أقلام وأراء
الأربعاء 19 يوليو 2023 10:24 صباحًا - بتوقيت القدس
التعليم الأجنبي ومعركة الهوية
"التعليم هو جواز سفرنا للمستقبل، لأن الغد ملك الذين يعدون له اليوم"؛ هذا ما قاله مالكوم إكس.
والواقع أن التعليم هو المفتاح الرئيسي لصنع التقدم في العالم العربي؛ فلا نهضة حقيقية بلا إرادة لبعث روح التعليم الجاد في أرجاء الوطن العربي؛ ليس لمحو الأمية فحسب، ولكن ليتمتع كل شاب بأفضل مقومات التعليم المعاصر ويعوض نفسه ووطنه وأمته عما فات وليضع بذور مستقبل لائق.
وإذا كان من خطر يهدد الأجيال الشابة اليوم، فلا شيء يضاهي غزو التعليم الأجنبي لمعظم الدول العربية، حيث يدرس الأبناء بلغة أجنبية مناهج أعدت بأيد أجنبية لتحقيق أهداف دول وحضارات أجنبية وتثبيت رؤيتها للكون والحياة والإنسان.
الأمم والحضارات هي رؤية للحياة ومنظومة أفكار وأخلاق وأهداف، ولذلك يجب أن نتوقف طويلا عند التأثير السلبي لتعليم أبنائنا -ليس لغة أجنبية- بل رؤية أجنبية وثقافة وحضارة بديلة، وهذا التأثير السلبي لا يطال الحاضر وحده، بل يمتد ليؤثر على مستقبل الأمة العربية وفرصها في النهوض واحتلال المكانة التي تستحقها في العالم.
تحيط بنا مظاهر الزهو بين عديد من الطبقات الاجتماعية بالأبناء والأحفاد الذين لا يجيدون التحدث بالعربية ويحتاجون من يترجم لهم في التعاملات اليومية في أوطانهم، وهم في الوقت نفسه يتسابقون إلى إتقان اللغات الأجنبية دون لُكْنة، وكأنها لغاتهم الأم.
يصاحب هذا الزهو بريق في العيون وسعادة فائقة ويقين بأنهم وضعوا أولادهم وأحفادهم على طريق النجاح والتميز والحياة الرغدة.
وإذا كنا لا نختلف على أهمية بذل المال والجهد لتعليم أبنائنا لغات أجنبية، فإننا يجب أن نحذر في الوقت ذاته من عدم تعليمهم ما ينشط اعتزازهم بالهوية العربية، فمع التعليم الأجنبي تظهر في كثير من الأحيان أعراض النظر بدونية إلى الثقافة والهوية العربية، بل والتبرؤ منها.
كما نحرص على تعاطي الأمصال للوقاية من الأمراض يجب كذلك تعاطي الأمصال الثقافية التي تحمينا من الانبهار بكل تفاصيل التعليم الأجنبي فلا شيء يعطل العقول كالانبهار.
يجب كذلك تناول المقويات التي تمنع ضعف المناعة وتزرع الاعتزاز الذكي بالهوية فتركز على مزاياها دون أن تنكر عيوبها، ودون أن تضخم تلك العيوب أو تخجل منها أمام الغرب، فلكل حضارة نقاط قوة وأسباب ضعف.
نود قبل إلقاء أولادنا في أحضان التعليم الأجنبي تحصينهم من الانحناء أمام الغرب وتذكيرهم بفضيلة رفع الرأس، وتنفس احترام الهوية، لأنها جزء مهم جدا من احترام الذات، وهي أكسجين النجاح النفسي والعملي والاجتماعي أيضًا.
نذكر ما حكاه شاعر عربي شهير كان يتنفس مرارة وحسرة لأن بناته اللاتي حرص على تعليمهن بالخارج لا يحترمن ما يكتبه وأضاف "وربما لا يحترمون أسرتي ولا أنا أيضا".
