدرات المتوفرة لكل طرف من أطراف مصطلح "العصر الحجري" فإن ما لدى كل منهما من قوة ظاهرة ومخفية، وإن كانت غير متكافئة، إلا أنها تجسد قوة ردع متبادلة "للذات قبل الآخر" فالطرفان يدركان بالحسابات المجردة، أن ثمن مغامرة على هذا المستوى، سوف يتقاسمه الطرفان.. لهذا وهما يتحدثان بلغة التهديد والتحدي، يحرصان على تجنب الانجرار إلى تصعيد كهذا. فما الذي تجنيه إسرائيل لو أعادت لبنان إلى العصر الحجري أي تدميره كليا، وهي تدرك أنها ستدخل نفسها في دوامة لا مخرج منها، فالحرب ربما لن تكون موضعية – لبنان وإسرائيل- وخطر تحولها إلى إقليمية غير مستبعد، ولن تكون بالنسبة لإسرائيل كحرب 1967 أو غيرها من الحروب "المنتصرة" بل ستكون أفدح بكثير من حيث الخسائر وهذا ما يقوله الإسرائيليون أنفسهم.
القوة العسكرية الإسرائيلية، وورائها الامريكية لا تقاس في مجال الحسم مع الآخر، وفق حسابات من يملك أكثر ومن يملك أقل، بل هنالك مقياس عملي جعل الأقل أكثر قدرة من الأكثر، وإذا ما نظرنا بتجرد لكل الحروب التي خاضتها أمريكا الأقوى مع الأطراف الأقل، فإننا نجد أنها كانت تفضي إلى هزائم، ذلك بفعل القيود الذاتية والموضوعية التي تمنع استخدام الحدود القصوى للقوة، فما كان ممكنا في حسم الحرب العالمية نوويا في القرن الماضي، لم يعد ممكناً في هذا القرن، وإلا لرأينا حسماً سريعاً في أفغانستان، حيث الهزيمة المذلة لأقوى قوة في الكون، ولرأينا حسماً في أوكرانيا حيث القوة الروسية المتفوقة بما لا يُقاس أمام القوة الأوكرانية المتواضعة التي نمت وكبرت خلال الحرب.
تنقص قوة إسرائيل التقليدية المتفوقة عسكريا وتكنولوجيا وتحالفيا واقتصاديا، رؤيةٌ موضوعية، لقوة الخصم ليس من زاوية كم لديه، بل كم باستطاعته منع إسرائيل من الحسم النهائي. والفلسطينيون يصلحون كمثل حي على هذه النظرية، لم تدخل إسرائيل أي حرب مع الفلسطينيين الا وكانت متفوقة بما لا يقاس، وبعد ما يقرب من ثلاثة أرباع القرن، أين هو الحسم المنشود بفعل تفوق القوة؟
وما دام الحديث عن "العصر الحجري" الآن فيما يخص لبنان، الذي وصف بأنه "القوي بضعفه" فكم حربا شُنّت عليه، ألم يصل جيش شارون إلى قلب بيروت ذلك قبل عقود، فما هي الصورة الآن، وكيف ينبغي أن تقرءها إسرائيل قبل غيرها..
يتحدث جنرالات إسرائيل عن حرب محتملة متعددة الجبهات، وبلغة "الأمجاد القديمة" تتحدث عن قدرة فائقة لحسم الأمور عليها جميعا وربما في ضربة واحدة، الغائب عن المنطق.. ماذا بعد ذلك؟
في إسرائيل تعّودٌ يصعب الفكاك منه، على نوع من الغرور بأن لديها ما يكفي لكسب أي حرب، سواء على الجبهات المحاذية والمتعددة، وفوقها من هو في مكان أبعد، فهل فكرت إسرائيل بما يجنبها هذه المخاطرات التي إن بدت منتصرة إلا أنها مجرد حلقات من سلسلة حروب لا تتوقف ولا تنتهي، وإن لم يكن متاحا أن تحسم بضربة قاضية وهو ليس متاحا على كل حال، فما الذي يسوّغ لإسرائيل أنها قادرة على الحسم بالنقاط مع أنها تحارب بلا توقف، وتتفوق كثيراً.. وترى بالعين المجردة، أن من راهنت على حسم أمرهم يكبرون وتتضاعف قدراتهم!!
