أقلام وأراء
الأربعاء 17 مايو 2023 10:21 صباحًا - بتوقيت القدس
الانضباط المدرسي "التعلّم هو إشعالُ لهب وليس ملء وعاء" سقراط
مقدمة
يعتبر فقدان الانضباط المدرسي في المدارس من أهم المشكلات التي تعوق سير العملية التعليمية، ويعرفه بعض الباحثين " أنه كل سلوك يمنع المعلم من التدريس ويمنع الطلبة من التعلم" ويتمثل سلوك عدم الانضباط المدرسي في الغياب، التمرد، العنف، قلة الاكتراث للدراسة وغياب القيم. وعلى الرغم من اهتمام المدارس بتبني أساليب تربوية جديدة وحديثة للحد من ظاهرة عدم الانضباط بالمدارس، إلا أن الدراسات والأبحاث العلمية تشير إلى أن هذه السلوكيات ما زالت مستمرة وتزداد يوماً بعد يوم، مما جعل المدارس والمنظومة التعليمية بشكل عام أمام تحديات كبيرة، وأسئلة عديدة أهمها:
- ما هي الأسباب التي تؤدي الى مشكلة فقدان الانضباط المدرسيّ؟
- ما الحلول المناسبة لمشكلة فقدان الانضبط المدرسيّ؟
وفي هذه الورقة التأملية تم تقديمها محاولة للإجابة عن الأسئلة السابقة من خلال الاستفادة من كتاب الديمقراطية والتربية (1916) للمفكر الفيلسوف جون ديوي الذي طور فلسفة تربوية تدعو إلى الوحدة بين النظرية والممارسة، وله العديد من المساهمات في المجال التربوي ومن أقوله" إذا علمنا الطلبة اليوم بنفس الأسلوب الذي استخدمناه في الأمس فأننا سنسرق منهم الغد".
- ما هي الأسباب التي تؤدي إلى مشكلة فقدان الإنضباط المدرسيّ؟
ذكر جون ديوي الأسباب التي تؤدي إلى مشكلة فقدان الإنضباط بالمدرسة بقوله ص( 146) إن المعلمين في العادة يعتبرون الطلبة مكتسبين للمعرفة، فيتم فصل العقل عن أعضاء العمل الجسدية، الذي يترتب عليه أن يكون العقل مفكراً ومدركاً لا غير، باقي أعضاء الجسد عنصرا ًمادياً دخيلاً لا محل له، فيتم فصل الوحدة الوثيقة ما بين العقل والجسد وما ينجم عليه مشكلة الإنضباط المدرسيّ. ونتيجة ذلك الفصل مابين العقل والجسد، يتعرض الطلبة الى أزمة حقيقية في السيطرة على حركة اجسادهم التي لم يتم استثمارها بشكل جيد بل أضحت مشكلة كبيرة للطالب وللمعلم .
نرى من خلال ما سبق أن المصدر الأساسي لمشكلة الانضباط في المدارس هو عدم الاهتمام بحركة الجسد وتدريب باقي الحواس لدى الطلبة، فبدل أن يوظف المعلم طاقة الطالب الجسمية بشكل إيجابي فإنه مضطر في كثير من الأحيان إلى قضاء الجانب الأكبر من الوقت في قمع هذه الأنشطة الجسمية التي تشغل العقل عن مادة الدرس، وليكافئ الطلبة على الهدوء الجسمي والسكوت أو الحركة الجامدة النمطية، وعلى تظاهرهم الآلي بالشوق والفهم، ويصبح من مهمة المعلمين تعزيز الطلبة الهادئين الملتزمين والذي أطلق عليهم ديوي (ذوي الضمائر) بقوانين الصف، وكبح ميولهم وغرائزهم بدلاً من التفكير والتخطيط البناء، دون إطلاق ابداعاتهم ومواهبهم وافكارهم للابتكار، والطلبة النشطين جسمياً، يتم عقابهم لعدم التزامهم وسيطرتهم على حركة أجسامهم.
إن هذه الأساليب النمطية في التربية التقليدية التي تفصل الجسد عن العملية التعليمية وتنظر إلى الجسد أنه عنصر دخيل و مشتت للعقل يجب مكافحته، والتي تركز على التفكير والتذكر والحفظ، و على بقاء الطالب جالسا على مقعد الدراسة ليملأ عقله بالمعلومات، دون أي تفاعل ما بين الجسد والتفكير( العقل)، الأمر الذي يترتب عليه مزيدا من معاناة للطالب وجهد وإرهاق للمعلم.