تتجاوز أضرار "فقدان احترام الهوية" الخسائر الأسرية، لتمتد إلى خسارة الوطن عندما يتولى هؤلاء مناصب مهمة ومؤثرة بعد انتهاء دراساتهم الأجنبية؛ إذ سيديرون المؤسسات التي يرأسونها وكأنهم أجانب عن الوطن بكل ما تعنيه الكلمة، مع تبعية كاملة للخارج، ونظرة دونية إلى بلادهم، وتعالٍ وإهمال لمصالحه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخطر مصالحه الثقافية التي تشكل وجدان أبنائه وتتحكم لاحقا في تفكيرهم وتصرفاتهم التي تصنع الحاضر. وترسم ملامح المستقبل وأولوياته.
نسخ مقلدة
ولنتدبر قول نيلسون مانديلا: "التعليم هو أقوى سلاح يمكن استخدامه لتغيير العالم"، فواجبنا نحو هويتنا هو التأكد أن التعليم ليس سلاحًا نصنعه بأيدينا لنزع هويتنا وإضعاف قوتنا وسرقة ما يميزنا لنتحول إلى نسخ مقلدة من الآخرين ولو بعد حين.
لا يقتصر خطر التعليم الأجنبي على أولئك الذين يتعلمون خارج الوطن؛ فالخطر قائم أيضا في التعليم الأجنبي داخل الوطن حيث إجبار الصغار منذ دور الحضانة على التحدث باللغة الأجنبية مع أقرانهم في المدرسة ثم في المنزل "لإتقان اللغة الأجنبية"، وهو ما لا يحدث في أمم تحترم هويتها.
من الخطورة الفادحة تربويا ونفسيا وإنسانيا أن يفكر الإنسان منذ صغره بغير لغته وينتمي إلى غير ثقافته؛ فيتكلم ويغني ويشاهد الأفلام والمسلسلات ويتابع وسائل التواصل الاجتماعي مع مجتمع غير مجتمعه وبغير لغته، فكيف نطلب منه الاعتزاز بهويته وألا يزدريها وينبذها وهو يرى أن الابتعاد عنها ومحاولة الالتحاق بغيرها هو سبيله الوحيد للتميز وصنع مستقبل أفضل.
وإذا كان "كل يأكل من غرس يده"؛ فما سنجنيه من الأجيال الجديدة لن يكون أفضل من البذور التي نغرسها ونرويها.
من الواجب إذن أن نعلم أولادنا اللغات الأجنبية، وما يحويه التعليم الأجنبي من علم نافع، ولكننا يجب علينا أيضا نحرص على تعليمهم اللغة العربية وخصائص الثقافة والهوية وتربيتهم على الاعتزاز بها، وأن نعلمهم مبكرًا أن الآخر لن يقدرهم بأكثر مما يقدرون أنفسهم، وأن يضعوا أمام أعينهم وفي عقولهم وقلوبهم ما قاله الإمام الشافعي: "ما رفعت أحدا فوق منزلته إلا وضع مني بمقدار ما رفعت منه".
في التعليم الأجنبي، يتسلل إلى الوعي منذ الصغر ما يتعمد غرسه هؤلاء في أولادهم من اعتزاز بالهوية الأجنبية -أيا كانت- ومن النظرة العنصرية للآخرين فضلا عن رواية التاريخ من وجهة نظرهم التي تتبنى مصالحهم الثقافية والاستعمارية والاقتصادية ومفاهيمهم الاجتماعية التي تتعارض معنا أيضا.
يجب تحمل مسؤوليتنا التاريخية والثقافية وحماية أجيالنا الجديدة من امتصاص هذه السموم، وضرورة إعمال عقولهم فيما يتلقونه من تعليم أجنبي داخل الوطن وخارجه لتنقية و"فلترة" ما يدرسونه.
وعلينا الحرص على تعليمهم اللغة العربية منذ الصغر؛ فاللغة ليست مجموعة كلمات للتواصل الإنساني بل أداة لتعميق الارتباط بالوطن والتاريخ والهوية، أو أداة للاغتراب عن كل ذلك.