بدل الحديث عن مستحيل العصر الحجري، لتتحدث إسرائيل وتفعل لعصر سلمي تعيد فيه ما اغتصبت من حقوق الآخرين، فلسطينيين وعرب، فهذا الاتجاه أجدى وأكثر فائدة، من الوقوف على السلاح إلى ما لا نهاية.
هنالك ما يوازي العصر الحجري من السوء، وهو تواصل الحياة بين حرب تقع، وحرب يُنتظر أن تقع . وسلامٍ يبدو كسراب كلما ظننا أننا نقترب منه، يبتعد، ونبتعد.
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
ترامب المُقامر بِحُلته السياسية
آمنة مضر النواتي
نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي
حديث القدس
مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً
جواد العناني
سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن
أسعد عبد الرحمن
جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية
مروان أميل طوباسي
الضـم ليس قـدراً !!
نبهان خريشة
دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة
معروف الرفاعي
الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا
حديث القدس
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أحمد لطفي شاهين
الميدان يرد بندية على ورقة المبعوث الأمريكي الملغّمة
وسام رفيدي
تماسك أبناء المجتمع المقدسي ليس خيارًا بل ضرورة وجودية
معروف الرفاعي
المطاردون
حمادة فراعنة
فيروز أيقونَة الغِناء الشَّرقي.. وسيّدة الانتظار
سامية وديع عطا
السلم الأهلي في القدس: ركيزة لحماية المجتمع المقدسي ومواجهة الاحتلال
الصحفي عمر رجوب
إسرائيل تُفاقم الكارثة الإنسانية في غزة
حديث القدس
شتاء غزة.. وحل الحرب وطين الأيام
بهاء رحال
المقاومة موجودة
حمادة فراعنة
وحشية الاحتلال بين الصمت الدولي والدعم الأمريكي
سري القدوة
هوكشتاين جاء بنسخة لبنانية عن إتفاق أوسلو!
محمد النوباني
ماذا وراء خطاب نتنياهو البائس؟
حديث القدس
الأكثر تعليقاً
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
أبو الغيط: الوضع في فلسطين غير مقبول ومدان ولا يجب السماح باستمراره
الأردن: حكم بسجن عماد العدوان 10 سنوات بتهمة "تهريب أسلحة إلى الضفة"
ضابط إسرائيلي يهرب من قبرص بسبب غزة
مصطفى: الصحفيون الفلسطينيون لعبوا دورا محوريا في فضح جرائم الاحتلال
سموتريتش يضع البنية التحتية المنطقة (ج) في مهبّ أطماع المستوطنين
الاحتلال الإسرائيلي يتوغل في القنيطرة السورية ويعتقل راعيا
الأكثر قراءة
ماذا يترتب على إصدار "الجنائية الدولية" مذكرتي اعتقال ضد نتنياهو وغالانت؟
نتنياهو يقمع معارضيه.. "إمبراطورية اليمين" تتحكم بمستقبل إسرائيل
الكونغرس يقر قانون يفرض قيودا صارمة على المنظمات غير الربحية المؤيدة للفلسطينيين
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
بعد مرسوم بوتين.. هل يقف العالم على الحافة النووية؟
زقوت في حوار شامل مع "القدس".. خطة حكومية لوضع دعائم بناء دولة مستقلة
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أسعار العملات
الأربعاء 20 نوفمبر 2024 9:43 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.74
شراء 3.73
دينار / شيكل
بيع 5.28
شراء 5.26
يورو / شيكل
بيع 3.96
شراء 3.95
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%53
%47
(مجموع المصوتين 81)
شارك برأيك
من يعيد من إلى العصر الحجري؟