وأشار ديوي إلى نتائج هذه الأساليب التقليدية في التعليم على الطالب والمعلم ومنها "عدم المبالاة لدى الطالب وإجهاد للجسم المهمل وعدم وجود مواقف مناسبة ومثمرة يقدر الطالب فيها على التخلص من هذا الإجهاد والحركة، والذي يعرض على أنه حركة غير مناسبة، تمرد على الصف، تهريج، أو تصرفات لا معنى لها ويشرح ديوي ذلك بأن" الأطفال النشطون بدنيا يغدو قلقين متمردين" أي غير قادرين على الاندماج مع الصف وباقي الطلبة وهذا يجعلنا نستذكر صورا متنوعة داخل المدارس ولمواقف مشابه للطلبة القلقين والمتوترين داخل الحصة المدرسية، فيتكرر خروجهم من الحصة، يتغيبون عن المدرسة، أو يحدثون فوضى داخل الصف، ويؤدي ذلك إلى عرقلة سير الحصة وإجهاد للمعلم، والمعلم يتطلب منه تمرير الحصة الصفية بفاعلية، وملتزم بوقت محدد لتمرير المنهاج، ويقع على عاتقه ضبط الصف. وعليه إي طالب يعرقل هذا الضبط يجعل المعلم في حالة من القلق والتوتر وفقدان السيطرة، لتتلاشى أسس التّواصل الفعّال مع الطّالب، لينتج صراع قوي ما بين سلطة المعلم واحتياج ذلك الطالب.
- وما الحلول المناسبة لمشكلة فقدان الإنضبط المدرسي؟
اقترح جون ديوي من خلال خبرته التعليمية والتربوية أساليب وطرائق للتقليل من فقدان الانضباط المدرسي ومنها تطوير أساليب التدريس بما تتناسب بيئة الطلبة وخبراتهم وتجاربهم، والنظر إلى البيئة التعليمية التعلمية على أنها ممارسات تشاركية ما بين المعلم والطالب، وإيجاد بيئة تعليمية محفزة ومشجعة للطلبة يختبرون فيها قدراتهم في التعامل مع المواقف المختلفة بالتعليم ولتترك بصمة في حياتهم، فالتعليم بالنسبة لجون ديوي ليس إعدادًا للحياة، بل هو الحياة. واعتمد ديوي على طريقة تمرير الحصة المدرسية والتي هي من ضمن الثالوث التربوي والذي يتكون من (المادة والطرق والإدارة) وبالنسبة ل ديوي الطريقة هي خير السُبل التي تُعرض بها مادة الموضوع على العقل وتطبع فيه، ومن الأمثلة التي طرحها لتمرير حصة دراسية الخطوات الآتية:
أولاً: الإحساس بالمشكلة أي وضع الطالب في حالة من الشك والاضطراب تجاه موقف تعليمي معين
ثانياً: ما الذي يمكن توقعه بناء على حدس الطالب.
ثالثاً: فحص وتفتيش والكشف والإحاطة الكاملة حول الموقف التعليمي لتحديد المشكلة.
رابعاً: ايجاد الفرضيات المناسبة .
خامساً: اتخاذ الإجراءات المناسب من الفرضيات المرسومة لاختبارها وبناء خطة للعمل على تطبيقها.
ومن خلال ما سبق يوضح لنا دوي أهمية التعلم من خلال التجربة والخطأ، والتأمل في التجربة، وانعكاس الخبرة على عملية التعلم، الأمر الذي يساعد الطلبة على الاندماج والاستفادة من خبراتهم وصقل شخصياتهم بما تتناسب المواقف التعليمية، وإدارتها بشكل جيد، وإذا واجهتهم مواقف مشابه في حياتهم العملية والإجتماعية، الأمر الذي يدعم ويساند الطلبة وخاصة الطلبة الغير قادرين على ضبط حركتهم الجسمية فيصبحون أكثر إتزانا وهدوءا ويتم الاستفادة الإيجابية من حركتهم وتوظيفها لاكتساب المعرفة.
فنحن من خلال تلك الممارسات التقدمية نثير فضول الطلبة واهتمامهم ودافعيتهم للتعليم ونبني معهم خططا جديدة قادرة على تلبية احتياجاتهم وتناسب قدراتهم وواقعهم.
