فلسطين
الأحد 16 أبريل 2023 4:51 صباحًا - بتوقيت القدس
تكية سيدنا إبراهيم إحدى منارات الخليل ورمز للتكافل
الخليل - "القدس" دوت كوم - محمد أبو خضير
لعبت التكايا والزوايا دوراً مهماً في المجتمع المسلم، وكانت تمثل إحدى الركائز الهامة لتربية النشئ المسلم دينيا واجتماعيا، وكان لأهل التكايا على طول التاريخ الإسلامي قواعد، وكان للتكايا دورها في الحفاظ على فريضتي الصلاة والجهاد في صدر الإسلام، وقد كرست الزوايا والتكايا لصالح المتفرغين للعلم وحفظة كتاب الله، وقد استشهد الكثير من مشايخ هذه الزوايا أثناء مقاومتهم للغزو المغولى والتتاري والصليبي، وكان للصوفية تشكيلاتهم ودورهم داخل الجيش العثماني نفسه، حيث أصبحت التكايا والزوايا من ضمن معظم المساجد التي تم تشييدها، فكانوا يسكنون تكاياهم وزواياهم حيثما يحل الجيش.
و يُرجِعُ البعض أصل كلمة "تِكِيّة" إلى "الاتكاء" وهو المعنى ذاته في اللغة التركية، التي تعني "الجِلْد"، الذي كان يستخدمه المتصوفون في التكايا، ويجعلونه شعاراً لهم رمزاً للزهد والتَّقشُّف، أمَّا فكرة التكايا نفسها فقد ظهرت عند المماليك في مصر والشام انتشرت التكايا باسم "الخانقاه" التي كان يؤسسها السلاطين والأمراء لرعاية طلاب العلم والمنقطعين للعبادة، وتوفِّر لهم سُبُلَ العيش داخلها من غذاءٍ ومبيت وغيرها.
وتميَّزت التكايا في العهد العثماني عن الخانقاوات المملوكيّة، بدورها البارز في تسيير أمور الطلاب والفقراء وأبناء السبيل كنوع من التكافل الاجتماعي الذي أمر به الإسلام وحض عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث ترك الإسلام بصمته الواضحة على الحياة الاجتماعية والمعمارية في كامل أنحاء العالم الاسلامي.
وتعتبر تكية "أبونا إبراهيم" أو "التكية الابراهيمية" من أقدم التكايا في فلسطين وحسب المؤرخين يعود عمر التكية الى العام ١٢٧٩، حين أنشأها السلطان قالون الصالحي في زمن صلاح الدين الأيوبي. ويقول أهالي الخليل إن تاريخ التكية (الزاوية) يعود إلى عهد النبي إبراهيم عليه السلام.
وقال مدير تكية "سيدنا إبراهيم" في الخليل حازم مجاهد لـ "القدس" دوت كوم:" التكية تعتبر منارة من منارات الخليل وفلسطين ومظهراً حضارياً ورمزا للتكافل الاجتماعي في الخليل وكرم أهلها، وتذكر بجود أبي الأنبياء ابراهيم عليه السلام الذي يقع قبره في المسجد الإبراهيمي على بعد أمتار قليلة من التكية التي ارتبط اسمها به على مدى العصور، ووصف بأنه "أبو الضيفان"، فكان عليه السلام لا يأكل إلا مع ضيف، كما كان يقدم الطعام لعابري السبيل ووصف بالكرم والجود.
وأضاف مجاهد:" التكية تحولت كبيت للفقراء وعابري السبيل والغرباء واتخذت مقر لها في عام 1279 حيث وضع الناصر صلاح الدين الأيوبي حجر الأساس للتكية الإبراهيمية في المكان ذاته، منذ عهد سيدنا إبراهيم حتى اليوم، فيما أوقف لها الأموال والعقارات، لمدها بالمال والمؤن للحفاظ على ديمومة عطاءها وعملها إذ كانت قديماً تقدم الحساء للوافدين إلى المدينة، وأهلها، وتوزع على ثلاثة أوقات، أول النهار وبعد الظهر وبعد العصر، فيما يدق الطبل عند التوزيع في المرة الثالثة يومياً".
وأوضح مجاهد أن العمل في التكية على مدار العام، ولا يوجد يوم عطلة، ويعمل فيها عشرة موظفين يتبعون وزارة الأوقاف الإسلامية يتفانون في الطبخ وتقديم الوجبات اليومية لكل من قصد التكية، يباشرون عملهم منذ ساعات الفجر الاولى حيث تبدأ عمليه الطهي عند الساعة الرابعة فجرا وذلك ليتم تجهيز الوجبات وتوزيعها في وقت مبكر قبل اشتداد حرارة الصيف ووطئتها على القادمين للاستفادة من التكية ، وهي وجبات الخضار واللحوم يومي الإثنين والخميس من كل أسبوع، وفي بقية الأيام تقدم حساء سيدنا إبراهيم للعائلات.