يقول محمد إقبال: "التعليم هو الحامض الذي يذيب شخصية الكائن الحي ويجعلها كيفما يشاء"، فلنمنع ذوبان هوية أبنائنا، وليفوزوا بتعليم يخدم أوطانهم ولا يخدم أعداءهم أبدًا، فالتعليم كما قال إدوارد إفريت "يحرس البلاد أفضل من جيش منظم"، وهو كما قال ستالين "سلاح يعتمد تأثيره على من يمسك به وإلى من يتم توجيهه". عن "الجزيرة نت"
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
سيادة العراق ولبنان في خندق واحد
كريستين حنا نصر
إسرائيل ترفع وتيرة قتل الفلسطينيين
حديث القدس
توفير الحماية العاجلة والفورية لأطفال فلسطين
سري القدوة
حقائق حول انضمام فلسطين للمحكمة الجنائية الدولية وصولاً لمذكرات الاعتقال
د. دلال صائب عريقات
سموتريتش
بهاء رحال
مبادرة حمساوية
حمادة فراعنة
Google تدعم الباحثين بالذكاء الاصطناعي: إضافة جديدة تغيّر قواعد اللعبة
بقلم :صدقي ابوضهير باحث ومستشار بالاعلام والتسويق الرقمي
التعاون بين شركة أقلمة والجامعات الفلسطينية: الجامعة العربية الأمريكية نموذجاً
بقلم: د فائق عويس.. المؤسس والمدير التنفيذي لشركة أقلمة
أهمية البيانات العربية في الذكاء الاصطناعي
بقلم: عبد الرحمن الخطيب - مختص بتقنيات الذكاء الاصطناعي
ويسألونك...؟
ابراهيم ملحم
الحرب على غزة تدخل عامها الثاني وسط توسّع العمليات العسكرية الإسرائيلية في الجبهة الشمالية
منير الغول
ترامب المُقامر بِحُلته السياسية
آمنة مضر النواتي
نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي
حديث القدس
مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً
جواد العناني
سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن
أسعد عبد الرحمن
جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية
مروان أميل طوباسي
الضـم ليس قـدراً !!
نبهان خريشة
دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة
معروف الرفاعي
الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا
حديث القدس
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أحمد لطفي شاهين
الأكثر تعليقاً
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
اللواء محمد الدعاجنة قائداً للحرس الرئاسي
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
زعيمة حركة استيطانية تدخل غزة بدون علم الجيش لإعادة الاستيطان
"الجنائية" تتحرك أخيراً ضد الجُناة.. قِيَم العدالة في "ميزان العدالة"
واشنطن ترفض قرار المحكمة الجنائية الدولية بإلقاء القبض على نتنياهو وغالانت
نيويورك تايمز تكشف تفاصيل اتفاق وشيك بين إسرائيل ولبنان
الأكثر قراءة
نتنياهو و"الليكود" يتربصان بغالانت لفصله من الحزب وإجباره على التقاعد
لائحة اتهام إسرائيلية ضد 3 فلسطينيين بزعم التخطيط لاغتيال بن غفير ونجله
ماذا يترتب على إصدار "الجنائية الدولية" مذكرتي اعتقال ضد نتنياهو وغالانت؟
نتنياهو يقمع معارضيه.. "إمبراطورية اليمين" تتحكم بمستقبل إسرائيل
الكونغرس يقر قانون يفرض قيودا صارمة على المنظمات غير الربحية المؤيدة للفلسطينيين
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أسعار العملات
السّبت 23 نوفمبر 2024 10:34 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.7
شراء 3.69
دينار / شيكل
بيع 5.24
شراء 5.22
يورو / شيكل
بيع 3.85
شراء 3.83
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%52
%48
(مجموع المصوتين 94)
شارك برأيك
التعليم الأجنبي ومعركة الهوية