وأخيراً
يعتبر جون ديوي من أهم الفلاسفة والمربين وطور أفكاره لخدمة التربية والتعليم، ومن خلال كتابة الديمقراطية والتربية(1916) وضع أسس للتربية الديمقراطية وكان من الثييمز التي أثارت الفضول لدي في كتاب الديمقراطية والتربية، موضوع عدم الانضباط المدرسي والذي شرحه ديوي وقدم له حلول، وللأسف الى الوقت الحالي ما زالت هذه المشكلة قائمة، وتعود إلى أسباب كثيرة ومن أهمها أساليب التعليم التقليدية التي تفصل العقل عن الجسد في العملية التعليمية والتربوية، وهما يشكلان معا مصدر مهم من مصادر اكتساب المعلومة، فالفصل بينهما ينجم عنه مشكلات كثيرة، فإن العقل وحده غير قادر على ادراك معنى الشيء دون تفاعل المعرفة مع حركة الجسد لتذويتها في عقل الطالب من خلال حواسه. وعملية إدماج المعرفة والعقل مع الجسد في حيز العمل التعلميّ الذي يتم تحت إشراف معلم خبير يشعل شغف الطالب للعلم ويجعله محبا للمعرفة وللاكتشاف، ويوفر بيئة تفاعلية تعليمية صفية لمساعدة الطلاب (جميع الطلاب بكل المستويات سواء المتوترين من حركة جسدهم أو الطلاب الهادئين والملتزمين بقوانين الحصة، والطلاب الأضعف قدرات في الحفظ والتذكر) في اكتساب المهارات والمعرفة، واعطائهم فرصة للمشاركة والتواجد بشكل فعّال بالحصص المدرسية، مما يؤدي الى تعزيز مكانتهم وانتمائهم للمدرس ، ويشكلون أدوارا إيجابية بالمدرسة وبالمجتمع ايضا، فنحن نحتاج الى جيل مكتسب ومحب للعلم وللمعرفة ويكون هناك خبرات جديدة، يتم من خلالها توفير فرص للأصالة الإبداعية واكتساب سلوكيات ايجابية اتجاه المجتمع وقيم واخلاق مجتمعية فقدناها في وقتنا الحالي.
المرجع: ديوي، جون (1916). الديمقراطية والتربية . ترجمة (عقراوي، منى وميخائيل، زكريا (1946). القاهرة: مطبعة لجنة التاليف والترجمة والنشر
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
سيادة العراق ولبنان في خندق واحد
كريستين حنا نصر
إسرائيل ترفع وتيرة قتل الفلسطينيين
حديث القدس
توفير الحماية العاجلة والفورية لأطفال فلسطين
سري القدوة
حقائق حول انضمام فلسطين للمحكمة الجنائية الدولية وصولاً لمذكرات الاعتقال
د. دلال صائب عريقات
سموتريتش
بهاء رحال
مبادرة حمساوية
حمادة فراعنة
Google تدعم الباحثين بالذكاء الاصطناعي: إضافة جديدة تغيّر قواعد اللعبة
بقلم :صدقي ابوضهير باحث ومستشار بالاعلام والتسويق الرقمي
التعاون بين شركة أقلمة والجامعات الفلسطينية: الجامعة العربية الأمريكية نموذجاً
بقلم: د فائق عويس.. المؤسس والمدير التنفيذي لشركة أقلمة
أهمية البيانات العربية في الذكاء الاصطناعي
بقلم: عبد الرحمن الخطيب - مختص بتقنيات الذكاء الاصطناعي
ويسألونك...؟
ابراهيم ملحم
الحرب على غزة تدخل عامها الثاني وسط توسّع العمليات العسكرية الإسرائيلية في الجبهة الشمالية
منير الغول
ترامب المُقامر بِحُلته السياسية
آمنة مضر النواتي
نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي
حديث القدس
مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً
جواد العناني
سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن
أسعد عبد الرحمن
جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية
مروان أميل طوباسي
الضـم ليس قـدراً !!
نبهان خريشة
دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة
معروف الرفاعي
الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا
حديث القدس
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أحمد لطفي شاهين
الأكثر تعليقاً
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
الأردن: حكم بسجن عماد العدوان 10 سنوات بتهمة "تهريب أسلحة إلى الضفة"
"الجنائية" تتحرك أخيراً ضد الجُناة.. قِيَم العدالة في "ميزان العدالة"
اللواء محمد الدعاجنة قائداً للحرس الرئاسي
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
زعيمة حركة استيطانية تدخل غزة بدون علم الجيش لإعادة الاستيطان
الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا
الأكثر قراءة
نتنياهو و"الليكود" يتربصان بغالانت لفصله من الحزب وإجباره على التقاعد
لائحة اتهام إسرائيلية ضد 3 فلسطينيين بزعم التخطيط لاغتيال بن غفير ونجله
ماذا يترتب على إصدار "الجنائية الدولية" مذكرتي اعتقال ضد نتنياهو وغالانت؟
نتنياهو يقمع معارضيه.. "إمبراطورية اليمين" تتحكم بمستقبل إسرائيل
الكونغرس يقر قانون يفرض قيودا صارمة على المنظمات غير الربحية المؤيدة للفلسطينيين
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أسعار العملات
السّبت 23 نوفمبر 2024 10:34 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.7
شراء 3.69
دينار / شيكل
بيع 5.24
شراء 5.22
يورو / شيكل
بيع 3.85
شراء 3.83
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%53
%47
(مجموع المصوتين 93)
شارك برأيك
الانضباط المدرسي "التعلّم هو إشعالُ لهب وليس ملء وعاء" سقراط