وتابع يقول:" أن عدد المستفيدين من التكية طوال شهر رمضان المبارك نحو ٤٠٠٠ مواطن وفي الأيام العادية نحو 2000، من سكان البلدة القديمة ومن المحافظة ومن الزوار من كافة ارجاء العالم يأتون لتناول الطعام في التكية".
وأكد مجاهد أن التكية لا علاقة بأموال الزكاة، وقال إنها جزء من التبرعات التي يقوم بها رجالات الخليل وعائلاتها، وأن غالبية الذين يستفيدون ويعتمدون على التكية هم الفقراء والمحتاجون وفي العادة يزداد عددهم في شهر رمضان، ونظراً لخصوصيته وازدياد احتياجات العائلات، خصوصاً المعوزة منهم، فنضاعف كميات وجبات الطعام المكونة من اللحوم والدواجن والخضار والخبز، إلى جانب حساء "الجريشة" والخبز.
وبين أن التكية تعد يومياً 4 آلاف وجبة كاملة في شهر رمضان المبارك توزع جميعها ويبقى العمل مستمراًً طالما هناك محتاجون، وقدر مجاهد تكلفتها اليومية بانها تتراوح بين 11 إلى 15 الف دينار يومياً، وفي الأيام العادية عدا رمضان التكلفة والعدد ينخفض إلى النصف.
وأوضح أن هذه المبالغ والاحتياجات الخاصة بالتكية يتكفل بها متبرعون ومحسنون، ومن يزور التكية من العالم الإسلامي، ومن رجالات وعائلات الخليل، وهناك أشخاص ومواطنون من الخليل يأخذون أياما من شهر رمضان، فيأتي مثلاً أبو احمد فيقول تكاليف التكية يوم الخميس انا أقوم بتسديدها بالكامل من 10 إلى 15 ألف دينار، ويحضر اللحم والأرز وكافة الاحتياجات للتكية لذلك اليوم، مشيراً إلى أن الأوقاف الإسلامية مسؤولة عنها ادارياً وعن الرواتب والنفقات التشغيلية.
ويشير مدير التكية الإبراهيمية إلى أن العائلات المستفيدة من وجبات الطعام الساخنة خلال شهر رمضان الجاري يزداد عددها، مقارنة بشهور العام الأخرى، نظراً لشدة العوز الذي يعصف بسكان البلدة القديمة، وسائر الأحياء.
ويضيف مجاهد: "غالبية العائلات الفقيرة التي تسكن البلدة القديمة وبجوار المسجد الإبراهيمي تتناول طعامها طوال شهر رمضان من التكية، وكذلك في غير رمضان، فهي بالنسبة لهم ملاذ ومصدر لا يستغنون عنه، ويوم توزيع لحمة الضأن نشعر بالسعادة والسرور ونرى الابتسامة على وجوه الأطفال الذين لا يأكلون اللحم طوال العام إلا في رمضان ومن التكية فقط".
ولفت مجاهد إلى الطعم المميز لطبيخ التكية في الخليل وخاصة الشوربه، وقال ان النكهة مختلفة عن أي شوربه أو طعام والله يبارك فيه ويعطيه من بركة المكان وصاحب المكان أبو الأنبياء سيدنا إبراهيم عليه السلام.
وتعني كلمة "تكية"، وهي من أصل تركي، مطعم مجاني.
ويقول محمد أبو صالح، الذي عمل مدرسا بالمسجد الإبراهيمي الشريف، ومؤلف كتاب "الخليل..عربية إسلامية" إن الدولة الإسلامية في مختلف العصور اهتمت بالتكية، كما اعتنى الأيوبيون بها، وزادوا في خيراتها والاهتمام بها.
ويضيف أبو صالح أن التكية الإبراهيمية كان يوضع بها الحساء للوافدين على المدينة ولأهلها، وفي العهد الفاطمي، "إن الأموال والمخصصات السنوية اللازمة رصدت لاستمرار عمل التكية، فوقف الملوك والسلاطين وقادة جيش القرى والعقارات الكثيرة على المسجد الإبراهيمي الشريف والتكية الإبراهيمية"، مضيفا أن هذا تمويل الوقف يصل من مصادره المتعددة من مصر والشام وشرق الأردن ومن جميع أنحاء فلسطين.
ويشير أبو صالح إلى أن التكية الإبراهيمية ذكرها الرحالة والسياح، الذين زاروا الخليل منذ أقدم العصور، ومنهم ابن الفضل العمري، الذي زار الخليل سنة 745هـ، وابن بطوطة الذي زارها سنة 725 هـ، وكان مما قاله ابن بطوطة عن التكية: "وكان سماط الخليل يعمل فيه يوم الجمعة الأرز المفلفل، وحب الرمان، والعدس في كل يوم، وفي الأعياد تعمل الأطعمة الفاخرة".
ولقيت التكية اهتماماً كبيراً من قبل الدولة الإسلامية بمختلف حقبها التاريخية، بداية من الفتح الإسلامي الثاني على يد صلاح الدين الأيوبي، إذ عمد السلطان إلى تكليف 10 عائلات في مدينة الخليل لخدمة الحرم الإبراهيمي الشريف، وأمر بصرف الشعير لخيول تلك العائلات ليبقوا في رباط دائم إلى يوم القيامة، كما أقام وقف التكية الإبراهيمية التي كانت تطعم الوافدين إليها، وتتكون وجبة الطعام من خبز السماط والحساء، إذ كانت التكية تستهلك من الخبز يوميا 14 ألف رغيف، وأحيانا يصل العدد إلى 15 ألف رغيف. وتابعت التكية عملها في تقديم الطعام للوافدين على المدينة في حربي 1948 و1967، إذ احتضنت آلاف الفلسطينيين المهجرين بفعل احتلال أراضيهم.
ويوضح أبو صالح أن التكية في زمن النكبة كانت تعمد إلى طبخ ما يزيد عن 24 قدراً من الطعام يوميا لإطعام المشردين الفلسطينيين، الذين وجدوا في الخليل مكاناً آمناً.
وذكر إن قرابة خمسة قدور، سعة كل واحد حوالي 200 كغم من الخضار واللحوم، تطبخ يوميا وتوزع على الرواد من فقراء ومساكين، ويتم يوميا طبخ أكثر من مائتي كغم من القمح، الذي يتم سلقه ويطبخ بطريقة خاصة، وهناك مئات العائلات التي تستفيد منها يومياً.
وكان من مرافق التكية مطبخا كبيرا للدشيشة (شوربة القمح)، إضافة الى عدد من المطاحن التي تطحن القمح، وكذلك عدد من الأفران التي تقوم بصنع خبز السماط الذي يقدم للضيوف والسكان المحيطين بها، حيث كانت هذه الأفران تنتج يوما في العصر الأيوبي نحو خمسة عشر ألف رغيف توزع مجانا. وفي العهد الفاطمي تم وقف الكثير من العقارات والمزارع والأفران والطواحين لصالح التكية، وقد حفظت وثائق وقفيات التكية في صندوق كان يخبأ في مقام سيدنا يوسف عليه السلام داخل المسجد الإبراهيمي.
دلالات
الأكثر تعليقاً
أي شرق نريد؟
"الجنائية" تتحرك أخيراً ضد الجُناة.. قِيَم العدالة في "ميزان العدالة"
ترامب يعين العنصري ضد العرب والمسلمين سيباستان غوركا مسؤولا عن مكافحة الإرهاب
ترمب يرشح طبيبة من أصل عربي لمنصب جراح عام الولايات المتحدة
زعيمة حركة استيطانية تدخل غزة بدون علم الجيش لإعادة الاستيطان
اللواء محمد الدعاجنة قائداً للحرس الرئاسي
الإمارات تكشف هوية المشتبه بهم بقتل الحاخام كوغان
الأكثر قراءة
الفيتو في مجلس الأمن.. أمريكا حارسة مرمى شباكه ممزقة!
الفيتو في مجلس الأمن... أمريكا حارسة مرمى شباكه ممزقة!
زعيمة حركة استيطانية تدخل غزة بدون علم الجيش لإعادة الاستيطان
ترامب المُقامر بِحُلته السياسية
نتنياهو و"الليكود" يتربصان بغالانت لفصله من الحزب وإجباره على التقاعد
أي شرق نريد؟
ترامب يعين العنصري ضد العرب والمسلمين سيباستان غوركا مسؤولا عن مكافحة الإرهاب
أسعار العملات
السّبت 23 نوفمبر 2024 10:34 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.7
شراء 3.69
دينار / شيكل
بيع 5.24
شراء 5.22
يورو / شيكل
بيع 3.85
شراء 3.83
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%53
%47
(مجموع المصوتين 109)
شارك برأيك
تكية سيدنا إبراهيم إحدى منارات الخليل ورمز للتكافل